[قصائد اختارها وترجمها عن الإنجليزية: أسامة إسبر]
ماري أوليفر
ولدت الشاعرة الأميركية ماري أوليفر سنة ١٩٣٥ في ميبل هايتس في ولاية أوهايو. درست في جامعة أوهايو ستيت وكلية فاسار، لكنها لم تحصل على شهادة من أي منهما.
حصلت على جائزة البوكر وجائزة بوليتزر في الشعر، وهي تستلهم شعرها من الطبيعة وتحتفي بغنى الحياة وتدفقها الحي، كما تعتني باللغة، وتشذبها من كل الشوائب كي تكون القصيدة منحوتة لغوية.
تعتبر ماري أوليفر من أكثر الشعراء شهرة ومبيعاً في الولايات المتحدة الأميركية، وقد وصفها أحد النقاد بأنها شاعرة الحكمة والكرم والروح التي تساعدنا رؤيتها الشعرية على أن ننظر بحميمية إلى عالم ليس من صنعنا.
تقول الشاعرة كاثرين هولاندر في مقالة كتبتها عنها بأن لغة ماري أوليفر تمتلك شفافية وعذوبة غير مسبوقتين. من بين كتبها:
1-منزل الضوء
2-لماذا أستيقظ باكراً
3-ظمأ
4-دليل
5-خيول زقاء
6-الورقة والسحابة
كما ألفت كتباً نثرية منها:
1- مراعي زرقاء
2- قواعد للرقصة
3- ساعات الشتاء.
تعيش الشاعرة ماري أوليفر حالياً في بروفينس تاون في ولاية ماساتشوسيتس، في الولايات المتحدة الأميركية.
***
بلاد الأشجار
ليس في بلادها ملكٌ أو ملكة
ولا أمراء يتصارعون على السلطة
ويعيثون في الأرض فساداً.
وكما يحصل لنا، يُولد لها أطفالٌ كثيرون
يعيش بعضهم ويموت البعض الآخر وتستمرّ البلاد.
الطقسُ مهم دائماً
وهناك دوماً مجالٌ للضعفاء: أزهار البنفسج
ونباتات الدمويّة التي حين يبرد الجو
تُغطّيها الأشجار ببطانيات أوراقها
وحين ترتفع درجة الحرارة تمنحها ظلاً وارفاً
ليس بدافع من الخطيئة،
أو من أجل اقتطاع دفعة نهاية العام
بل ربما من أجل بهجة ألوانها
ووجوهها المزهرة الصغيرة.
ليست الأشجار مثلنا.
يهلك بعضها كي يصبح منازل أو أهراء،
أسيجة وجسوراً
ويتحمل بعضها الآخر مرور الأعوام.
لا تنبس أي منها بكلمة شكوى
كما لو أن اللغة، في النهاية،
لا تعمل جيداً بما يكفي،
أو هي مرحلة مبكرة فحسب.
لا تملك الأشجار أية أسئلة للآلهة:
ولا يهمها أيّها الإله الحقيقي، وما الخطة؟
كما لو أنه قِيل لها كل شيء
وهي راضية.
(من ديوان خيول زرقاء)
شيء رائع
لا أعرفُ ما الشيء الرائع
الذي يواصلُ الطائرُ الأزرق قوله،
صوتُه يخرج بسهولة من حنجرته
ومنقاره وجسمهِ إلى الجوّ الزهريّ
لمطلع الفجر. أحبه كيفما كان، وأحياناً
يبدو كأنه الشيء الوحيد في العالم
الذي يخلو من الأفكار السوداوية
الذي بدون أسئلة لا تمكن الإجابة عليها
أو لن تحظى بجواب أبداً،
كأنه الشيء الوحيد الراضي بشكل كامل
بالصباح الزهريّ والصافي والأبيض
ويعبّر عن هذا بامتنان.
(من ديوان خيول زرقاء)
لنبدأ بالأعشاب الخضراء
-1-
هل سيقف الثور الجائع في الحقل ويمتنع عن
أكل العشب الحلو؟
هل ستقضم البومة جناحيها؟
هل ستنسى القبرة أن ترفع جسمها في الجو
أو أن تغني؟
هل تتدفق الأنهار عكس التيار؟
انظروا، أقول: انظروا
إلى صدق وروعة وتعاليم
هدية الأرض الشجاعة هذه.
