بعد قرابة ثلاثة عقود من الحملات والتحركات النسوية في السعودية، سيرفع أخيرًا منع النساء من قيادة السيارات في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران القادم. جاءت هذه الخطوة كجزءٍ من إصلاحات أوسع أعلنت عنها الحكومة السعودية في سبتمبر/أيلول لعام 2017. هدفت هذه الإصلاحات لكسر بعض القيود المفروضة على النساء التي تعيق حريتهن في الحركة وخروجهن إلى الفضاء العام، إلّا أن هذا القرار المتأخر لم يمثل إلّا كمًّا ضئيلًا من المطالب التي ناضلت من أجلها وطالبت بها النساء خلال هذه العقود الثلاثة، مثل رفع القيود عن مساهمة النساء في سوق العمل وإلغاء قوانين ولاية الرجل على المرأة. ردَّت الحكومة الحالية، مثل سابقاتها، على هذه المطالب بالحجة القديمة المعروفة نفسها بأنَّ المجتمع السعودي مجتمعٌ محافظ وأنَّ التغيير يجب أن يحدث تدريجيًّا وببطء وأنّ هذه القرارات سيتخذها المجتمع بنفسه، ولا يجب أن تُفْرَض عليه. ردُّها هذا وفر غطاءً لقمعِ الحكومة لأي محاولةٍ لبناء مؤسسات المجتمع المدني المستقلة.
أضف إلى ذلك أنَّ هذه الإصلاحات، رغم أنها تستحق الاحتفال، فإن فوائدها ستعود غالبًا على نساء الشرائح المترفة، مما سيترك أغلبية النساء دون تغيّرٍ معتبر في أوضاعهن الاجتماعية في وقتٍ صار التغيير الاجتماعي فيه حاجةً ملحة. فالعنف الأسري، على سبيل المثال، له أثرٌ بالغ على حياةِ النساء، حيث قال ثلاثة وخمسون بالمئة من الرجال السعوديين عام 2003 أنهم ضربوا زوجاتهم. أصبحت القضية هذه قضية رأي عام بعد محاولات عديدة من نساءٍ وشابّات حاولن الهرب من المملكة العام الماضي. إنَّ مغادرةَ البلاد هي أحد الخيارات القليلة المتوفرة لضحايا العنف الأسري، أو على الأقل لأولئك القادرات على تحمل تكاليفه المالية. ما قامت به الحكومة تجاه ذلك هو منعهن من الهرب من البلاد. وبعض هؤلاء النساء، مثل آمنة الجعيد، اختفين بعدَ ذلك ومصيرهن ليس معروفًا حتى الآن.
أطلقت مؤسساتٌ مرتبطة بالحكومة مثل مؤسسة الملك خالد عددًا من الحملات ضد العنف الأسري، شجعت النساء والأطفال على الاتصال بالخط الساخن للعنف الأسري. ولكن على الرغم من هذه الجهود، ظلت السلطات السعودية تعامل العنف الأسري كمسألة خاصة يجب معالجتها داخل المنزل. فيما عدا الاستمرار في العيش مع مُعنِّفيهن، وهو الخيار الذي تُجبَر أغلب الضحايا على اتخاذه، يمكن للنساء طلبُ حماية الحكومة، إذ يوضعن حينها تحت وصاية الدولة في ما يسمى بدور الرعاية في أوضاعٍ أشبه بالسجون، حيث التعسف والوحشية منتشران.
القضية الأهم والتي لا تعطى أي اهتمام كاف مقارنة بمنع القيادة هو أنَّ النساء ما زلن يعاملن قانونيًا كقاصرات غير قادرات على العيش حياةً مستقلة. فرغم الإصلاحات المذكورة أعلاه، ما زلن تابِعاتٍ قانونيًّا لولي الأمر الذكر: لا يمكن للمرأة أن تدخل الجامعة، أو تحصل على وظيفة، أو تسكن سكنًا مستقلًا، أو تغادر البلاد، أو أن تخضع لعمليات جراحية توليدية أو متعلقة بأمراض النساء، وإن كانت حياتها معرضة للخطر، دون موافقة ولي الأمر الذكر هذا. بل إنَّ النساء في السعودية لا يمكن إخراجهن من السجن وقت انتهاء محكوميتهن دون موافقة مكتوبة منه.
