[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول الفن التشكيلي والثورات العربية. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
الفنان التشكيلي السوري نزار صابور
منذ بداية "الكارثة السورية" لم يكن الأهم هو المنجز ! بل رمزه لتدفق الحياة، التي تعبر بجانب "نهر الموت". يعتقد البعض بأن الفن، ليعكس "الوضع الراهن" لا بد له من مسافة! من زمن ليختمر "الموضوع" وتظهر رموزه ومعادلاته بالعمل الفني. وأنا أميل للاعتقاد بأن هذا الكلام قد سبقه الزمن! الزمن الذي لا نستطيع اللحاق به! من هنا نفهم الحضور الكبير للصورة "الفوتوغرافية الفنية" في المعارض والمهرجانات الفنية، بسبب تسجيلها "للحظة الهاربة".
مع بداية" الأحداث" السورية وسواها في المنطقة، لم نستقبل سوى الدمار والخراب.. والموت وبقع الدماء!! هل هناك مستقبل أفضل؟! أتمنى . ما أفرزته "الحرب" من فنون كما ذكرت "جدارية" أو "رقمية" وغيرها، لم تصل إلى مستوى فني، يمكن الحديث عنه كفعل مغاير! بل أتذكر، عندما كنت أقول من سنوات: في سورية "فن ملتزم حقيقي " وفن مناسبات"! وكأن أغلب ما يطفو على سطح الفن البصري السوري اليوم هو "فن مناسبات" لا يختلف عن سابقه سوى بالموضوع ! بالرغم من تقديري لكل التجارب .
لكننا، بالمقابل يمكننا أن نعثر على تجارب مجتهدة وجدية ومتفوقة على نفسها بتناولها الفني لـ"الكارثة" السورية، من الأجيال الفنية المختلفة .
في حياة فقدت أغلب مقوماتها.. ما عسى للفن أن يفعل؟!
الصمت ... ثم الصمت!
وبعد؟
يبدأ الفنان باكتشاف مفرداته المناسبة، ورموزه وألوانه وأفكاره .
أكثر من أربعة أعوام، وكأني أسجل يومياتي. بدأت بمجموعة "نعوات سورية" لأقول: لجميع الطوائف السورية نعوات! ثم تابعت بمجموعة "أشلاء سورية"، ثم مجموعة "الحصار"، ومجموعة "الكتاب حارس الموت والحياة"، وأخيرًا مجموعة "القلمون" حيث عندما دخل الموت إلى المنطقة "حتى الآلهة ارتعدت ابتعدت.. صاعدة نحو السماء" وسكنت أطراف اللوحة!
ماذا يفعل الفن إذا كنا عاجزين عن أيقاف العنف والموت ؟!! لا يفعل شيئًا!! فوظيفته أخرى، وتأثيره تراكمي وليس مباشر، يساعد على تشكيل رأي وموقف، لكنه ليس "طلقة"! بل "حقيقة" للحياة البشرية .
***
نزار صابور في سطور:
ولد الفنان التشكيلي السوري نزار صابور في مدينة اللاذقية بسوريا عام 1958، تخرج في كلية الفنون الجميلة - جامعة دمشق في عام 1981، ويدرس فيها منذ سنوات، وكان رئيسًا لقسم "الرسم والتصوير" من 2005 حتى 2008 ، حاصل على دكتوراه فلسفة في علوم الفن من جامعة موسكو عام 1990.
