[ هذه المساهمة ضمن ملف خاص حول رسامي كاركاتير عرب في زمن ما بعد موجة الثورات الأخيرة .انقر/ي هنا للاطلاع على جميع مواد الملف، الذي أعده لـ”جدلية“ أوس داوود يعقوب.]
لم يكن التونسي محمد البوعزيزي يعلم يوم أضرم النار بنفسه في ديسمبر (كانون الأول) 2010، أن النار ستحرق "الطغيان" ببلده، وأن الحرائق ستشتعل في أكثر من بلد عربي في آنٍ واحد، معلنة مواجهة مفتوحة مع الأنظمة المستبدة التي حاولت على مدار العقود الماضية غسل دماغ شعوبها بوجود حاكم واحد لا غيره يحكم الدولة إلى الأبد، وفي حال عدم وجوده ستدمر الدولة ويعم الخراب.
ومع نزول الناس إلى الشوارع والميادين في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والعراق والبحرين وعُمان وغيرها من الأقطار العربية تفنّنت الأنظمة في الانتقام من معارضيها، معلنة عدائية واضحة لقادة الرأي من مثقفين وأدباء وشعراء وفنانين وتشكييلين ورسامي كاريكاتير..
وعلى مدار السنوات الخمس الماضية خرج من رحم ثورات الربيع العربي أعمال أدبية وفنية أنجزها وقدمها مدافعون عن الإنسانية والحرية والعدالة، مدافعون مبدعون علت أصواتهم فوق أصوات البغي والتبجح في بلدانهم، دون مهادنة أي سلطة سياسية كانت أم عسكرية – أمنية، ولقد كان في مقدمة هؤلاء عدد كبير من رسامي الكاريكاتير الذين واجهوا الرصاص والقذائف برسوماتهم الكاريكاتيرية الإبداعية.
وفي حالة فريدة من نوعها عربياً كشف النظام السوري منذ الأيام الأولى للثورة السورية، عن عداء صارخ لرسامي الكاريكاتير، تجلى مؤخراً أكثر من أي وقت مضى بالإعلان عن مقتل رسام الكاريكاتير السوري أكرم رسلان، تحت التعذيب في سجون النظام، كما اعتُقل عدد منهم وهرب العشرات خارج البلاد بعد الاعتداء الصارخ الذي تعرض له رسام الكاريكاتير الشهير علي فرزات في أحد شوارع دمشق في أغسطس (آب) 2011.
وبناءً على كل ما تقدم، يحق لنا التساؤل بعد خمس سنوات ونيف من ثورات الربيع العربي عن دور الكاريكاتير في النهوض والمواجهة المفتوحة مع الطغيان الوطني، وأي دور لرسامي الكاريكاتير في ثورات الشعوب ضد الظلم والاستبداد بكل أنواعه؟ وإلى أي مدى يمكن أن يكون العمل الفني وثيقة بصرية وسلاح احتجاج في وجه العنف؟ وهل استطاع هذا الفن أن يكون بحجم الحدث الدامي؟ وإلى أي مدى استطاع الكاريكاتير "تثوير" أو لنقل المساهمة في تحريك الشارع العربي؟ وما هو حجم التضحيات التي قدمها رسامو الكاريكاتير في السنوات الخمس الماضية.
أسئلة كثيرة نوجهها لمجموعة من أبرز رسامي الكاريكاتير في الوطن العربي، من الذين حولوا الأحداث الدامية برسوماتهم النقدية الساخرة إلى إبداع، وأعادوا للكاريكاتير راهنيته ومهارته في اختصار اللحظة وقراءة الواقع لا بل والتنبؤ له، عبر رسومات كانت أشد بلاغة وتأثيراً من كثير مما يكتب اليوم.. فكانت هذه الشهادات القلمية..