[تثير مباريات كأس العالم مشاعر حادّة وردود فعل واستقطابات قويّة. كما تؤجّج عصبيّات وتحيّزات قد يتقاطع فيها الرياضي مع السياسي. وهي أيضاً مناسبة استثنائيّة يمحو أثناءها المشجعون والمشجعات الحدود الدولية لتشجيع فريق بلد آخر ورفع علمه. بمناسبة النهائيات الجارية حالياً في روسيا تنشر «جدلية» ملفاً خاصاً يتأمّل فيه الكتاب والكاتبات هذا الحدث من زوايا مختلفة. وستنشر النصوص تباعاً]
تختلط السياسة بكرة القدم فتعيد تشكيل أمزجة المشجعين وخريطة التشجيع من جديد، فلم تعد اللعبة الحلوة وحدها هي ما توجه الجماهير . شاركت في كأس العالم روسيا - 2018 ، أربع منتخبات عربية، يمكننا تقسيمها من منظور سياسي/رمزي كالتالي: تونس، مُطلقة شرارة الربيع العربي أواخر العام 2010، ومصر التي تبعتها في النهج الثوري في 2011، والدولتان الملكيتان، السعودية والمغرب. والأخيرتان كانتا من معارضي الحراك الثوري. وقد انعكس هذا على خريطة التشجيع في الأقطار العربية.
روح الربيع العربي
مصر - تحديدًا من المقاهي - كنقطة انطلاق وتحليل لآلية التشجيع للمنتخبات العربية في كأس العالم، تم فيها كسر الحراك الثوري بتدخل الجيش في العملية السياسية والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين يوم 3 يوليو 2013، مدعومًا من السعودية ودول الخليج والدول الملكية العربية. لهذا أخذت مشاهدة مباريات كأس العالم المتعلقة بالمنتخبات العربية شكل التأييد أوالمعارضة لثورات الربيع العربي، فإلى جانب تشجيع المنتخب الوطني المصري، جاء تشجيع المنتخب التونسي تأييداً لثورات الشعوب العربية، وأملًا من الجمهور المصري - خصوصًا أصحاب الفكر الثوري- أن تحقق تونس ما فشل الحراك الثوري في مصر في تحقيقه. فأخذت مشاهدة مباريات تونس وتشجيعها نفس قدسية مشاهدة وتشجيع المنتخب الوطني المصري.
وعلى العكس من هذا، لم يحظ المنتخب السعودي في مصر بالتشجيع أو التعاطف، لسبب مباشر وهو أن المنتخب السعودي كان منافسًا للمنتخب المصري في المجموعة الأولى. لكن يمكننا قراءة عدة أسباب أخرى سياسية واقتصادية لغياب التشجيع المصري؛ فالتدخلات السعودية في الشأن المصري زادت بحدة بعد العام 2013. فتم تدمير البيئة السياسية المصرية بالكامل والتي كانت في مهدها إلى جانب قتل وسجن ومطاردة أبناء الثورة المصرية، ودائمًا ما تكون تحركات السلطة في مصر مدعومة خليجيًا بقيادة السعودية.
بالإضافة إلى صدمة الشعب المصري لاستحواذ السعودية على جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين الجانب المصري والسعودي في 8 أبريل 2016، في ظل تهميش كامل لأحكام القضاء المصرية ببطلان هذه الاتفاقية ومصرية الأرض. هذا إلى جانب التدخل المباشر لقيادات سعودية في الحياة الرياضية المصرية وضخ أموال في مجال كرة القدم لا تساعد على تنمية اللعبة بل على تنمية مفهوم الاحتكار وقتل المتعة التي من المفترض أنها سمة أساسية لها.
أبعادٌ قومية
يأتي الملف المغربي لاستضافة كأس العالم 2026 ليظهر الروح القومية العربية التي يبدو أن المصريين لم يتخلصوا منها بعد. فبعد سنوات من الحقبة الساداتية والتطبيع ،ثم مبارك ثم الازمة الاقتصادية التي تمر بها مصر الآن وتبقى الفكرة القومية العربية صامدة في أذهان المصريين ويعود لها الحنين كلما ذكرت. وشكّل اقتراب المغرب من استضافة كأس العالم حلماً عربياً-مصرياً آخر، خصوصًا أن الطرف الآخر المنافس للمغرب مكون من ثلاث دول " المكسيك وكندا والولايات المتحدة" ، لكن مصريًا تم اختصاره في أمريكا.
رسميًا دعم المصريون التصويت لصالح ملف المغرب، وشعبيًا اعتبروا تأييد المغرب مناطحة للهيمنة الأمريكية، فحاز المنتخب المغربي على تشجيع وتعاطف المصريين، خصوصًا أن المنتخب المغربي ظهر مقاتلًا لولا سوء الحظ الذي صادفه.
وكما تخسر المغرب وتودع البطولة، تخسر أيضًا في استضافة كأس العالم 2026 ، وتظهر السعودية كمصوّت لملف أمريكا الشمالية لا ملف المغرب. مما شكّل صدمة أخرى في أوساط مشجعي كرة القدم المصريين والمغاربة، وتظهر فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لفرحة مشجعي المغرب ومصر وتونس لخسارة السعودية الكبيرة في مباراة أمام البلد المُضيف روسيا.
ويمكننا تفسير التشجيع المضاد للمنتخب السعودي أيضًا بعدة أسباب منها :الدعوات التي يطلقها بعض مثقفي السعودية للتطبيع مع الكيان الصهيوني واجترار أفكار ومواقف صهيونية عن عن القضية الفلسطينية، والتي مازالت تشكل قضية تجّمع لدى الشعوب العربية وخصوصًا مع نمو الفكر الثوري الرافض للخضوع، والمآسي التي تصل من اليمن، الذي يتعرض للحرب بقيادة سعودية، والتلاعب بمفاهيم الثورة والحرية والديمقراطية التي يحلم بها أبناء الأقطار الفقيرة.
النهاية
خرجت كل المنتخبات العربية من الدور الأول لبطولة كأس العالم روسيا - 2018.
بعدما قدمت كرة القدم نفسها كمجال للتفاعلات السياسية والاقتصادية. حيث تُشكل السياسة أمزجة المواطنين، ويشكل المواطنون طرق التشجيع في كرة القدم لتكون مؤيدة أو معارضة لهذه السياسة، فيكون عدم التشجيع دلالة رفض ومعارضة لسياسة رجعية، ويصبح الهتاف في مقهى في مصر تأييداً لثورة في تونس. ويحمل التصويت لملف إستضافة مباريات في المغرب في طياته رفضاً للهيمنة الأمريكية.