في اليوم الذي هدمت فيه السلطات البحرينية دوار اللؤلؤة الذي صار بمثابة "ميدان تحرير" البحرين في ١٨ آذار/مارس، أعلنت وكالات الأنباء البحرينية التابعة للدولة للجمهور الحائر بأن "معلم مجلس التعاون الخليجي" قد هدم في مساع تهدف الى "إجراء عملية تجميل لوجه المدينة" وذلك من أجل التخلص من "الذكريات السيئة." ومن بين الأنقاض، صار من الواضح ان الرمز الذي يعرف محلياً "بدوار اللؤلوة" في إشارة الى تأريخ البحرين في الغطس والتجارة باللؤلؤ يدعى رسمياً "دوار مجلس التعاون الخليجي" - حيث يمثل كل عمود من البناء المهدم عضواً من أعضاء مجلس "التعاون." وفي الوقت عينه، وفي مناطق سترة وكرانة، دفن حشد من المعزين الغاضبين أحمد فرحان علي البالغ ٢٩ سنة ومحمد عبدلي البالغ من العمر ٤٠ عاماً اللذين قتلا برصاص أطلقته القوات البحرينية في الأسبوع نفسه (وقتل أحمد برصاصة في رأسه ومحمد برصاصة في صدره).
والأن وبعد ان خفتت عاصفة إخماد الحركة الأجتماعية، فان المعادلة صارت أكثر وضوحاً. فان دلت الأحداث الأخيرة على شيء، فانها تظهر بأن على الحركة المطالبة بالتغيير الأجتماعي في البحرين مواجهة النظام البحريني نفسه وكذلك منظومة القوة التي تشرف على ديمومة الوضع الراهن في منطقة الخليج، وعلى قمتها المملكة العربية السعودية (والولايات المتحدة التى تمثل الجانب الآخر من هذه المنظومة). ومقتل أحمد فرحان ومحمد عبدلي وأربع وعشرين آخرين، بالإضافة الى مئات المعتقلين منذ بداية الإنتفاضة هو الثمن الباهظ لإدامة هذا الوضع المتحلل.
كما تقوم، بالطبع، "قوى عظمى" أخرى بدعم هذه المنظمومة ومساعدتها وإدامتها، إلى جانب أكثر المصطلحات بغضاً في العلاقات الدولية: "المصالح." وفي ضوء هذه العوامل، فالمعادلة المهمة التى طفت على السطح تشير الى إتفاق مزعوم بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ووفقاً لدبلوماسيين أوروبيين ومجموعة الدول "الأربع العظمى" (التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين)، فإن دعم دول التعاون الخليجي لقرار مجلس الأمن رقم ١٩٧٣ والذي يتعلق بحظر الطيران فوق ليبيا هو ثمن لسكوت الولايات المتحدة لتدخل سعودي غير مشروط في البحرين.
وبينما كانت قوات درع الجزيرة تحيل البحرين فعلياً إلى منزلة دولة تابعة للسعودية ومعتمدة عليها من أجل بقاءها العسكري والمالي، فإن الجنود الأميركان في أكبر أسطول بحري في الخليج كانوا ينامون بعمق في قاعدتهم العسكرية في الجفير. كما علينا ألا ننسى مستنقع الممولين السعوديين والأميركان و"شرطتهم الجاهزة دائماً"، أي الحكومة الباكستانية التي تصدّر مواطنيها الفقراء للعمل كرّسل قساة لنقل رسالة النظام البحريني إلى الشعب بأن الحكومة سستعامل بحزم وشدة مع المحتجين. ومن المعروف أن باكستان التي تعتبر حليفاً أساسياً خارج نطاق الناتو تواجه صعوبة في الحفاظ على عقودها النفطية المغرية مع المملكة العربية السعودية. وحصلت على وعود عسكرية وأقتصادية وتجارية كبيرة مع البحرين منذ دخول قوات مجلس التعاون الخليجي.
أضف إلى ذلك نفاق الحكومات الغربية في دعمها "للثورات المقبولة" في الربيع العربي. فعلى سبيل المثال، أصدر روبرت كوبر، وهو المساعد الشخصي السابق لتوني بلير ويشغل حالياً منصب مستشار كاثرين آشتون وهي رئيسة الشؤون الخارجية في الأتحاد الأوروبي، بياناً يعطي عملياً الضوء الأخضر للعنف والقمع الذي تمارسه البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي ضد المحتجين المدنيين بإستعماله وصف "لا بد ان تقع بعض الحوادث."
وبينما كان يتم إقحام الأنتفاضة المحلية في حلبة السياسات الدولية، سارع مجلس التعاون الخليجي الى التلويح بالشبح المعتاد ألا وهو إيران العدوانية، إذ أعلن الحكام البحرينيون عن محاولة أقليمية "لصد مؤامرة أجنبية عمرها ٣٠ عاماً." وقد أعلن النظام البحريني عن هذا الإكتشاف فقط لتبرير ضرورة قمعه أمام الحكومات الغربية. أما في البحرين نفسها، فلا شك أن الناس أعتادوا على مثل هذه العنتريات. فلننظر الى العشرين سنة الماضية فقط: في حزيران/يونيو عام ١٩٩٦ قامت الحكومة البحرينية بإحباط "مؤامرة مدعومة من قبل قوى أجنبية" وذلك بإلقاء القبض على أربعة وأربعين متآمراً مزعوماً؛ في كانون الأول/ديسمبر عام ٢٠٠٨ أعتقلت السلطات البحرينية أربعة عشر مواطناً زاعمة تلقيهم تدريباً عسكرياً في سوريا؛ في أيلول/سبتمبر ٢٠١٠ تم "إنقاذ" الأمة مرة أخرى من ثلاثة وعشرين مواطناً ألقي القبض عليهم لإنتسابهم إلى "شبكة إرهابية عالمية."
