[هذه المساهمة ضمن ملف خاص حول رسامي كاركاتير عرب في زمن ما بعد موجة الثورات الأخيرة .انقر/ي هنا للاطلاع على جميع مواد الملف، الذي أعده لـ”جدلية“ أوس داوود يعقوب.]
الكاريكاتير (بشكل عام) محرك! أحياناً بالمعنى اللطيف يحرك مقلة العين فتدمع، أو يحرك فمك فتبتسم، يدخل إلى أعماقك، قلبك بالتحديد، يتحرك فيه شيء ما، وأحياناً أخرى يكون الكاريكاتير محرك بمعنى أخشن، أي يحرك أعضاءك جميعها ويستجيب كيانك بأكمله للرسمة، فيخرج الإنسان للشارع كما في حالة الربيع العربي، هذا لو أردنا تطبيق مثال حي على التوصيف السابق.
وأعتقد بأن كل فنان يحرك المتلقي بطريقة خاصة، أحياناً بالضحك المفرط على الأوضاع، أو بكم من الحزن الشديد، أو التفنن حتى في أسلوب العمل نفسه، وبكم التفاصيل المرسومة، وفي أوقات أخرى ببساطتها الشديدة ظاهرياً وعمقها في الباطن.
شخصياً، وبشكل عام، أميل إلى الرسومات المؤلمة، المليئة بالتفاصيل من حيث السطح والمضمون، والأفكار التي تطرح تساؤلاً بدل أن تقدم جواباً، وإن كانت أحياناً بعض الأعمال تبدو كأنها مجرد عرض لأفكار في قالب معين، إلا أنها مادامت قد عرضت في وسائل التواصل ومكان يسمح فيه النقاش والمعارضة فهي حتماً للتفكر، وليست فرضاً على الجمهور.
هذا الأسلوب المحرك في العمل يغيظ أي طرف ظالم أو فاسد؛ لأنه يتمنى دائماً أن يكون المحيط به نائماً، غير واعٍ، سلبياً، ومخدراً!
وأما إلى أي مدى يمكن أن يكون العمل الفني وثيقة بصرية وسلاح احتجاج في وجه العنف العبثي. فأقول: إلى مدى بعيد ومؤثر ودائم! وهذا التأثير أحياناً لايمكن أن يتوقعه حتى الفنان نفسه.
شخصيًا أمارس الرسم بشكل يومي تقريباً، وخلال مرحلة العرض أو النشر، يحدث ما هو غير متوقع في كثير من الأحيان لأن الكاريكاتير لغة ترغب بها شريحة واسعة من الناس، هذه الشريحة تأتي من بيئات وحضارات مختلفة تحمل كل منها تفسيراً مختلفاً..!.
أحيانًا تكون الرسمة بحجم الحدث، أحياناً أقل منه (وهذا يشعرني بالذنب تجاه المعنيين بالحدث) .. وأحيانًا هي من تشكل الحدث نفسه، مثلًا بأن يرسم الفنان ما لم يحدث بعد، لكنه يكون على قدر من المهارة تؤهله حتى في "تنبؤ" الأحداث وليس التعليق عليها فقط. وفي كل أسلوب مما ذكرته سابقاً (سواء التعبير أو التوصيف أو التنبؤ)، جمالية خاصة!.
أما عن قدرة الكاريكاتير على "تثوير" الميادين وتحريك الشارع العربي، فهذا حاصل طبعاً، بدليل أنهم ملاحقون، مراقبون، تكسر أصابعهم، وأحيانًا يقتلون بسبب هذه القدرة الخارقة. والتضحيات التي قدمها رسامو الكاريكاتير في السنوات الخمس الماضية كبيرة جداً، إنها أكبر من أن يتخيلها حتى الجمهور نفسه!.
والتضحية تأتي على قدر حجم الفكرة ومدى تمسك الرسام بها، وأكبر تلك التضحيات هي أن يدفع الفنان حياته ثمن هذا العمل، ومثال على هذا الفلسطيني ناجي العلي، والسوري أكرم رسلان مؤخراً.
***
سارة عبدالعزيز محمد قائد رسامة كاريكاتير بحرينية من مواليد المنامة 1990، بكالوريوس تصميم داخلي - كلية الفنون والعلوم واللغات، مارست رسم الكاريكاتير السياسي منذ 2010 في صحيفة "النبأ" البحرينية الأسبوعية. وقد برعت في التصميم ورسم قصص أطفال، وتميزت محليًا في رسوم الكاريكاتير، وكان لها مشاركات عديدة في فعاليات محلية وعربية وعالمية.
وتفضل سارة قائد الرسم الصامت على إضافة الكلمات لتمنح المتلقي فرصة الجموح بالخيال، والتفسير لا التلقين. وهي تخطط لأن تصبح «"الأولى خليجيًا" وتطمح إلى أن تصل رسوماتها إلى العالم متخطية حاجز اللغة لاسيما وأنها اتخذت من الرسم أداة لترجمة وعيها السياسي بقضايا أمتها.