[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول الفن التشكيلي والثوات العربية. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
حين أبلغنى صديقى أن أكتب عن ثورات الربيع العربى وعن ما نحن فيه ومررنا به، كان بالنسبة لي وكأن أحدهم جاءني وطلب مني أن أتذكر ما عشته فى طفولتي أو أن أحدثه عن مشاعري بحرب ال(73) حين كنت لا أتجاوز 13 عامًا.
– الثورة – الربيع العربي - ومن كثرة الأحداث المتلاحقة والتي مازلنا نعيشها أصبح للأحداث معنى آخر يتجاوز تاريخه واليوم والعام الذي حدثت فيه تلك الأحداث، نعم لم تتجاوز الأحداث الست سنوات ولكنها مرت بحملها الثقيل وبأحداثها المرعبة ومازالت تمر من أمامك ومازال الدم هنا وهناك، ومازالت الشوارع تئن، ومازالت الحدود مغلقة والهم بالكوم..
ماذا أستطيع أن أكتب وأنا مازلت أرى القناص يخطف عيوننا، وأرى الدبابة تمر فوق أجسادنا، وكل الشعارات أصبحت أكاذيب والتهم تُفصل تفصيلًا كما لو كنا لم نقم بثورة أو حتى اعتراض جماعي على الظلم!!
ثورة، كيف أسأل أخى الليبي هذا السؤال أو صديقى السوري وسط حطام كامل لمدينتة لبيته أو أن أرى التونسي وهو يلملم أشلاء الضحايا كل يوم؟!.
ثورتنا مازالت تبحث عن طريق حقيقي وفكر واقعي كى تجد النور.
ثوراتنا جميعها لم يكن لها أبدًا فكر أو استراتيجية معلنة خيارات حقيقية بينة وناصعة لنصطف جميعًا وراء الأهداف. صحيح كان الناظر يرى كل جماعة وكل طائفة بالميادين موحدة بالمشهد، لكن القلوب كانت متفرقة، كل ينتظر وقوع الثورة.. كل ينتظر.. ومعهم أسلحتهم التى يدركون لمن ستوجه بالنهاية.
ثورة بلا رأس على جسد، ثورة رأسها فى مكان آخر، وأجساد تتحرك كالقطيع، لايدرك الواحد منهم تعليمات الخطوة القادمة.
"ماذا بعد؟". كان عنوان (بينالي الإسكندرية 2009) الذي نظمتة وكنت القيم عليه، وبالفعل لم يكن هناك جواب. فلا أحد يومها ممن كانوا بالميدان يدري ماذا بعد؟.
والآن ونظرًا للغياب المتعمد للعقل والاستراتيجية وبرنامج الثورة نجني جميعًا النتائج المرعبة. فقد سيطرت وتسيطر الفوضى في كل أرجاء بلادنا.. وأصبحنا في مصر نتمنى أحيانًا أن نعيش زمن الدكتاتور التي قامت الثورة لتغيره وتغير حاشيتة وكل أصحاب المصالح التي كانت تدور فى فلك النظام القديم.
وتمر السنوات -ليست تلك شوارعنا وليست تلك سماؤنا وليست الرسوم رسومنا على الجدران، وتتغير الشعارات وتزيد الفاشية والاتجاة اليميني المتطرف يزداد تطرفًا ويصدرون اليأس في كل مكان- الأمل أصبح هو الحلم، وأن تقف أمام سطح أبيض تعلن فية تمردك وحدك أصبح هذا الفعل بطولة وجسارة لا يستطيع أن يفعله سوى الأبطال!! كممت الأفواه والقلوب حتى أضعف الإيمان أصبح جريمة، وإن اجتمع قلبان على أن هذا ظلم يحسب "تجمهر" ويأخذونك للسجن بحكم (قانون التظاهر)، وأصبحت الشرطة فى مصاف الأنبياء.. لايخطؤن ولا يعاقبون ولا يحاسبون أبدًا.
