[نشرت هذه المقابلة على جدلية باللغة الإنجليزية وترجمتها إلى العربية وسن قاسم]
كتب: زهراء علي، المرأة والجندر في العراق: بين بناء الأمة والتفتت، مطبعة جامعة كامبريدج ، 2018.
جدلية: كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
زهراء علي: لقد كتبت هذا الكتاب لكي ألقي الضوء على التاريخ الاجتماعي الغني والفريد للنسوية أو بالأحرى النسويات في العراق وكذلك على المسارات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية الأصلية للمرأة العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن العشرين. كما أنني قمت بكتابته لشرح وتحليل الآليات التي قادت العراق إلى أن يكون ما هو عليه اليوم كبلد مفتت على خلفيات عرقية وطائفية ويعاني من العسكرة الزائدة، وكذلك مركزية قضايا المرأة وقضايا الجندر في هذه الآليات.
كما أنني عالمة اجتماع ذات توجه نسوي وأنتمي إلى عائلة من العراقيين المنفيين في فرنسا. وقد بدأت بملاحظة تتعلق بواقع الإنتاج المعرفي فيما يخص العراق: أولاً، تسود الكتابات عن العراق المقاربة التقليدية التي تركز على الأنظمة السياسية والقادة، وتقدم تحليلاً محدوداً ومحدّاً. كما أن العديد من الأبحاث الحديثة تذهب إلى حد جعل الأمر يبدو وكأن كل شيء بدأ أو انتهى في عام 2003. بينما يطرح كتابي منظوراً تاريخياً أوسع نطاقاً بدأً من تأسيس الدولة العراقية الحديثة. ثانياً، كثيراً ما تغلب كتابات الجيل الأقدم على دراسات مثقفي الشتات العراقيين التي لا يتم تحديثها دائماً لمواكبة السياق الحالي خاصةً. ولهذا فإن إجراء البحث الاجتماعي القائم على أساس العمل الميداني الإثنوغرافي المتعمق أمر أساسي في كتابي. لقد قضيت وقتا طويلا داخل الحركة النسوية بشكل رئيسي في بغداد، ولكن أيضاً في أربيل والسليمانية في كردستان العراق، ثم قمت مؤخراً بتوسيع بحثي إلى النجف-الكوفة وكربلاء والناصرية. ثالثاً، فيما يتعلق بما يتم إنتاجه داخل العراق بخصوص تاريخه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فإن هناك نقصاً واضحاً في الأعمال العلائقية/ التقاطعية، وكذلك الأعمال القائمة على منظور جندري ونسوي. في هذا الكتاب، أطرح فهماً متشابكاً ومتعدد الطبقات ومدركاً للفروق الدقيقة للمجتمع العراقي من منظور تاريخي قوي. حيث إنني أتناول المنهج الإثنوغرافي ببحث مفصل للغاية في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والفكري والسياسي للعراق مع التركيز على التداخل بين قضايا الجندر والأمة والدولة والدين.
جدلية: ماهي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب ؟
هذا الكتاب هو دراسة اجتماعية للنشاط الاجتماعي والسياسي والتوجهات النسوية للمرأة العراقية من خلال دراسة إثنوغرافية متعمقة لمنظمات حقوق المرأة العراقية، وبحث مفصل عن التجارب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية. بدأت’ كل مقابلة مع ناشطات اجتماعيات وسياسيات تتراوح أعمارهن بين 21 و74سنة، من مختلف الطوائف العرقية والدينية والطائفية والسياسية بهذا السؤال: شنو اللي خلاچ تكونين ناشطة نسوية - ما الذي جعلك ناشطة في حقوق المرأة/ ناشطة نسوية؟ ومن ساعات الحوار التي أثارها هذا السؤال، جمعت تاريخاً شفهياً من أجيال متعددة لحياة المرأة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية منذ خمسينيات القرن العشرين. ومن خلال رصدي ومشاركتي في الحوار مع الناشطات العراقيات، ناقشنا وتناولنا القضايا الساخنة الحالية التي تثير اهتمام الناشطات والمجتمع المدني في العراق اليوم من قانون الأحوال الشخصية والعنف الطائفي والسياسي، فضلاً عن عسكرة المجتمع. وشاركنا أيضاً في حوارات مطولة حول طرق تعريف وتجربة العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والتحرر والتحرير.
