مؤسسات وجمعيات مقاطعة داعمي إسرائيل في العالم بشكلٍ عام وفي العالم العربي بشكلٍ خاص، ذلك أن البطلة الرئيسية فيه "غال غادوت" ملكة جمال إسرائيل لعام 2004 أدت الخدمة الإلزامية في صفوف جيشه لمدة عامين. والتي لا تزال تضع اسمها في قوائم الاحتياط التابعة له. وبغض النظر عن السجال الذي يثيره موضوع المقاطعة في العالم وعن المواقف المتقاطعة والمتضاربة معه، إلا أنه في دعوته هذه انسجام تام مع منطقه، وبالتالي سيكون موقف المتلقي من الفيلم، متطابقاً مع موقفه من موضوع المقاطعة أصلاً.
لكن ما أثار اهتمامي أثناء القراءة عن هذا الموضوع مقال لأستاذة الفلسفة سارة ك دونوفان [1] نشر في 19 تموز في مجلة الفلسفة الأمريكية [blog[2 حاولت فيه الكاتبة تناول هذا الفيلم من منظور الفلسفة النسوية، في مقال معنون بـ "الفلسفة والمرأة العجيبة"، إقحام النظرة النسوية في تناول هذا الفيلم اضطر الكاتبة للذهاب مرتين إلى صالة عرض الفيلم، لتتوصل بعد ذلك إلى أربعة أسباب تجعل من هذا الفيلم موضوعاً للتفكير الفلسفي النسوي على حد تعبيرها:
ترى الكاتبة في النقطة الأولى أن فيلم المرأة العجيبة لا يقدم التنوع الذي تتميز به النسوية، لكن غياب هذا التنوع يوجب حضور النقاش حول غيابه، وهذا النقاش النسوي يدور بين نساء ورجال حقيقيين، من هويات وأجناس وأعراق وطبقات وتوجهات مختلفة، ويتميز النقاش النسوي كما تقول بالاستماع والحوار والتفاوض والخلاف بين الناس المختلفين عن بعضهم البعض. النساء والرجال الحقيقيون يتحدثون كثيراً عن المرأة العجيبة.
وتكمل الكاتبة في هذا السياق: الحوار سابق الذكر يشجع على التفكير الفلسفي حول الكيفية التي تسمح للحركة النسوية بأن تكون متجانسة، وكيف يمكن أن تتفاعل الثقافة الشعبية معها. وأنها اكتشفت ذلك عند الاستماع إلى الكتاب الذين يجادلون حول كون المرأة العجيبة بيضاء فهذا يعني أنها لا تمثل جميع النسويات، الأمر الذي يشير أيضاً إلى قلة تمثيل السود في هوليود. هناك من تحدث عن الفرص الضائعة لاكتشاف قضايا المثليين، بالمقابل هناك من رأى أن فيلم المرأة العجيبة هو فيلم نسوي بامتياز وهناك من اختلف مع وجهة النظر هذه. تقول: لم أتابع هذا النقاش لأصل إلى كلمة الفصل بما يتعلق بفيلم المرأة العجيبة بل لأرى عبر الحوار كيف أن الثقافة الشعبية تعكس التنوع أو تحجبه.
النقطة الثانية التي تذكرها الكاتبة: أن أفلام "البطل الخارق" هي قالب من القوالب الجاهزة في الثقافة النمطية حول الذكورة والأنوثة والتي بدورها تتحدد عبر ثقافة نمطية عامة، وهنا يصح السؤال هل تستطيع المرأة العجيبة أن تقدم جديداً ما يخلخل نمطية الثقافة المقولبة للذكورة والأنوثة؟ هل ستلقى قبولاً وإقبالاً إن فعلت؟ وهنا تقدم الكاتبة مثالاً من مشاهدتها لفيلم "Thor: Ragnarok". حيث تصف فيه البطل Thor كرجلٍ منسجمٍ مع ذكورته بعضلاتٍ مفتولة يحمل بيده مطرقة كبيرة،كما تذكر نماذج أخرى لأفلام الذكورة من هذا النوع مثل "Batman" ،الرجل الحديدي، وأفلام أخرى. لتشدد على أنها تدرك لماذا لم تستفز لمشاهدة إبراز العضلات في الحركة البطيئة عند Thor كما استفزت عندما رأتها في فيلم المرأة العجيبة. وهنا تثير الكاتبة فكرة الموضوعية، ذلك أن Thor رجل أبيض، وهو معترف به ومحدد في الثقافة الأمريكية الأمر الذي يجعله محصناً من الانتقاد، بينما المرأة أو الناس من ألوان أو أعراق مختلفة هم دائماً في مواجهة النقد، وبذلك لم تتهدد موضوعية الحكم على فيلم Thor كما هُددت في فيلم المرأة العجيبة. لكن الموضوعية ليست النقطة الوحيدة التي تثار في هذا السياق، ذلك أن الدور المحوري هو القتال البدني الذي يحمل آثاراً ثقافية عميقة. وهو نموذج يتم فيه الخلط بين القوالب النمطية في الثقافة الأمريكية والتي تصور الذكور بوصفهم مقاتلين معتدين، بينما تصور الإناث بوصفهن أمهات ووصيات على البشرية. وبالتالي تطرح الكاتبة التساؤلات التالية: ماذا يعني أن تأخذ المرأة العجيبة دور المحارب؟ هل يمكنها القتال بالطريقة الذكورية دون أن تكون مضطرة للتخلي عن دورها في الدفاع عن الحياة؟ كم من الوقت سيمضي لتستطيع القتال بطريقة تتجاوز المعايير السائدة؟ وكيف سننظر إلى ما نشاهده؟
النقطة الثالثة:
تتلخص بأن شخصية المرأة العجيبة تكاد تتجاوز الثمانين منذ رأت النور للمرة الأولى كشخصيةٍ كرتونيةٍ، ويكاد يغفل هذا الأمر حين مشاهدة الفيلم لعام 2017. لكن هذا لا يلغي أن المرأة العجيبة هي شخصية تم تطويرها من قبل العديد من الكتّاب، مع سرديات متقابلة ومتضاربة تعكس المعايير الاجتماعية وانتقاداتها. يرزخ فيلم المرأة العجيبة ـ كما ترى الكاتبة ـ تحت عبء كبير يُعنى باستنطاق الأجيال عبر المستويات المختلفة للمرأة العجيبة، وعبر الكشف عن القوالب النمطية للثقافة الجنسانية، ووضعية المشاهدين، وإظهار نمط البطل في المراحل المختلفة وأيضاً نمط المرأة الخارقة الذي يخلقه الرجال. وهذا ما يستحق البحث والتعمق وليس مجرد نظرة خاطفة.
وتكمل النقطة الرابعة:
إن هذا الفيلم يدشن مرحلة جديدة ذلك أنه الفيلم الأول المخصص للمرأة العجيبة، هو الحلقة الأولى من قصتها، الأمر الذي يجعل ديناميكيات النوع الاجتماعي تبدو أقل جنسانية. تقول الكاتبة إنها حين رأت الفيلم للمرة الأولى، أزعجها أن البطل ستيف يدفع البطلة ديانا للمبادرة، وهو من أحبها قبل أن تكتشف قوتها السحرية، وفي المرة الثانية التي شاهدت الفيلم خفّت هذه الانفعالات، إذ اكتشفت أن البطلة إلهة خارقة بدت ساذجة فقط في الموقف الأول لها في التعامل مع البشر خارج الفردوس، وبالرغم من أن ستيف أحب ديانا واحترمها لا لجمالها البدني وحسب وبالرغم من أنه كان أحب المرأة العجيبة عبر الفيلم إلا أن موته وغيابه عن تتمة الفيلم لم يقد البطلة إلى الانهيار.
وتنهي الكاتبة تلك النقاط بقولها أنها في خاتمة هذه الجولة تعلّق الحكم حتى ترى ما ستؤول إليه شخصية المرأة العجيبة فيما بعد.
في نهاية المقال تُشير الكاتبة إلى أن تلك النقاط الأربع التي أثارتها لا تتضمن مقولات كبرى عن النسوية لكنها قد تكون فرصة تقود المخرجين والمنتجين إلى الاستماع لجمهورهم والاستفادة منهم، كأن تكون الممثلة من لون مختلف، على سبيل المثال كيفية التعامل مع إشكاليات من قبيل كيف يمكن حل تحدي اللون الأبيض للممثلة؟ إن مثل هذا السؤال وأشباهه هو ما سيطور شخصية المرأة العجيبة في الأجزاء القادمة. وهذا ما ستفعله حقاً.