مع اقتراب الرابع والعشرين من يونيو/حزيران، وبعد أن صار ترقب الناس في البلاد وحماسهم محسوسًا، قمعت السلطات السعودية نفس أولئك النسويّات والنسويين والناشطات والناشطين الذين كانوا في طليعة هذه الحملة لهذا الحق الأساسي في قيادة السيارة. اعتُقِلَ عددٌ من الناشطات النسويات والناشطين النسويين في الخامس عشر من مايو/أيار، وفُرِضَ على عددٍ أكبر منهن ومنهم منع سفر. تبعت ذلك موجة أخرى من الاعتقالات في يوم السادس من يونيو/حزيران، مما زاد من هشاشة الوضع الذي تعيشه المواطنات والمواطنون السعوديون. أثار ذلك بطبيعة الحال شكوكًا كبيرة حول تلك الإصلاحات المزعومة التي أشار إليها الكثيرون في المجتمع الدولي بـ "ربيع السعودية العربي".
تضمنت الموجة الأولى شخصيّاتٍ معروفة مثل عزيزة اليوسف، ولجين الهذلول، وإيمان النفجان، وإبراهيم المديميغ، ومحمد الربيعة، ومعهم رجل الأعمال السعودي عمد العزيز المشعل وشخصٌ سابع لم يُعلَن عن اسمه حتى الآن.
عزيزة اليوسف مُحاضِرَة جامعية متقاعدة وناشطة في كلٍّ من الحملتين لإنهاء منع القيادة وحملة إسقاط الولاية. في 2016، حاولت عزيزة اليوسف تقديم معروض لمجلس الشورى يتضمن 14.7000 ويطالب بإلغاء قوانين الولاية على المرأة، ولم تتلقَ أيَّ ردٍّ يذكر.
لجين الهذلول ناشطة نسوية ومُؤَثِّرَة في شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد. وبسبب تحديها العلني لمنع القيادة عبر محاولتها القيادة عبر الحدود الإماراتية السعودية عام 2014، ومساهمتها الكبيرة في حملة إسقاط الولاية، لم يكن هذا أولَ اعتقالٍ تتعرض له لجين.
محمد الربيعة ناشط ومؤيد لكلا الحملتين. وأدار منتدى "تواصل" الذي استقبل عددًا من المفكّرين لنقاش القضايا المحلية والإقليمية.
إيمان النفجان، مدوّنة وناشطة حقوقية نسوية. تطرقت مدونتها لمواضيع اجتماعية وثقافية، مع تركيزٍ على قضايا النساء. كانت النفجان المنظمة الرئيسة في حملة حقي كرامتي لعام 2011 لرفع الحظر عن قيادة المرأة، حيث قامت عشرات النساء بقيادة السيارات وتحدين الحظر ونشرن فيديوهات على شبكة الإنترنت يصورن فيها تجربتهن. استمرت المضايقات ومحاضر الاستجواب ضد النفجان منذ ذلك العام.
إبراهيم المديميغ مستشار قانوني سابق لمجلس الوزراء ومحامٍ مثَّلَ عددًا من الناشطين الحقوقيين والسياسيين. عمل المديميغ كمحامي الدفاع لعزيزة اليوسف وإيمان النفجان وغيرن من ناشطات حقوق المرأة وقت اعتقالهن والتحقيق معهن في الحملات السابقة. ومثَّلَ أيضًا لجين الهذلول عام 2014 أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أُسِّسَت عام 2008 خصيصًا لتتولى النظر في قضايا المتهمين بالإرهاب وقضايا أمن الدولة، بسبب محاولتها عبور الحدود الإماراتية السعودية بالسيارة.
عبد العزيز المشعل، رجل أعمال لم يكن منخرطًا في أي من الأنشطة الحقوقية أو السياسية. كل ما قام به هو التوقيع على طلب كداعم وممول لتأسيس مركز للضحايا العنف الأسري، وكان هذا التوقيع بحد ذاته كافيًا لسجنه ووصمه بالخيانة والعمالة في الإعلام.
