يسعى مقتدى الصدر إلى جعل تيّاره، عامل توازن شيعي في العراق، إزاء الطموحات الإيرانية بدفع جماعاتها المسلحة إلى الواجهة السياسية في الانتخابات النيابية المرتقبة عبر "تحالف الفتح"، وعلى رغم العداء الأيديولوجي بين الصدريين والولايات المتحدة الاميركية، إلاّ أن الأخيرة باتت تتقبل هذا العداء كجزء من الدينامية الاجتماعية والسياسية للتيار في العراق للحفاظ على إرثه "الثوري"، فيما يتفهم الصدريون أن الدور الأميركي مفيد لحراكهم ومستقبلهم الذي يريد التملص من الكمّاشات الإيرانية، شريطة ألا يحقق الطرفان تقارباً مباشراً يفضي إلى نسج علاقة صريحة بينهما. يملك الصدر خطوط تواصل غير مباشرة مع واشنطن، منها عبر دعمه لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وعلاقته التي تبدو جيدة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودول أخرى في المنطقة. لذا فإن الرسائل غير المباشرة المتبادلة تبدو أكثر نفعاً من العلاقة الواضحة.
نجح الصدر بإحاطة نفسه بسلسلة علاقات نفعية جيدة مع الإقليم العربي، ووثق علاقته مع العبادي الذي بدا مرتاحاً لهكذا نوع من الشراكات السياسية التي لا تؤثر على طريقة إدارته للسلطة، رغم أن الصدر يملك ميليشيا قوية قادرة على نفض البيت السياسي في العراق وتقويض "أسطورة الاستقرار"، فيما زعيمها يتحرك في سائل سياسي متلون لا يخضع لمبدأ سوى البقاء كمهيمن إقطاعي يلبس العمامة على مساحة هائلة من الأتباع الذين يقدسون تلوّنه.
تبدو الشراكة بين الصدر – العبادي، مدعومة من المرجعية التقليدية في النجف التي يرأسها آية الله السيستاني، وكأن مكتب الأخير ينظم تلك العلاقة ويدفع بالطرفين إلى احتلال مكانة متقدمة من التحالف الذي يضمن بقاء إيران بعيدة عن رئاسة الحكومة بوجود قوة سياسية وجماعة مسلحة مطيعة (سرايا السلام) تمثل ضداً نوعياً للميليشيات المدعومة من إيران، وتلك العلاقة أيضاً تضمن تحجيم التمدد الاميركي في العراق.
ولم يطلق الصدر مواقف حادة تجاه رغبة الكُرد بالانفصال عن العراق، فيما عزز صلته النفعية عميقاً بما بات يُعرف بـ"التيار المدني" والحزب الشيوعي العراقي، بتحالف انتخابي، أنهى به الفيتو الديني على التعامل مع "العلمانيين"، ففي انتخابات سابقة أفتى آية الله كاظم الحائري، أحد المراجع المسموعين لدى التيار بـ"حُرمة انتخاب العلماني"، وهذه الفتوى تستند على إرث الفتاوى المُشيْطنة للشيوعيين. المرجع الأكبر للصدريين (والد مقتدى) محمد محمد صادق الصدر، اعتبر الشيوعيين "أنجاساً" في كتابه "مسائل وردود" - في مسألته المرقمة (102) الجزء الثالث ص 28 –:
[- هل من يدعي الشيوعية نجساً؟/ ج: مع الاعتقاد الذي يستلزم إنكار أصول الدين، أو ضروريات الدين، يعتبر نجساً].
في أواخر الخمسينيات كفّر زعيم الشيعة حينها آية الله محسن الحكيم، الحزب الشيوعي في غمرة تقاربه مع عبد الناصر والإخوان المسلمين بظل موجة العداء مع حكومة عبد الكريم قاسم التي كانت تأخذ نهجاً علمانياً في إدارة السلطة.
عقب العالم 2014 ركب الصدر موجة الاحتجاجات "المدنية" لمكافحة الفساد، لكنه – الصدر - ما زال يحتفظ بميليشيا مسلحة منذ 2003، يرفض حلّها، وفي الأوقات التي بدت الضغوطات فيها رهيبة، يعمد إلى خيار "التجميد" أو تغيير اسم المجموعة المسلحة، والإعلان عن الخصائص الجديدة لها، ويرسم زبائنية مبتكرة للسلاح الذي يحافظ عليه في كل مرة.