ويومًا بعد يوم تزداد الصورة تشاؤمًا بل وتزداد الصورة اهتزازًا.. كل لوحاتى أصبحت خارج بؤرة الرؤيا، كل شيء يحتمل ولا يحتمل، كل شيء متردد، الثورة الحلم والكابوس ورجوع الطغاة، الصورة مهزوزة ومهزومة أحيانًا.
كيف أصل سالمًا الى بيتي؟ أصبح الخوف هو السمة الغالبة، والدهشة، الدهشة من موقف بعض الأصدقاء والخطباء وتجار الكلام وجبهات المقاومة والمتمردين وأهل أكتوبر ومشعلي الثورة من شباب وشابات والأيقونات التعيسة التى انسحبت أو صمتت حين استلمت التعليمات.
من أنتم؟
أين أنتم يارفقاء الطريق؟ أين يا من كنتم بجوارنا هنا بالميدان؟ أين أنتم لقد أصابكم ما أصابنا؟
ابني اعتقل، والحزن خيم على الجميع، ولكن كنا رغم كل شئ نصنع ونشعر بالتغير والكرامة..
انفضوا جميعًا خارج الكدر، لم يبقَ إلا نحن القلة البسيطة التى تؤمن ومازالت تؤمن بالحرية، بدون اتجار أو مبايعات وتفويض على بياض كي نقتل بشكل قانوني ويراق دمنا بين ملايين ممن صوتوا بالمبايعة والتفويض.
الشوارع هنا وهناك بلا رسومات الا القليل منها -ستظل الجدران تصرخ وتتحمل سواد البلك والزفت الذى تدهن به الرسوم كل يوم من قبل الشرطة، كل الخيارات ناقصة كل الخيارات لا تحقق طموحنا بل أقل مما ثرنا عليه.. كل الخيارات مجرمة، أصبحنا نأمل فقط أن نرجع للبيت سالمين، وأن نجد لمبة تضيء لنا الغرفة، وأن نجد وسيلة مواصلات بسيطة لنصل إلى العمل ان كان هناك عمل.
كل يوم طوابير بطول القاهرة وعرض الإسكندرية للخبز وأنبوبة الغاز أو على باب مستشفى..
الثورة؛
كيف تجرؤ أن تتكلم عن الثورة؟ الكل سيسخر منك وستتهم بالعمالة والأخونة أو الداعشي، الثورة هي ماجلبت لنا كل هذا الهم.. "إبعد بلاش كلام فارغ أحا ياثورة"..
أهلك ضدك إن تكلمت عن تغير أو ثورة فلقد ذاقوا الأمرين من هذا المصطلح الذي يحمل كل معاني الحلم والقهر فى آن واحد.
أما اللوحة، فلا أستطيع إلا أن اسكب الألوان لأُنهي وجود الأبيض الذي يفزعني دائمًا.
الأبيض؛ ملاءات السرير والجدران والكفن..
الأبيض؛ شاش الوجه والرجل والدراعات وغطاء العين المصابة برصاص القناص.
أبيضٌ بلون الدم الأحمر.
أبيضٌ مرعبٌ، حين أراه أراك أيها القناص وأنت تصوب رصاصتك الناسفة لوجودي.
الأبيض؛ لون القطن والورق والرماد..
حبيبتى أراكي قادمة من بعيد من بداية شارع محمد محمود ولا أصدق ماتراة عيناي وأنت بجناحيك الأبيضين تطيرين إلي وتأخذينني بين جناحيك لأراني أدخل من فوهة طعنة السكين التي بالقلب، يسيل الدم ليملأ جسدك والجناحين وأنت ترقصين رقصتك الأخيرة، تضمين جناحيك لأرانى فى جسدك كنعش يتستر على كل جرائمكم التي أنوي فضحها لولا أني..