-2-
كلوا الخبز وافهموا الراحة.
اشربوا الماء وافهموا المتعة.
زوروا الحديقة حيث الأبواق القرمزية
تفتح أجسادها للطيور الطنانة
التي تشرب العذوبة،
الطيور الجشعة
بشكل لافت للنظر.
ذلك أن شيئاً يقود إلى آخر.
ستلاحظون في الحال كيف تتوهج الأحجار تحت الأقدام،
وفي النهاية سيكون المد والجزر هما التقويم الوحيد الذي تؤمنون به.
سيتوهج وجه أحد ما تحبونه كالنجم
حميمياً وبعيداً
وسترتجف قلوبكم وتعبرون عن احترامكم في آن واحد معاً،
ستسمعون الجوّ يهمس كعشيقة:
آه، دعوني أدخل لوقتٍ أطول الأجساد الجميلة
لرئاتكم.
-3-
إن سحر الحياة
هو كل حديثي
معكم، يا أعزائي.
وكل ما أستطيع قوله لكم
هو ما أعرفه.
انظروا، وواصلوا النظر.
إن هذا العالم ليس مجرد فتنة صغيرة للناظرين.
إنه أكثر من عظام.
من رسغ حساس نابض،
ومن خفقان قلب وحيد.
إنه تسبيحة شكر
عطاء إلى أن تشعروا أن المنح هو كالأخذ.
لديكم حياة، تخيلوا هذا فحسب!
لديكم هذا اليوم، وربما آخر، وربما آخر أيضاً.
-4-
يوماً ما سأطلب من صديقي
الراقص والخزاف بولس
أن يصنع لي إناء للتسول
أعتقد أن
روحي بحاجة إليه.
وإذا جئت
طارقة باب منزلكم المريح
بملابس غير نظيفة وأظافر متسخة،
هل سترمون فيه شيئاً؟
أحب أن أنتهز هذه الفرصة.
أحب أن أمنحكم هذه الفرصة.
-5-
نفعل شيئاً أو آخر، نبقى أنفسنا،
أو نتغير.
تهانينا، إذا تغيرتم.
-6-
دعوني أطرح عليكم هذا السؤال:
هل تعتقدون أيضاً أن الجمال يوجد
من أجل سبب هائل؟
وإذا لم تسحركم هذه المغامرة، أعني حياتكم،
ما الذي ستفعله لكم؟
-7-
أعتقد أن ما أحببته في البداية كان نفسي،
لا تكترثوا بأنني اضطررتُ لهذا، بما أن أحداً ما سيضطر،
حدث هذا منذ أعوام كثيرة.
ومنذ ذلك الوقت خرجتُ من سجوني،
ولو بصعوبة،
أعني تلك التي اعتقدتُ بأنها تحكم قلبي.
رميتها، وضعتها على كومة القمامة.
ستكون غذاء من نوع ما (كل شيء هو غذاء
بطريقة أو أخرى).
صرتُ طفلة الغيوم والأمل
صديقة العدو، بصرف النظر عمن هو.
صرت أكبر في السن، وفخورة بما تعلمته،
صرتُ أصغر سناً.
ما الذي سأخسره إذا قلت لكم هذا، والذي هو كل ما أعرفه:
أحبوا أنفسكم ثم انسوها، ثم أحبوا العالم.
(من ديوان دليل)
زائر
أبي
الذي كان في ريعان شبابه مرة
وله عينان زرقاوان
عاد في أحلك الليالي
إلى المدخل وقرع
بعنف على الباب
كما لو أنني إذا فتحتُ
يجب أن أكون مستعدة
لوجهه الشمعي
ولشفته السفلى
المنتفخة من المرارة.
وهكذا، لوقت طويل،
لم أفتح،
لكن نومي كان متقطعاً
بين ساعات قرعه،
وأخيراً أتت الليلة
التي نهضتُ فيها من تحت شراشفي
وسرت متعثرة عبر الصالة،
وفتحت الباب
وعرفتُ أنني أُنقذتُ
وأستطيع تحمله،
على الرغم من أنه مثير للشفقة وأجوف،
ولم يتبق إلا القليل من أحلامه
المجمدة في داخله،
وخسّته قد ذهبت.
