[ هذه المساهمة ضمن ملف خاص حول رسامي كاركاتير عرب في زمن ما بعد موجة الثورات الأخيرة. انقر/ي هنا للاطلاع على جميع مواد الملف، الذي أعده لـ”جدلية“ أوس داوود يعقوب.]
على الكاريكاتير أن يكون أكثر إضحاكًا اليوم. وأن يُظهر ويُبرز التناقض فيما يحدث حولنا بسخرية بهدف الإضحاك. الإضحاك ليس بهدف التسلية بالطبع وإنما بهدف تحريك المشاعر والتحفيز على الفعل. أن يكون عندك قدرة على إيصال المتلقي لأن يضحك مما يحدث حتى ولو كان مأساة يعني أنك وصلت لهدفك بأن تحرض على الفعل بهدف التغيير، للأفضل طبعاً.
نحن نعيش اليوم في عالم الصورة. لم يمر على حياة البشر زمن مليء بالصور كما في زماننا. الصورة تصل أسرع من الكلام. إذا أردنا لكلمة ما أن تصل فعلينا رسمها كصورة كي تصل أسرع. من هنا تأتي أهمية دور الفنان المصور أو الرسام في هذا الوقت. الصورة الفوتوغراف تنقل لنا الواقع كما تراه أعيننا. الفنان والرسام هو من يستطيع إعطاء الصورة بُعد ثالث لتتحول في مخيلتنا إلى حجم ملموس.
ولطالما ارتبطت كلمة فن في لاشعورنا بالجمال. قدرة الفنان على تحويل الأشياء إلى قيم جمالية محسوسة هي القيمة المرجوة.
"غويا" ترك لنا وثائق فنية بصرية. "الغورنيكا" وثيقة فنية بصرية. الكاريكاتير بشكله البدائي حين نرسم وجهاً مبالغاً في ملامحه هو قيمة جمالية تهدف إلى التأكيد على ماهو موجود بطريقة مبالغ فيها تدعو إلى الإضحاك بهدف لفت النظر. أنا أشعر أن الكاريكاتير هو كالميزان بكفتين. عندما تتوازن الكفتان يفقد الكاريكاتير قيمته.
في الكاريكاتير يجب أن تكون إحدى الكفتين في الأعلى والأخرى في الأسفل. فالظالم غير المظلوم والحاكم غير المحكوم والنظام غير المعارضة... . أحلى الكاريكاتير هو من أوصل هذه الرسالة، وهم كُثر.
وجواباً على سؤالكم هل كان لرسامي الكاريكاتير القدرة على "تثوير" أو لنقل المساهمة في تحريك الشارع العربي؟. أقول: نعم بالتأكيد. ولكنني أجد أن دور المرأة شبه معدوم وهذا بحد ذاته بحاجة إلى ثورة. نحن نعيش للأسف في مجتمعات ذكورية يُغيّب فيها دور المرأة حتى من قِبل المثقفين ومن قِبل المرأة نفسها أحياناً. كل شيء سيكون ناقصاً بغياب المرأة. لا يكتمل دور الكاريكاتير من دون تفعيل دور المرأة كرسامة كاريكاتير أيضاً طالما أننا نحكي عن الكاريكاتير الآن. ندرة وجود رسامات كاريكاتير في الجرائد العربية هو إحدى الإشارات لما يعاني منه مجتمعنا الشرقي من مشاكل بحاجة إلى حلول.
وأما عن حجم التضحيات التي قدمها رسامو الكاريكاتير في السنوات الخمس الماضية فإني أرى أنهم قدموا تضحيات كبيرة خاصة في ظلّ الأنظمة العربية التي لا تقبل النقد. وبعض الرسامين ضحوا بما يؤمنون به ورسموا ما يريده منهم الحاكم، - الحاكم قد يكون رئيس دولة أو رئيس تحرير جريدة -، فخسروا بذلك مصداقيتهم. التاريخ يسجل بالطبع. يسجل ذلك على راسمه وناشره وقارئه ومن آمن به ... فماذا يعني لك أنت كقارئ أن تجد رساماً أو رسامة تمدح ديكتاتوراً في يومٍ وترسمهُ كشمسٍ مضيئةٍ ثم تجدها تعمل في جريدة تُحسب على من ساهم في إسقاط ذلك الدكتاتور. أين المصداقية عند ذلك الرسام أو الرسامة وعند الناشر وعند المتلقي!؟ كلنا مسؤول وصمتنا عن ذلك هو من يقتلنا. المشكلة دائماً بحاجة إلى علاج من الجذور وليس من الظواهر.
نحن مازلنا نقبل الى حدّ ما أن يُقتل شخص يحمل سلاحاً ويُقاتل. ولكن أن يُقتل شخص يحمل قلمًا ويرسم، فهذا قمة الظلم ويخالف أكثر التشريعات بدائية كـ"العين بالعين والسن بالسن..”.
***
سحر برهان فنانة تشكيلية ورسامة كاريكاتير من مواليد سوريا 1967، تحمل الجنسية السويدية وتعيش هناك منذ أكثر من عشر سنوات، وقبل ذلك عاشت في لبنان لمدة 13 عامًا، وهناك عملت في أكثر من صحيفة ومجلة لبنانية وعربية كان آخرها جريدة "الأخبار" اللبنانية، التي كنت من ضمن فريق العمل فترة تأسيسها. وقد عملت فيها لمدة سنة كرسامة كاريكاتور ومسؤولة عن قسم الرسم والكاريكاتور. وهي خريجة قسم التصوير الزيتي بكلية الفنون الجميلة جامعة دمشق، متزوجة من رسام الكاريكاتور سعد حاجو. ومعروفة بأسلوب رسم يميّز أعمالها الكاريكاتورية، من الناحية التقنية كما من ناحية الموضوع وأسلوب طرحه كاريكاتوريًا، عدا عن جرأته. وتصف وسائل الإعلام السويدية "برهان" بـ(فنانة الألوان القوية)، وإضافة لعملها في الكاريكاتور، تعمل سحر ضمن شركة أسستها في السويد تُعنى بالفن والثقافة.