تتعامل المقاربة النظرية التي اتبعها مع الأدبيات النسوية العابرة للقومية وما بعد الكولونيالية مع التركيز على التداخل بين قضايا الجندر والأمة والدولة والدين. حيث أدرس الطرق التي تتشكل بها القواعد والممارسات الخاصة بالجندر والخطابات والنشاطات النسائية العراقية من خلال سياسة الدولة والقوميات المتنافسة والديناميكيات الدينية والقبلية والطائفية، فضلاً عن الحروب والعقوبات الاقتصادية. وأدرس بشكل خاص سياق ما بعد الغزو والاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية وأحلل واقع حياة النساء العراقيات والنشاط السياسي والتوجهات النسوية، لا سيما التحديات التي تفرضها الطائفية والتوجه العسكري.
إن هذا كتاب عن النساء والجندر والحركة النسوية في العراق، بقدر ما هو كتاب نسوي عن العراق. على هذا الأساس، فإنه يسعى إلى المساهمة في النقاشات النسوية النقدية، وكذلك طرح تحليل نسوي للتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المعاصر في العراق. كما أنه يثري الأدبيات المكتوبة عن الدولة (الدول) الحديثة والاستبداد (الاستبدادات) والقومية (القوميات) والقبلية (القبليات) والدين (الأديان) والحركات الاجتماعية والسياسية مثل الشيوعية (الشيوعيات) والإسلاموية (الإسلامويات) في الشرق الأوسط وفي أي مكان آخر في العالم.
جدلية: كيف يقترب هذا الكتاب من أعمالك السابقة أو يبتعد عنها؟
لقد قمت مؤخراً بتحرير مجلد من مجلة Decolonial Pluriversalism (باللغة الفرنسية Pluriversalisme Décolonial شاركت في تأليفه البروفيسور سونيا دايان - هيرزبرون كيميه، 2017) والذي يخوض في نظريات التحرر من الكولونيالية التي تعكس ابستمولوجيات لا تتسم بالمركزية الأوروبية وجماليات وأفكار سياسية ونشاط سياسي. ويعتمد هذا المجلد على فلسفات من أمريكا اللاتينية والكاريبي ومفاهيم التهجين اللغوي والعنصرة، ويستكشف الجماليات والفنون والمنتجات الثقافية والدين والتوجهات النسوية والأزياء والتعليم والعمارة الأفروأوروبية.
قبل ذلك، قمت بنشر مجلد آخر من تحريري بعنوان النسويات الإسلامية (بالفرنسية: Féminismes Islamiques، عن دار نشر La Fabrique، 2012؛ وتمت ترجمته ونُشر بالألمانية، عن دار نشر Passagen Verlag، 2014) والذي يتناول النسويات الإسلامية/ المسلمة العابرة للقومية من خلال منظور نسوي تقاطعي وما بعد كولونيالي محللاً العلاقة المتبادلة بين العرق والجندر والدين وما بعد الكولونيالية. واعتمد هذا الكتاب أيضاً على بحث إثنوغرافي قمت به في إطار الشبكات النسوية المسلمة والمناهضة للعنصرية في فرنسا والتي شاركت فيها.
يشكل هذا الكتاب تحدياً لبعض توجهاتي النظرية المبكرة ليس فقط في إضافة التعقيد، بل أيضاً وهو الأهم في إضافة السياقات. برزت توجهات ما بعد الكولونيالية والتحرّر من الكولونيالية في الغالب في مجال الأدب والدراسات الثقافية، ونتيجة لذلك تركز على الأبعاد الخطابية وليس على الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يشكلها. ومن السهل أيضاً أن تقع في أسر نموذج الغرب/ الشرق أثناء محاولة تفكيكه. ويصف الكتاب ويحلل الأشكال الملموسة للإمبريالية والسيطرة الاستعمارية والاستعمارية الجديدة، ولكن الأهم من ذلك فإنه يقدم تحليلاً متشابكاً لنضال المرأة العراقية من أجل التحرير والمساواة والعدالة. وعندما يتعلق الأمر بالأشكال المسلمة/ الإسلامية أو البديلة من النسويات، غالباً ما تركز الأبحاث في هذه المسألة على "أشكال الخطاب والتمثيل" تاركة واقع الحياة اليومية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خارج التحليل. من خلال هذا الكتاب، أطبّق الشعار النسوي القائل "كل ما هو شخصي سياسي"، ليس فقط في النظر إلى ما يقوله أو يفكر فيه النشطاء الاجتماعيون والسياسيون العراقيون، بل أيضاً في السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الملموسة التي تشكل خطابهم ونشاطهم.
