في السنوات الثلاث الأخيرة، اكتسب موضوع المثلية الجنسية في سوريا تغطية إعلامية متزايدة وبُعداً سياسياً عالمياً، مع انتشار أخباراضطهاد تنظيم داعش للرجال المثليين وصور إعدامهم عن طريق رميهم من أعلى أسطح الأبنية. كما هو الوضع في مُعظم دول العالم، تهميش مجتمع الميم"َLGBTQ" [تسمية تُشير إلى مجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً] ليس جديداً على المجتمع السوري، حيث القوانين تُجرم كافة النشاطات والممارسات الجنسية خارج إطار الزواج التقليدي بين رجل وامرأة مُغايري الجنس. الاستثناء القانوني الوحيد هو أن القوانينالسورية فضفاضة بما يتعلق في الحق بتغيير الجنس، بشكل يُجيز هذا الموضوع استناداً إلى تفسيرات طبية ودينية. وقد ازداد اهتمام الإعلام الدولي مؤخراً بموضوع المثلية الجنسية في سوريا، ليتصدر الأخبار العالمية مع خبر تشكيل كتيبة من المتطوعين الدوليين الذين يُعرفون عن أنفسهم بأنهم "مثليو الجنس" لمحاربة تنظيم داعش في الرقة إلى جانب القوات الكردية. هذا الحدث تم شَجبه من قبل بعض الناشطين\ات، مُتّهمين\اتالإعلان عن تأسيس هذه الكتيبة بأنّه "pinkwashing" وهو مصطلح يصف استخدام الدفاع عن قضايا مجتمع الميم كذريعة سياسية لتغطية جرائم القوات السياسية والعسكرية المعنية. كماأشار بعض الناشطين\ات أن كتيبةً كهذه من شأنها أن تخدم الأجندة الإمبريالية العالمية للـ"الحرب على الإرهاب"، والتي استغلت فيما سبق الخطاب النسوي لشن الحرب على العراق وأفغانستان. من جهتهانفت "قوات سوريا الديمقراطية" وجود هذه الكتيبة كجزء منها أو من "وحدات حماية الشعب" الكردية مع تأكيد احترامها لحقوق المثليين. هذا الجدل الحالي يستدعي التساؤل كيف تناول السوريون\ات قضايا المِثلية الجِنسِيَّة في الثقافة الشعبية السورية المعاصرة. وهو تساؤل يصب في محور صفحة صوت الشعب "Vox Populi" لهذا الشهر حول الهوية الجندرية والتعددية الجنسية والإنتاجات الثقافية التعبيرية في الشرق الأوسط.
تطرق الأدب السوري لموضوع المثلية الجنسية خاصة بين النساء كما في رواية "عاهرة ونصف مجنون" لحنا مينة و"حالة شغف" لنهاد سيريس و"رائحة القرفة" لسمر يزبك. ولكن تم انتقاد بعض من هذه الروايات لعدة أسباب كالاعتماد على الصور النمطية في تناول الموضوع، وتصوير قضية المثلية كموضوع مُكتسب وليس كجزء طبيعي من الهوية الجنسية لشريحة من المجتمع السوري. العمل الأدبي والمسرحي السوري الذي عالج موضوع المثلية الجنسية عند الرجال بشكل أفضل وكجزء من السياق الطبيعي لحياة وهوية الشخصيات، هو مسرحية "طقوس الإشارات والتحولات" لسعد الله ونوس. رغم وجود هذه الأعمال الأدبية إلا أنّ الإنتاج المعرفي الذي تناول موضوع المِثلية الجِنسِيَّة بشكل أكثر جرأة تمثّل بالدراما التلفزيونية السورية، فخلال الأعوام الماضية على الأقل ستة أعمال ناقشت بشكل أو آخر قضايا تتعلق بالهوية الجنسية والجندرية. من المهم الإشارة إلى الفرق بين جمهور الأدب السوري وجمهور الدراما التلفزيونية السورية، فبينما يُخاطب الأدب الجمهور المثقف، فإن الدراما التلفزيونية تستهدف عامة الجمهور من كافة الخلفيات والطبقات الاجتماعية. رغم هذا الفرق من ناحية الجمهور المستهدف إلا أن ّ الصُور النمطية هيمنت على معظم الإنتاجات المعرفية الشعبية السورية عند التطرق لموضوع الهوية الجنسية. ولكن تبقى الدراما التلفزيونية النوع الفني الذي قدّم تصويراً أكثر تنوعاً ومقاربة للواقع من باقي الأشكال الفنية الشعبية وإن كانت درجة الجرأة والنمطية تختلف من مسلسل لآخر.
