الخارطة الاقتصادية للطريق الدولي
يقع الطريق الدولي الاستراتيجي غرب العراق، ويبلغ طوله 1200 كم، وينطلق من أقصى جنوب العراق حيث ميناء أم قصر الاستراتيجي، ماراً بنحو أربع محافظات وتسع مدن، ويقطع أراضي محافظة الأنبار الصحراوية الشاسعة، ويصل إلى بغداد عبر طريق الفلوجة – عامرية الفلوجة – أبو غريب (22 كلم) فيما يتصل بالطريق الدولي الاستراتيجي الجنوبي الواصل إلى الموانئ البحرية في البصرة، عند عقدة مواصلات (جنوب غرب العاصمة بغداد – شمال غرب محافظة بابل)، ويُعرف بـ"طريق المرور الدولي السريع رقم 1" وهو جزء من شبكة (طرق المشرق العربي الدولية) ويتصل بالطرق الإقليمية (M5) و(M30) و(M40). فيما يتصل ببغداد عبر جنوب شرق الفلوجة وما بات يعرف بعد العام 2015 بـ"سيطرة الصقور" وهي نقطة تفتيش جمركية واستخبارية تفصل الأنبار عن بغداد. ويتفرع من الطريق الدولي، الطريق المؤدي إلى معبر عرعر الحدودي مع السعودية.
يؤمن الطريق الدولي السريع، وفقاً لمعطيات البنك الدولي الذي يمول جزءاً من إعادة تأهيل الطريق الذي شُيد قبل نحو 30 عاماً، ما بين (15 ألفاً) و(30 ألفاً) من المعدل السنوي للحركة المرورية التجارية اليومية، والتي تشكل ما نسبته 40% منها من الحركة البرية التجارية في عموم العراق. البنك الدولي يمول تأهيل وإصلاح 33 طريقاً في العراق.
تسعى الولايات المتحدة الاميركية لاستثمار الطريق عبر تجزئته وفقاً للأهمية الاقتصادية، لكنها تحرص أن يكون الخط الأساس الذي يصل الطريق بالعاصمة بغداد تحت سيطرتها بالكامل عبر الشركة المنفذة وبـ"شراكة حماية إطار عام" من قبل الأجهزة الرسمية العراقية (الجيش العراقي) و(قوات وزارة الداخلية الموثوقة حصراً) بعيداً عن قوات "الحشد الشعبي" المدعومة من إيران والتي تعارض استثمار الطريق أميركياً وتطرح مشروعاً موازياً باستثماره عبر شركات أجنبية أو إيرانية عبر واجهات عراقية من الباطن. وتلك القوات أيضاً تنتشر في المحافظة السُنية.
وكقراءة اقتصادية للإستثمار السياسي للطريق الدولي، فإن تأمينه يعتمد أيضاً على التفاهمات الأميركية – الروسية في سورية، فالقوات العراقية باتت تسيطر على معبري (الوليد) و(القائم) وطريق (الرطبة) المؤدي إلى سورية، لكن يجب الإتفاق على التأمين الدائم لطريق بغداد - عمّان وإدامة الاستقرار في مناطق أعالي الفرات ولاسيما مثلث (راوه – عانة – حديثة) إلى بلدة القائم.
فهناك طريقان رئيسيان، من المفترض أن يؤديا دوراً حاسماً بنجاح المشروع: (الطريق 20) بين الرطبة والقائم، و(الطريق 12) بين القائم والحسكة في شمال سورية، والذي يعبر منفذ البوكمال الحدودي، ويمرّ عبر بلدات حدودية رئيسة في دير الزور.
يتمتع الطريق الدولي السريع بنحو 40 جسراً وممراً مُعلقاً، وتشير التقديرات أن ما بين 20 الى 36 جسراً قد تعرضت إلى التدمير الكلي أو الجزئي، وباتت خارج الخدمة عقب أحداث تنظيم (داعش) في المنطقة. وكخطة لتشغيل الطريق بطاقته القصوى يتطلب إعادة إعمار تلك الجسور.
تقتضي خطة الحماية المقترحة من الشركة الأميركية بمسؤوليتها عن تأمين محيط الطريق - بحسب وزارة الإسكان والإعمار - بعمق 5 كلم. ويتطلب ذلك إقامة علاقات مع المجتمع المحلي الذي يتوزع على جنبات الطريق السريع والذي تختلف ولاءاته القبلية والسياسية، لكنها بالمجمل مجتمعات قبلية سُنية، لكنها الآن تخضع لضرورات التحالف مع القوى الشيعية المسلحة ولاسيما بعد طرد تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" من المنطقة.