جدلية: من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
أول جمهور لي هم الناشطات اللواتي قضيت وقتاً معهن وتعلمت منهن الكثير خلال هذه العملية البحثية.هذا الكتاب لهن وللمجتمع المدني والفكري والسياسي العراقي أولاً وقبل كل شيء. والطبعة العربية لهذا الكتاب في طريقها للصدور. بعد ذلك، أتمنى أن يقرأ الكتاب كل من الناشطين والشبكات الناشطة في مجال حقوق المرأة والمناهضين للحرب والمناهضين للإمبريالية والمناهضين للعنصرية واليساريين والناشطين في مجال التحرر من الكولونيالية والناشطين في مجال العدالة الاجتماعية في أي مكان في العالم. وبما أنني أعيش في الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي، أتمنى أن يقرؤه الكثير من الأمريكان، لأن العراق، مثله مثل فيتنام، موجود في الحياة اليومية لهذا البلد، في مجمع الصناعة-السجون فيه، وفي تطبيعه للصناعة العسكرية وعنف الشرطة وفي العنصرية ضد السود وضد للمهاجرين والنسوية البيضاء النيوكولونيالية والعديد من جوانب الحياة الأخرى. بهذا المعنى، أتمنى أن يقرؤه الكثير من الناس في المملكة المتحدة أيضاً لأن حكوماتهم كانت متورطة إلى حد كبير في الغزو والاحتلال. كما أتمنى أن يقرؤه الأفراد والطلاب الذين يدرسون المنطقة العربية والشرق الأوسط والنسويات والجندر.
جدلية: ما المشاريع الأخرى التي تشتغلين عليها الآن؟
في الوقت الحالي شغلي يركز على سياق ما بعد غزو تنظيم الدولة الإسلامية : أول مشروع أعمل عليه يخص العنف الجندري من ضمن مشروع "الدين وتأطير العالمي للعنف ضد المرأة" تحت إشراف ليلى أبو لغد، ريما حمامي، جانيت جاكوبسون و نادرة شلهوب كيفوركيان مع مركز دراسة الصراع الاجتماعي في جامعة كولومبيا في نيويورك. وهو تأمل نقدي حول المبادرات والحملات التي تخص العنف الجندري في علاقتها مع خطاب وسياسات "الحرب على الإرهاب" في العراق. المشروع الثاني الذي أعمل عليه في إطار "برنامج بحوث الصراع" لل Social Science Research Council التابع لمركز الشرق الاسط في جامعة LSE في لندن وهو دراسة استكشافية اجتماعية للنساء والشباب والمنظمات الشعبية والأشكال المختلفة للنشاط الاجتماعي ونشاط المجتمع المدني في العراق. حيث أنني أوسع منهجي النظري النسوي العابر للقومية من خلال تحليل متعمق للاقتصاد السياسي للنزعة العسكرية والطائفية العرقية. وأبحث كيفية التعبير عن الأشكال المختلفة للعنف الهيكلي والشعور بالانتماء والخطابات المتنوعة والممارسات الملموسة للنشاط السياسي والاجتماعي.