المسلسل الأقل جرأة كان أشواك ناعمة (2005) الذي قدم مُعالجة خجولة لموضوع شهوة الملابس المغايرة "cross-dressing" عبر شخصية نضال التي قامت بتأديتها الممثلة سلافة معمار. في المسلسل ترتدي نضال، وهي طالبة في الثانوية العامة، ملابس ذكورية وتتصرف كفتى في المدرسة وتوشك في نقطة معينة من الأحداث على القيام بعملية تحويل جنسي. لايُعالج المسلسل رغبة نضال بالتشبه بالرجال و بالتحول الجنسي كجزء طبيعي من هوية نضال وإنما كنزعة منها لإرضاء والدها الذي لم يُرزق بطفل ذكر يُرضي أمنياته في الحياة. ومع نهاية المسلسل تُساعد المُرشدة النفسية في المدرسة، التي تقوم بدورها الممثلة سلمى المصري، نضال لتتصرف كأنثى وتتخلى عن سلوكها السابق.
يختلف مسلسلماملكتأيمانكم (2010) عمّا قبله من المسلسلات السورية بتطرقه مباشرةً لموضوع المثلية الجنسية إلا أنّ هذا التطرق كان سلبياً وقُوبِل بالاستياء من مجتمع الميم السوري والعربي. المسلسل تطرق لموضوع الميول الجنسية من خلال قصتين: القصة الأولى تُصور الشاب المثلي جنسياً كمُغتصب ومعتدي على الفقراء والأطفال عبر شخصية شادي الذي يستغل جنسياً زميلاً فقيراً له مقابل المال وعندما يرفض الأخير الاستمرار في الموضوع، يغتصب شادي ابن أخته الصغير. القصة الثانية تُوحي بانتشار المثلية الجنسية بين أعضاء مجموعة القبيسيات والآنسة هاجر ليس كمثال إيجابي عن الموضوع وإنما كإشارة أخرى لنفاق وفساد هذه المجموعة حسب رأي فريق عمل المسلسل.
بشكل غير مباشر، قدّم مسلسل صبايا 2 (2010) شخصية سامي (الذي يمثلها فادي صبيح) وهو شاب رقيق تغلب على تصرفاته وطريقة لباسه وسلوكه الصفات الأنثوية رغم ضخامة هيئته. رغم أن الهدف الأساسي من تقديم هذه الشخصية هو الكوميديا، إلا أن جدلاً واسعاً وقع في ذلك الحين بين كاتبة الجزء الأول من مسلسل صبايا رنا الحريري وكاتبي الجزء الثاني مازن طه ونور الشيشكلي حيث اتهمت رنا كلاً من مازن ونور بتقديم نموذج عن المثلية الجنسية عبر شخصية سامي يتنافى مع ما تعتبره قيم وعادات المجتمع.
