[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول الفن التشكيلي والثورات العربية. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
التشكيلي المغربي أحمد جاريد
منذ ثلاثين سنة وأنا أرسم موضوعًا تجريديًا ينهل من العمق الروحي أكثر مما يلتفت إلى العالم الخارجي، وحتى إذا ما حصل التفات للواقع الخارجي فليس إلا بغرض تحويله لفائدة هذا البعد الصوفي موضوعًا ولونًا، أنا الذي يُعرف فني بأنه لا حكائي، ها أنا اليوم ومنذ زمن قريب أصبحت أرغب في الحكي ويلازمني انزياح للتشخيص. أعتقد أن هذا الحاضر العربي المستفيض له يد في التحريض على كشف الغطاء للبوح بألم تعفن.
وقد شكلت الحرب بوصفها مصدرًا للعنف الجسدي النفسي والبصري، الموضوعة الأكثر تحريضًا لمخيلتي، حتى أني بت أشعر بمعاناة الآخرين تعتصر في صدري وكأن الدم يتجمد في العروق. ومع أن الألم لا يُلهِم، فإننا لن نجد ملاذًا للهروب من التراجيديا التي تحاصر مجالنا البصري. وفي أقل المواقف ضررًا نُعْتَبَرُ شهودًا على جرائم حرب.
وأنا أرى اليوم أن الفنون وحتى الأدب يمكن أن يكون عضويًا كما يسميه (أنطونيو غرامشي) وواجهة مضادة للأنظمة التوتالِتارية العربية، لكن نظامًا فاشيًا مثل النظام السوري لا يرعبه الفن، لأنه وحش منتج لأفظع صور الرعب، آلة دموية تشتهي الدمار والجثث. لكني مؤمن أنه يمكن للفن في الميدان أن يخرج من المرسم ومن معاهد الرسم وينزل للشارع ليطلق صرخة الشعب ويلعب دوره في الإحتجاج.
ومع وسائل الاتصال الإجتماعي اليوم يمكن للفن أن يفضح جرائم الحرب. ومن غير النافع في مثل هذه الظرفية أن نحقق في قدرة أي فن من الفنون أنجع وأنجح.
ولا ننسى قول الشاعر: (السيف أصدق أنباء من الكتب ...)، ومع ذلك عبر تاريخ الفن كان دائمًا هناك "فن المعركة" الذي له دور كبير في حشد الهمم والرفع من المعنويات وإيصال صوت الاحتجاج فضلًا على أنه يبقى شاهدًا ووثيقة للتاريخ. وإلا لما رفع الجند والمقاتلون في الجبهات عقيرتهم للأناشيد، وما كان لتظهر الملصقات والجداريات وغيرها.. بهذا المعنى يساهم الفن ليس في إيقاف العنف فحسب بل في الانعتاق، وفي رسم الأمل نحو الحرية لدى الشعوب.
وقد كان الفن بكل ضروبه عبر التاريخ يلعب هذا الدور، وكان الفنانون ولازالوا حراسًا للأمل والحرية.
*************
أحمد جاريد في سطور:
أحمد جاريد من مواليد 1954 بالدار البيضاء، بعد دراسته العليا بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة
1979، عُيِّنَ استاذا للسيكوبيداغوجيا ثم للفلسفة سنة 1985 وفيما بعد كُلِّفَ بإلقاء دروس في علم الجمال بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء.
كرَّس نشاطه لإنماء الفن والثقافة بالمغرب فأسس سنة 1997 جمعية "قرية محترفات الفنانين"، ثم عُيِّنَ سنة بعد ذلك مستشارًا بوزارة الثقافة فمديرًا لديوان وزير الثقافة والاتصال إلى غاية 2005.
أسس رفقة الشاعر محمد الأشعري (وزير الثقافة الأسبق)، المعرض الوطني الكبير للفنون التشكيلية ( GENAP) منذ 2004 لعدة دورات. ثم أسس مجلة "زُنّار" للفن المعاصر والتراث البصري سنة
2006.
يتمتع جاريد بمرجعية رصينة وبخلفية معرفية وفلسفية، جعلت منه واحدًا من أبرز الفنانين في بلاده. ويرى النقاد أن معادلة الرسام المثقف يمكن أن تكون مضمونة النتائج مع جاريد على مستوى انحيازها إلى الجمال الخالص. فمع أن جاريد لا يكترث كثيرا بالمفكر الذي يسكنه فإنه لا يقلل في الوقت نفسه من قدرته الساحرة على تفكيك الألغاز وهو يرسم.
وتنطوي مغامرته التجريبية في الرسم على قدر لافت من التماهي مع لغة المتصوفة وهي تسعى إلى تدريب العين على أن تسمع ما ينزلق على اللسان من إيقاعات لا تسمع بالأذن.
و"جاريد" عضو في الجمعية الدولية للفنون التشكيلية ، ومنذ 2007 وهو رئيس مساعد للجمعية المغربية للفنون التشكيلية، كما أنه عضو في اتحاد كتاب المغرب، و"بيت الشعر" بالمغرب، وعضو المجلس الوطني لتعاضدية الفنانين بالمغرب.
أشرف على وضع واقتناء المجموعة الفنية للمتحف الوطني لفن المعاصر بالرباط والمجموعة الفنية لاتصالات المغرب، ووضع مخطط إصلاح المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان رفقة عبد الكريم الوازاني، وكُلِّفَ لعدة مرات مندوبًا لمعارض فنية مغربية بالخارج ومسؤولًا للجان تحكيم فنية محلية وأجنبية.
وللفنان أحمد جاريد حضور مستمر في فعاليات فكرية وفنية وطنيًا ودوليًا. وقد انجز كتب فنية مع كل من الشاعر السوري الكبير أدونيس، والكاتب والشاعر اللبناني شربل داغر، وحقيبة فنية مع الشاعرة والروائية المغربية فاتحة مرشد والشاعرة ثريا إقبال... كما توجد أعماله كتصميم لما يناهز 1000 غلاف لكتب أدبية وفنية وملصقات.
وتوجد أعماله ضمن مجموعات فنية لمؤسسات بنكية ومتاحف وجهات رسمية أهمها المجموعة الملكية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، أكاديمية المملكة المغربية، أكاديمية العلوم بالرباط، مؤسسة أونا، مؤسسة التجاري وفا بنك، اتصالات المغرب، مصرف المغرب،صندوق الإيداع والتدبير،وزارة الثقافة المغربية، المتحف الوطني للفن المعاصر بالرباط، الصندوق المغربي للتقاعد ، بنك القاهرة عمان. فندق ريجنسي – الدوحة، إلى جانب مجموعات فنية خصوصية.
ينخرط الفنان أحمد جاريد في عدد من حملات المواطنة لأجل التبرع والمساندة لقضايا التهميش والفقر وحقوق الإنسان.