في السرد السابق الأفكار الرئيسية للمقال، حتى لا نكاد نغفل فكرة أساسية واحدة، مثل هكذا مقال كان سيكون متعة ثقافية ترافق التجوال في منتجات الفكر النسوي، تشيد بالتقاط الكاتبة لنقاط تستطيع عبرها توجيه الأعمال السينمائية القادمة نحو نموذج للمرأة أكثر انسجاماً مع المثال النسوي للمرأة بالعموم، أو حسب تعبير الكاتبة امرأة متماهية مع أنوثتها، وربما نختلف معها في تفاصيل الرفض والقبول للمنهج النسوي بالعموم أو الحوار حول النقاط التي أثارتها لو لم يكن الفيلم بالبعد الواقعي منه "ونقصد هنا شخصية بطلته الحقيقية" يمثل نموذجاً فاقعاً للمنهج المضاد للنسوية والمكرس لقيم الذكورة المهيمنة اجتماعياً، بل وأكثر من ذلك شخصية البطلة الحقيقية ووضعيتها الاجتماعية تتناقض مع القضية الإشكالية الأكثر شهرة في العالم وهي القضية الفلسطينية، هل يعقل لأستاذة فلسفة النوع الاجتماعي أن تتغافل عن أن البطلة في شخصيتها الحقيقية عبرت وتعبر عن صهيونيتها السياسية، وموقفها من الشعب الوحيد في العالم الذي يناضل ضد الاحتلال المباشر الوحيد والذي يسلبه هويته وقوميته وحقوقه وأرضه ويعامله بوصفه نوعاً إنسانياً من الدرجة العاشرة. إن شخصية بطلة الفيلم نموذج يهدم منطق النسوية والنوع الاجتماعي "الجندر" من داخله، لأسباب لا تحتاج إلى الذهاب مرتين إلى صالة العرض وربما لا تحتاج أيضاً إلى مشاهدة الفيلم إن كان يُراد له أن يكون موضوعاً متعلقاً بالنوع الإنساني أو النسوية وذلك للنقاط الأربع التالية:
1- شخصية البطلة الواقعية شخصية مقاتلة ومحاربة، واسمها موجود على قوائم الاحتياط لجيش "بلدها". وهي بذلك تجسد معايير الذكورة الثقافية وتستبطن دونية صفات المرأة وفق ما طرحت الكاتبة من رغبتها في حفظ الحياة بدل هدرها.
2- البطلة ملكة جمال "إسرائيل" لعام 2004، وأن يتم اختيار ملكة جمال لبطولة فيلم يكرس المرأة العجيبة، هو اختزال سافر لشخصية المرأة ببعد الجمال الجسدي، الأمر الذي أشارت إليه الكاتبة بخجل حين تحدثت عن السمة الإيجابية لحب ستيف البطل للبطلة ديانا المبني على الاحترام لا الإعجاب بجمالها مع حضور هذا الإعجاب، وهنا أيضاً وضمن النسويات وفي هذا البند هل تجهل الكاتبة حقاً أن البطلة هي ملكة جمال حقيقية!
3- البطلة التي تجسد المرأة العجيبة مواطنة في دولة مختلف حول شرعيتها تمثل ثمرة للتواطؤ العالمي ضد الشعوب، وتمثل حلاً نابذاً ليهود العالم مكرساً رفض العالم الغربي لهم عبر جمعهم على أرض يستميتون لاثبات أن تاريخها جزء من ماضيهم بالقوة والفرض، يستبطنون دونيتهم بفرض هويتهم على شعب المنطقة المحتلة، يكرسون سلب كل القيم التي تناضل فلسفات الجندر والنسوية إلى تجاوزها. بالحط من شأن يهود العالم والفلسطينيين بنسب متفاوتة.
4- البطلة بشخصيتها الحقيقية تعبر عن نفسها بعيداً عن اللون والعرق على صفحات التواصل الاجتماعي بشكل يستفز كل المنتمين لحقل النوع الاجتماعي بل المؤمنين بحقوق الإنسان. كتبت غادوت تعليقاً على صورة تظهرها وابنتها تؤديان الصلاة اليهودية، وتصليّان للجنود الإسرائيلين الذين يهاجمون غزة في عدوان أدى إلى قتل 1640 فلسطينياً وإصابة أكثر من 8000 معظمهم من المدنيين: جاء فيه: «أبعث حبي وصلاتي لأبناء بلدي الإسرائيليين، وخاصة لجميع الفتيان والفتيات الذين يخاطرون بحياتهم لحماية وطني ضد الأفعال المروعة التي تقوم بها حماس، المختبئة مثل الجبناء خلف النساء والأطفال ... سنتغلب عليهم[3]" كل عبارة من هذا التعليق تحتاج إلى تعليقات من رجالٍ ونساءٍ حقيقين معنيين بالجندر حقاً!!
نتساءل ألم تلفت نظر الكاتبة الانتقادات التي طالت شخصية البطلة في العالم عن هذا الفيلم وغيره، وهل حقاً لم تسمع بدعوات المقاطعة له في العالم العربي وهي المعنية بـ "المركز قليلاً وبالهامش كثيراً". الأمر الذي يقتضي الذكر أو الإشارة أو التلميح، هل الثقافة الشعبية التي تشير إليها في نقاشاتها لا تعني سوى الثقافة الغربية الشعبية وحسب! منطق الجندر والنسوية في هذا التحليل متهافت ومتناقض ذاتياً.
وبذلك ربما نتفق مع الكاتبة، نعم ربما نعرف إلى أين سيتجه تكريس نموذج المرأة العجيبة في عالم النسوية، لكننا نختلف في نقطة بسيطة ترى أن هذا النموذج هو النقيض لما تطمح إليه النساء بالعموم خاصة إن كانت هذه هي البداية.