[هذه المساهمة ضمن ملف خاص حول رسامي كاركاتير عرب في زمن ما بعد موجة الثورات الأخيرة .انقر/ي هنا للاطلاع على جميع مواد الملف، الذي أعده لـ”جدلية“ أوس داوود يعقوب.]
خلال الخمس سنوات الأخيرة زاد وضوح وتعاظم دور فن الكاريكاتير في التأثير في قضايا الشعوب ومطالبها، وقد كان البعض يعتقد أن هذا الفن محصور في الإضحاك والترفيه عن النفس فقط، إلا أن ما شهده العالم العربي من ثورات الربيع وتفاعل فن الكاريكاتير معها جعل البعض يعيد النظر في هذا الفن المقاوم، والذي بات اليوم يحتل مساحة مهمة على صفحات الجرائد ومواقع الإنترنت لأنه فن يختزل الحدث بقوة في خطوط بسيطة، قد تكون خالية من أي تعليق تأخذ اهتمام القارئ وعقله قبل الافتتاحية أو العمود الصحفي، فالكاريكاتير فن عميق الأثر لاسيما إذا كان فنانه واعياً ومثقفاً ذا هدف وتفكير ناقد، إضافة الى مساحة الحرية المتاحة التي تجعل الرسام يتحرك كلاعب داخل الملعب بحرية ومهارة تساعد على ازدهار هذا الفن الجميل.
رسام الكاريكاتير لا يستطيع أن يغير ولا أن يحرك الجماهير، لكنه يضع يده على الجرح أو يشير إلى مكمن الخطأ، وهو يؤرخ بأعماله لمواقف وأحداث تاريخية، وهو شاهد على المآسي أيضاً. واللوحة الكاريكاتيرية تبقى كوثيقة بصرية من خلال أدوات الرسام البسيطة والمعتمدة على الاختزال وعمق الفكرة، وخير مثال على ذلك الفنان الشهيد ناجي العلي، الذي لازالت أعماله تُذكر بمأساة الشعب الفلسطيني وكفاحه العظيم.
ومن أشهر رسامي الكاريكاتير الذين قدموا تضحيات خلال الربيع العربي وكانت ريشتهم مغموسة في مداد ودم شعوبهم، فنان الكاريكاتير السوري أكرم رسلان، الذي استشهد مؤخرا تحت التعذيب في سجون النظام السوري دون أن يتراجع قيد أنملة عن مواقفه ومبادئه، والفنان علي فرزات الذي تعرض للضرب وتكسير الأصابع التي يرسم بها من طرف شبيحة النظام حيث كانت أعماله تغزو العالم عندما حملها الثوار في مسيراتهم المنادية بالحرية والكرامة، وهو أول رسام كاريكاتير يرسم الرئيس في لوحة ساخرة يكسر بها حاجز الخوف والرهبة التي صنعتها الأجهزة الأمنية والإعلام للطاغية طوال العقود الماضية، وعندما كانت الشعوب تواجه الموت والتنكيل بصدور عارية كان الكاريكاتير حاضراً في مسيرات الثوار في سوريا وفي ميدان التحرير بمصر وفي الشارع التونسي الذي كان يغلي غضباً، وكان رسامو الكاريكاتير حاضرين من خلال رسوماتهم اللاذعة على "الفيسبوك" ومواقع الإنترنت التي كانت ساحة للثورة بعد أن خرج الكاريكاتير من أسر الورق والجريدة الى رحابة الميدان، وقد كانت الرسومات الكاريكاتيرية شعلة متوهجة في أيدي الشعوب التي خرجت كـ"تسونامي" ضد القمع والظلم، ويرجع الفضل أيضاً لمواقع التواصل الاجتماعي أنها زادت من التحام رسامي الكاريكاتير العرب ببعضهم واجتماع ريشتهم على نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية. وقد منح البرلمان الأوروبي "جائزة ساخاروف لحرية الفكر" إلى خمسة من ناشطي الربيع العربي منهم التونسي محمد البوعزيزي والناشط الليبي أحمد الزبيري والناشطة المصرية أسماء محفوظ والمحامية السورية رزان زيتونة ورسام الكاريكاتير السوري علي فرزات اعترافاً بدور الكاريكاتير في مساندته للشارع الذي انتفض للحصول على الحرية والديمقراطية والكرامة.
***
عبدالله درقاوي رسام كاريكاتير مغربي من مواليد 1970 بمدينة بلقصيري، نشر أولى لوحاته بجريدة أنوال اليومية. وأقام عدة معارض فردية داخل وخارج المغرب. وله مشاركة سنوية بمدينة سنت- جست- لومارتيل الفرنسية. وقد حصد العديد من الجوائز الفنية العالمية، منها الجائزة الثانية لمسابقة ناجى العلي للكاريكاتير بلندن 1993. وجائزة إيران الاولى في مسابقة "الهولوكوست" ضد الشعب الفلسطيني في 2006. وله أعمال في مجال ثقافة الطفل من خلال قصص مصورة نشرت بمجلة "العربي الصغير". طور الدرقاوي وأضاف إضافات قيمة ومؤثرة إلى ما أبدعته أنامل رواد المدرسة المغربية في فن الكاركاتير، ورسومه هادفة، ترصد الواقع المجتمعي، وتحفل بالهم القومي، وتتميز بالدقة والتفاصيل الجريئة والمشاغبة، وبالعمق في التعبير .