أعلن مقتدى الصدر عن تشكيل ميليشيا "جيش الامام المهدي" في مسجد الكوفة بالنجف، كخطوةٍ رمّزيةٍ تمتد إلى الروايات التاريخية الغامضة عن نهاية العالم بظهور الإمام الثاني عشر لدى الشيعة واتخاذه للمسجد نفسه كواحدٍ من مراكزه التبشيرية.
بمنتصف تموز 2003 أطلق الصدر ميليشياه ردّاً على تشكيل سلطة الاحتلال المؤقتة "لمجلس الحكم العراقي"، وبموازاة ذلك ابتدع لنفسه خطاً راديكالياً بطموحه إلى "تأسيس دولة إسلامية تسعى لتطبيق الحكم الشرعي (...) عبر جيش إسلامي مطيع لمراجعه وقواده"، هذه النظرة الخلاصية أدت إلى تفريخ الكيانات المُسلحة في المقسم الشيعي قبالة التفريخ الحاصل على المقسم السُني، وربما أن اغلب الجماعات الشيعية المُسلحة خرجت من بطن التشكيل الأول للصدر، وتنامت فيها بعد وصولاً إلى تشكيل "الحشد الشعبي".
وعِبْر الميليشيا خاض الصدر معارك مُدمرَةٍ ضد السلطات العراقية. مرتان بدافع مقاومة الاميركيين وثالثة ضد الحكومة مباشرة في البصرة، عوضاً عن خروقاتٍ كثيرةٍ بين آونة وأخرى، كان آخرها قتل قائد (لواء 57 قوات خاصة) العميد شريف إسماعيل المرشدي، وهو أيضاً رئيس جهاز حماية رئيس الحكومة حيدر العبادي، في سامراء، حين كان في طريقه إلى الموصل لتأمين زيارة العبادي إليها.
يخشى الصدر من استقواء خصومه المدعومين من إيران عليه – أبرزهم المنشقون عنه قيس الخزعلي وأكرم الكعبي- كما يخشى أن تتحول الدولة إلى عنصرٍ معادٍ له إذا ما استطاعت القوى التي تدين بالولاء الديني للمرشد الإيراني الوصول إلى السلطة، لذا هو يحافظ على تلك القوة بوصفها جزءاً من نظام الردع الذي يُطوره سياسياً. ولَعلَّ طهران تَنَبّهت إلى نظام الرّدع الذي يبنيه الصدر بمعاونة الشيوعيين، حينَ أعلن علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي أن بلاده لن "تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم".
دعم الصدر، وهو شابٌ ينحدرُ من عائلة دينية تقليدية تطالب بتطبيق "الشريعة"، الحراك الإحتجاجي في العراق، وبات يُطلق على نفسه "راعي الإصلاح"، لكنه بموازاة ذلك يحتفظ بوزراء ومسؤولين كبار في الحكومة العراقية التي يتفشى فيها الفساد، وشَنّ هجوماً لاذعاً ضد مفوضية الانتخابات مطالباً بتغييرها، وهدأت حدة انتقاداته تجاهها بعد أن صار له معقدٌ يضمن عبره من تثبيت حصّته من المقاعد في البرلمان المقبل.
إشكالية محاربة الفساد في العراق تتحرك ضمن الزبائنية السياسية وموجهاتها الدعائية الشعبوية، تفتقر إلى إرادة المحاسبة الحقيقية فيما تظل أدواتها بعيدة عن ملاحقة الفاسدين وتقديمهم إلى العدالة، وتشتغل في إطار الترضية والتصفية بين الخصوم السياسيين، فحتى الاستجوابات التي تُطرح في مجلس النواب وتُطيح بوزراء أو مسؤولين فاسدين كبار، تتحرك داخل إطار تحقيق التوازنات، والكيفية التي تحافظ بها تلك الجماعات السياسية النفعية على مصالحها الاستراتيجية.