دعوته للدخول
أشعلت المصباح
ونظرتُ في عينيه المجوفتين
ورأيت فيهما
أخيراً ما يجب أن يحبه الطفل
ما كان يمكن أن يفعله الحب
لو أننا أحببنا بعضنا في الوقت المناسب.
(من ديوان خيول زرقاء)
يوم صيفي
من الذي خلق العالم؟
من خلق البجعة والدب الأسود؟
من خلق الجندب؟
أعني هذا الجندب
الذي قفزَ خارجاً من بين الأعشاب
هذا الذي يأكل السكّر من يدي
الذي يحرك فكيه إلى الأمام وإلى الخلف بدلاً من إلى الأعلى إلى الأسفل
الذي يحدق حواليه بعينيه الكبيرتين المعقدتين
الذي يرفع الآن ساعديه الشاحبين ويغسل وجهه بشكل كامل
الذي يحرك جناحيه ويفتحهما ويحلق بعيداً.
لا أعرف ما هي الصلاة بالضبط
لا أعرف كيف أنتبه، كيف أسقط في العشب، كيف أركع في العشب
كيف أكون متبطلة ومباركة، كيف أتجول في الحقول
الأمر الذي كنت أفعله طول النهار.
قلْ لي، ما الشيء الآخر الذي يجب أن أفعله؟
ألا يموت كل شيء في النهاية، وفي الحال؟
أخبرني، ما الذي تخطط لفعله
بحياتك الواحدة، الوحشية والثمينة؟
(من قصائد مختارة)
بعد قراءة لوكريتوس، أذهب إلى البركة
الضفدع الأخضر الزلق
الذي مضى إلى حتفه
في الحنجرة القرمزية للبلشون
كان أخي الصغير.
والبلشون
ذو الريشات البيضاء
كتاج على رأسه
الذي يغسل الآن منقاره الكبير الذي يشبه السيف
في مياه البركة المتلألئة
هو أخي الطويل والنحيل.
يتشح قلبي بالسواد
ويرقص.
(من ديوان خيول زرقاء)
ملائكة
بوسعك أن تشاهد الملائكة في أي وقت
وفي أي مكان. لكن عليك بالطبع أن
تفتح عينيك على مستوى ثان
من نوع ما، وهذا
ليس صعباً. إن تجارة
ما هو الواقع وما ليس هو لم
تُحل وربما لن تُحل أبداً. وهكذا لا يهمني أن
أكون واضحة حيال أي شيء،
لدي الكثير من الاحتمالات
وتقريباً لا شيء يمكن أن تدعوه يقيناً. هذا
بالنسبة لي وليس لأشخاص آخرين. هناك مكان
لا تستطيع الدخول إليه، ليس بشكل كامل بأية حال،
أعني رؤوس أشخاص آخرين.
سأترككم مع هذا فحسب.
لا يهمني كم من الملائكة يستطيعون
الرقص على رأس دبوس.
لكن يكفي أن نعرف أنهم بالنسبة للبعض
موجودون ويرقصون.
(من ديوان خيول زرقاء)
جلال الدين الرومي
حين دخل الرومي إلى الحانة
لحقتُ به.
سمعتُ الكثير من الكلام الجنوني
والكثير من الكلام الحكيم.
لكن الورود لم تنْمُ في شعري.
حين غادر الرومي الحانة
لحقتُ به.
لا أعني أنني اختلستُ النظر فحسب
إلى هذا الشخص المشهور.
في الحقيقة بدا سخيفاً في
لحيته الطويله وقدميه المغبرين.
لكنني سمعتُ اليسير من الكلام المجنون
والكثير من الكلام الحكيم وكنتُ
آمل بما يكفي أن أواصل الإصغاء
إلى أن جاء يوم اكتشفتُ فيه
أنني تحولت إلى حديقة كاملة من الورود.
