تحت الاحتلال: بدلاً من التحرك في إطار النظام، قاومه

[\"???? ?? ???? ????? ?? ????? ???. ?????? ???? ????? \"????? ?????] [\"???? ?? ???? ????? ?? ????? ???. ?????? ???? ????? \"????? ?????]

تحت الاحتلال: بدلاً من التحرك في إطار النظام، قاومه

By : Linah Alsaafin and Budour Youssef Hassan لينا السعافين وبدور يوسف حسن

شهد هذا الصيف تحرك الكثير من النشطاء الفاعلين ضمن حركة شبابية تتمركز في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وكان عملهم يرتكز على مناهضة مخطط برافر الذي يستهدف اقتلاع الفلسطينيين البدو. تبدو الإحصائيات مخيفة، إذ يقترح مخطط برافر مصادرة 800 ألف دونم من الأراضي الفلسطيني في صحراء النقب، مما يعني تهجير أكثر من 40 ألف فلسطيني وتدمير 36 قرية.

إحدى نشاطات الشباب كان تنظيم "أيام الغضب" في الخامس عشر من تموز والأول من آب، شمل ذلك مظاهرات مركزية في النقب وفي شمال فلسطين المحتلة، في منطقة سخنين ووادي عارة. ولقد نجحت هذه الاحتجاجات في لفت الانتباه المحليّ والدّوليّ إلى المخاطر التي يحملها مخطط برافر، وساهمت كذلك في حشد الشباب للنزول إلى الشوارع، بما في ذلك بعض الشباب غير المسيسيين.

كما نجحت أيام الغضب هذه، لأول مرة منذ زمن بعيد، في توحيد صفوف الفلسطينيين المنقسمين وجمعتهم على قضية واحدة، فالفلسطينيون في أراضي الداخل المحتل، وفي الضفة الغربية، وفي غزة، كلّهم انضموا لمظاهرات أيام الغضب.

إمكانيات عظيمة

بعيداً عن العالم الإفتراضيّ، عكست جهود التعبئة في الشارع فرصة عظيمة. شملت تلك الجهود تنظيم الحملات، توزيع المناشير في البلدات الفلسطينية، استخدام الجرافيتي والكتابة على الجدران، استخدام الوسائط المتعددة لانتاج فيديوهات مليئة بالمعلومات ومبدعة، كلّها هدفت إلى كسر الحاجز النفسي للخوف وللموقف القائل بأن المظاهرات لا تحقق أية نتائج. أحد النشطاء المقيمين في القدس قال:"بلدتي لم ترى كتابة شعارات سياسية على الجدران منذ الانتفاضة الثانية".

لقد حاولت الأحزاب الفلسطينية في الداخل والشخصيات السياسية استمالة الاحتجاجات لمصالحها الخاصة، وحتى حاولت أن تملي على النشطاء توقيت إنهاء الاحتجاج أو تفريقه، كما كان الحال في مظاهرة بئر السبع في 15 تموز. على الرغم من ذلك، فإن هناك تصور بأن هؤلاء السياسيين والأحزاب يجدون أنفسهم منقادين وراء الشباب لا العكس. وإذا ما قويت حركة الاحتجاج الشبابية هذه فإن اتجاه القوة سينعكس، ولن يكون للقيادة الرسمية سوى حيز ضيق تستطيع التأثير من خلاله في حركة المقاومة الشعبية.

كان المطلب النهائي لهذه الحركة الوليدة إيقاف مخطط برافر، الأمر الذي يحدّ من إمكانيته ليشمل قضايا أوسع كمعارضة "مفاوضات السلام مع إسرائيل"، التضامن مع الأسرى السياسيين، والنضال ضد سرقة الأراضي والاستعمار في كل أنحاء فلسطين.

وبعكس ما يقوله الشعار الشهير، فإن برافر ليست نكبة ثانية، بمعنى أنه ليس إعادة للتطهير العرقي الذي ارتكتبه القوات الصهيونية في الأربعينيات. في المقابل، فإن برافر هو نتيجة الاستعمار الإسرائيلي الراسخ والممنهج، وبهذا يجب التعامل مع برافر كامتداد لهذا الاستعمار وكأحد مظاهره، وليس كمشكلة معزولة.