(مقتطف من "الفصل الثاني. المرأة والجندر والأمة ونظام البعث السلطوي (1968-2003)")
"كان استيلاء الأخوين عارف في نوفمبر 1963 مجرد استراحة قصيرة قبل انقلاب البعث الثاني في تموز 1968. عندما عاد البعث إلى السلطة، بدأت حملة القمع والإرهاب مرة أخرى - بما في ذلك السجن والتعذيب والترهيب، والإعدامات - لكن هذه المرة كانت تستهدف طيفاً سياسياً أوسع: الشيوعيين والناصريين والبعثيين المؤيدين لسوريا والوزراء والمسؤولين السابقين والجواسيس المزعومين وأي معارضة أخرى للبعث. تتذكر نشوى أ.، المولودة عام 1943، هذه الفترة بألم شديد لأن عائلتها، التي ترجع بأصولها إلى مدينة كربلاء، وتنحدر من عائلة دينية شهيرة تنتمي إليها العديد من الشخصيات القيادية الوطنية والشيوعية. تم سجن اثنين من أشقائها في عام 1963 لكونهما ناشطين شيوعيين، وتم إعدام شقيق زوجها، وهو طيار شاب وناشط يساري. وقد فر أشقاء نشوى إلى ألمانيا، لكن قوات الأمن التابعة للنظام قبضت على أحدهما عندما عاد في زيارة عام 1968.
بسنة 1968، بعد الانقلاب، لما رجع أخوي من ألمانيا، جوي وأخذوه كدام زوجته وابنه. آني اللي فتحت الباب، وواجهتهم. وراها، كضيت شهور بين السجن اللي جان محتجز بيه والناس اللي ممكن يساعدوني حتى يطلعوه. جنت خايفة عليه. جنت صغيرة بهذاك الوقت. جنت أسوي كل اللي أكدر عليه حتى أطلعه لدرجة أنه سمع بالسجن "أختك تدركضلك". ولما بالأخير طلعوه، رجع متدمر بالكامل. جان شكله ميشبه أي شي. حجالنا شلون جانو يعذبوه يعذبوه بوحشية. ما جان ممكن أحد يتعرض للتعذيب بهالطريقة. دمروه. أسنانه، كسرو أسنانه، جان أكو حروق جكاير بكل جسمه، من صدره إلى رجليه. جان عنده آثار قمجي على رجليه شوهت جعوبه. جان أخونا [اسم أخوها] كلش لطيف؛ جان ألطف شخص بالعائلة. مجنا نكدر نتحمل نشوفه يعاني من آثار الجروح مثل الحيوان. شوية شوية رجع لنفسه. ورجع مرة ثانية الشخص اللطيف والصبور مثل ما جان، وبقى هيجي إلى اليوم ... تعالج بعد السجن، لأنه جان واضح أنه تعرض للتعذيب بس اضطر يخفي عن الناس. بعد فترة، كدر ينهزم إلى ألمانيا وية زوجته وابنه، وزرتهم آني هناك، رغم أنه الرحلة جانت كلش خطرة.
نظام البعث، على عكس سلفه، بقي في السلطة؛ وبالتالي عانت عائلات السجناء السياسيين والناشطين المفقودين أو المنفيين من التمييز والسيطرة القاسيين، الأمر الذي دفع البعض إلى الهروب من البلاد كلما كان ذلك ممكناً. في السنوات اللاحقة، وضع البعث الجيش والأجهزة الأمنية تحت سيطرته، وزادت عملية بعثنة مؤسسات الدولة العراقية مع زيادة قوة صدام حسين على حسن البكر، رئيس الدولة. بعد أن تم تأمين معظم أركان السلطة، أصبح صدام حسين رئيساً رسمياً في عام 1979. وبعد ذلك مباشرة، شرع صدام في حملة اعتقال وتعذيب المعارضين السياسيين وتطهير عنيف لأي شخص يُشتبه في معارضته لعشيرته، التكارتة، والهيمنة داخل الحزب. في عام 1979، استهدفت مقبولة ب. - الناشطة في رابطة المرأة العراقية والتي استشهدت بها سابقاً، والتي سبق أن تم اعتقالها وتعذيبها في سجن قصر النهاية المعروف بعد انقلاب البعث عام 1963 - مرة أخرى. ولأنها لم تكن موجودة بالمنزل عندما داهمت قوات الأمن منزلها، اعتُقِلت والدتها المسنة، وهي عضو مؤسس في رابطة المرأة العراقية، وعُذبت بدلاً منها.
