[ هذه المساهمة ضمن ملف خاص حول رسامي كاركاتير عرب في زمن ما بعد موجة الثورات الأخيرة. انقر/ي هنا للاطلاع على جميع مواد الملف، الذي أعده لـ”جدلية“ أوس داوود يعقوب.]
إن وضع الحرية في الإعلام العربي والصحف العربية كان محجماً لدور الكاريكاتير في الثورات العربية أو الربيع العربي. ولم يكن متاحاً بشكل فعلي غير "السوشل ميديا" التي بدأت تظهر جدياً مع ظهور موقع "الفيسبوك" في عام 2007. قبل ذلك كان يوجد "سوشل ميديا" ولكن لم تكن بقوة وتأثير "الفيسبوك"، لذلك سنجد أنه يوجد رسامون شاركوا بشكل مؤثر في دول غير دولهم. فعلى سبيل المثال الكاريكاتير في تونس – مهد ثورات الربيع العربي – كان في أزمة حقيقية وكان غير متاح وتقريباً ليس له وجود في الصحافة التونسية. وعليه لا يمكننا القول إن الكاريكاتير في تونس كان مؤثراً أو أنه شارك في حدث معين أو نجّح حدثاً ما. وفي مصر سنجد أن رسام الثورة المصرية هو الرسام البرازيلي "كارلوس لطوف" الذي لا يجيد اللغة العربية، والذي استمد أفكار رسومه من الناشطين السياسيين وثوار الميادين الذين كانوا يراسلونه، واعتبروه من ملهمي الثورة في مصر. واستخدموا رسوماته عن طريق نشرها بمواقع التواصل الاجتماعي أو طباعتها وتبادلها مابين الثوار.
أما في ليبيا فسأتحدث عن تجربة شخصية لي في هذا السياق؛ فعندما بدأت الأحداث هناك كنت قد أصدرت مجلة بمصر اسمها "الثورجية"، وهي تجربة صدر منها ستة أعداد وقد شارك بها حوالى 85ًًً رساما وكاتبا عربيا، ويمكن هذا هو الإصدار الوحيد بالنسبة للكاريكاتير السياسي على المستوى العربي الذي جمع كل هذا العدد من المبدعين العرب. وقد نقل لي عدد من الإعلاميين والصحفيين ممن كانوا يغطون الأحداث في ليبيا أنهم اكتشفوا أن معظم الرسومات التي كنت قد رسمتها عن القذافي في فترات سابقة كان الثوار ينشرونها بعد تكبيرها على الجدران ويتبادلونها، وقد أرسلوا لي صور كثيرة تفيد المعلومة هذه. حدث ذلك دون أن يكون لي أي علاقة بنشرها وتوزيعها في ليبيا. وهذا يعني أن حرية الصحافة وحرية نشر الكاريكاتير وتبادله وتأثيره في المجتمع لم يعد التأثير الفعال للرسام الوطني داخل بلده، لأنه مازالت حرية الرسم وحرية الإبداع للرسام فيها مشكلة.
وجواباً على سؤال هل استطاع هذا الفن أن يكون بحجم الحدث؟ وهل كان لرسامي الكاريكاتير القدرة على "تثوير" أو لنقل المساهمة في تحريك الشارع العربي؟. أقول:
إن مشكلة حرية الابداع، ومشكلة رئيس التحرير الخائف على منصبه وكذلك مدراء التحرير جعلت منهم "رقباء" وكان دوماً "مقص الرقيب" سلاحاً يرفع بوجه رسام الكاريكاتير. وهذا بعكس فترات سابقة كان فيها الحكم أصعب. أتذكر في التاريخ أنّ الراحل صلاح جاهين واجه مشكلتين بجريدة الأهرام فلاقى الدعم والمساندة من رئيس التحرير - آنذاك – الأستاذ محمد حسنين هيكل (رحمه الله)، حيث قام يومها طلبة وشيوخ الأزهر بالهجوم على مبنى الأهرام بسبب كاريكاتير رسمه جاهين عن الشيخ الغزالي، وبذلك دخل بالتابوهات الثلاثة المحرمة في الفن وأهمهم الدين. وبسبب رسمتين لجاهين نُشرتا بالأهرام تم فصل منصب "المدعي العام الاشتراكي" عن منصب "وزير العدل". وفي هذا دلالة على دعم الفن، وما لفن الكاريكاتير من تأثير في المجتمع.