شغلت "صابور" منذ اشتعال الأزمة السورية عام 2011 عدة مواضيع، فعمل مجموعة بعنوان "نعوات سورية" لجميع المكونات السورية، ومن ثم عمل مجموعة تعتمد على الدوائر بعنوان "حصار" مما يعكس حالة الحصار التي عانى منها الإنسان السوري داخليًا وخارجيًا. كما نفذ خلال السنوات الأخيرة مجموعة من الكتب المجسمة بأفكار منوعة عددها ثلاثون كتابًا كل منها يتألف من سبع أوراق خشبية وله مغلف واسم محدد فمنها ما يشبه المذكرات اليومية بعنوان "يوميات الحب والحرب"، ترافق معها عبارات مكتوبة مثل: (قذائف الهاون في دمشق أكثر من عصافير الدوري وقذائف هاون على كلية العمارة.. مات عدد من الطلاب.. لماذا..)، وكتاب آخر بعنوان "رصاص" وضم عددًا كبيرًا من الثقوب التي تمثل الرصاص الذي اخترق حياتنا ومستقبلنا، وهذه المجموعة عرضت في الكويت ولاحقًا في الأردن. كذلك أنجز مجموعة بعنوان "القلمون" والتي عرضت مؤخرًا في دبي، وفيها أعمال كثيرة عن معلولا وسواها حيث تبرز الصخور التي تمثل طبيعة هذه المنطقة. وقد حضرت ملحمة "جلجامش" في أعماله لعدة سنوات.. وكانت "الأيقونة الشرقية" مصدر إلهام مستديم له، "الشرق نفسه ظل ملهمي لمدة ربع قرن، الآن أعود إلى "الحضارة التدمرية" إلى الإبهار في النحت التدمري إلى الفلسفة العميقة بين "الحياة والموت"، لأحيي هذا الفن عبر مشروع تشكيلي أسميته "جدران تدمريه" مستخدمًا لذلك تقنيات حديثة..".
يقول نزار صابور: "أشعر بالأسى على سوريتي، لم أتوقع هذه الهمجية على الإطلاق. فجأة اكتشفت أن الثقافة السورية كانت مخادعة. هل كنّا نخدع أنفسنا طوال كل هذا الوقت، لنقع تحت طائلة الدم السوري والانقسامات والتخوين؟:.
ويؤكد أنه يرفض الِّلقاءات الصّحفية والتِّلفزيونيّة، لاعتقاده أنَّ "الوقت غير ملائم، فأمام الموت والدَّمار، لا قيمة لشيء وأنا القائل الحياة أقوى، وستمضي بكلِّ الأحوال لكنِّي، أرى الحديث عن الفنّ، ضرب من الكماليات في غير مكانها ونهر الموت يجري في بلدي.. أعيش حالة انتظار، انتظار النّهاية، نهاية كلّ هذا الجُّنون، لنعود إلى الحياة". ويضيف: "قد يكون للفن معانٍ كثيرة، ومنه أنه في الوقت الحاضر أصبح يمتلك معنى الدفاع ضد الشر، شر القرن 20-21، وفي كل زمن وعصر له معنى مختلف، لكنه بكل الأحوال عزاء كبير للبشرية، فهو يمنح معنى لحياة بلا معنى، هذا فلسفيًا، لكن الفن في النهاية هو موقف من الحياة وليس مجرد متعة لعابر سبيل، هو موقف مشغول بروح ومواد".
أقام نزار صابور أكثر من 30 معرضًا شخصيًا داخل وخارج سوريا والكثير من المشاركات في معارض مشتركة داخل البلد وخارجها، كرم لأكثر من مرة، وأعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية، والمتحف الوطني بدمشق، وقصر الشعب، والمتحف الملكي الأردني، ومتحف البحرين، ومتحف الشارقة، وصالة أوسكار – واشنطن، ومتحف شعوب الشرق – موسكو (ضمن مجموعات خاصة)، وفي أماكن مختلفة من العالم.
حاز جوائز عدة منها: جائزة تشجيعية من بينالي الشارقة الثاني عام 1995، والجائزة الأولى في التصوير الزيتي من بينالي المحبة الأول في اللاذقية في نفس العام، والجائزة الأولى في التصوير في ملتقى دبي العالمي للفنون عام 2004، وجائزة بينالي طهران الدولي عام 2006، وغيرها من الجوائز.