وهذه الإدعاءات المهلهلة لتورط إيراني - والذي لا أساس له من الصحة وفقاً لتقارير أميركية أستخبارتية كشفت عنها الوكيليكس - مكنت اللاعبين الدوليين من إتخاذ المواقع الجيوسياسية المتوقعة. فقد حذرت الولايات المتحدة إيران من التدخل في شؤون البحرين، كما عبر الإتحاد الأوروبي عن قلقه من التأثير الإيراني فيما لم يقلقه العنف الصارخ الذي ارتكبته قوات مجلس التعاون الخليجي. ومن ناحية أخرى، انتقدت إيران وحزب الله التدخل السعودي، وأصدرا بيانات لدعم المحتجين البحرينيين. وفي هذا الوقت، لم تلق أصوات المعارضة البحرينية التي نفت ورفضت أي تدخل أيراني أي أذن صاغية وتم رفضها بعجلة.
فما الذي حققته اليد السعودية، التي هددت الأسبوع الماضي "بقطع أي أصبع" يرفع ضد نظامها، للبحرين؟ هناك الغارات التي تشن بشكل شبه يومي علي القرى المنتشرة في أنحاء البلاد، والتي حاول سكانها القيام، بدرجة محدودة وخافتة، بإحتجاجات ضد القمع العسكري. وهناك الإعتقالات الليلية لأفراد المعارضة وناشطين في حقوق الإنسان وصحفيين ومؤخراً لمعلقين على مواقع الشبكات الإجتماعية، مثل تويتر. وبينما ترفع حصيلة القتلى بهدوء، يتعرض الصحفيون الأجانب إلى الإعتقال بحجة عدم إمتلاكهم لأوراق تعريفية. كما تم تعليق الصحيفة المحلية المستقلة الوحيدة والتي تواجه إجراءات قضائية حالياً "لتغطيتها غير الأخلاقية" للأحداث الأخيرة.
فلا يزال على الهيمنة السعودية، والتي شيدت بفضل الأيدي الدسمة لدولارات النفط والتي تعزز من قبل نظام طاغ - وهي تتمتع بدعم دبلوماسي من قبل أقوى الديموقراطيات في العالم - تحمل مسؤوليتها تجاه العنف وعدم الأستقرار في أفغانستان والعراق ولبنان وباكستان. والبحرين هي آخر الزبائن على هذه القائمة؛ ونحن بالتأكيد نناسب الفاتورة، حيث لدينا حقول نفطية "مشتركة" والتي تشكل مصدر الدخل الرئيسي للنظام البحريني ولإقتصاد قائم على الاستثمارات والإنفاق السعوديين. فالجواب في غاية الوضوح: أي تحد لهذا النظام الصلب القائم على القمع والقسر والإقتصادات الملتوية "لدول مجلس التعاون الخليجي" سيواجه ببنادق تلك الأنظمة. وموت المدنيين الذين باركوا هذا الدوار بأملهم في إحياء وهج البحرين "كلؤلوة الخليج" هو إثبات لهذه الجواب. وكما ذكرنا تصريح رئيس الوزراء البحريني والذي جعل أبداننا تقشعر الأسبوع الماضي، "سنحمي الوحدة لكننا لن نقول عفا الله عما سلف." ويبدو واضحاً أنه لن يسمح لربيع ديموقراطي بالازدهار في الخليج في هذا الربيع العربي. وعلينا القبول بأسيادنا الجدد، ومملكة الامراء الشائنة لآل سعود، بالإضافة الى سياساتهم المحلية والدولية القذرة والقمعية.
في عام ١٩٦٥، كتبت صحيفة الغارديان البريطانية عن "إنتفاضة آذار" البحرينيية ضد الوجود الاستعماري البريطاني قائلة "لقد أصبحت الروح القومية قوة مؤثرة في الشرق الاوسط، ولذا فمحاولات مقاومتها عن طريق تقديم الدعم المصطنع لإنظمة مثل تلك التي تحكم البحرين حالياً قد تؤخر، ولكنها لن نستطيع ان تمنع، نجاح هذه الحركة في فرض قوتها في العالم العربي." ومرة أخرى نواجه هذا التأخير، ومرة أخرى علينا نحن (الشعب) أن نتحد -عبر الخليج والمنطقة وأبعد من ذلك - على أساس هويتنا السياسية وحقوقنا كمواطنين. وعلى سياسات الهوية القائمة على المذهب والإثنية والدين والطبقة والجندر ألا تفرقنا، لأننا نعرف بأن هذه التقسيمات تخدم فقط أولئك الذين يعلمون على تفريقنا وقمعنا حتى يستمروا في تدميرهم لنسيجنا الاجتماعي ولطموحنا في مستقبل أفضل للجميع.
محتجون خارج السفارة البحرانية في عُمان يشجبون التدخل الأجنبي في البحرين
لقراءة المقال بالإنجليزية أنقر هنا