جوي وأخذوا أمي. أخذوها لأن سيارتي جانت مسجلة باسمها. عذبوها واستجوبوها بدالي. وضربوها وأنطوها 16 صدمة كهربائية بالمناطق اللي كلش حساسة بجسمها: على صدرها، وكل المناطق الحساسة، بالرغم من أنه جانت فوك الستين !! [بكت] أتمنى جانت هنا حتى تحجيلج. حاوطو البيت وانتظروني أرجع. جانوا يحاولون يقنعوها تحجي وتكللهم المكان اللي آني خاتلة بيه. ضلو يضايقوها إلى أن سقط النظام. حتى اقترحو أنه يدفعون فلوس تذكرة سفرها حتى يروحون للخارج ويجيبوني.
لم ترجع مقبولة إلى البيت. هربت، دون أي ممتلك شخصي واحد، في نفس اليوم الذي تم فيه القبض على والدتها. بعد الاختباء داخل البلاد لمدة عام، وبعد أن تم الإبلاغ عنها بأنها "مفقودة" في بغداد، دخلت سراً إلى سوريا. ومثل العديد من النشطاء الذين فروا خلال هذه الفترة، تلقت مقبولة دعماً من ناشطين فلسطينيين - من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - في مخيمي دمشق وبيروت للاجئين، وزودتها الحكومة اليمنية بجواز سفر مزور. فيما بعد تمكنت والدتها من زيارتها سراً في سوريا. خلال السنوات الأربعة والعشرين التي قضتها مقبولة في المنفى، عاشت في سوريا ولبنان وليبيا وروسيا وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا. وطوال هذا الوقت، ظلت ناشطة في المعارضة ورابطة المرأة العراقية. وفي منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، شاركت مقبولة - إلى جانب الشخصية البارزة هناء إدوار - في الكفاح المسلح للأنصار (الفرع المسلح للحزب الشيوعي) ضد البعث في الجبال الكردية. وبعد سقوط النظام في عام 2003، تمكنت أخيراً من العودة إلى العراق. وعند عودتها، عملت مقبولة بنشاط على إعادة بناء ورابطة المرأة العراقية وشاركت في نشاط المجتمع المدني في بغداد ".
(مقتطف من "الفصل الثالث: الحياة في ظل الغزو والاحتلال ونساء النظام الجديد")
" يؤثر العنف الطائفي أيضاً على الحياة اليومية للناشطات. من بين الناشطات اللواتي قابلتهن، تعرض معظمهن لعنف ما بعد الغزو في العراق مباشرة من خلال وفاة الزوج أو الأخ أو الأخت أو ابن العم أو الجار. وتشكل المتفجرات السبب الأول لوفيات النساء في العراق، فضلاً عن السبب الرئيسي للضرر الذي لحق بالبنية التحتية للرعاية الصحية. وتتأقلم كل من النساء والرجال على كيفية العيش في بغداد. والاستراتيجية الأكثر شيوعاً هي تجنب عبور الحدود الطائفية، وبقاء كل طائفة داخل الحي الخاص بها. وفي هذا السياق، يتعرض ممثل هيئة معينة أو شخصية عامة للعنف بطريقة غريبة. على سبيل المثال، تزوجت وفاء من ممثل في مجلس محافظة الفلوجة. وقُتل زوج وفاء، وهو إسلامي شيعي، أمامها وأمام وأطفالها الثلاثة عند الباب الأمامي لمنزلهم على يد رجال مسلحين يهدفون تفريغ المنطقة من سكانها الشيعة. وبعد إعدام زوجها، تم تحذير وفاء بأنها يجب أن تغادر المدينة إذا أرادت البقاء على قيد الحياة. وغادرت مع أطفالها واستقرت في حي شيعي في بغداد. ورغم كونها ربة منزل لما يقرب من عقد من الزمان، اضطرت وفاء إلى فتح صفحة جديدة والبحث عن وظيفة لإعالة عائلتها؛ وقد شاركت في حزب الفضيلة، وهو حزب إسلامي شيعي، عرض حمايتها ودعمها.
وقد تلقّت معظم الناشطات اللواتي قابلتهن، خاصةً الشخصيات العامة والإعلامية، تهديدات بالقتل أو تم استهدافهن بشكل مباشر عن طريق العنف، مثل الهجمات بسيارات ملغومة أمام مكاتبهن أو منازلهن. واضطر البعض منهن إلى الفرار من البلد أو العيش في المنطقة الخضراء من بغداد، لكن ما زال معظمهن في بغداد.