مقيدون بالمواطنة

ينزع النضال ضد برافر إلى النظر إليه ضمن إطار قانوني، باعتباره دليلاً ملعوناً على أن "إسرائيل" – الدولة مدّعية الديموقراطية- تميّز ضدّ "مواطنيها العرب". ينبع هذا من الحقيقة بأن السياسيين الفلسطينيين ومعظم النشطاء في أراضي الـ1948، الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، مقيدون داخل حدود خطاب المواطنة. يخدم هذا الأمر تطبيع أوضاع الفلسطينيين من خلال المواطنة الإسرائيلية، وكأنهم ليسوا تحت الاحتلال.

السياسيون الفلسطينيون من التيار الرئيسي لم يقبلوا المواطنة الإسرائيلية فحسب، بل قاموا بتقوية هذا المفهوم من خلال تبني خطاب يصوّر صراع الفلسطينيين وكأنه صراع من أجل المساواة، خدمات أفضل، والمزيد من الحقوق السياسية والمدنية، بينما يكاد المفهوم الوطني التحرريّ يغيب كلياً من أجنداتهم.

العلاقة بين الفلسطينيين و"إسرائيل" ليست علاقة مواطن بدولة، إنما هي علاقة مستعمر ومُستَعمّر. قد يختلف نطاق الحقوق من فئة مستعمرة إلى أخرى، بعض المستعمَرين قد يحظون بحقوق أكثر من غيرهم، ولكن ذلك لا يعني أنهم – هؤلاء الفلسطينيين – ليسوا تحت الاستعمار.

ونحن هنا لا نعارض استخدام خطاب المواطنة لأجل البلاغة والدياليكت، وإنما لأنه يؤثر على المدى الطويل في المجتمع الفلسطيني، ويؤثر على إطار كامل من النشاط داخل المجتمع الفلسطينيّ. ولذلك فإن هناك فرق عظيم بين محاربة الدولة من خلال قوانينها وبين محاربتها من خارج النظام، خاصة أن الفلسطينيين لا يحاربون لجعل النظام أكثر مساواة، بينما هم يحاربون لتدمير النظام بأكمله. إنه نضال من أجل التحرر، وهنا لا يتعدى التمييز كونه متلازمة، وليس المشكلة الأساسية أو الكبرى.

كما أنّ خطاب المواطنة خطير من حيث نظرة الفلسطينيين في أراضي ال1948 إلى الصراع وكيفية فهمهم لدورهم فيه، فالعديد ما زال يؤمن أنه يمكنه أن يلعب ضمن قوانين "الديموقراطية الإسرائيلية". على سبيل المثال، بعضهم يحصل على تراخيص من شرطة الاحتلال من أجل تنظيم المظاهرات، أو ينظم دورات تدريبية حول حقوق المعتقلين حسب القانون الإسرائيلي.

\"\"

[إحدى المظاهرات الأخيرة المناهضة لمخطط برافر]

تمثيلية الديموقراطية

إنّ تجاهل سياق الاستعمار والاعتماد على المواطنة كسلاح أساسي في معركتنا يساعد في دعم تمثيلية "إسرائيل" عن الديموقراطية والمواطنة، حتى لو كان ذلك من غير قصد. وعلى الرغم من ينظر شعور من الحماس بين قطاعات كبيرة من الشباب المشاركين في الحركة المزدهرة، لا تزال هناك أوجه قصور كبيرة. وقد فشلت الحركة حتى الآن للاستفادة من وإدامة الزخم وتحويلها إلى شاملة حملة طويلة الأجل وشعبية من أسباب الفلسطينية المختلفة.

وعلى الرغم من شعور الحماس الذي يمكن تلمسه بين قطاعات واسعة من الشباب المشاركين في هذا الحراك المزدهر، لا تزال هناك أوجه قصور كبيرة. فقد فشلت الحركة حتى الآن من إدامة الزخم وتحويله إلى حملة شعبية طويلة الأجل شاملة لمختلف الهموم الفلسطينية.

ما الذي يمنع هذه الحركة من البلدان النامية إلى واحدة المستدامة التي لن يتم صرف النظر عنها باعتبارها مجرد "شرارة" هو أنه يعمل ضمن أساس القانون نيوتن الثالث: لكل فعل سيكون هناك رد فعل.

