قبل عدة أيام، تم الكشف عن تفاصيل ومجريات الحديث الذي دار، في ٢٥ حزيران الماضي، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وملك الأردن عبد الله الثاني، حول صفقة القرن التي يروم ترامب طرحها من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وإذا لم تنجح إدارته في تحقيقه، فلن تتمكن أي حكومة في المستقبل من فعل ذلك، كما قال!.
التفاصيل التي تم الكشف عنها سلطت الضوء على مخاوف ترامب وقلقه من المستقبل الذي ينتظر إسرائيل إن تم القبول بحل الدولة الواحدة ثنائية القومية، دولة تقوم على كامل الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، حيث سيصبح محمد رئيس وزراء تلك الدولة، إسرائيل في عرف ترامب! استخدم ترامب أسم محمد لتقديم انطباع يتماهى مع المخاوف التي تسود العالم من فوبيا الإسلام وعنف التيارات الإسلامية وإرهابها!
ما يطرحه ترامب يعيد إلى الأذهان كل المقولات والتصورات التي تفرزها ذهنية اليمين العنصري في أوربا والغرب عموماً، عندما تحذر من المستقبل ومن المخاطر التي تنتظر الدول الأوربيّة بسبب سياسات الهجرة وتزايد نسب الولادات بين الأجانب، ومن إمكانية أن يتم تغيير الهويات الثقافية والوطنية للدول الأوربية وتحويلها إلى هويات أخرى بأصول إسلامية، او أمريكية لاتينية، أو تركية، أو هندية، أو أفريقية! وبالتالي سيصبح محمد، أو خوزية، أو عبدي، أو يلماز أو ساكي رئيس وزراء هذه الدولة الأوربية أو تلك.
حين يعبر ترامب عن مخاوفه من أن يكون " محمد" الفلسطيني رئيس وزراء إسرائيل بعد عدة عقود، إسرائيل التي يريدها أن تكون دولة يهودية خالصة، فإنه يعرف هشاشة هذا الكيان الذي قام على أساس الاحتلال والتدمير وتغييب الهوية واختراع التاريخ والإحتماء بأمريكا والغرب عموماً والتنطع بحكاية التفوق العلمي والعسكري والتجربة الديمقراطية!، ويعلم أنَّ المستقبل سوف يطيح بهذا الكيان وبكل المرويات التي حولته إلى قوة مخيفة، وسيصل الجميع إلى لحظة كشف الحقيقة التي تبين الانحطاط الأخلاقي الذي يعم العالم من أجل أن تكون إسرائيل واجهة التدمير والنزاعات والدفاع عن المصالح!.
إسرائيل وقبل أي تعريف أخر، هي كيان مُحتل، كيان عرقي يقوم على أساس الاحتلال والفصل العنصري بين المستوطنين الإسرائليين من جهة وبين الفلسطينين الذين أُحتلت أراضيهم وتم تشريدهم ودمرت بيوتهم ويتم قتلهم ويزج بهم في السجون ما أن يعبروا عن مطالبتهم بالحقوق وطرد الاحتلال ووقف التجريف وتشييد المستوطنات من جهة اخرى. لا يختلف هذا الكيان عن دولة الفصل العنصري، الابارتهايد، في جنوب أفريقيا سابقاً، التي كشفت عن قباحة العنصرية والتمييز والتعالي، فتحولت إلى مصدر للشعور بالعار لمن دافع عنها وعن امكانية تحقيق الديمقراطية والمساواة والعدالة في جنوب أفريقيا، بل هو أشد وطأة وبطشاً، منها، في لحظته الراهنة. لكن هذه النماذج التي روج لها الغرب، كمناذج للديمقراطية، كشفت عن الوجه الحقيقي للديمقراطية العرقية والشعب المتسيِّد، المُحتل، الذي يحظى بكل الامتيازات، فيما يعاني سكان البلاد من الفقر والفاقة والسجون والتهجير وتدمير البيوت وتلفيق الاتهامات. فهذه الديمقراطيات التي تقوم على أساس وجود شعب متفوق، وآخر منحط ومحكوم بالدونية، ولا يستحق الاحترام، ستكون عاجزة عن تحقيق شرط المواطنة وستكون محكومة بأخلاقية الإقصاء والتمييز العنصري وانعدام المساواة.
ترامب هو التجسيد المعاصر لرجل الأعمال وصاحب السلطة الذي يعيد أنتاج الفاشية من أجل لتحقيق مصالحه ومصالح دولته العظمى والمتغطرسة، وخشيته على الكيان الإسرائيلي، تنبع من أن هذا الكيان هو الوجه الصريح للفاشية في عالم اليوم.