أحدهم قال لي : " الإنسان السوفييتي وحده قادر على فهم الإنسان السوفييتي" – الكاتبة والصحافية البيلاروسية سفيتلانا اليكسيفيتش.
كيف يعيش الناس في ظل الشيوعية أو حتى نظام تمسك بالأفكار الماركسية – اللينينية قدر المستطاع؟ هل هو نظام إجتماعي حقيقي؟هل الإنسان السوفيتي كان يمكن مقارنته بما عُرف بالحلم الأمريكي؟
يمكننا أن نقرأ الإجابة في تاريخ من عاشوا كأفراد داخل الإتحاد السوفيتي، أشخاص مجهولون ومهمشون، تجدهم في البيوت والطرقات تائهين في عالم جديد مغاير. ولكن لنضع أولًا قاعدة رقمية لنأكد القصص التي سنسردها مستندين إلى عمل كاتبة صحفية محسوبة على هذا الفصيل الذي فرح لإنهيار الشيوعية السوفيتية.
أرقام على ورق
منذ العام 1946، وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، ارتفعت أجور العمال والمهندسين العاملين في المؤسسات ومواقع البناء في الأورال وسيبيريا والشرق الأقصى بنسبة 20٪. وازدادت رواتب المواطنين ذوي التعليم الثانوي والعالي بنفس المقدار. بلغ مستوى معيشة مواطني الاتحاد السوفياتي عام 1953، لحظة وفاة ستالين، حدًا موازيا وأحيانًا متفوقًا على العالم الرأسمالي الغربي. وكان متوسط الرواتب في كل دول الإتحاد السوفيتي 719 روبلا، أي حوالي 1600-1700 دولار بأسعار العام 2017.
ومن عام 1959 إلى عام 1965، ارتفع متوسط المرتبات بنحو 1.5 مرة. وفي عام 1964، بدأ دفع معاشات تقاعدية للمزارعين، كما ألغيت المصاريف الدراسية. واستثمر الحزب الكثير في مجال الصحة، ولهذا حدثت طفرة في متوسط أعمار المواطنين. (وكأمثلة مختلفة بعيدة عن أراضي الإتحاد السوفيتي نجد النظام الصحي لرعاية الطفولة في ألمانيا الشرقية، وكوبا تحت قيادة كاسترو، مما يؤكد أن النظام الصحي الشيوعي فعال بشكل كبير).
من عام 1956 إلى عام 1960، تم نقل ما يقارب ربع سكان الاتحاد السوفياتي -50 مليون نسمة- للعيش في شقق جديدة خاصة بهم، وهذا شكّل نقلة نوعية في مستويات عيش وحياة المواطنين، وخلال فترة حكم بريجنيف، تم بناء حوالى 1.6 مليار متر مربع من الشقق السكنية المجهزة جيدًا، انتقل إليها 162 مليون شخص، كما طرأ تحسن على قطاعات الزراعة، وصناعة النفط والغاز والفضاء. وفي عام 1970 كان من الممكن العيش براحة وكفاية براتب المنح الدراسية التي كانت تقدّم للطلاب وتبلغ ما بين 30 و 50 روبلا.
عام 1985، احتل الاتحاد السوفياتي المركز الأول في أوروبا، والثاني بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث الإنتاج الصناعي والزراعي. وكانت النفقات الشهرية العادية من السكن والغذاء والنقل والخدمات الضرورية الأخرى لا تتجاوز 50٪ من الدخل، مما سمح للمواطنين السوفيات بتوفير المال بشكل جدي.
لهذا سنلجأ لقراءة في ذاكرة المهمشين، قد نجد فيها العديد من الآراء التي تفيد في رسم تصور عام للحياة في ظل هذه المؤشرات والأرقام، وتثبت أنها كانت تمثل بدرجة ما وجها للحقيقة، كما تثبت شهادات المواطنين السوفييت سابقًا عن طبيعة مغايرة للحياة في عالمنا الرأسمالي الآن، والذي يضغط على الإنسان المعاصر بدعوى أنه لا عوالم بديلة وعلى كل فرد أن يشارك ويتكيف للعمل من أجل مصالح الأغنياء.