خصّص مسلسل ناطرين (2013) حلقة من حلقاته بعنوانإحساسغريب لموضوع المثلية الجنسية بين الرجال بشكل مباشر ولكن دون التسمية الصريحة للعلاقة والمشاعر المتبادلة. اعتبر كثير من نقاد الدراما السورية أن هذه الحلقة كانت طرحاً جريئاً لموضوع المثلية الجنسية من خلال تصوير مشاعر غيرة رغيد ( يجسد دوره الممثل محمد فرزات) على صديقه نبيل (يؤدي دوره الممثل مصطفى المصطفى) من ياسمين (تجسد دورها الممثلة رزان أبو رضوان) المغنية الشابة التي تُحب نبيل ويُعكر وجودها دينامية العلاقة ما بين الصديقين.
المسلسل اللبناني-السوري عشقالنساء (2014) يتضمن قصة خروج من الخزانة (Coming out) من خلال تسليط الضوء على حياة نديم (الذي يؤدي دوره الممثل اللبناني جو صادر) الذي يعترف في منتصف المسلسل لوالدته غادة (التي تقوم بدورها الممثلة اللبنانية ورد الخال) بأنه مثلي جنسياً. لكن غادة وبالرغم من أنها طبيبة وصاحبة مستشفى وتعيش علاقة حب خاصة مع صديق العائلة المحامي عادل (يؤدي دوره الممثل السوري باسل خياط)، لا تتفهم ابنها وترفض هويته بشكل قاطع. تنتهي قصة نادربالانتحار. وتتماشى هذه النهاية مع الصورة النمطية التي تنتشر في الإعلام عند تناول قصص الخروج من الخزانة وتُعرف بـ"bury your gays trope" التي تنتهي بها كل قصص الشخصيات المثلية بنهايات حزينة كالانتحار والقتل وفقدان الرشد.
حتى لحظة كتابة هذه المادة، يُعتبر المسلسل السوريقلمحمرة (2014) العمل الدرامي الأكثر جرأة وواقعية من حيث تصويره لمجتمع الميم السوري. أحد الخطوط الأساسية في المسلسل قصة نورس (يؤدي دوره مصطفى سعد الدين)، الطالب الجامعي في كلية الفنون والذي يُفضل العزلة الاجتماعية بسبب صراعه مع هويته الجنسية ورفض أسرته لتقبل الموضوع. بينما يُحاول نورس الانتحار في الحلقة 14 إلا أنه يتجاوز ذلك ويخوض كما باقي الشخصيات صراعه الوجودي مع الزيف الاجتماعي في فترة ماقبل وبعد الثورة السورية. النقطة الأقوى في تناول قلم حمرة لموضوع المثلية الجنسية أن العمل لا يفصل بين الهوية الجنسية والسياسية لنورس. ففي الحلقة ٢٤ عندما تعرض عليه مديرة غاليري فرصة الشهرة والمنح الدراسية للغرب لترويج أعماله الفنية بناء على ميوله الجنسية واضطهاده من قبل المجتمع، يستاء نورس ويرفض الموضوع. وفي نهاية المسلسل، بينما تسافر معظم الشخصيات لخارج سوريا ويستقر الكثير في لبنان، يختار نورس البقاء في البلد ويساعد في الأعمال الإغاثية.
يؤكد تاريخ المنطقة العربية أن التمثيل الإعلامي لقضايا الهوية الجندرية والتعددية الجنسية له تبعات سياسية على شعوب المنطقة. لذا فوسط الاهتمام الإعلامي العالمي الحالي بقضايا مجتمع الميم في إطار الحرب السورية، من المهم تسليط الضوء على الإنتاجات الثقافية التعبيرية المُقاومة للصور النمطية كمسلسل قلم حمرة والتي تلقي الضوء على مدى تعقيد وتقاطع الهوية السياسية والجنسية والطبقية لأفراد مجتمع الميم. فالتمثيل الإعلامي المُقارب لواقع معاناة مجتمع الميم لا يفصل ما بين هذه المعاناة وباقي أشكال القمع والاضطهاد والقتل التي تستهدف المجتمعات المحلية في ظل الحروب الحالية التي تعصف في دول كسوريا.