[ هذه المساهمة ضمن ملف خاص حول رسامي كاركاتير عرب في زمن ما بعد موجة الثورات الأخيرة. انقر/ي هنا للاطلاع على جميع مواد الملف، الذي أعده لـ”جدلية“ أوس داوود يعقوب.]
دور الكاريكاتير هام جداً فهو الفن الذي حضر بقوة في ساحات الربيع العربي مع انطلاقته، وهو تجسيد حي للثورة على الواقع الفاسد الراكد بالسخرية الهادفة التي تبنتها الشعوب العربية في كل مساحات التعبير الجديدة ومنصات التواصل الاجتماعي، وأبعد من ذلك، فإن الشعوب العربية رسمت كاريكاتورها دون انتظار الرسامين أحياناً بكل عفوية وسخرية وصراحة، و"الفيسبوك" وإبداعاته الكاريكاتيرية الفطرية لأسماء مجهولة أكبر دليل، ومازال هناك الكثير لننتظره من فن الشارع العربي: الكاريكاتير.
أما عن دور رسامي الكاريكاتير العرب، فأرى أنه تراجع للأسف، على عكس المأمول منا في ظروف تاريخية كهذه. رسام الربيع العربي الأول والذي حملت الجماهير رسوماته في مظاهرات الربيع ليس عربيًا! إنه الفنان البرازيلي "كارلوس لطوف" كان الأكثر حضورا وإنخراطاً في حراكات الربيع العربي من أي رسام عربي، كما أن الانقسامات السياسية الحادة وما سببتها من شروخات أخرى في الإعلام الرسمي وغير الرسمي انعكست بشكل مقيت ومخز في المشهد الكاريكاتوري العربي فهناك شبيحة يرسمون الكاريكاتير للأسف، وهناك من يمجد الدكتاتوريات ويلعن الثورات وشعوبها!، وهناك قسم كبير من رسامين بلا طعم ولا لون ولا رائحة وإذا الريح مالت مالوا، لا موقف محدداً لهم ويزيفون الوعي ويرسمون عن أزمة المواصلات بينما شعوبهم تداس تحت الدبابات! الوضع ليس بديعاً للأسف! ولكن كل هذا لا يلغي وجود قلة قليلة من المبدعين الساخرين الذين يناضلون برسوماتهم الساخرة ويحاربون الطغاة وكل مظاهر القبح والشر والبشاعة من وسط شعوبهم وبكل جرأة، لكن للأسف أصواتهم مبعثرة وغير مسموعين أو منظورين بشكل كاف وسط ازدحام المشهد.
إن الرسم الكاريكاتوري المبدع وثيقة إدانة حقيقية لكل الطغاة المتجهمين، وريشة الرسام سلاح خطير يدمر هيبة النياشين الصدئة بجرة قلم. أتذكر رسومات الفنان السوري الشهيد أكرم رسلان، وأقول: إن رسوماته ستبقى وتخلد أكثر من قاتليه وسجانيه الذين سينساهم الناس ولن يذكروهم إلا كقتلة للإبداع والفن.
إنّ تفاعل الفن مع الواقع الموضوعي يفرز إبداعاً، وأعتقد عموماً أن الكاريكاتير تفاعل مع المشهد السياسي العربي المتحرك وأفرز إبداعات كثيرة.
أما مسألة تقييمها وهل كانت بحجم الحدث أم لا؟ فهذه مسألة أخرى، وكما ذكرت في البداية، أنا أعتقد بأننا كرسامين وكحراكات فنية ساخرة لم نكن بمستوى الحدث، وربما كان لفن الكاريكاتير دور تحريضي مساند في ثورات الربيع في بعض الحالات لكن عموماً ثورات الربيع أفرزت حالات فنية جديدة طوت المشهد السابق بأكمله، وظهرت أسماء شابة جديدة، وانقرضت أسماء تقليدية، كما ظهرت صنوف أخرى منافسة للرسم الساخر وخاصة في الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، والرسومات المتحركة والأداء الساخر ظاهرة (الميمز)، أو الرسومات المعدة من قبل الناس العاديين بمصاحبة النكت وهي أكثر انتشاراً من الرسومات الساخرة أحيانًا، كل هذه الأشياء تشكل تحدياً أمام رسام الكاريكاتير العربي الذي يريد تأكيد دوره وحضوره.
وأما ما قدمه رسامو الكاريكاتير العرب في السنوات الخمس الماضية من تضحيات، فأقول: إن التضحيات كانت مهولة لكنها مجهولة وعرف منها واشتهر ما ألم بالمبدع علي فرزات من ضرب وتكسير للأصابع من قبل الشبيحة، واعتقال التشكيلي السوري يوسف عبدلكي، ومن ثم استشهاد الرسام أكرم رسلان تحت التعذيب، وهناك أيضاً العشرات من حالات العنف المذهبي والتحريض ضد الساخرين، والاعتقال والفصل من العمل والمنع من النشر على العديد من رسامي الكاريكاتير العرب، ونأمل أن يتغير هذا الوضع وأن ينتهي عصر قمع الساخرين واضطهادهم بأقرب وقت.
***
عماد حجاج رسام كاريكاتير أردني من أصول فلسطينية، مواليد رام الله 1967. حصل في عام 1974م على أول شهادة تقدير للرسم عن مسابقة مدرسية حول موضوع إحراق المسجد الأقصى. وفي عام 1986 التحق بجامعة اليرموك لدراسة الفيزياء، ثم تحول عام 1988 لدراسة الفنون الجميلة ليحصل في عام 1991 على شهادة البكالوريس في الفنون الجميلة "فن الجرافيك" مع تخصص فرعي في الصحافة والإعلام. ومنذ عام 1989 عمل كرسام كاريكاتير سياسي في جريدة «آخر خبر» الأسبوعية.
وقد عُرف بشخصيته الكارتونية الأردنية الساخرة (أبو محجوب)، وقدم إبداعات كثيرة في الكاريكاتير السياسي الساخر وأفلام الرسوم المتحركة وكتابة النص الحواري الساخر. وله العديد من المطبوعات في مجال الكاريكاتير منها: كتاب"عماد حجاج ... عالم ذهني"، (ألبوم كاريكاتير)، صدر عام 1997. وكتاب "المحجوب"، صدر في العام 2000". وكتاب "نفط على قماش"، (ألبوم كاريكاتير سياسي)، صدر عام 2003. وقد نال العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية، كان أبرزها جائزة مهرجان "مونبيلييه" الفرنسي لفن الكاريكاتير في العام 2012.