رغم أن المرأة السورية حصلت على حق الانتخاب في عام 1949، وبحلول العام 2012 وصلت نسبة عدد المقاعد البرلمانية النسائية 12 بالمئة، ورغم أنها شغلت منصب نائبة رئيس ووزيرة ونائبة وزير ومديرة عامة، وأن نسبة العاملات بحلول ٢٠٠٩ بلغت ١٦ بالمئة من حجم القوى العاملة حسب مسح أجراه المكتب المركزي للإحصاء، إلّا أن هذا لم يحررها من عبء ما يحتويه القانون وقانون الأحوال الشخصية من تمييز ضدها مقابل دستور كان نظرياً يعترف بها كمواطنة متساوية، ولكن عند وضع القوانين تعرضت لشتى أنواع انتهاك حقوقها ومعاملتها كمواطن من الدرجة الثانية.
ورغم ما تشدقت به السلطة السورية لسنوات طويلة حول دعمها للنساء وتصدير صورة للخارج مزينة بالنساء الفاعلات في المجتمع واستغلال مشاركاتهن في مراكز صنع القرار وسيلة لتجميل السلطة والدعاية لها؛ فإنّ وضع النساء السوريات في القانون السوري وقانون الأحوال الشخصية خاصةً كان مزرياً ولا يرقى لمفهوم المشاركة المتساوية. فضلاً عن ذلك فإن نساء السلطة في مراكز صنع القرار والهيئات العامة كنّ في غالب الأحيان وسيلةً بيد السلطة صانع القرار الحقيقي التي تُمرر وتُملي إرادتها عبر ممثلاتها دون اعتراضٍ منهن على هذا حتى لو كانت النتيجة مزيداً من انتهاك حقوق النساء.
ولم تقم السلطة على التوازي مع عملها لتلميع وضع المرأة صورياً بالعمل على تطوير وتمكين السوريات ليتمكنّ من فهم وإدراك حقوقهن وتثقيفهن حول مضامينها وحثهن على العمل لتغيير واقعهن وكل ما يتعارض مع حقوقهن من قوانين وأعراف وعادات مجتمعية، فهي كانت تحابي السلطة الدينية وتتجنب الوقوع في صدام معها. وبالعكس أتاحت لها مزيد من الامتيازات تمكنت السلطة الدينية عبرها من تكريس التمييز ضد المرأة وانتهاك حقوقها. وأتاحت للسلطة الدينية فسحة غير قليلة تؤثر فيها في قاعدة المجتمع وتدفع باتجاه ممارسة عادات وتقاليد وأعراف كان المجتمع السوري في طور قبول تغييرها جذرياً كزواج القاصر ووجوب تعليم الفتيات. ولعبت السلطة الدينية دوراً كبيراً في الإمعان بتجهيل المجتمع وأنتجت ردّة دينية لم تقف بوجهها السلطة السياسية لأنها تناسبها في إحكام القيد حول المجتمع وتمكّنها من إدارته بالتساوي مع رجال الدين نتيجة تأثيرهم المتزايد على المجتمع ويتم عبرها تغييب المنطق والعقل وحقوق الإنسان. هذا الوضع جعل الطرفين متكاملين في تحقيق أهدافهما ببقاء حال السوريين على ما هو عليه بل وأسوأ يوماً بعد يوم تحل الثقافة الدينية بديلاً عن الثقافة السياسية والاجتماعية التي من الممكن أن تقضي على السلطتين معاً.
اليوم وبعد سبع سنوات من حراكٍ سوري بشّر في بداياته بالتغيير لا زالت السلطتان المعارضتان السياسية والدينية على المقلب الآخر تقوم بنفس أدوار السلطة السورية والسلطة الدينية التابعة لها. ففي حين تستخدم السلطة السياسية المعارضة تواجد النساء فيها لتجميل صورتها تماماً كما فعلت السلطة السياسية الحاكمة في سوريا وفي حين تطالب نساء المعارضة السورية بكوتا 30 بالمئة لتمثيلهن فيها تجدهن يلعبن نفس دور النساء المُعينات من السلطة الحاكمة والمنتخبات شكلياً ويصبحن في تلك التشكيلات تابعات لكل ما يتم تبنيه من سلطة المعارضة السياسية (وجزء كبير منها ذا مرجعية دينية قامت بالمزج بين نوعي السلطة السياسية والدينية) ويحابينها ويتجنبن ذكر شكل الدولة المرتجاة لتحقيق الديمقراطية والمواطنة المتساوية إرضاءً لها. كما يتجنبن ذكر تعارض حقوق الإنسان عامة والنساء خاصة مع التشريعات الدينية والتي استُمد منها قانون الأحوال الشخصية التي اتسمت أغلب مواده بالتمييز ضد النساء، وفي أحيان كثيرة تشارك نساء في قضايا عناوينها نسوية لكنهن لا يؤمنّ بحقوق النساء. كما تشارك نسويات من باب نيل الرضا أو الإيهام بقدرتهن على تقبّل الآخر المختلف من خلال العمل مع مجموعات دينية تكرّس الانتماء الديني أو الانتماء لحزب ديني ولا يمكن أن تكون يوماً مناصرةً لقضايا النساء خارج أيديولوجيتها أو ثقافتها المجتمعيّة.