يُبين النائب عبدالعزيز حسن، عضو لجنة الأمن في مجلس النواب العراقي السابق (6 أيار/ مايو 2017) إن "الشركة (الأميركية) ستضع سياجاً على طول الطريق، وتوفر الحماية بعرض 10 كم على يمين ويسار الطريق (...) والشرطة والجيش سيكونان على بعد 2.5 كلم عن آخر نقطة ضمن صلاحيات الشركة الأميركية".
وينقل حسن عن قائد حرس الحدود العراقي قوله بأن "حرس الحدود لا يملك إمكانات كافية من طيران ومعدات لحماية الحدود (...) كما أن حرس الحدود لديه ثكنات عسكرية (ربايا) تقليدية في بعض المناطق على الطريق الدولي".
وتشترك قوات حرس الحدود مع قطعات الجيش العراقي، في مسؤولية حماية الطريق الرابط بيّن منفذ طريبيل والرمادي. لكن قوات "الحشد الشعبي" تتدخل وتفرض سطوتها هناك بقوة.
تطمح واشنطن إلى تحويل الطريق الدولي السريع إلى ما يشبه طريق (New Jersey Turnpike)، وثمة مباحثات موازية لإنشاء ثلاثة طرق سريعة استثمارية أخرى في العراق تديرها شركات اميركية:
1- الأول: يمتد على طول الحدود السعودية عبر كربلاء إلى بغداد.
2- الثاني: من مدينة البصرة الجنوبية إلى بغداد.
3- الثالث: من الحدود السورية إلى بغداد.
يهدف المشروع سياسياً، بأن الاستثمار سيقضي على أي تمرد محلي مستقبلاً بالتعاون مع حكومة عراقية متعاونة ومستجيبة للتحديات، فضلاً عن خلق آلاف الوظائف وتغيير نمط حياة المجتمعات المحلية هناك بالشكل الذي يعزز الثقة بالشركاء الاميركيين والحكومة المركزية في بغداد والحكومة المحلية في الأنبار، ويخلق من زعماء القبائل قوة حيوية إيجابية لدعم الإستقرار البعيد المدى الذي يتطلبه الإستثمار.
منحت الحكومة العراقية شركة (Constellis) وهي الشركة الأم لـ(Olive Group) استثمار الطريق الدولي السريع لمدة 25 عاماً بدءاً من العام 2018، وبموجب الإتفاق ستحوز بغداد على جزء من أرباح إيرادات الطريق، فيما الشركة الأميركية ستتمتع بالإدارة الكاملة وعمليات الصيانة. ولا يعرف على وجه التحديد حجم الصفقة مالياً.
تعمل شركة (Constellis) في ست محافظات عراقية بمجال الخدمات الأمنية واللوجستية والمراقبة وقياس استجابة تحسن الأمن، وحماية الشركات الأجنبية، ولاسيما الشركات النفطية. تعمل الشركة في بغداد، البصرة، النجف (تأمين الحماية لمطار النجف الدولي)، ومحافظات إقليم كردستان وأهمها أربيل.
ترحب بغداد بهذا الاستثمار وفقاً لإعلانات رئيس الحكومة لجهة أنها "لن تدفع أموالاً للإعمار والتأهيل والحماية"، سوى تقديمها وحدات عسكرية وأمنية واستخبارية تقليدية تقوم بإسناد الشركة وحمايتها من الهجمات المحتملة من قبل المجموعات المسلحة، سواء تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" أو المجموعات القبلية التي ستبتز الشركة للحصول على الوظائف والمساعدات المالية، أو هجمات الفصائل الشيعية "الحشد الشعبي" التي تنظر إلى الشركة المستثمرة كـ"عدو" يعمل لصالح جهاز الإستخبارات المركزية (CIA)، ووجه من أوجه "بقاء الإحتلال" طبقاً للتوجهات الإيرانية.
أثارت إيران عبر المنابر الإعلامية الممولة من قبلها في العراق، دعاية مضادة لعرقلة المشروع، لجهة أن الشركة المتعاقد معها هي بالأصل شركة (Blackwater)، وقدمت المجموعات النيابية ذات الصلة الوثيقة بطهران مشروعاً لاستجواب رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي في (7 اغسطس/ آب 2017) لكنه لم يتم، تضمن أن العراق تعرض لعملية خداع بتغيير اسم الشركة إلى (R2) وسجلت في دولة الإمارات العربية المتحدة وحصلت على ترخيص عمل دولي منها، وأنها باتت تحظى بغطاء سياسي من لدنها أيضاً.