لم يستطع الصدر تقديم أيٍ من سياسييه الفاسدين إلى القضاء، بل تحرك بعيداً عن سلطة الدولة التي يدعي أنه متكفل بحمايتها والخضوع لها، وأسس لنفسه مكتباً للمحاسبة والتطهير. وعَمَدَ على غيرِ مرَّةٍ إلى احتجاز أتباعه عُرّفياً كعقوبة لهم على عصيانهم كحادثة احتجاز نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الاعرجي لثلاثة أشهر وتجريده من تمثيله سياسياً لتياره. هذه الممارسة تكشف عن طبيعة الهيمنة التي يفكر بها الصدر والتي يريد أن يدير بها السلطة في المستقبل، كما أن مبدأ الحفاظ على الدولة وصلاحياتها الحصرية هو مجرد غطاء للقيام بأعمال غير مشروعة تحت عنوان محاربة الفساد، يقوم الصدر بخرقها دائماً، ومثالاً "أزمة مطار النجف"، وتوجيهه وفداً إلى وزارة الكهرباء للإطلاع على "العقود". وعملياً يقبض الصدر على إدارة مديريات وزارة الكهرباء في الجنوب والفرات الأوسط.
فيما يغذي جزيرته السياسية ويُنميها عبر حلقات من المنتفعين وخطوط الولاء الشعبي، وأخيراً بالتحالف مع الشيوعيين، الذي مارسوا أفظع انتهازية سياسية بتاريخهم بالتحالف مع الرجعية الدينية المسلحة والمسؤولة عن انتهاكات وتفريخ الميليشيات.
تحالف أقدم وأعرق حزب عراقي علماني أيديولوجي (الحزب الشيوعي العراقي) تمتد خبرته السياسية على مدى 84 عاماً، مع تيار ديني رجعي شعبوي مسلح، يفتقر إلى الخبرة السياسية والإيمان بالسلمية في إطار الصراع السياسي، لم يمض على تشكيله سوى 15 عاماً، وعلى تشكيل حزبه "الاستقامة" سوى أشهر قليلة، نكسة هائلة للماركسية واليسار العراقي، ونهاية مؤسفة ومؤلمة لانفلاش الإيمان بتحرير الفرد من الاستغلال وتلميع الرجعية بوصفها جزءاً هاماً من منظومة الفساد والتدمير الاجتماعي وعرقلة التنمية وتحطيم بناء الدولة. وبهذا التحالف فقد الحزب الشيوعي شرعيته اليسارية والماركسية وبات حزباً طفيلياً يسعى إلى مكاسب رخيصة على حساب فكرة وجوده الأساسية. إنها طفيلية تلازم اختطاف الحزب دائماً من قبل القيادات التي تطفر إلى الواجهة وتمارس اغتصابها الانتهازي فيما تظل القاعدة مؤمنة بالماركسية لكنها مقموعة بجهاز القيادة.
جرّب الحزب المختطف من قبل القيادات الانتهازية تحالفات مريبة وسطحية وساذجة لا تنم عن وعي بقدر ما تؤشر على هشاشة، فالحزب تحالف مع العسكر في 1958، وارتكب فظائع في قمع حركة الشواف في كركوك والموصل، ليقمع بعدها من قبل حليفه العسكري اليميني، وموقفه غير المسؤول من حركة الكفاح المسلح في هور الغموكة أواخر الستينيات،
ومن ثم يعاود التحالف مع اليمينية القومية المتطرفة في السبعينيات بتحالفه مع حزب البعث في إطار "الجبهة الوطنية"، وحين غزت الولايات المتحدة العراق واحتلّته كان موقف الحزب مخزياً، بقبول ذاك الاحتلال ودخول "مجلس الحكم" على أساس "شيعية" سكرتيره العام "حميد مجيد موسى" لا على أساس شيوعيته. إن مثل هذه الانحيازات اليمينية تكشف مدى فراغ الحزب من يساريته، ومدى تحكم البرجوازية بمصيره. ولم تسمح تلك القيادات للحزب بعملية مراجعة شاملة لاستعادته.
وكان القيادي المخضرم في الحزب الشيوعي وعضو اللجنة المركزية حسان عاكف، وهو أشد المعترضين على التحالف مع الصدر، قد كشف بمقال مطول خفايا الدفع إلى هذا التحالف المريب، وأطلق دعابة متسائلاً: "كيف لحزب عمره 80 عاماً أن يتحالف مع حزب عمره شهرين؟".
