اسمها حياة بلقاسم، من مواليد تطوان شمال المغرب، كانت تستعد لبداية سنتها الثانية في كلية الحقوق. وعلى غرار الملايين من المغاربة فقد فقدت الأمل في أي مستقبل مشرق في بلادها، ولهذا اتخذت القرار الصعب بأن تعبر البحر الأبيض المتوسط بحثا عن حياة أفضل في أوروبا.
في 25 سبتمبر، بينما كانت على متن قارب متجه صوب أسبانيا، ومعها ما يقارب عشرين آخرين، أطلقت عليهم البحرية الملكية المغربية النار فأصابت الكثير من هؤلاء المرشحين للهجرة وقتلت حياة بلقاسم. وحسب بلاغ رسمي فإن البحرية الملكية بررت إطلاق الرصاص بادعائها أن الربان الإسباني رفض التوقف. إن الظروف التي قتلت فيها تقع على عاتق الجيش. حادث غير مسبوق أثار غضب الناس.
ومع ذلك فإن الظروف التي دفعت حياة بلقاسم إلى مغادرة بلدها ليست وليدة اليوم: كان والداي ينتميان إلى جيل من المغاربة عاشوا حقبة باتت تُعرف اليوم بـ"سنوات الرصاص"، بين سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان عنف الشرطة في أوجه، وكانت فرص الشغل ضئيلة للغاية، وارتفعت الأسعار. هذه العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولدت موجة من الهجرة تنامت مع مرور السنوات حتى أن نسبة المغاربة المقيمين بالخارج صارت اليوم تناهز 15%.
كان والداي ينتميان إلى هذه الموجة من الهجرة. وبعد أن عاشا في مدينة لم يكن الماء الصالح للشرب متوفرا فيها إلا ساعات معدودة في اليوم، غادرا المغرب أوائل الثمانينات واستقرا جنوبي واشنطن. ولأن أوقات العمل في مطعم Knickerbocker Grill العريق في "كابيتول هيل" كانت تفرض عليهما أن أقضي معظم الوقت مع جدتي التي التحقت بهما بعد سنوات قليلة من هجرتهما، فقد كانت المدة التي قضيتها معها فرصة بالنسبة لي لكي أتعرف على مدى قساوة الظروف التي عاشتها عائلتي والعديد من المغاربة البسطاء.
قبل ثلاث سنوات عدت إلى الاستقرار في المغرب، وكان قرارا اتخذته ضد رغبة والدي اللذين لم يستسيغا عودتي إلى البلد الذي هجراه بهدف أن يؤمنا لي حياة أفضل. قطنت لمدة طويلة في الضاحية العمالية التي قضى فيها والدي طفولته، وبصفتي صحفية فقد سمحت لي الفرصة لمرات عديدة للسفر إلى باقي أنحاء البلاد، ومقابلة الناس من جميع الخلفيات، والاستماع لمعاناتهم، ومعاينة الظروف الصعبة التي دفعت والدي والملايين من المغاربة إلى الهروب. وبعد سنوات قليلة عدت أدراجي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لنفس الأسباب التي كانت وراء مغادرة والديَّ. رغم أنني، عكس حياة بلقاسم، أحمل جنسية مزدوجة، ولهذا لم يكن لدي أي مبرر للخوف.
اليوم، تحت حكم محمد السادس، كل المؤشرات تدل على استمرار سنوات الرصاص. المحتجون يعانون من عنف الشرطة، والمحاكمات الجائرة، والعقوبات الحبسية، ويتم اعتقال الصحفيين المزعجين أو يتم نفيهم. كما أن التعذيب لا يزال يمارس، دون أن ننسى أن 30% من خريجي الجامعات لا يجدون فرصا للشغل.
يُضاف إلى هذه المشاكل استفحال العنف الجنسي والتحرش، الذي تجسد مؤخرا في حالة خديجة اقرو،وهي شابة تم اختطافها واغتصابها وتعذيبها، وقد أدت موجة الغضب والسخط التي أثارتها هذه القضية إلى تعالي أصوات عديدة تطالب بإجراء تعديلات للقوانين التي تعاقب العنف الجنسي من خلال هاشتاغ "ما ساكتاش".
المعارضة واليأس يزدادان في المغرب ويدفعان الكثير من الناس إلى المخاطرة بالهجرة نحو أوروبا. وقد زاد قرار الحكومة فرض التجنيد الاجباري على الشباب بين 19 و 25 سنة من حدة المشكلة، ذلك أنه وفقا للسلطات المغربية فقد منعت هذه السنة حوالي 54 ألف محاولة للهجرة نحو أوروبا، 13% منهم مغاربة.
وانتشرت فيديوهات مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر شبانا مغاربة يغادرون المغرب نحو أوروبا على متن القوارب، وأحيانا يرددون شعارات الحراك الشعبي الذي انطلق في نوفمبر 2016. وفي أحد الفيديوهات يظهر الآلاف من ساكني دور الصفيح في نواحي الدار البيضاء الذين أعلنوا أنهم سيتجهون نحو سبتة لطلب اللجوء السياسي بعد أن قامت السلطات بهدم بيوتهم. كما ان هناك فيديو يظهر مسيرة نظمها بعض سكان تطوان حملوا فيها العلم الأسباني ورددوا شعارات من قبيل "الشعب يريد إسقاط الجنسية"، وهي نسخة ساخرة لشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي رفع أيام الربيع العربي.
ورغم تزايد الاضطرابات في بلاده فإن الملك محمد السادس يغيب عنها كثيرا إذ تعود على السفر إلى الخارج حتى صار يلقب بـ"الملك الافتراضي" و"الملك الغائب". منذ احتجاجات الربيع العربي التي انطلقت 2011، أضاع الملك العديد من الفرص للاستجابة لهموم الشعب، وبينما تستمر الأوضاع في التدهور فإن المغرب لا ينتج فقط أفواجاَ جديدة من الجالية ولكنه يراكم ما يكفي من الوقود لتحقيق الانفجار.
.[ترجمة سعيد السالمي لموقع "لكم" ويعاد نشره بالاتفاق مع الكاتبة. اضغط/ي هنا للنسخة الإنجليزية]