الموجة الثانية في السادس يونيو/حزيران تضمنت نوف عبد العزيز، ناشطة حقوقية وكاتبة نُشِرَت مقالاتها في الموقع النسوي السعودي، نون العربية. نشرت إحدى صديقاتها، مياء الزهراني، مقالًا كتبته ليُنْشَر في حال اعتقالها، مما أدى لاعتقال صديقتها أيضًا.
تلت الاعتقالات مباشرةً حملة إعلامية هدفت لتشويه صورة هؤلاء الناشطات، حيث اتهمن بالخيانة وسمين بـ "عملاء السفارات"، إشارةً إلى تواصلٍ مزعوم من بعض هؤلاء الناشطين مع منظمات حقوق الإنسان والإعلام الدولي. حملات التشويه هذه ليست الأولى من نوعها، فبعد حملة 1990 لرفع القيادة وُزِّعَت منشورات تصف المشارِكات ب "عاهرات يدعمهن شيوعيون وعلمانيون"، إشارةً إلى أزواجهن. هذا المستوى من قمع الدولة لا يكتفي باستهداف الناشِطات والناشطين فحسب بل يمسُّ عوائلهن أيضًا، حيث فُرِضَ عليها هي أيضًا منعٌ من السفر.
والأسباب وراء حملة الاعتقالات هذه في هذا الوقت بالتحديد تبيّن ضعف الآمال في إمكانيات الإصلاح الفعلية في البلاد. تشكل حملةُ الاعتقالاتِ هذه سعيًا من الحكومة لمحو تاريخ الحراك لرفع الحظر عن القيادة، الذي كانت هؤلاء النساء والرجال في طليعته. وعلى هذا النحو يمكن للحكومة الزعمُ أنّها مُحرِّك التغيير والتقدم الوحيد في البلاد. كما تشكل أيضًا محاولةً لتخويف الناشِطات في حملة إسقاط الولاية، ووضع حدٍّ لأي تقدمٍ تجاه المساواة الجندرية. وأخيرًا، إن استهداف الناشِطات والناشطين هؤلاء تحديدًا لمجرد تقديمهن طلبًا رسميًّا لإنشاء آمنة، جمعية لحماية الناجيات من العنف الأسري، لهو أمرٌ يدعو للقلق. بهذه الاعتقالات، تعلن الحكومة تجريمها أيَّ محاولةٍ لتحدي حالة التبعية والتمييز والتعسف هذه، والأهم من ذلك، الحديث عنها. إنّها جريمة لأن هذا الواقع يشوه صورة السعودية الجديدة المتجهة نحو المساواة التي تعمل على ترويجها دوليًا. حقًا، يبدو أنَّ الحكومة السعودية ترى في الكشف عن الواقع اليومي الذي تعيشه النساء في كافة أرجاء البلاد تهديدًا لها، لكشفه عن حقيقة إصلاحاتها: محاولة لتقديم صورةٍ أكثر حداثة وليبرالية للمملكة دون إجراء أي تغييرٍ جوهري لواقع العلاقات الاجتماعية القائمة على الاضطهاد.
إقرارًا بوجود وجهود هؤلاء الناشطات والتضحيات اللاتي قمن بها لتحقيق عالمٍ أفضل ومطالبةً بالإفراج عن هؤلاء الناشِطات، نحن نسويّاتٌ ونسويّون في السعودية وحليفاتهن وحلفاؤهن في الخارج الموقّعات والموقِّعون أدناه، ننادي بيومٍ عالمي للتضامن مع النسويات السعوديات في يوم الرابع والعشرين من يونيو/حزيران، ونطالب بالإفراج المباشر وغير المشروط عن كلّ السجينات النسويات.
يمكنك التوقيع على العريضة من هذا الرابط، ومتابعة هاشتاغ #حركة_التضامن_مع_النسويه_السعوديه.