عملياً، توقفت أعمال تحالف الشركات في المشروع، بعد أن قامت باستطلاع المنطقة فقط، ووضع مكاتب إدارية مؤقتة في منفذ طريبيل الدولي مع الأردن، نتيجة الضغوط السياسية والدعائية والأمنية التي مورست ضدها.
وبحسب تصريح رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب السابق، حاكم الزاملي – وهو من التيار الصدري – (الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2017)، فإن "اعتراضات سياسية وأخرى أمنية وجهات كثيرة أخرى، حالت دون تنفيذ العقد مع الشركة لتأمين طريق بغداد - عمان بطريقة الإستثمار الطويل (...) الشركة نفسها أيضاً انسحبت أخيراً، واليوم المناطق تحررت ولا حاجة لتأمين خارجي، فالقوات العراقية وأبناء الأنبار قادرون على القيام بالمهمة".
وفي آخر تحديث على الموقف، أكد حاكم بلدة الرطبة في الأنبار، عماد الدليمي (2 آيار/ مايو 2018) أن "الشركة التي تم التوصل إلى اتفاق معها من قبل الحكومة الإتحادية، لإعادة تأهيل وتأمين الطريق السريع الدولي لم تباشر بعد حتى الآن".
ويبدو أن عدم مباشرة الشركة الاميركية لاستثمارها المغري غرب الأنبار، لم يكن عزوفاً تكتيكياً لكسب الوقت واحتواء خطوات العرقلة الايرانية، إنما انسحابا صامتا.
ويكشف عضو مجلس إدارة محافظة الأنبار، صباح الكرحوت (27 حزيران/ مايو 2018)، أن حكومة الانبار طلبت رسمياً من الحكومة الإتحادية في بغداد "ضرورة سحب المشروع من الشركة الأميركية (...) والإيعاز للجهات الحكومية في الأنبار بتأهيل الطريق، طالما هو مؤمن من قبل القوات الأمنية (...) لكن لا بد من دعم حكومي لتأمين المناطق الصحراوية (...) فضلاً عن توفير أموال لأهالي الأنبار وحكومتهم المحلية ليقوموا باستثمار هذا الطريق".
ويبدو أن الصراع الإيراني – الاميركي على غرب العراق وسط حياد بغداد، بات يخضع لتكتيكات عدم الصدام المباشر، فقد ألمح حاكم قضاء الرطبة، عماد الدليمي في (5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018) أن هناك معلومات تتحدث عن إمكانية إحالة استثمار الطريق السريع الدولي مع الأردن إلى إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة.
ويبدو أن الفيتو الايراني القوي على الارض المتمثل بالجماعات الشيعية المسلحة على أي استثمار اميركي على الحدود مع سورية، دفع واشنطن إلى تدويل الملف عبر إشراك اذرع الامم المتحدة ذات العلاقة بالتنمية، كمنظمة (UNDP) بالشراكة مع البنك الدولي، عبر تخصيص أموال لصيانة الجسور على الطريق السريع الدولي الممتد من العاصمة بغداد إلى الرمادي والرطبة، وصولا إلى منفذ طريبيل الدولي مع الأردن، ما يعني استدعاء شركات صيانة وتأهيل أجنبية متخصصة تطلب غطاءاً أمنياً احترافياً لا يمكن للحكومة العراقية أن توفره، فتباشر الشركة المستثمرة بالاساس (Olive Group) تحت أي مسمى أعمالها المتوقفة.
موقف الفصائل المسلحة المدعومة من إيران
تعارض الفصائل المسلحة الشيعية المدعومة من إيران في إطار ما يسمى بـ"محور المقاومة" مشروع استثمار الطريق الدولي السريع من قبل الشركات الأميركية:
- (كتائب حزب الله): تعارض مشروع استثمار الطريق الدولي. وقالت في مواقف عدة أبرزها بيانها الرسمي في (31 آذار/ مارس 2017) إن:
"واشنطن عمدت في خطتها الجديدة إلى نشر قواتها في قواعد رئيسة ومناطق مهمة في البلاد (العراق)، لتوفر السيطرة التامة على الحدود العراقية السورية بذريعة منع الجمهورية الاسلامية (إيران) من استخدام الحدود البرية لدعم سوريا وحزب الله، ناهيك عن الهيمنة على مقدرات العراق ودعم الأطراف المحلية بهدف تمرير مشاريع التقسيم (الإقليم السُني)، وإن هذا الطريق الرابط بين العراق والأردن يعد ممراً استراتيجياً، يسمح لأميركا والقوى التي تسعى للسيطرة عليه بفرض هيمنتها على الأنبار خصوصا والإقليم السني المقرر تشكيله وفق خطة أميركية - خليجية، كما أن وجود القوات الاميركية في تلك المنطقة المهمة يأتي أيضا لضمان المصالح الاردنية".