إن ما يمنع هذا الحراك من التحول إلى حراك مستدام لا يصرف عنه النظر باعتباره مجرد "شرارة" هو أن الحراك يعمل ضمن قانون نيوتن الثالث: لكل فعل هناك ردّة فعل. وهنا يجب التذكير بأن بناء الحراكات يتطلب أكثر من النشاط الإلكتروني وأيام غضب عرضية ومتفرقة. بناء الحراكات يتطلب رؤية واضحة وتخطيط استراتيجي طويل الأمد، كما يتطلب بناء تحالفات وشبكات من أسفل القاعدة إلى أعلاها، وهذا يتطلب العمل المجتمعي وإعادة الارتباط مع الناس الأكثر تضرراً من السياساتا لتي يقاومها هذا الحراك. وهذا يفسر لماذا لم يكن هناك موقف قوي أو ثمرة فعالة لهدم قرية العراقيب للمرةة 53 بعد يوم الغضب 15 تموز بيوم واحد فقط.

لم يكن الارتباط في فخ ردّ الفعل على الأحداث مقتصراً على الاحتجاجات الأخيرة ضدّ برافر، بل إن هذا عائق ساد في أغلب الانتفاضات الفلسطينية القصيرة في أراضي ال 1948، مثل إضراب يوم الأرض عام 1976، وما أصبح يعرف بهبّة أكتوبر عام 2000، عندما قتلت شرطة الاحتلال 13 فلسطينياً من الداخل.

رؤية طويلة الأمد

أدى غياب الرؤية طويلة الأجل إلى القمع السريع لهذه الانتفاضات، وبدلا من توسع دائرتها ضافت لتركز فقط على السعي إلى مساءلة دولة الاحتلال، مما عكس إحساساً زائفاً من الارتياح بأن أهدافاً جزئية قد تحققت.

سمة أخرى للحراك الشبابي ضدّ برافر هي ضجيج الإعلام الاجتماعيّ الضخم والنشوة المحيطة بالاحتجاجات التي صاحبتها. لا شك أنه من المهم خلف دعاية قوية حول موضوع بالغ الأهمية كهذا، إلا أن ذلك لا يعدو كونه ضجيجاً إذا ما اقتصر على وسائل الإعلام الاجتماعي. وهذه السمة تخلق عوامل ضارة بالحراك، مثل تمجيد النشطاء الأفراد، الذي يتم تصويرهم على أنهم نجوم، بدلاً من تخفيف الحضور الفردي، ودراسة الأخطاء والنجاحات في سبيل تحديد طرق لبناء حراك أقوى.

إضافة إلى ذلك فإنه أثير ضجيج أكثر من اللازم حول اعتقالات النشطاء، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن معظم هؤلاء الذين تم اعتقالهم قضوا وقتاً قصيراً جداً في السجن، وفي غالب الأحيان قضوا الليلة في السجن، وتم الافراج عنهم صباحاً. هذا الضجيج على الرغم من أنه ساهم في تدفيع الحراك ثمناً مرتفعاً إذ يثني الناس عن المشاركة في المظاهرات، فإن كفالات المعتقلين كانت مغطاة. وعلاوة على ذلك، فإن التركيز على الانجازات النسبية مثل مشاركة النساء في الصفّ الأول من الاجتجاجات – كما لو كان ذلك ظاهرة جديدة – والمواجهات المباشرة مع شرطة الاحتلال، كان مبالغاً فيه وغير متناسب مع ما يعتبر حركة وليدة.

هذه ليست ملاحظات "نتفضل" بها على النشطاء، بل على العكس هي تنبع من الحاجة الملحة إلى الاعتراف بأوجه الشبه بين الحراكات الشبابية الأخرى في فلسطين التي بدت لنا كما لو أنها شبيهة بالانتفاضات العربية التي تفشت عام 2011. بينما هي في واقع الحال حراكات إما رفضت تماماً أو وصلت إلى نقطة من الركود، نتيجة غياب الرؤية الواضحة وشبه انعدام للتعبئة والحشد في أرض المعركة.

