يهاتفني صديقي العزيز المقيم في رام الله "بدي أبعث عيدية لأمي في غزة، والبنك مش راضي يحول، شو أعمل؟"
يهاتفني أخي "مريضة من غزة ستصل رام الله من المقاصد لإجراء فحوصات ولا مكان ولا تغطية لإقامة المرافقة، دبريها"
يتواصل معي غرباء وأصدقاء من غزة "بتعرفي أمير الهندي؟ مريض بحاجة ماسة لتحويلة- فقير ومعتر وما إله حد واصل ولا بده يناشد ولا يتوسل"
تحدثني زميلاتي في مكتبنا بغزة عن بيوت أهالي الشهداء حين يذهبن لتغطية قصصهم "البيوت خربة ولا يسترها إلا الحيطان"، تحدثني زميلاتي اللواتي عملن على حملة #عالجوهم لدعم علاج مصابي مسيرات العودة، أن الحملة لم تكشف الجروح المفتوحة على صور فقط، بل كشفت حجم الفقر والقهر والألم المختبئ داخل الجدران، كشفت ألم نساء تحولن لممرضات وخادمات ووزيرات مالية لخزائن خاوية!
18 ألف جريح/ة، 168 شهيد/ة (حسب وزارة الصحة حتى منتصف شهر آب الحالي) ليسوا أرقاما كما ندعي والحقيقة غير ذلك، ففي عُرف الحكومات هؤلاء موازنة جديدة وعبء جديد يضاف لموازنة مثقلة بالأعباء أصلاً، يضاف إليهم 42 ألف موظف تابعين لحكومة حماس يتقاضون رواتب جزئية كل 40-50 يوماً، بالإضافة لما يقارب 62 ألف موظف مدني وعسكري تابعين لحكومة رام الله عوقبوا بالتقاعد المبكر وخصم رواتب من 30-70% منذ أكثر من عام، وبرأيي كل هؤلاء (104 ألف موظف/عائلة) هم جرحى إضافيين لا يمشون على عكاز خشبي ولا يلتفون بشاش أبيض، بل ينزفون يومياً بعيداً عن أعين القادة، ويموتون وعائلاتهم ألف مرة دون أن نحتسبهم شهداء!
في غزة يا سادة 2 مليون بني آدم، سموهم رهائن إن شئتم، سموهم سجناء إن شئتم، وسأسميهم جرحى، هؤلاء قبل أي تجمع فلسطيني آخر حقهم أن يفهموا ويعرفوا منكم مباشرة، لماذا تستمر العقوبات عليهم؟ خطاب عودة حكومة الحمد لله وتمكينها لم يعد يقنع طفلا صغيراً، فمسؤولية عودة الحكومة لا تقع على عاتق "الجرحى"، ومسألة "التمكين" وتعبيراتها الهلامية لا تجيب على سؤال تمكين الحكومة في الضفة الغربية في ظل الإحتلال الإستيطاني الإحلالي، الذي ينهب الأرض دونماً دونماً، ويقطع الطرق، ويعتقل الآلاف.
إجابة سؤال العقوبات وبعيداً عن أي مصالحة لم تعد صالحة أمام الإجراءات/العقوبات الأمريكية ضد السلطة الفلسطينية لثنيها عن معارضتها لصفقة القرن (سياسة العقوبات لا تزيد الجريح إلا ألماً، لا تقتله ولا تجبره على الاستسلام)!
هذه معادلات قاسية لا يرغب الغزيّون في حلها، فهم لا يحسنون التعامل مع المعادلات الرياضية، فلو فعلوا لما دفعوا اثني عشر عاماً من أعمارهم في انتظار أمل بمصالحة لا تأتي وإنهاء حصار يتعمق بعد كل حرب، وكل هدنة ليسوا طرفاً فيها لا تساوي واحداً في الألف من الأثمان التي يدفعونها!
من حق ال2 مليون بني آدم/ جريح أن يعرفوا منكم مباشرة وليس عبر الإعلام العبري عما يحدث في مصر الشقيقة، أي هدنة وأي تهدئة، وأي ثمن لتحريرهم من ذل المعابر وذل العوز والمرض والفقر والضرائب والرسوم؟
لم يعد خطاب "المقاومة المقدسة" يصلح لإطعام جائع يبحث عن لقمة في حاوية قمامة، وعلى بعد أمتار منه تقام الولائم لقادتها وضيوفها. لم يعد خطاب "المقاومة تتسبب في ارباك وتخبط الاحتلال" يصلح لأب مكلوم بابن شهيد ترك أربعة أطفال وزوجة، ولا لأرملة لديها ثلاث بنات في الجامعة، ولا لموظف لم يتلق أكثر من نصف راتب وعليه توفير كسوة العيد والمدارس لستة أطفال، ولا لمريض ممنوع من السفر عن معبر بيت حانون ومعبر رفح، ولا لمستشفى لا توجد فيها أدوية بسيطة للحالات الطارئة.
حماس التي تحكم غزة من يائها لألفها مطلوب منها أن تجيب على كل الأسئلة بعيداً عن خطاب العاطفة، وبعيداً عن الكلام المصفوف في مديح المقاومة لتعطينا دروسا في الوطنية، الأسئلة كلها خاصة بالحاضنة الشعبية التي بدونها لا معنى لمقاومة مسلحة ولا شعبية ولا سلمية فالحاضنة هي رافعتها وهي وقودها في آن.
مطلوب ونحن على أعتاب عيد أن يخبرنا هؤلاء وأولئك "هل سنكون خروف عيد العقوبات وخروف عيد الهدنة" لنحضر السكاكين!
فحين تتحول غزة لأضحية عيد، لا تسألوها عن المشروع الوطني، ولا تسألوها عن حل دولة أو دولتين، ولا تسألوها عن علاقة أوسلو بصفقة القرن، ولا علاقة التهدئة بالخيانة أو الوطنية، لأنها -قبلتم أو أنكرتم- ستبقى حامية الوطنية الفلسطينية، وحامية المشروع وقائدة التحرير.
في هذه اللحظة غزة لا تحتمل الأسئلة، ولا أنصاف الإجابات، فحين لا تتعاملوا معها ك"خروف العيد"، ستصحح البوصلة، وتنهض. . . اطمئنوا.