- (عصائب أهل الحق): اعتبرت استثمار الطريق الدولي "مخططاً امريكياً لنشر قوات أجنبية في المناطق السكنية والمدنية بزعم حماية الشركات الأميركية الاستثمارية"، وفقاً لبيان ناطقها العسكري جواد الطليباوي في (30 آذار/ مارس 2017):
"الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب تعمل على سيناريو جديد لنشر قوات أمريكية في المناطق المدنية بحجة حماية الشركات الإستثمارية (...) إن تلك الشركات تمارس عمليات تجسس لصالح الإستخبارات الأميركية (...) لذا تقتضي الضرورة الاستعانة بشركات بديلة من روسيا وأوروبا".
- زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي تشدد في رفضه للمشروع في خطبة بمحافظة بابل (نيسان/ أبريل 2017): "عندما تسلم الحكومة العراقية الطريق (...) لشركة أمنية أمريكية لتأمينه، فإن هذا الأمر يجب ألا يمر مرور الكرام، وعلينا الوقوف أمامه (...) العراق لديه جيش استرد عافيته وتعداده 300 ألف جندي، ووزارة داخلية تعدادها 600 ألف منتسب، وحشدان شعبي وعشائري. هل يحتاج إلى التعاقد مع شركة أمنية أمريكية؟".
- منظمة بدر: تعارض أيضاً المشروع، ووفقاً لمعين الكاظمي وهو قيادي كبير في المنظمة، وقيادي أيضاً في "الحشد الشعبي" فإن منظمته "تعارض هذا الطريق لأنه سيعطي ذريعة للأمريكيين للحفاظ على وجودهم العسكري (...) والحشد الشعبي بات يسيطر على ذات الطرق (غرب العراق) التي سيطر عليها داعش لتبادل الإمدادات والقوات بين سوريا والعراق (...) وبما أننا نسيطر على هذا الطريق، يمكننا التأكد من استخدامه في التبادل التجاري، وسيعيد العلاقات مع سوريا وجنوب لبنان".
- وزير إعلام النظام السوري رامز الترجمان في مقابلة تلفزيونية: "الهدف هو الربط الجغرافي بين سوريا والعراق ومحور المقاومة".
الخطة الايرانية لتطويق الطريق الدولي
تنتشر "قوات الحشد الشعبي" بما فيها الفصائل الموالية لايران في مناطق عدة من محافظة الانبار، ولاسيما بمناطق (شمال غرب – وجنوب شرق – وجنوب غرب) مثل كماشة نشطة لتطويق أي اختراق أميركي غير مرغوب فيه بالمنطقة، خصوصا مع تواجد أميركي في (قاعدة عين الأسد) وبحيرة (الحبّانية) وسط ترحيب المجتمع المحلي الذي يرى بالتواجد الاميركي دعامة استقرار المنطقة وتنشيط الإقتصاد فيها.
وبُعيّد الاعلان الحكومي عن توقيع العقد مع المجموعة الأميركية، استنفرت قوات "الحشد الشعبي" مقاتليها في المنطقة. وبحسب مجلس محافظة الأنبار فإن فريقاً استطلاعياً من الشركة زار المنطقة المستهدفة بضمنها (منفذ طريبيل الحدودي) انطلاقاً من قاعدة (عين الأسد) في (آذار/ مارس 2017)، وفي زيارة نادرة أخرى في آب/ أغسطس من العام ذاته، بعدها لم يبق للشركة من أثرٍ يدل على تواجدها.
خلال أيار/ مايو 2017، شهد الطريق الدولي السريع (غربي الأنبار) ولاسيما الطريق النازل من بلدة القائم الحدودية مع سورية، والطريق الآخر الموازي النازل من بلدة الرطبة حتى منفذ طريبيل، تصاعداً غير مسبوق وغريب التوقيت في أعمال العنف، بعد الإعلان عن توقيع عقد الاستثمار مع الشركة الأميركية.
أسفرت احدى تلك الهجمات – اُتهم تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" بشنها – عن مقتل وخطف 20 جندياً من فرقة المشاة الأولى التابعة للجيش العراقي، المسؤولة عن تأمين محور غرب الأنبار. ويعتقد الأمنيون أن الثغرة غير المؤمّنة تمتد لنحو 400 كلم دون انتشار أو غطاء جوي.
يعتقد المسؤولون المحليون في الانبار، أن "جهات لا تريد إعادة فتح الحدود هي من تقف وراء زعزعة الأمن في المنطقة، ولم تستبعد وجود تنافس للحصول على عقد الشركة التي ستستعين بعناصر وجهات عراقية".