الحرب الباردة في المطبخ
قبل الوصول إلى آراء الأفراد وشهادتهم عن عصر السوفيت يجب أن نشير إلى معركة حدثت في دوائر السلطة، كانت معركة نمط الحياة، والصراع بين مركزية الحياة الغربية بفكرتها الصناعية - الإستهلاكية، وخصوصية الحياة السوفيتية التي لم تعرف مفهوم الصراع الإستهلاكي إلا بعد إنهيار المنظومة الشيوعية، نستشهد بتوجيهات لينين: "يجب أن نبذل قصارى جهدنا لبناء دولة يواصل فيها العمال ممارسة القيادة .. ويحافظون على ثقتهم، ويعملون من خلال سياسة اقتصادية حازمة للقضاء على جميع مظاهر التبذير من مختلف ميادين الحياة الاجتماعية. يجب أن نقضي على جميع بقايا التبذير التي تركتها لنا بكثرة روسيا القيصرية وجهازها الرأسمالي البيروقراطي." ــــ المؤلفات، مجلد 33
في الرابع والعشرين من (يوليو) من عام 1959 زار نائب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ـ الرئيس الأمريكي لاحقاً- موسكو لإفتتاح معرض يضم بعض المنجزات التكنولوجية لأمريكا، وكان أهم ما في هذا المعرض هو نسخة طبق الأصل وبالحجم الطبيعي لمنزل مواطن أمريكي عرفه نيكسون أنه من الطبقة العاملة، مجهز بسجاد وشاشة تلفزيون، وبحمامين، ونظام تكييف مركزي وثلاجة وغسالة ومجفف للغسيل. فرن الغاز وغيرها من السلع الاستهلاكية الأمريكية التي أحضرها الأمريكيون إلى موسكو بمناسبة المعرض الوطني الأمريكي، حيث تعتبر هذه المناسبة فرصة للمواطنين الروس لإلقاء النظرة الأولى على منتجات الغرب الرأسمالي.
دخل كل من الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف ونيكسون في نقاش حاد حول نمط الحياة في كلا البلدين، وعرف هذا النقاش بعدها باسم ''جدال المطبخ''. و بدأ هذا الجدال بين القطبين في يوم الافتتاح الأول للمعرض الوطني الأمريكي في استوديو التلفزيون، حيث اصطحب نيكسون خروتشوف وسط سرب من الصحافيين والمساعدين والمترجمين ليريه البيت الأمريكي العصري.
أشار نيكسون إلى غسالة الأطباق ''هذه أحدث موديلاتنا، ونركبها حاليا في معظم المنازل لأننا نريد أن نجعل حياة المرأة أسهل''. فرد خروتشوف : ''إن سلوكك الرأسمالي هذا لا يتماشى مع الاشتراكية، فإننا لا نعامل النساء بوصفهن عاملات كما هو الحال لديكم في الرأسمالية''.
يقول إدوارد أفانيان الذي ساعد في تنظيم المعرض عام 1959 وهو مسؤول سابق في وزارة الثقافة السوفياتية: إن الأمر كان صادماً نوعاً ما. وأضاف "لم يكن المعرض بالمستوى المطلوب، حيث كان يفتقر للإنجازات التكنولوجية العظيمة أو حتى الغريبة، سلع لا تتعدى أن تكون مطابخ ومكائن غسيل إضافة إلى أفران غاز، وهي أمور لا تمثل الإنجازات الأمريكية.".
لكن بلغ عدد زوار هذا المعرض نحو 2.7 مليون زائر في فترة افتتاحه التي استمرت ستة أسابيع من (يوليو) وحتى (أغسطس) من عام 1959، حيث ذهل الزوار بفكرة السيارات الفارهة وخصوصًا سيارات شيفروليه وكاميرات بولارويد إضافة إلى شركة بيبسي، حيث تم استهلاك ثلاثة ملايين كوب من البيبسي خلال فترة المعرض.