*************
محمد أبو النجا في سطور:
ولد الفنان التشكيلي المصري محمد فتحى أبو النجا في مدينة طنطا عام 1960، تخرج من كلية الفنون الجميلة بجامعة الاسكندرية (قسم تصوير) عام 1983، وحصل على شهادة الماجستير في الفنون عام 1992، لينال في العام 1997 -من نفس الجامعة- شهادة الدكتوراه فى فلسفة الفنون. وهو عضو نقابة الفنانين التشكيليين – الإسكندرية.
درس مادة التصوير والرسم بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة من عام 1991 وحتى 1995، كما درس فى الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والمعهد العالى للفنون التطبيقية فى السادس من أكتوبر. ويعيش حاليًا في دولة قطر، حيث يشغل منصب أمين مركز الفنون البصرية القطري "كاتارا".
حصل سنة 1994 على منحة من هيئة اليونسكو (فنانو شمال افريقي)، وعلى منحة من المؤسسة اليابانية عام 1996 لمدة 6شهور وهي المرة الاولى التى يحصل عليها فنان من الشرق الأوسط.
أهتم الفنان محمد أبو النجا بخامة وعجائن الورق ونفذ أعماله الأخيرة بهذه الخامة في رؤية حديثة تتسم بالثراء الشكلي وقد تحرر من التقنيات التقليدية. ومن أشهر أعماله الفنية مجموعة "وجوه الثورة" وهي بورتريهات استلهمها أبو النجا من أحداث ثورة 25 يناير، وتحديدًا من الأحداث التي شهدها شارع محمد محمود القريب من ميدان التحرير، والتي نتجت عنها إصابات كثيرة في العيون أدّت إلى أن يفقد العديد من الشباب الثائر بصرهم. أما المجموعة الثانية فهي التي عرضها في الدوحة أواخر عام 2012 ضمن معرضه "القاهرة 11"، والتي حشد فيها رموزًا من القاموس الثقافي المصري واستخدم فيها تقنيات علب الرّش "الإستنسل - القوالب المفرغة" المعروفة للاستخدام عند الكتابة والرسم على الجدران في الثورة، وفي ذلك تفاعل واضح من الفنان ليس مع موضوع الثورة فحسب، بل مع أدواتها وتقنياتها.
شارك بورشات عمل فنية محلية ودولية منها ورشة عمل دولية في اليابان عام 1996. ويعود له تأسيس ملتقى "نور الشكل" رمضان 2004، وهو صاحب فكرة «خيال الكتاب»، أنجح بينالي لكتاب الفنان في مكتبة الإسكندرية 2002 و2005، وفي العام 2009 نسق بينالي الإسكندرية الخامس والعشرون لدول البحر المتوسط.
قام بتصميم العديد من المجلات وأغلفة الكتب، وعمل ديكورات لعدد من الأعمال المسرحية المصرية. وله دراسة عن دور الخامة غير التقليدية في العملية الابداعية.
حظيت باكورة أعماله الفنية باهتمامًا كبيرًا في الأوساط النقدية عندما عرضت لأول مرة في مكتبة الإسكندرية الجديدة، حيث لا تزال حتى يومنا هذا موجودة هناك في المعرض الدائم للمكتبة. ومنذ مطلع التسعينات أقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية المحلية والعربية والدولية، والتي تنوعت بين التصوير والفيديو والتركيب، ورشح لتمثيل مصر فى بينالي القاهرة الدولي عام 1998، كما مثل مصر في بينالي فينيسيا 2002.
حاز على العديد من الجوائز المحلية والدولية، منها: الجائزة الثانية من بينالي بورسعيد القومى الثالث 1996، وجائزة بيكاسو الشرفية التى نظمتها اسبانيا على مستوى العالم، وجائزة حوض البحر المتوسط عام 1997، وجائزة الايكوم بينالي القاهرة الدولي 1999، وجائزة بينالي الإسكندرية 2001.
وتشكل أعمال أبو النجا جزءًا من العديد من المجموعات الفنية الخاصة والعامة مثل متحف الفنون الحديثة في القاهرة، دار الاوبرا في القاهرة، المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة في عمّان، أكاديمية الورق في كيوتو اليابان، والصندوق العربي في الكويت.