عقب تلك الهجمات، والتي بدت وكأنها رسالة دامية إلى رئيس الحكومة حيدر العبادي للتراجع عن خطة الاستثمار. تراجع العبادي فعلاً وأعلن في مؤتمر صحفي أن "القوات الأمنية تحمي الطريق البري الدولي إلى عمان ومنفذ طريبيل بالكامل". ومن حينها لم تعلن الحكومة أية بيانات أو تعليقات بشأن المشروع والشركة.
وقُبيّل إعادة تشغيل (منفذ طريبيل) الحدودي مع الأردن، أعلن "الحشد الشعبي" في (14 اغسطس/ آب 2017) عن البدء بإنشاء سد ترابي بطول 300 كلم، لتأمين الطريق الدولي، ليكون "الحد الفاصل بين مدن أعالي الفرات والفرات الأوسط وجنوب الفرات وحتى العاصمة بغداد (...) لتأمين الطريق الدولي بين بغداد ودمشق وعمّان المار بمدينة بالرمادي والمنتهي بمنفذي طريبيل والوليد الحدوديين".
الحاجز الترابي، هو سياج أمني لعزل منطقة حوض الطريق الدولي وتحقيق السيطرة الكاملة عليه بالشكل الذي يُعقد مهمة أي محاولة مستقبلية للحكومة باستقدام شركات جديدة، فيما المسعى الحقيقي أن يفرض "الحشد الشعبي" واقع ابتزاز على الحكومة العراقية بعدم السماح سوى للشركات التي تتناغم مع المصالح الايرانية.
ووفقاً لمركز أبحاث اميركي، فإن "مشروع (Olive Group) بحدّ ذاته قد يؤدي إلى إقامة منطقة عازلة سنية، تخفف الهواجس الأردنية والسعودية، من احتمال انتشار (الحشد الشعبي) على حدودهما". لكن العكس هو ما يحصل على الأرض.
وفي أكثر من مناسبة، أعلن "الحشد الشعبي" أنه ينوي الدخول إلى الأراضي السورية لمساندة قوات نظام الأسد، وعملياً هي تتحرك على طول الحدود، وحققت ربطاً مع القوات السورية بنقاط عدة على الحدود من خلال معبري الوليد والقائم. فحققت لقاءً استراتيجياً في (يونيو/ حزيران 2017) مع قوات النظام السوري في قرية (أم جريص) قرب القائم، وبالنهاية تمركزت بمنطقة البوكمال السورية.
انتشار "الحشد الشعبي" في الانبار وغرب الموصل على طول الحدود مع سورية والمثلث (العراقي – السوري – الاردني) أشبه بوضع اليد الايرانية على المنطقة بكاملها. وحين خلُصَت المباحثات العراقية – الاردنية إلى ضرورة فتح معبر (طريبيل – الكرامة) مجددا أمام الحركة التجارية في (30 آب/ أغسطس 2017) اشترطت عمّان أن يُفتح المعبر بضمانات أميركية، وتلك الضمانات تمثلت بأن تنشر واشنطن عديداً من قواتها في أقصى غرب الانبار.
وعقب زيارة رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى واشنطن ولقاء الرئيس دونالد ترامب في (20 آذار/ مارس 2017)، سُرّبت معلومات من الدائرة الحزبية للعبادي (حزب الدعوة) أن التفاهمات الأميركية – العراقية تطرقت إلى إمكانية إقامة خمس قواعد أميركية مع زيادة عدد القوات ليصل إلى 40 الف جندي ومستشار ومتعاقد اميركي.
وبيّن نائب عن كتلة الدعوة النيابية في تصريح – دون الكشف عن اسمه – في (5 نيسان/ أبريل 2017) أن "بقاء أية قوة أميركية على الأراضي العراقية بحاجة إلى موافقات الحكومة والبرلمان (...) وأعداد هذه القوات ستحددها الإتفاقية الاستراتيجية الموقعة بين بغداد وواشنطن".
القوى السياسية الكردية والسُنية وطيف من القوى الشيعية تؤيد إقامة تلك القواعد، لكن الذهاب إلى هكذا خطوة قد يُفجر الاوضاع السياسية في البلاد، ولاسيما مع وصول كتلة نيابية ممثلة لـ"الحشد الشعبي" إلى مجلس النواب هي (قائمة الفتح) في الانتخابات النيابية التي أجريت في 12 أيار/ مايو 2018، وتشاطرها في الرؤية كتلة (سائرون) التابعة لمقتدى الصدر.
[لقراءة الجزء الاول، اظغط/ي هنا]