[ هذه المساهمة ضمن ملف خاص حول رسامي كاركاتير عرب في زمن ما بعد موجة الثورات الأخيرة. انقر/ي هنا للاطلاع على جميع مواد الملف، الذي أعده لـ”جدلية“ أوس داوود يعقوب.]
عند المنعطفات التاريخية تظهر قدرات الشعوب على المجابهة وتتفتح قدرات كامنة كانت غير ظاهرة في الفن والأدب وكافة مجالات الحياة. ثورات الربيع العربي أعادت الحياة الحقيقية للشارع، للناس، لقد انكسر حاجز الخوف لدى الجميع، أما الأنظمة الشمولية فقد قفزت إلى السلاح وبدأت تقتل الجميع خوفاً من فقدان السلطة التي اغتصبتها بالعنف.
ومنذ بداية الربيع العربي انضم رسامو الكاريكاتير إلى الشارع من خلال الرسم على الجدران في تونس ومصر وليبيا وسوريا، وظهر رسامون جدد مدهشون في التقاط تفاصيل الحياة والصراع المعاش يومياً، ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي كـ"الفيسبوك" دوراً كبيراً في إيصال أعمال الفنانين إلى جمهور عريض متعطش بدون أي رقابة مشوهة للإبداع والفكر الإنساني الحر. فأصبحنا نشاهد أساليب كثيرة ومتنوعة للرسم الكاريكاتيري وأصبح الفنانون يتأثرون ببعضهم بسرعه كبيرة مما ساعد على تطور فن الكاريكاتير، وبدأ الناس ينظرون للكاريكاتير كخبر عاجل أو تحليل سياسي ساخر وفاضح للوضع السياسي المعاش والمتسارع بتغيراته اللاواقعية، حيث أن الكاريكاتير هو من أكثر الوسائل الفنيه تكثيفاً من حيث الفكرة والشكل وأسهلها وصولاً وتقبلًا للمشاهد لوجود العنصر الساخر والناقد الذي يعمل على تعرية الصراع الدموي للشعوب ضد الأنظمة العسكرية الفاشية في دول الربيع العربي.
ولا يخلو اليوم موقع إلكتروني أو محطة تلفزيونية أو صحيفة مطبوعة من كاريكاتير أو أكثر، أصبح الكاريكاتير جزءاً أساسياً من مكونات السلطة الرابعة.
بعض الأعمال الكريكاتورية تلخص موقفاً سياسياً كاملاً، وتقوم بعمل مقطع طولي في الحدث السياسي يقدم ويقيم الوضع الحالي والظواهر والأشخاص الفاعلين فيه سلباً أو إيجاباً.
بعض الأعمال الكريكاتورية سبقت الحدث السياسي وحذرت من وقوع كوارث اجتماعية وسياسية كالتي نعيشها الآن، هذا الفهم والقدرة على التنبؤ والتفاعل مع الأحداث جعل من رسامي الكاريكاتير شخصيات مشهورة لها جمهور عريض يتابعها، كلنا نتذكر هنا ناجي العلي وكيف كان ينبئنا كل صباح بأحوال الطقس السياسي بأسلوبه المشاكس والموجع.
لم تقدر الأنظمة العسكرية على تحمل وفهم هذا الفن، وردت بكل وحشية وعداوة فاغتالت ناجي العلي وعذبت أكرم رسلان حتى الموت وهشمت أصابع علي فرزات، كما فعلت إسرائيل حين اعتقلت رسام الكاريكاتير الفلسطيني محمد سباغنة، وتكررت الحوادث في تونس والجزائر ومصر، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أهمية ودور الكاريكاتير في الإسهام بتغير الذهنية الاجتماعية والسياسية في المجتمعات باختلاف شرائحها وقطاعاتها.
***
موفق قات أحد أبرز الفنانين التشكيليين السوريين ورسامي الكاريكاتير على الصعيد العربي، وهو من جيل دمشقي (1955م) من الكتاب والفنانين الذين كانوا يسكنون في منطقة المهاجرين، تخرج من المعهد العالي للسينما بموسكو (قسم الرسوم المتحركة)، في سبعينات القرن الماضي، ويقيم حاليًا في مدينة تورنتو الكندية.
رسم "قات" الوجع السوري بسخرية مريرة، وكان أن شارك منذ آذار/مارس 2011 في المطالب السلميّة للحراك الشعبي، فنشر العديد من الرسوم الكاريكاتيرية الناقدة والتحريضية لكشف المظالم الاجتماعية والسياسية التي يعاني منها المواطن السوري في الداخل أو في مخيمات النزوح والهجرة القسريّة، وهو يعتبر أنّ رسالة الكاريكاتير تلخص جوهر الأحداث عبر تكثيف بصري وفكري، قلما يستطيع القيام به فن آخر.
ويُعد "قات" من رواد فن الكارتون المتحرك "الأنيميشن"، حيث أخرج لصالح مؤسسة السينما في سوريا عدة أفلام كرتونية، وأخرى للتلفزيون، ومجمل أفلامه حازت جوائز محلية وعالمية، كما صمم ونفذ ديكور أكثر من عشرين فيلمًا سينمائيًا طويلًا وقصيرًا، وقد عمل لفترة مشرفًا فنيًا ومنفذًا لمنشورات منظمة "اليونسيف".
وله أكثر من معرض تشكيلي شخصي في عدة عواصم عربية وعالمية، ونال العديد من الجوائز المحلية والدولية، منها الجائزة الأولى للكاريكاتير في سوريا 1986.
وجائزة الكاريكاتور العربي في الدوحة لهذا العام 2012.