فهل القضية مجرد تحديد كوتا ستكون نساء المقدمة هن المستفيدات منها في المرحلة الانتقالية وما بعدها، أم أن الكوتا هي خطوة أولى لتفعيل دور كل السوريات على اختلاف ثقافاتهن وأوضاعهن الاجتماعية في مناطقهن ومجتمعاتهن المحليّة وضمان تواجدهن في مراكز صنع القرار؟ هل الكوتا مطلب نخبوي لنخبة أم هي مطلب حق لنساء شعب بأكمله تم تغييبهن خلال سنوات طويلة وانتهاك حقوقهن؟
إن مشاركة النساء في التفاوض ولجان وضع الدستور ستنتج فقط إنتاجاً نظرياً شبيهاً بإنتاج الدستور السوري فيما يخص المواطنة المتساوية للنساء والتي بقيت حبراً على ورق مقابل مواد قانون لم يتوافق فيها مع الدستور ومقابل قانون أحوال شخصية انتهك بشكل مباشر حقوق النساء.
إذاً وماذا بعد جندرة الدستور على الورق؟ وماذا بعد تجاهل حقيقي للعمل الجدي مع النساء السوريات وعلى قضايا المرأة السورية؟
إن العمل على قضايا النساء ومساواتهن وتمكينهن من مراكز صنع القرار وتحسين وضعهن لا يمكن أن يتم بشكل عمودي فقط إن لم يترافق مع العمل بشكل أفقي على القاعدة، فهو عمل من المفترض أن يكون عاماً وشاملاً لكل النساء السوريات.
سبع سنوات لم تتمكن المنظمات النسوية تحديداً (وليس النسائية التي هي فعلياً جمعيات خيرية) من بناء قواعد نسائية جماهيرية ولو صغيرة من السوريات؛ ولم ترفع ثقافة السوريات حول وضعهن في القانون وما هي حقوقهن المعترف فيها دولياً وماهية مفهوم النسوية. وربما لا أبالغ لو قلت إن هناك من ناشطاتها من لا يملكن تلك الثقافة، فما المجدي لو أن الكوتا كانت 30 أو 50 بالمئة ان لم تكن السوريات مؤمنات بحقوقهن ويفهمنها ويتبنينها ويطالبن بها ويدافعن عنها ويحملنها؟ ستكون نتائج أي أنتخاب ممكن إجراءه وعلى جميع الأصعدة نتائج مخيّبة لأن النساء طالما هن بهذا الحال لن يكون صوتهن إلا صوتاً عاكساً لصوت الذكور الذين يحكمون مجتمعاتهن؛ وبالتالي سيكنّ وصوتهن مجرد أداة لتكريس انتهاك حقوق النساء والعودة بهن إلى الخلف بدلاً من المسير نحو تحسين وتطوير وضعهن.
إن العمل النسوي وفق ما يجري حالياً يحتاج للخوض بتجاربه وطرحه جدياً لفهم آلية عمله المخيبة للآمال. لكن يمكننا القول وقبل الخوض في تفاصيل سقطاته أنه بالشكل الحالي عمل نخبوي يتجاهل القاعدة، وستحصد السوريات لسنوات طويلة نتائج هذا التجاهل. وعند أول تجربة انتخابية قادمة أو التصويت على بنود دستورية أو مشاريع قوانين في السنوات المقبلة سنرى أنّ الحصيلة ضعيفة بأحسن الأحوال إن لم تؤدي إلى التراجع عن المكاسب الحالية.
إن التركيز على الشكل العامودي للإنجازات يُنتج إنجازات نظرية ومكاسب نظرية للنساء ولن تتحول هذه الإنجازات إلى نتائج فعلية على أرض الواقع وستفقد كل قيمتها عند البدء بإعادة البناء. يجب أن تدرك المنظمات الدولية التي تُعنى بشأن النساء أن العمل بشكله الحالي لا يمكنه أن يبني مستقبلاً مشرّفاً للسوريات ولا أن يطوّر ويحسّن وضعهن. لذا فإن هذه المنظمات مطالبة بالعمل مع المنظمات السورية الشريكة لها ومراقبة عملها وجدواه وحقيقته وتحويله من عمل يُستثمر فقط لتبرير التمويل دون أن يكون حقيقياً ومؤثراً إلى عمل يمكّن السوريات من التطوّر المعرفي والثقافي ويؤهلهن للمشاركة الإيجابية في نصرة قضاياهن.