كتبت ابتهال إ.، البالغة من العمر 39 عاماً، وهي ناشطة فعالة في مجال حقوق المرأة في رابطة المرأة العراقية، كيف قامت مجموعة من الرجال في محاولة لقتلها بوضع متفجرات أمام منزلها وتفجيرها في عام 2007. وقد وقع الحدث بعد أن تلقت عدة تهديدات بالقتل من ميليشيات طائفية محافظة في شكل مكالمات ورسائل هاتفية. ولحسن الحظ، لم يكن أحد في المنزل في ذلك الوقت. تتحدث ابتهال عن عدم كفاءة الشرطة وعدم توفر الإرادة لمساعدتها في العثورعلى مرتكبي الهجوم وتوفير الحماية لها. تصف جو بغداد في 2006-2007 ومشاعرها حيال ذلك.
تعرفين، بسنة 2006 و 2007 ، بعد ساعة ثنتين الظهرجانت شوارع بغداد فارغة. مجان أكو أي حياة ببغداد. ثاني يوم، كلشي انفتح ساعة 8 الصبح. لكن الناس جانوا يخافون يطلعون كلش من وكت أو بعد ساعة ثنتين الظهر. جان العنف بكل مكان. الجماعات المسلحة، والتهديدات بالقتل، والميليشيات - جان واقع الحياة اليومية فضيع ومرعب. إلى هاليوم، تعرفين، تضيع قيمة الحياة بالعراق. أي خلاف بين القادة السياسيين ينتهي بالعنف بالشوارع.
أحنة نواجه الموت كل يوم. كل عراقي يطلع من بيته ممتأكد راح يرجع حي. تحول العراق إلى مشهد للموت. حتى لما يكون عندنا لحظات من الفرح، نحس أحنا نبوك هاي اللحظات، وبعدين نبطل ونكول الله يسترنا. والأسوأ من هذا أنه أحنا ما عدنا حتى دولة، حكومة نكدر نطلب الحماية منها أو نشتكي إلها.
[...] بالإضافة إلى العنف الطائفي الذي ترتكبه الميليشيات الطائفية المحافظة، تعرضت بعض الناشطات السياسيات للعنف لكونهن جزءً من معارضة النظام الجديد. وقد أصبح اندساس رجال مسلحين مقنعين ومخربين في المظاهرات المناهضة للحكومة الآن سمة من سمات المشهد السياسي العراقي. وبشكل أعم، فقد تم خلق إحساس عام بالتوتر بسبب العنف ونقاط التفتيش والجدران الخرسانية وتفتيت بغداد وهيمنة الميليشيات المسلحة المتنافسة في الشوارع. وقد عبر الناشطات النسويات لي عن هذا الشعور مراراً وتكراراً: "كبل جان عدنا صدام واحد. اليوم صارعدنا صدام بكل راس شارع ". تم الإبلاغ عن العديد من أشكال انتهاك حقوق الإنسان والاعتقالات العشوائية وسجن نشطاء المجتمع المدني من قبل قوات تابعة للحكومة. خلال المقابلات التي أجريتها، أخبرني العديد من نشطاء حقوق المرأة والمجتمع المدني أن قمع التعبئة السياسية ضد النظام الجديد يعرض النساء لحكم مزدوج: لأن التعذيب والسجن مرادفان للعنف الجنسي. وبشكل أعم، توضح حالة كل من الرجال والنساء من ضحايا الاغتصاب وأشكال التعذيب المختلفة في السجون العراقية فشل النظام السياسي الجديد في توفير الحقوق الأساسية لمواطنيه. تؤثر قصص العنف والقمع على أيدي القوات الحكومية على بنية تعبئة المجتمع المدني والنسوي العراقي والتحديات التي يواجهها في عراق ما بعد الغزو.
[اضغط/ي هنا للمادة بالإنجليزية]
* زهراء علي عالمة اجتماع وأستاذة مساعدة في جامعة روتجرز - نيوارك. تقوم أبحاثها باستكشاف ديناميكيات المرأة والجندر والحركات الاجتماعية والسياسية فيما يتعلق بالإسلام (الإسلامات) والشرق الأوسط وسياقات الحرب والصراع، مع التركيز على العراق المعاصر.