لضمان أن الحراك ضدّ برافر لن يكون مجرد شرارة معزولة في السياق الأوسع للمقاومة الفلسطينية، فلا بد من الالتفات إلى هذه الإجراءات كنقطة انطلاق لجعل الحراك أكثر شمولاً للقضايا الفلسطينية الأخرى، ولكسب التجارب من المبادرات السابقة مثل حركة 15 آذار في رام الله التي فشلت لأسباب مماثلة كالتي ذكرناها أعلاه، إضافة إلى محاولاتها تكرار الأساليب التي استخدمت في بلدان أخرة مثل مصر، في تجاهل أو فشل في ملاحظة الاختلاف الجذري بين السياقات المختلفة.

عملية التعلم

نظمت احتجاجات 15 آذار ضد سياسات السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلية على حدّ سواء، وذلك في أماكن مثل حاجز قلنديا. في وقت لاحق، شارك نشطاء من الحركة التي حلت فيما بعد – بصفتهم الفردية في مظاهرات أما سجن عوفر. أخطاء ارتكبت، فرص أهدرت، والرؤية المشتركة افتقدت، وكانت الاستراتيجيات والتعبئة بعيدة المنال. ولكن في النهاية، كان ذلك كله عملية ضرورية للتعلم.

إحدى النماذج التي يمكن البناء عليها، هي الحملات الواسعة التي تركز على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والتي لم تقتصر على تقيف الجيل الشاب في قراهم المطهرة عرقيا في الداخل الفلسطيني، بل تعدتها إلى وضع خطط لتحويل الأفعال الرمزية إلى وقائع والانتقال للعيش فوق أراضي هذه القرى بشكل دائم. كانت البداية مع شباب وعائلات قرية إقرث عام 2011، ومن ثم تضخمت الحركة لتشمل مخيمات الشباب التي أٌقميت على أراضي القرى المهجرة، كفر برعم، الغابسية، وميعار.

\"\"

[خلال نشاط إحدى هذه المخيمات الشبابية في قرية الغابسية المهجرة.]

هذه المبادرات تحمل معها رؤية طويلة الأجل استراتيجية مستدامة لبناء الحراكات، والتي لا تجد دائما اهتمام التيار الرئيس في الإعلام، ولا تحتل أولوية قصوى لديه، خاصة في المراحل الأولى. هذه الجهود هي التي ستمهد الطريق إلى الإمام للحركات الشبابية الأخرة في جميع أنحاء فلسطين.

[نشر للمرة الأولى باللغة الإنجليزية على موقع الانتفاضة الإلكترونية. ترجمه إلى العربية موقع ”قدس إخبارية“.]

 

برافر، يجب ألا يمر

تم ضم "مجتمع" "بدو النقب" رسمياً إلى الدولة اليهودية، حيث حصلوا على المواطنة الرسمية خلال العامين 1949 – 1950، إلا أنهم ظلوا كما يبين سبيرسكي "صوراً لمواطنين". فضمن الإشتباكات البنيوية في الجسد الإستعماري، أدى التفاعل البدوي مع المجتمع الإستيطاني إلى إخضاع البدو إلى مختلف سياسات التجزئة والتلاعب بالهوية. فالمجتمع البدوي تعرض لما تعرض له بقية المجتمع الفلسطيني من عمليات إحتلال ثم إحلال، أنتجت أقلية هامشية ضمن الدولة (!) الإثنية المركزية، تلك الأقلية تعرضت لأنماط مختلفة من عمليات التهميش الجغرافية والإقتصادي والسياسي والمجتمعي، لضمان ديمومة الخطاب الإسرائيلي في شأن ذلك المجتمع المُستعمَر، وما ينتج عنه من علاقات قوى، وذلك ضمن إتجاهين يتم تصديرهما مركزيًا و طرفيًا:

1. أدى صَك مسمى "بدو النقب" وليس "مجتمع بدو النقب"، إلى قطع الروابط التاريخية والاجتماعية التي لطالما ربطت ذلك المجتمع بامتداده العضوي في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسيناء المصرية، وباقي الجماعة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن استخدام هذا المصطلح إنما يأتي ضمن أدبيات الخطاب الصهيوني في التعامل مع الهوية الفلسطينية ضمن إستراتيجيات التجزئة، والتي تضمن إنتاج "حقيقة" خاصة بالسلطة، يمكن زرعها تدريجياً في عقل المستعمر.
وبالتالي بات من أبرز أوجه الإستلاب –المركب والسيّال - الواقع على "المجتمع البدوي" في النقب، يتم بمجرد تناول هذا المجتمع خطابيًا (فلسطينيًا وعربيًا، وليس إستعماريًا إسرائيلياً فقط) ضمن إطار ووفق مفاهيم: الحداثة والتحضر والمدنية، المعولمة.

