في الحادي والعشرين من نيسان ٢٠٠٨ انفجرت عبوة ناسفة كانت تستهدف رتلاً أمريكياً في العراق وقتلت جنديين. احتجز الأمريكان، بناءً على تقارير استخباريّة، رجلاً اسمه علي منصور. واستُجوِبَ، لكنهم أطلقوا سراحه بعدها لعدم وجود أدلة تثبت تورطه بالعملية. وكُلِّفَ ملازم أمريكي بإعادة منصور إلى قريته. لكن الملازم، مايكل بيهينا، اقتاده إلى موضع معزول قرب مدينة بيجي ليستجوبه، على طريقته، من جديد. قام بيهينا بتعرية أسيره وأطلق رصاصة إلى صدره وأخرى في رأسه، وتركه جثة هامدة. بعد يوم عثرت الشرطة العراقية على جثة منصور. إدّعى بيهينا، الذي كان غاضباً لمقتل إثنين من رفاقه في ذلك الرتل، أنّ منصور حاول الهجوم عليه وأنّه قتله دفاعاً عن النفس. أدين بيهينا، فيما بعد، وحُكِم عليه بالسجن لمدة ٢٥ سنة بتهمة القتل غير المتعمد. ثم تم تخفيض الحكم، وأطلق سراحه، بشروط، عام ٢٠١٤، بعد خمس سنوات في السجن. في السادس من أيار، أصدر دونالد ترامب عفواً رئاسياً عن بيهينا، يمحو سجلّه الإجرامي. وكان والدا بيهينا، وعدد من السياسيين الجمهوريين في ولاية أوكلاهوما قد بدأوا حملة لدعم مساعيه في الحصول على العفو الرئاسي، اشتركت فيها وسائل الإعلام اليمينيّة. أدان الإتحاد الأمريكي للحقوق المدنية، كعادته، القرار، لأنه يدعم جرائم الحرب ويشجّع عليها، ويخالف قوانين الجيش الأمريكي. وتذمّرت والدة بيهينا من الانتقادات التي وجهت إلى العفو الرئاسي. وأكدّت إن ابنها «لا يكره المسلمين، ويحب الشعب العراقي». وثنائية الحب/الكراهية هي من الأساليب المفضلّة لاختزال وتسطيح، السياسة. (ما زالت «لماذا يكرهوننا؟» اللازمة التي تعقب كل هجوم إرهابي) .أما بيهينا، فلم يذكر الشعب العراقي، بل أكّد أن «العفو هو طريقة أطلب من خلالها الصفح من البلد الذي حاربت من أجله.» واللافت هنا أن المُخاطَب في كلام بيهينا ليس الشعب العراقي، ولا عائلة الرجل العراقي الذي أعدمه، بل أمريكا.»
أما إدوارد غاليغر، من سلاح البحرية، وهو قنّاص ومطبّب، حصل على عدد من الأوسمة لشجاعته خلال ال ١٩ عاماً التي أمضاها في الجيش، فهو لم ولن يطلب الصفح من أحد. شارك غاليغر في عمليات تحرير الموصل من شباط إلى أيلول ٢٠١٧. ورُقيّ بعدها إلى مرتبة قائد مفرزة بعد عودته ورُشِّح لتقلّد النجمة الفضيّة. وحين رفع عدد من الجنود الذين كانوا تحت أمرته شكاوى حول تصرّفاته وأفعاله المشينة، وجّهتْ لهم تهديدات وأمروا بالسكوت.
تتضمّن قائمة الشكاوى قيام غاليغر في أيار ٢٠١٧ بإعدام أسير مراهق من مقاتلي داعش أثناء معالجته من إصابات تعرّض لها أثناء القصف. حين رآه غاليغر ثال «اتركوه. إنه لي» وطعنه في عنقه عدة مرات، ثم التقط صورة احتفالية وهو يمسك الرأس بيد والسكين بيد أخرى وبعثها لأصدقائه. ولم يكن نصيب المدنيين من أهالي الموصل أفضل. فمن بين الذين قنصهم وقتلهم غاليغر، على سبيل المثال، طالبة مدرسة، و شيخ طاعن في السن في الموصل. وكان، بحسب الجنود الذين كانوا معه، يمطر المناطق المدنية بالقذائف والرصاص بشكل عشوائي. ومع أن مهمته الرئيسية كانت قيادة وتنسيق عمليات إلا أنه كان يقضي معظم وقته في موضع على أحد السطوح يطلق منه الرصاص على أهدافه. وحاول الجنود التلاعب بناظور بندقيته ليقللوا من عدد ضحاياه من المدنيين. ألقي القبض على غاليغر في الحادي عشر من سبتمبر وهو يواجه الآن تهماً بقتل المدنيين العزل وتهديد زملائه. وهناك حملة إعلامية وسياسية لتبرئته. استغربت عائلته من الضجة التي أثيرت أصلاً. فهو ضحية الجبناء الذين خانوه. ودخل ترامب على الخط بتغريدة وأمر بنقله إلى سجن آخر.
للحروب جرائمها ومجرميها، فما الجديد؟ الجديد في مناخ وخطاب «الحرب على الإرهاب» هو اختفاء المدنيين (في البلاد التي تُشَن عليها، وفيها، الحروب). هناك جنود يحاربون الإرهاب وهناك إرهابيون. لكن حدود الإرهاب تزداد ضبابية وتعريفه يتغيّر بحسب السياق والحاجة. فيمكن أن يجد المدني البريء، نفسه/ا في خانة الإرهاب فيتحول، بلمح البصر إلى هدف. وإرهاب المدني، أي تحويله إلى إرهابي، قد يتم بقرارات عشوائية لجندي متوحّش في مسرح الحرب، وبأخرى مدروسة يتخذها خبراء القانون في مكاتب أنيقة. من يتذكّر المدنيين الذين قتلتهم الطائرات المسيّرة في زمن أوباما وحولتهم إلى إرهابيين بشكل ارتجاعي؟ ولا ننسي بالطبع الإعلام «الوطني» الذي يؤدي دوره هو الآخر.