سخرت الصحافة السوفيتية من العرض الأمريكي لهذا المنزل، ووصفته بأنه "تاج محل" نسبة للمَعلم الهندي الشهير، جاء تعليق جريدة ''برافدا" الجريدة الرسمية المتحدثة باسم الحزب الشيوعي كالآتي: ''أين التكنولوجيا؟ أين الإنجازات العلمية الأمريكية؟ هذه هي الأسئلة التي طرحها الزوار على المرشدين في المعرض''. كما كتبت أيضاً '' إن التعطش للمعرفة وللتكنولوجيا وإنجازاتها، لا يمكن أن يروى فقط بتقديم مشروب ''بيبسي كولا'' لزوار المعرض.
ولكن الأمر كان يحتاج معالجة مغايرة من وسائل الإعلام والسياسيين السوفييت ليتفهموا لعبة الدهاء التي قام بها نيكسون وبأسلوب دبلوماسي جدا، حيث جسدت فكرة نشر ثقافة الإستهلاك الرأسمالي وتغيير أو الحد من إنتشار نمط الحياة الروسي إحدى وسائل جورج كينان -المُلقب بمهندس الحرب الباردة، وعمل على تخطيط السياسة الأمريكية في الأربعينيات والخمسينيات- لـ"احتواء" القطب السوفييتي، عوضاً عن القتال المباشر التقليدي.
محاولة فرض نمط الحياة الأمريكي على السوفييت ليست جديدة في إبان الحرب العالمية الثانية وقبل تصاعد النزاع بين القطبين، طُلب من الرئيس الأمريكي روزفيلت ترشيح كتاب للمثقفيين السوفييت ليتعرفوا على المجتمع الأمريكي، فاقترح كتالوج محلات ملابس سيرس وريباك!
لقد كان انهيار الاتحاد السوفيتي حدثًا غيّر مجرى الأمور وتفاصيل الحياة، بدْءاً من الأجور التي أصبحت بنكهة رأسمالية، لكن تم أداؤها على شكل مواد استهلاكية ( قطع صابون، مواد تموينية .. ألخ ) بدل الأوراق النقدية؛ مرورًا بأولئك الذين فرحوا إلى حدِّ الجنون لمجرّد امتلاكهم آلة لطحن البُن أو صناعة عصير الليمون، وانتهاءً بافتتاح أول مطعم "ماكدونالد" الذي احتفظ زبناؤه بالعُلب والمناديل الورقية كشئ إستثنائي، بعد أن كان المُتعلمون منهم يسهرون الليل في طوابير من أجل اقتناء ديوان قصائد للشاعرة "آنا أخماتوفا" (1889-1966).
شهادات محايدة للغاية
تحدد البيلاروسية سفيتلانا اليكسيفيتش هدفها منذ البداية في مشروعها التأريخي – كتاب زمن مستعمل: نهاية الإنسان الأحمر- بما أسمته هي بـ "الذاكرة الحيّة" لتلك "المأساة المسماة الاتحاد السوفييتي". لقد أرادت، كما تقول، أن تروي "التاريخ الصغير للفكرة الطوباوية الكبيرة".
لقد صرّحت «سفيتلانا أليكسيفتش» أثناء إحدى زياراتها الخاطفة لباريس بأن الإنسان السوفيتي يموت وهو يتألم. فما قام به "غورباتشوف" ومعه حفنة من المثقفين، من بينهم الكاتبة نفسها؛ عصف بالكثير من الناس، ومن بينهم والديها اللذان كانا يقيمان في مدينة صغيرة ببيلاروسيا، استفاقوا في بلد آخر دون أن يعرفوا كيف يدبرون سبل العيش والحياة. لهذا ففي حكايات وقصص سفيتلانا، أصوات أخرى تعطينا صورة حقيقية للعالم السوفيتي، العالم الشيوعي بكل ما يثار حوله من إشكاليات، وإتهامات بالطوباوية حتى من كاتبة الكتاب نفسها.