وللسخرية مرارتها ايضاً، حين ظهر سكرتير الحزب رائد فهمي أكثر من مرة وهو يردتي بزات سوداء في زياراته إلى الصدر في النجف، وفي الزيارة الأخيرة وقف فهمي مع اثنين من أعضاء مكتبه السياسي مع قيادات صدرية لقراءة الفاتحة على قبر الصدر الأب. إن مثل هذه الممارسات تمثل إساءة حقيقية لتاريخ نضالي لحزب يمثل العلمانية العراقية وسط بحر هائج من الأسلمة والتمييز الطائفي. حتى أنه بذكرى تصفية محمد باقر الصدر في 9 نيسان 2018، وزّع بياناً يبين مدى تهشم الحزب الأيديولوجي داخلياً واختطاف مواقفه من قبل منتفعين تربطهم مصالح مع السلطة وأحزابها، وهي المرة الأولى التي يصدر بها هذا بيان كهذا، وكأنه يحاول استرضاء مقتدى الصدر بتغيير جلد الحزب. حتى أن الحزب ومرشحوه لم يحصلوا على المكانة التي تحترم حزبهم في لائحة سائرون الأنتخابية، فسكرتير الحزب مثلاً حلّ ثالثاً في ترتيب المرشحين لمحافظة بغداد. فالصدريون يجعلون من الشيوعيين مجرد دمى ملونة لتجميل محتوى بشع.
دائماً ما تجيء خطوات الصدر السياسية وكأنها قَفَزاتٌ كبيرة إلى مناطق لعب جديدة خارج الكمّاشات التي يجد نفسه محاصراً بها، لكنه بالتحالف مع الشيوعيين يحاول أن يوظف التناقضات المحلية والإقليمية لصالحه، ويهز الشجرة غير المستقرة للتحالفات في العراق مترقباً تساقط الخصوم منها، ومنها يصل إلى أقصى نفعية سياسية بالقفز من "المهدي" إلى "ماركس" على طريقته بإيجاد المقاربات الهشّة.
فهو يُصدر خطابه كمعادٍ للسياسة الإيرانية بالمنطقة، ويعارض بقاء الأسد بالسلطة، ويقترب كثيراً من الرياض وأبو ظبي، ويعزز سياسة رئيس الحكومة بالانفتاح العربي، وتحوّل إلى هراوة سياسية مطيعة بيّد المرجعية التقليدية في النجف، ويدعم توجهات حلّ الفصائل المسلحة لكنه لا يحل جماعته المسلحة على نحو مطلق ويحتفظ لنفسه بحماية واحدة من أهم مراكز الشيعة في سامراء المرتبطة بـ"قضية المهدي"، فهو دائماً يُبقي خيطاً رفيعاً ممدوداً بين قناعاته الخلاصية بوصّفها المنطقة المقدسة التي يُهيّمن بها على ملايين من الفقراء التواقين إلى العدالة المفقودة وبين طموحاته السياسية. لكن ذاك الخيط أيضاً مصدر قلق رهيب بوصفه مُحفزاً للتنظيمات السرية التي تدعي الصلة بـ"المهدي".
وبات واضحاً أن التحالف مع الشيوعيين مَثّل نكسة اجتماعية للجمهور الذي ينظر إلى الحزب كمُنقذ علماني للخروج من ورطة حكم الإسلام السياسي، لكن مع هذا التحالف الذي يبدو مُريباً لتنافر العقيدة، ابتلع الاسلاميون آخر حجرٍ في حائط الطبقة الوسطى المتهالك وهو يحاول الصمود أمام تردي الخدمات واستشراء الفساد والمحاصصة الطائفية.
ونظراً للمواقف الانقلابية للصدر على حلفائه، ونزعته غير المستقرة بالبقاء في جبهة واحدة، فأن المخاوف تتراكم إزاء انقلابه على الشيوعيين، لاسيما وأنه يحتفظ لنفسه بموضع ديني أيضاً، ويحرص على تراث عائلته المتشددة، فوالده آية الله الراحل محمد محمد صادق الصدر، يُصنّف كأبٍ روحيٍ لـ"الصحوة الفقهية الشيعية" في التسعينيات التي اندفعت قُبالة "الصحوة الإيمانية السُنية" التي قادها صدام حسين لتحصين سلطته من الانهيار.