(من ديوان خيول زرقاء)
الوحدة
أنا جربتُ الوحدة أيضاً
جربتُ شعور المرء
حين يُساء فهمه،
ويُرْفض، وفجأة
يتوقف عن كونه جميلاً.
آه أيتها الأرض الأم،
راحتك عظيمة،
ذراعاك لا تنسحبان أبداً.
إن معرفة ذلك أنقذت حياتي.
أنهارك تتدفق،
ورودك تتفتح في الصباح.
آه يا حركات الرقة!
(من ديوان خيول زرقاء)
الاندفاع على غير هدى
كنت أستمتع بكل شيء: بالمطر والدرب
أينما أخذني، بجذور التربة
التي تبدأ بالارتعاش.
لم أنْوِ التفكير بالله،
حدث الأمر فحسب.
إن كون الله أو الآلهة لامرئيين
قابل للفهم تماماً.
لكن القداسة متجلية على نحو كامل.
ومن الرائع مواصلة السير هكذا،
ليس كي تصل إلى جواب كما هو الهدف المألوف
بل أن تنطلق على غيرهدى فحسب
كالغيوم التي تبدو بلا وزن
لكنها ليست هكذا.
إنها مهمة في الحقيقة.
أعني مهمة جداً،
وليست ديكوراً على الإطلاق.
في الأسبوع القادم ستتفتح أزهار البنفسج.
بأية حال، كانت هذه نزهتي اللذيذة تحت المطر.
ما الذي كانت تهدف إليه؟
فكروا بذلك الشيء الذي تحاول الموسيقى قوله.
كانت شيئاً كهذا.
(من قصائد مختارة)
تعاليم بوذا الأخيرة
”اجعل نفسكَ ضوءاً“،
قال بوذا
قبل أن يموت.
أفكر بكلامه كل صباح
فيما الشرق يبدأ بتبديد سحبه الكثيرة
من الظلمة كي يرسل الإشارة الأولى:
مروحة بيضاء مجزّعة بالألوان القرنفلية والبنفسجية
وحتى الخضراء.
رجل عجوز، كان يستلقي بين
شجرتيْ سالا،
وربما قال أي شيء،
عارفاً أنها ساعته الأخيرة.
توهج الضوء نحو الأعلى،
ازداد سماكةً واستقرَّ فوق الحقول.
تجمع قرويون حوله
ومطوا أجسادهم إلى الأمام كي يُصغوا.
وقبل أن تتدلى الشمس
منفصلة في الجو الأزرق،
لمسني محيطها من الأمواج الصفراء
في جميع الأمكنة.
لا شك أنه فكر بكل شيء
حدث في حياته الصعبة.
ثم شعرتُ بالشمس
وهي تتوهج فوق التلال،
كمثل مليون زهرة مشتعلة.
من الواضح أنه ليست هناك حاجة إليَّ
مع ذلك أشعر بنفسي أتحول
إلي شيء قيمته غير قابلة للتفسير.
ببطء، تحت الأغصان
رفع رأسه،
ونظر في وجوه الحشد الخائف.
(من ديوان خيول زرقاء)
حلم الأشجار
ثمة شيءٌ في داخلي يحلم بالأشجار،
بمنزل هادئٍ، وبعض الفدادين الخضراء والمتواضعة
البعيدة قليلاً عن المدن المزعجة،
عن المعامل والمدارس والشكاوى.
ظننتُ أنني سأمتلك الوقت، وقتاً أدخره،
لا يرافقني فيه إلا الجداول والطيور،
كي أصنع من حياتي بضعة مقاطع شعرية برية
ثم خطر لي أن الموت كان هكذا
بعيداً قليلاً عن جميع الأمكنة.
ثمة شيء في داخلي ما يزال يحلم بالأشجار،
لكن ليمرَّ. إن نصف فناني العالم يتراجعون ويختفون
جائعين للهدوء.
إذا عثر أي شخص على حلٍّ، فليخبرنا.
في هذه الأثناء أوجّه قلبي نحو الشكوى
حيث، فيما الأزمنة تتوسل انخراطنا الحقيقي
تشير شفرة الأزمات إلى الطريق.
أتمنى لو لم يكن الأمر هكذا.
من سبق أن صنع موسيقى من يوم هادئ؟