فأبرز مثال على ذاكرة الفردية المهمشة كان والد سفيتلانا نفسها، حيث ظل شيوعيًا إلى أن توفى؛ فهو إنسان سوفيتي بكل تعقيداته. لقد كان بإمكانه كصحافي متدرب أن يلمع ويحتل مركزًا مهما في الحزب، لكنه اكتفى بمنصب مُعلم في إحدى القرى النائية بعيدا عن مدينة منسك. آمن والد سفيتلانا بالشيوعية خصوصًا بعد تحليق غاغارين في الفضاء، حيث تذكر سفيتلانا قوله نحن الأوائل، نحن نستطيع فعل كل شئ، فقد ربى أبناءه على القيم " الأكتوبرية – نسبة للثورة البلشفية 1917". وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، قام بالتصويت لصالح الأوتوقراطي ألكسندر لوكاشينكو، لأنه كان يعتقد بأن هذا الأخير يعمل من أجل الفقراء.
ــــ تقول يلينا يوريفنا، سكرتير ثالث في الحزب الشيوعي في لقائها مع الصحفية "سفيتلانا أليكسيفيتش":
هل بقيت حاجة للحديث عن الإشتراكية؟ أنا شيوعية، لا يسمحوا لنا الآن بالكلام، يغلقون أفواهنا، لينين قاطع طريق، ستالين ونحن جميعًا مجرمون، ليس في يدي أي نقطة دم، ولكن التهمة هي الشيوعية. ربما بعد خمسين عام أو مئة عام سيكتبون بموضوعية عن حياتنا تلك التي تدعى بالإشتراكية، بدون لعنات، سيبدؤن بنبش القديم. هؤلاء السوفييت خُدعوا، ظنوا أنهم يبنون إشتراكية من جديد، لم يكن يتيخيل أحد أنها ستكون رأسمالية، خرجوا يهتفوا "يلتسين، يلتسين"، وبينما هم يهتفوا، جاء اللصوص وسرقوهم، وتقاسموا المصانع والمعامل والنفط والغاز، الروس أدركوا الآن أن الإنسان السوفييتي كان جيدًا جدًا، كان بإستطاعته السفر إلى الأورال، إلى الصحراء من أجل الأفكار وليس من أجل الدولار.
ــــ تحكي "آنا ماريا" المهندسة المعمارية ذات 59 عاما التي قبلت أن تحكي فصولا من حياتها بين الدموع ولحظات الصمت، لـ "سفيتلانا أليكسيفيتش"، تصرخ "آنا" فتقول: لم نعد نجد أيّ شيء ذي طابع سوفيتي، أصبح التعارك والتدافع بالسواعد أمرا ضروريا أينما كنت، هذا العالم ليس عالمي ولا أشعر بأنني في بلدي هنا. كنا إمبراطورية كبيرة كان الانتماء إليها فخرًا والناس فيها يهتمون بالكتب والعروض المسرحية والفنية. أمّا الآن، فالحديث يدور حول ما اقتنيناه واشتريناه، هذا البلد غريب علي.
عام 1997، في مقابلة أجرتها "سفيتلانا أليكسيفيتش" بالساحة الحمراء يقول لها أحدهم، أنا مهندس تصميمات، من أنا؟ أنا أحد الحمقى الذين دافعوا عن يلتسن، كنا مستعدين للموت من أجل الحرية وليس الرأسمالية، ليس من أجل النقود قمنا بثورة، لست بحاجة للرأسمالية التي اقتادونا إليها، أنا أعتبر نفسي إنسان مُغررًا به.
السلطة السوفيتية لم تكن مثالية ولكنها أفضل من مافيا الكرملين الآن، لقد حولوا الوطن لمقلب قمامة غربية، ألبسة مستعملة، مجرد أنبوب للغاز. عمومًا الإشتراكية كانت تناسبني، لم يكن عندنا فاحشو الثراء، ولم يكن هناك فقراء ولا بؤساء ومشردون، كان في إستطاعة كبار السن أن يعيشوا برواتبهم التقاعدية. لم نكن ننظر بأعين محرومة ولم نكن نقف بأيدي ممدودة طلبًا للصدقة. كنت مستعدًا وقتها أن أقاتل الشيوعيين، ولكننا كنا نريد إشتراكية ناعمة، لم نكن نعلم بماذا يعدوه لنا، خداع رهيب، ماذا نملك الآن؟ رأسمالية شرسة.
