[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول الفن التشكيلي والثورات العربية. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
بداية لنتفق حول موضوع الالتزام كما أشرتَ في أسئلة الملف، فالالتزام هنا ليس أيديولوجيًا أو عقائديًا لتأطير القلب والعقل، كما لحق بجزء كبير من الرسم العربي لفترة طويلة في التاريخ الحديث، والذي حددته المؤسسات الرسمية على مقاس خطابها التعبوي، من دون الانتباه لأهمية النزعة الفردية، والتي هي سبب لكل ابتكار؛ فلا توجد مشكلة في معالجة الرسم للمضامين الاجتماعية والسياسية بشرط أن تعالج وفق رؤية فنية مستقلة.
تحتل الصورة اليوم الحيز الأكبر في حاضرنا الثقافي، من خلال وسائط الاتصال الإلكترونية، التي كان لها دور في الهزات العميقة التي أحدثتها الثورات في عالمنا العربي..
التقط الشارع السوري مبكرًا أهمية تلك الوسائط لإيصال صوته المحاصر بكل أشكال الدعاية والخطاب التحريضي من إعلام النظام الأحادي والقمعي، فكانت أشكال الاحتجاجات الشعبية متنوعة في إطار المرئي (الفيديو، الفوتوغراف، اللافتات الساخرة، الغرافيتي...)، وأمام تلك التحولات لم يعد الفنان محايدًا، بل أصبح دوره مزدوجاً: تعميق الحوار البصري وتطوير قواعد الالتقاء الفكري والحضاري من جهة، وإدانة التسلط ( العسكري والديني) وكل أشكال العنف الذي لحق بالمجتمع من جهة أخرى.
دفع بعضهم أثماناً كبيرة لمواقفهم الصريحة، فلم توفر حملات الاعتقال التعسفي رسامين منهم من مات تحت التعذيب (رسام الكاركاتير أكرم رسلان مثالًا) .
هناك علاقة جديدة بين الفنان والمجتمع، فرضتها الأسئلة المصيرية للواقع الدامي في سوريا، حول الدور التفاعلي للفنان كفاعل في إعادة المنظومة الأخلاقية التي دمرتها الأنظمة الديكتاتورية، وما نتج عنها من خراب روحي عميق.
عصيان الثابت مهمة الفن المتحرر من أي رقيب يحد من طاقته اللامحدودة، فالقليل من الوجدان يكفي كي ينحاز الإنسان إلى صرخة الأطفال في درعا، وإلى المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والمساواة والعدالة، التي واجهتها السلطة بالرصاص والعنف المكثف، الذي أدخل البلاد في دوامة القتل اليومي (فعل ورد فعل) إلى أن وصلنا إلى أبعد من الكارثة. ليتساوى الطغاة والغزاة على أرضنا.
*************
ياسر صافي في سطور:
ولد الفنان التشكيلي ياسر صافي في مدينة القامشلي/ شمال سوريا، وتخرج عام 1997 من كلية الفنون الجميلة بدمشق (قسم الحفر)، وهو مقيم حاليًا بألمانيا متفرغًا للعمل الفني.
وكان أخر معرض فردي له في دمشق قد أُفتتح في "غاليري قزح" في أيار/ ماي 2010، قدَّم فيه تسعة أعمال تشكيلية كجزء من نتاجه التشكيلي الجديد، حيث تضع هذه التجربة الجديدة الفنان ياسر صافي في عالم التصوير الزيتي، وهو المعروف عنه كحفار له باعه الطويل في عالم الأبيض والأسود.
وتمتاز تجربته، بحسب النقاد، بالخصوصية من ناحية التقنية الفنية ومضامينها، التي تمزج المرارة بالسخرية، في محاولةٍ لإبراز الجوهر الإنساني، عبر اشتغال الفنان على البساطة والعمق في الطرح، ليقدم في النهاية نسيج لوحة محققة لحضورها الخاص.
وفي نيسان/ ابريل 2015 أقام معرضًا في "غاليري مارك هاشم" ببيروت، قدّمه بهذه الكلمات: "في وسط الظروف القاهرة التي نعيشها كفنانين في سوريا.. أقدّم مجموعة لوحات نفذتها في دمشق وفي بيروت على السواء، لوحات هي بمثابة التقاط للنفس وفعل مقاومة ضد العنف وضد الموت".
وقد تميزت عناوين لوحاته في هذا المعرض بأنها تقدم مدخلًا موفقًا إلى قراءة اللوحة. تقودنا عناوين من قبيل "عسكرة"، "مخيم"، و"أنا أكره الهليكوبتر" إلى عالم مسكون بنزعة التوصيف الساخر الذي يحاول القبض على الحالة المشتعلة، دون أن يسمح لها بالاستحواذ عليه مع أنه جزء منها. ويلاحظ المتابه أن شخوصه لا تهاب العتمة، لا بل إنها تبدو قادرة بفضل هذا الظلام الدامس على الظهور والتغلب على ما يبثه الظلام من وحوش غير مرئية، ووحوش أخرى ترتدي هيئة منمنمات يلحظها المشاهد غائمة ومشتتة في أرجاء اللوحة.
عمل صافي لفترة مشرفًا على قسم الحفر في متحف الشارقة، وفي جعبته معارض فردية في دمشق، وحلب، ودبي، وبيروت، وروما وبروكسل، كما شارك بمعارض جماعية في سوريا والأردن وفرنسا وألمانيا.
أعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية / ضمن مجموعات خاصة، ومن قبل مؤسسات فنية في أوروبا وأميركا وعدة دول عربية.