أما اليوم فالصحف نفسها تعاني، والسبب الرئيسي في ذلك أنّ الصحف الورقية باتت بلا قيمة ولا أحد ينظر لها. والصحف بشكل عام لا تستطيع أن تصنع نجماً، وإنما تحجم رسام الكاريكاتير قدر المستطاع. وتحجيم الرسام هنا معناه أنه لن يكون متواصلًا مع جمهوره ومع قراء الصحيفة وبالتالي لن يكون هناك "الرسام النجم" مثل أيام "جاهين" ومصطفى حسين. وهذا يوضح اليوم كم هو الكاريكاتير مؤثر ولذلك تم تحجيم دور الرسام اليوم بشكل عام، ولم يعد أمامه إلا مواقع التواصل الاجتماعي وإلى حد ما النشر بالصحف الإلكترونية التي مازالت في طور البدايات في وطننا العربي.
وتأكيدًا لما سبق، أقول: إنَ فن الكاريكاتير ريشته مكسورة ومكبل الأيدي في العالم العربي. ونجد أن هناك ضحايا وقعوا فداء أفكارهم مثل الفنان السوري أكرم رسلان الذي فقد حياته في المعتقلات السورية تحت التعذيب، وكذلك المضايقات والاعتداءات والايقاف الذي تعرض له كل من علي فرزات ومحمد سباعنة وخالد كدار وغيرهم، وهو ما يؤكد مدى تأثير فن الكاريكاتير بالرغم من كل هذا التحجيم.
***
تامر يوسف ولد رسام الكاريكاتير المصري تامر يوسف في عام، وعَمِل بالصحافة منذ أن كان في سِن الرابعة عَشر وإلى الآن . تَتلمَذ على يَد الفنان سَعد مِتري بمدرسة "دي لا سال". حاصِل عَلى بَكالوريوس هَندسة - تَخَصُص حاسبات. بدأ بالرسم في جريدة "لو بروجريه لإجيبسيان" الفرنسية والتي تصدر بمصر منذ عام 1893، ثم عمل بالجريدة الإنجليزية " ذي إيجبشان جازيت " والتي تصدر بمصر منذ عام 1880، وذلك على مدار أربعة عشر عاما متصلة. كما عمل كرسام حر بمعظم الصحف والمجلات الإنجليزية والفرنسية بمصر إلى أن استقر بمؤسسة الأهرام ليعمل بجريدة "الأهرام ويكلي" وقد نشرت رسومه بأكثر من جريدة ومجلة بفرنسا ورومانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وهو عُضو نِقابة الفنانين التشكيليين المصريين، وعضو إتحاد منظمات الكاريكاتير، وعضو الجَمعية المصرية للكاريكاتير. شارك في مُعظم المسابقات والمعارض الدولية للكاريكاتير بالخارج ممثلًا عن مصر. كما مَثلها في لِجان التَحكيم الدَولية في مُسابقات الكاريكاتير بروسيا البيضاء وتايوان ومصر. وهو حاصل على جوائز مُختلفة من مَهرجانات كل من كوريا وفرنسا وقبرص وتايوان ومصر. له عدة اصدارات في فن الكاريكاتير وهو أحد الفنانين الذين ساهموا في إعداد مَوسوعة رسامي الكاريكاتير العرب مع مؤرخ الكاريكاتير السوري د. ممدوح حمادة.