ــــ يقول المجهول "ن" لـ "سفيتلانا أليكسيفيتش" والذي طلب عدم ذكر أسمه لعمله في الكرملين حاليًا : علينا أن نبدأ من غورباتشوف، فلولاه لعشنا حتى الآن في الإتحاد السوفيتي، ولكان يلتسن السكرتير الأول للجنة الحزب المنطقية في سفردلوسفك، ولبقى الإتحاد السوفيتي طويلًا، أما القول بأن الإتحاد السوفيتي تمثال ضخم أرجله من طين، إنه هراء كامل!، لقد كنا دولة عظمى جبارة، وكنا نملي إرادتنا على كثير من البلدان، حتى أمريكا كانت تخافنا. تقولين كنا نعاني من نقص في الكولونات النسائية وسراويل الجينز؟ - كي ننتصر في الحرب النووية لم نكن في حاجة للكولونات بل للصواريخ، وكانت متوفرة لدينا. لقد صنع ستالين دولة يستحيل إختراقها من أسفل. أما من الأعلى فكانت ضعيفة لا يمكن الدفاع عنها. لم يكن أحد يفكر في أن تدميرها سيبدأ من الأعلى، وأن قيادة البلد العليا هي من ستسير على طريق الخيانة.
يفتح "ن" دفتر مذكراته، مسجلًا إقتباس من لينين، حيث قال: إنني موافق على العيش في زرية خنازير- على أن تكون فيه السلطة سوفيتية.
كان عندنا بلد شاسع كبير، انتصر في حرب رهيبة، وها هو قد انهار. كوريا الشمالية حيث يموت الناس جوعًا لم تنهر، كوبا الإشتراكية ما تزال واقفة. ونحن اختفينا. لم يستولوا علينا بالدبابات والصورايخ، بل دمروا مركز، قوتنا. دمروا روحنا .
تكتب سفيتلانا أليكسيفيتش: في أواخر التسعينات كان الطلاب يضحكون عندما أتذكر الإتحاد السوفيتي، فقد كانوا واثقين بأن مستقبلًا جديدًا يفتح أمامهم، أما الآن، فقد تغيرت اللوحة، فطلاب اليوم قد عرفوا وأدركوا أن الرأسمالية تعني اللامساواة، البؤس، الثراء الفاحش، وأمام أعينهم تتراءى حياة آبائهم وأمهاتهم، الذين لم ينالوا أي حصة من البلاد المنهوبة. هم راديكاليو الميل والتوجه، يحلمون بثورتهم، ويرتدون قمصانًا حمراء عليها صور لينين وتشي غيفارا.
على سبيل النهاية
يبدو أن الأزمات الإقتصادية التي تحجج بها وحوش الرأسمالية الذين دفعوا بالشباب للشارع، طلائع الرأسمالية، أصحاب الرؤوس المشبعة بالدولار وليس بماركس ولا لينين، مُلفقة تحاول أن تخفي خيانة كبرى حدثت في مكاتب قمة السلطة السوفيتية، هكذا عبرت أحد الشهادات الحية لسفيتلانا أليكسيفيتش. وفي الوقت نفسه فإن الأرقام والشهادات الهامشية تؤكد جدوى وصلاحية الإقتصاد الشيوعي وأن قوانين الاقتصاد الجوهري للاشتراكية أو قانون النمو المتناسق للاقتصاد الوطني السوفيتي لم يخرجا من حيز التنفيذ ولكن تم تعطيلهم لصالح المعسكر الرأسمالي.
إن محاولات العالم الرأسمالي وثقافته من تصوير انعدام ظروف الحياة في أي نموذج آخر غير النموذج الغربي النيوليبرالي أمر يجب مواجهته لصالح الإنسان، فوصف الشيوعية بالمثالية أو الطوباوية لا ينم إلا عن جهل عميق بالتاريخ وعدم دراسة واعية لظروف التجربة السوفيتية وتحدياتها. وأخيرًا فالطوابير والمحلات الفارغة في أخر أيام الإتحاد السوفيتي تُنسى وتبقى صورة العلم الأحمر الذي يرفرف فوق الرايخستاغ.