فالصدر وأبوه حريصان على الشريعة. وخلال الأعوام الخمس الاولى بعد سقوط بغداد أنشأ الصدر محاكم دينية لمحاسبة غير الملتزمين، وتورطت ميليشياه بمقتل مئات النساء والرجال ولا سيما في البصرة.
والآن، تطفو التساؤلات عن الكيفية التي سيتعامل بها الصدر مع أسلمة القوانين في العراق بظل حِلّفه مع الشيوعيين، ولاسيما قانون الأحوال الشخصية أو منع الخمور أو مراكز السهر والحريات الخاصة. كيف يُمّكن السيطرة على العقيدة العميقة للصدر إزاء الأيديولوجيا الشيوعية المُناقضة له والتي يَصِفُها الحزب في أدبياته بـ"الرجعية" خلال سنوات الصراع على علّمنة القوانين والتشريعات والمجتمع بعد انقلاب 1958.
لا تبدو خطوات الصدر المقبلة واضحة، فالصراع الانتخابي يُغيّر باستمرار الوجهات المُستقبلية، وحتى اللحظة يبدو أن الزعيم الشاب هو الوحيد الذي حافظ على تماسك لائحته الانتخابية (سائرون) من التفكك، لكن تبقى حظوظه الانتخابية تُراوح عند مديات الطاعة العمياء لجمهوره الذي يرزح غالبيته تحت مستوى خط الفقر وسط فقر حظوظ الشيوعيين في خدمته انتخابياً، لكن بالتأكيد أن الصدر سيغدو قبّان التوازن الذي يسعى إليه الطامحون إلى منصب رئاسة الوزراء.
يدفعُ الاميركيون برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بقوة إلى تولي ولاية ثانية، لكن مخاطر ضياع الجهد الاميركي تبدو جدّية مع خصوم شرسين تدعمهم إيران احتشدوا بلائحة واحدة (الفتح)، واضعين بالاعتبار إعادة تموضع منصب رئاسة الحكومة بمقاسات جديدة، ومنها إخراج حزب الدعوة الحاكم من التوافق العُرّفي على تسنّمه لإدارة السُلطة منذ العام 2005. هذه المرة تُخلي القوى الشيعية مواضعها السابقة إلى جديدة، على أساس التنافس على السلطة لا على توزيعها، ويذهبون بعيداً إلى تشكيل "سلطة الأغلبية السياسية"، بمعنى أن الشركاء السُنّة والكُرد سيمثلون على أساس نسبهم، لا على أساس مبدأ التوافق السياسي بتوزيع السلطة.
لكن القناعة المؤكدة لدى الصدر أنه لن يستطيع القفز إلى السلطة، ولا يملك شخصية بارزة لترشحيها إلى رئاسة الكابينة الحكومية، غير أن المُشكلة العويصة التي تهدد كيانه بالكامل، فكرة المهدوية ذاتها، فالشاب الذي بدا متحمساً في صيف 2003 لظهور "المهدي" وهو يطل على أنصار والده الراحل بلحّيةٍ كثّةٍ وكفن أبيض، بات اليوم متخوّفاً من الفكرة نفسها، مع تنامي الجماعات السرّانية المؤمنة بـ"مقتدى" بوصفه هو "المهدي الغائب المنتظر" كجماعة "أصحاب القضّية".
ورغم أن الصدر يَشِنُّ حملات تطهيرية داخل تياره بحثاً عنهم، إلا أنه فشل بالوصول إلى الرأس التي تغذي الجماعة الغامضة، وسط انشطار هذه الجماعة إلى جماعاتٍ أصغر كُلما يُعثر على تفسير جديد لـ"مهدوية مقتدى الصدر". ويشعر الصدر أن هذا الحراك قد يقف وراءه خصومٌ لتحطيم سمعته كمعارضٍ يلبس العمامة ويحيط به الفقراء. لكنه يملك أيضاً أسطولا من مركبات حديثة وطائرة خاصة.