[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول الفن التشكيلي والثورات العربية. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
الفنان التشكيلي الليبي محمد بن لامين
لا شك أن التطورات الراهنة العنيفة والقاسية في المنطقة العربية والتي أراها نتاج لعلاقة تليدة غير سوية بين السلطة والإنسان وليس (المواطن) لعدم تحقق هذه الصفة برأيي هي مبعث انشغال وجودي وإنساني للفنان الذي هو سليل بيئته ثقافيًا وأنتروبولجيًا، الأمر الذي يجعل من الاستحالة أن يكون بمنأى عن الارتهان تشكيليًا - طوعًا أو كرهًا لهذه الصورة المرعبة والمأساوية والتي أتت كحصاد بشع لعصور متوالية من الاستبداد والخوف جراء تكريس وحداني من قبل الأنظمة العربية لقهر الإنسان وفق قوة السلطة التي لا تنتج إلا الخوف والإذعان وإلا الموت!.
بالنسبة لي كفنان تشكيلي وسجين سياسي سابق تم اعتقالي أو اختطافي بمعنى أصح عشية 17 فبراير (شباط) 2011 في ليبيا أجدني لا زلت مدفوعًا بكل هواجسي وانفعالاتي وبقوة أكبر للإصرار على تعرية صورة الذات المعذَبة في أرضها والبحث عن الإبانة التشكيلية البالغة لهيئة الغول الذي مسخ الناس على شاكلته واغتصب الحسناء الصغيرة !!.. لازلت فاقدًا للقدرة على التراجع عن التلويح براية الأمل ونشدان الخلاص من شرورنا جميعًا كمجتمعات وحكام، لذلك حاولت أن أحيل مواد القتل والقذائف وصنوف الرصاص كهيئة الراقصين العشاق وأنفخ في جمهرتهم شيئًا من الابتهاج والإصرار على الحب والحياة ليأتي العمل الفني باثًا لرسالة مفادها أننا نحن القبح إن أردنا ونحن الجمال!.
كل هذه الانفجارات والزلازل في المعنى والمبنى والمشهد قد أنتجت عدا التصادم المسلح تصادمًا معرفيًا عنيفًا وفضحًا فادحًا لصيغة التعاقد القديمة المختلة بين المثقف العربي والسلطة وبين المواطن والمؤسسة المتعالية حيث اتضحت سيرة الفشل العربي الذريع في إنتاج كيانات سوية تقوم على الحق والخير والجمال بدل الظلم والشر والقبح، فلم يجد الطرفان من حاكم ومحكوم حتى الآن من طريقة للتفاهم سوى الشك والارتياب!.
من هنا يواصل الفن دوره في تجريم وتبغيض القتل والعنف وانتهاك الإنسان وانتزاع أراضي وسماوات جديدة تكرس الأمل والحب والسلام فلا يمكن لأحد أن ينعم بالحرية الحقيقية وهو يرزح تحت قيود الأنا الضيق والذات المخالطة للفساد.
*************
محمد بن لامين في سطور:
ولد الرسام والنحات والمصمم الغرافيكي محمد بن لامين (بن الأمين) عام 1969 في مدينة مصراته. وهو معتقل سابق في سجون القذافي، حيث أعتقل مع أخيه من مرسمه ومعرضه في مصراتة في أيار/ مايو 2011، وأودع سجن «بوسليم» المرعب في طرابلس، وتعرضت مدينته مصراتة لقصف مدمر وحملات قتل، ليواصل معركته ضد القبح رسمًا على جدران سجنه فصورت أعماله عدسة فريق «بي بي سي» لدى دخولها السجن بعد سقوطه وتحرير المعتقلين فيه، وكانت أعماله التي نشرها على موقعه "السقيفة" وصفحته في موقع "فيسبوك" قبل القبض عليه، تواكب أحداث الثورة التونسية وتجسد بالفن ثورة البوعزيزي وكذلك ميدان التحرير بمصر.
بدأ محمد بن لامين رسامًا، ثم خاض تجربة النحت وبعدها التصوير. كان يبحث عن أداة تمكنه من التعبير عن قلقه وقلق جيله وطموحه، وسط واقع محافظ. وهو ينتمي لجيل جديد برز في تسعينات القرن الماضي في مدينة مصراتة برؤى جديدة وطموح مختلف عن سابقيهم وبأساليب وتقنيات جديدة.
تميز أسلوب بن لامين منذ بداياته بذلك التجدد والبحث، فجرب مواد مختلفة وجديدة في الرسم، ومن ثم في النحت. وتعتبر تجربة «رصاص الموت كخام للسلام والحب» (2014) من تجاربه المهمة والتي تحمل رسالة اجتماعية عميقة بالنسبة الى الوضع الليبي والإنساني أيضًا.
وتعتبر منحوتة «شمس الحب» (2007) الموجودة في حديقة عامة في إحدى المدن الصينية أهم أعمال الفنان التي أطلقت عنان تميزه وقدرته على فتح آفاق عالمية للفن الليبي على رغم الحصار المطبق في ذلك الوقت.
أنجز في نيسان/ أبريل 2014 بدعم من منظمة "DCA" وهي منظمة غير حكومية دنماركية موجودة في ليبيا منذ منتصف العام 2011، والمركز الليبي للألغام"LibMAC" ، نصب فني زجاجي على شكل حرف (NO) بالإنجليزية خارج صالة القادمين الجديدة في مطار مصراته الدولي، وذلك في إطار "برنامج حماية الأمن والاستقرار" التي تمولها الهيئة الأوروبية للمساعدات.
شارك في كثير من المعارض المحلية والدولية في مصراتة وطرابلس وبنغازي وفلورنسا والصين وغيرها، ومن تلك المشاركات الفنية الهامة، مشاركته بفعالياتُ الدورة الأولى لملتقى «نحت دبي» في آذار/ مارس 2013، الذي نظمته دار الثقافة والفنون في دبي، مع أربعة عشر نحاتًا، يجسدون عُنوان هذا الملتقى وهو «روح دبي» في أعمالهم النحتية. ومشاركته في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بمعرض "رتوش" الجماعي الخيري للفنون، الذي نظمه نادي الهواة الجامعي في مدينة مصراته، والذي خصصت العوائد من شراء أعمال الفنانين المشاركين فيه إلى العائلات المحتاجة وأسر المتضررين من الحرب والنازحين.
عمل مع الفيلسوف الجمالي الإيطالي المعروف "إيتيلو تافيرنا" على وضع كتاب مشترك يتناول جماليًا وتشكيليًا صورة النور في كتاب "مشكاة الأنوار" لأبي حامد الغزالي.