ثلاثُ قصائد للشَّاعرة الإيطاليَّة ماريَّا غراتسيا كالاندْرونِه Maria Grazia Calandrone
[ترجمها عن الإيطاليَّة: أمارجي]
ماريَّا غراتسيا كالاندْرونِه
شاعرة وكاتبة مسرحيَّة إيطاليَّة من مواليد ميلانو 1964، مقيمةٌ في روما، وتعمل مؤدِّيةً مسرحيَّةً، كما أنَّها مُعدِّة ومقدِّمة برامج ثقافيَّة في إذاعة RAI Radio 3، وناقدة أدبيَّة في مجلة “Poesia” العالميَّة وفي صحيفة “Il Manifesto”. من مجموعاتها الشِّعريَّة: "صخرةُ المواجهة" (1998)، و"القرد الضَّال" (2003)، و"كما لو بعَزمِ رَسَنٍ متوقِّد" (2005)، و"الآلةُ المسؤولة" (2007)، و"على فمِ الجميع" (2010)، و"صنيعُ حياةٍ مولودة" (2010)، و"الميلودراما اللانهائيَّة، روايةٌ زائفة مع ڤيڤاڤوكس" (2011)، و"سلسلة أحفوريَّة" (2015)، و"أنا الآخرون" (2018). حازت على العديد من الجوائز منها جائزة بازوليني (2003)، وجائزة نابُّولي (2010).
* * *
أمامَ الميِّت
أنت الشَّيء الأكثر سفوراً على وجه الأرض وفي الوقت نفسه
الشَّيء الأكثر غموضاً.
أتقصَّصُ رَسْمَك. محرابَ محجرَيك. قبَّةَ المحرابِ الممتلئةَ
بِشَرٍّ يُجاوزُ كلَّ الأبعاد. أستجلي
رَجْعَ الدَّمِ الذي طفا على السَّطحِ
في آخر ارتقاءٍ له. أرجوانٌ،
مُغرةٌ، أغشيةٌ قرمزيَّةٌ
تحتَ الجلد. أستجلي الرَّجفةَ
غير المكتملة
تحت عظم الوجنةِ اليُسرى. والمكتملة،
كبعضِ بُقَع الشُّحوب،
تحت اللَّوح الكتفيِّ المرهَقِ إلحاحاً.
أتبيَّنُ كمالَك.
خطيئةَ غطرسةِ النِّهاية. أتبيَّنُكَ
مشهداً مستقبليَّاً. استهلالاً
لاستفاقةٍ كاملة.
أستقرئُ وجهَك. لم يعد نزَّاعاً إلى شيء.
مذبحُ جبهتك نقيٌّ
في ختام الهواجس. مُختَتَمٌ. أنظرُ أيَّ جسدٍ يأتي
بعد الجنوح إلى ولادةٍ جديدة. أتبيَّنُ أنَّكَ
تولَدُ من جديد. مُختَتَماً. أغنيةً نقيَّةً لِما يذبلُ ويتحلَّل.
انغماساً نقيَّاً. زغبٌ أبيضُ
على أحبالك الصَّوتيَّة. عفنٌ أخضرُ
في طيَّاتك الصَّوتيَّة،
والعظمُ العقبيُّ مبتلٌّ بعشبٍ مُزرَقٍّ،
والسَّلامُ الأكبرُ
في قوقعةِ جمجمتك. كلُّ جنوحك إلى النِّسيان
جارٍ مجراه. أتبيَّنُ أنَّ كلَّ شيءٍ صارَ نشوةً
وأنتَ
صرتَ النَّشوةَ التي كنتَ
تشتهي، نشوةَ اللَّاانطفاء بعد اليوم.
أنتَ صلاةٌ لانهائيَّة. صخرةٌ
جِيريَّة. أنتَ النِّهايةُ فحسب. ووحدها النِّهايةُ
لانهائيَّة. أنتَ قناع العزلةِ فحسب. الآنَ
تُختَتَمُ الدَّائرةُ الأوَّليَّة،
دائرةُ ثعبانِ الانفصال.
هكذا أتبدَّدُ في كلِّ ما هو أنا.
***
المقطوعةُ العاطفيَّةُ للجدار والثُّلمة
جدارٌ أنا
ولكن معكِ، حتَّى المادَّةُ تحلم.
فمكِ لم يتركني اللَّيلة.
عرفَ كلَّ شيءٍ عنِّي.
أمامَ فمكِ
ابتسمَ الموتى كما لو أمامَ فيضٍ،
كلُّ شيءٍ نسيَ أن يموت
وبرقُ السَّكاكين انقطعَ في الأزقَّةِ الموحشةِ
حيث رأيتُ عِظامَ الإنسان
في ذلك الصَّباح المحايدِ[1]
ومُذَّاكَ لم تعد المادَّةُ الكامدةُ التي يطرحها الموتى
مجرَّدَ بركةِ أوحالٍ تتوسَّعُ
ليغرق فيها كلُّ شيءٍ – كلُّ شيءٍ عدا ذلك الصَّبيَّ
الرَّقيق والسَّريع كابن عُرس.
أنا جدارُ ضاحيةٍ وأطلالٍ
يحلمُ بفمك
لأنَّه لا بدَّ أن نعرف من البداية
أنَّ الإنسان يختمرُ هكذا
كما يختمرُ كيسٌ من القمامة.
أنتِ الثُّلمةُ وأنا القدَر.
أنا أعمقُ من الحُبِّ
أنا البشاعةُ والنِّسيان
أنا الشَّيءُ الذي انثلمَ من الحُبِّ.
أنتِ الشَّقُّ في قلب الشَّيء.
أنا الحجَرُ داخلَ فمكِ، القاتلُ.
***
فَرَحٌ
الذَّكاءُ الكهربائيُّ الذي يوحِّدُ ذرَّاتِ الجسد وذرَّاتِ
الكرسيِّ التي يجلسُ عليها الجسدُ
هو فَرَحٌ
وفَرَحٌ كذلك قعقعةُ تناوباتِ
التَّمدُّد والاقتران
خارجَ المجرَّة. فَرَحٌ هو الدَّويُّ
الذي يقرعُ النُّجومَ ببعضها، لكي تشكِّل نقيضَ المادَّة الذي يحملنا
حيث لا يوجد وزنٌ
وحيث يكون الموتى بجوارنا،
على مقربةٍ من الأقلَّاء
الذين سنحبُّهم إلى الأبد
حتَّى نعلمَ علمَ اليقين أنَّ لا شيء،
لا أحد، في أيِّ مكانٍ، وأيِّ زمانٍ،
يمكن أن يُفقَدَ إلى الأبد.
هوامش
[1] المحايد بالمعنى الكيميائيِّ للكلمة، أي لا حامضيٌّ ولا قاعديٌّ؛ (المترجم).