________________
أريل غولد؛ عضو/ة في الإدارة الوطنية، كودبينك، الولايات المتحدة الأمريكية
إلياس ناغدي؛ ممثّل/ة الطلاب السود، اتحاد الطلاب الوطني، بريطانيا
أميليا هورغان؛ ممثل/ة طلاب الدراسات العليا، اتحاد الطلاب الوطني، بريطانيا
إيدن لادلي؛ ممثل/ة مجتمع الميم (النساء)، اتحاد الطلاب الوطني، بريطانيا
إيف إينسلير؛ مؤلِّف/ة مونولوغات المهبل
إيفانا باتشيك؛ عضو/ة مجلس الشيوخ، حزب العمال في إيرلندا، جامعة دوبلن
تِثي باتاكريا؛ عضو/ة القيادة الوطنية، إضراب النساء الدولي، الولايات المتحدة الأمريكية
جيس برادلي؛ ممثّل/ة الطلّاب المتحوّلين/ات، ونشاط/ة، الحركة لأجل صحّة المتحولّين/ات، بريطانيا
جين ستيوارت؛ كرسي النساء الوطني، المجلس التنفيذي لنقابة يونايت
داني بوستيل؛ بروفيسور/ة، برنامج دراسات الشرق وشمال أفريقيا، جامعة ونورثويسرن، الولايات المتحدة الأمريكية
ديف زيرن؛ محرر/ة قسم الرياضة، ذا نيشن، الولايات المتحدة الأمريكية
ديميتا فريزير؛ كاتِب/ة بيان وموِّقعة، مجموعة نهر كومباهي
روبِن كيلي؛ مؤلف/ة أحلام الحرية: الإرث الراديكالي الأسود، جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس
ريبيكا سولنيت؛ كاتِب/ة
ساره لاسوي؛ الممثل/ة الوطني/ة للنساء، اتحاد الطلاب الوطني، بريطانيا
سينزيا أرّوزّا؛ عضو/ة في القيادة الوطنية، إضراب النساء الدولي، الولايات المتحدة الأمريكية
شارون سمِث؛ مؤلفة، النساء والاشتراكية، الولايات المتحدة الأمريكية
شوانا آرون؛ ممثل/ة نساء اسكوتلندا، اتحاد الطلاب الوطني، بريطانيا
عيسى عمرو؛ مدافع/ة فلسطيني/ة عن حقوق الإنسان، مدير/ة أناس الخليل، فلسطين
فريدا أفاري؛ مُنتِج/ة، تقدُّميّون/ات إيرانيون/ات في الترجمة
كلوي مانهان؛ رئيس/ة، شباب حزب العمال، إيرلندا
لوك هوبرستون؛ الرئيس/ة المغادر/ة، اتحاد الطلاب الوطني في اسكوتلندا، بريطانيا
لولا ولوفيمي؛ الممثِّل/ة المُغادِرة للنساء، اتحاد طلاب جامعة كونغرس، وعضو/ة قادمة للمجلس التنفيذي الوطني (المرتبة الثانية في حملة النساء)، اتحاد الطلاب الوطني، بريطانيا
لياه ري؛ الأمين/ة الدولي/ة للحزب الديموقراطي الاجتماعي والعمالي في شمال إيرلندا،
ليندسي جيرمان؛ مؤلِّف/ة ومدير/ة وطني/ة، تحالف أوقِفوا الحرب
مارييل ويلان؛ ناشِط/ة في مجموعة غالوي النسوية
ماليا بوعطية؛ الرئيس/ة السابق/ة لاتحاد الطلاب الوطني، والرئيس/ة السابق/ة لحملة الطلاب السود لتحالف الطلاب الوطني، وناشطة في بريفينتينغ بريفينت
منى الطحاوي؛ مؤلف/ة وناشط/ة نسوي/ة؛ مصر/الولايات المتحدة الأمريكية
منى كريم؛ كاتِبة، نيو يورك
هريم غاني؛ مُمَثِل/ة النساء، اتحاد الطلاب الوطني، بريطانيا
هيكي شومبيرغ؛ المحرر/ة الإقليمية لمجلة لاتين أميريكا في الأرجنتين، تضامنًا مع التصويت التاريخي لصالح الإجهاض المجاني
ياسر منيف؛ بروفيسور/ة، جامعة إيميرسون، بوسطن
يينبو وو؛ ممثل/ة الطلاب الأجانب، اتحاد الطلاب الوطني، بريطانيا.