وبالتالي نجد في نظرتنا له، وهي النظرة الحداثية في جذرها فصل حداثي/مديني له عن قاعدته العربية والفلسطينية. وهو ما يجعل المصطلح المستخدم هو: "بدو النقب" وليس "مجتمع بدو النقب" لما في المصطلح من هندسة وتحيزات وعلاقات قوى أسست لها "الدولة الإحلالية" الإسرائيلية (إثنيًا) ضمن آلية الإحلال اللغوي للآخر المستَعمر (تمامًا كما حدث مع مصطلح "النكبة")، وقبلنا نحن صك ذلك المصطلح في لغتنا التي نستخدمها لوصف واقعنا و إدراكه والتعامل معه.

2. بشكل متعاكس سياسيًا وديموقراطيًا (وكما سيتضح لنا "تنمويًا")، تم اعتبار النمو المتسارع للجماعة البدوية في منطقة النفب جزءً من الخطر الفلسطيني والعربي جغرافياً وديموغرافياً، والذي يهدد الدولة (!) اليهودية (!). وهو خطاب شائع تم التعبير عنه أكاديمياً في أعمال "سوفر" عام 2007، كجزء من الغسيل الخطابي أكاديميًا للبنية العنصرية للمؤسسة/ الدولة على الأرض.

ولأن بنية الجسد الاستعماري ومجتمعه الإستيطاني يقومان على هدفين أساسيين: الأرض والديموغرافيا، فقد بات البدو يشكلون عائقًا كبيرًا للنظام "الإثنوقراطي الإسرائيلي"، وأمام نهم المؤسسة الاستيطانية لتهويد كامل الفضاء الفلسطيني، والقضاء على عروبته، فقد اتحدت البنية الاستيطانية مع البنية الحداثية المتوحشة للدولة (بعد نكبة 1948) ضد الفرد والإنسان، في خطاب يعمد إلى تقديم المجتمع البدوي في مراوحته الدائمة في مقاومة الأسرلة على أنها رديف لمقاومة التحديث والتنمية، وليس الإحتلال ثم الإحلال، وهو ماتوضحه الإثنية الإحلالية الفاضحة في بنية التنمية الحداثية إستيطانياً، إذ يقول وزير الإسكان زئيف بويم، في بئر السبع في الرابع من حزيران/يونيو 2006:

"مانطلبه منكم بسيط: فقط أن تلتزموا بالقانون، إذا فعلتم ذلك، فكل فرد سيستفيد: ستكون لكم مدن مخططة جيداً وذات خدمات جيدة ومعترف بها. وسوف نحتفظ بآخر قطع الأرض الفارغة من أجل الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم، وبخاصة الذين ظلوا هناك في الإتحاد السوفييتي السابق مؤقتًا من أجل يوم الضيق"

وهنا نجد أن رمزية الأرض بما تمثله لدى البدوي/الفلسطيني الموجود تم إقتصاصها وإحترازها لليهودي الغير موجود، ضمن خطاب دولة تدعي الديموقراطية تجاه كل مواطنيها. لذا نجد أن تغييب القرى البدوية من منظور التنمية الحداثية للدولة إنما هو أداة لتفريغ المكان الفلسطيني لإتمام عملية الإحلال إجرائيًا ومؤسساتيًا. فتجميع البدو في "مدن التطوير" قد اتسم بالفقر والمهانة الإجتماعية، وقد أصبح البدو في نظر نظام الدولة/المؤسسة بعد نفي/عدم اعتراف بكيانهم القروي "غزاة لأرض الأجداد" و"عقبات أمام عمليات التنمية"، وهو من حيث القمع والبطش لا يختلف من حيث البنية العقدية لدولة الإحتلال عما حدث قبل العام 1948 من عمليات تطهير عرقي في تلك المنطقة تحديداً إلا في كونه يتم بمنطق حداثي سيال وهو "التنمية"، وإلا فما الفارق بين طرد 80 – 85% من العرب  خارج حدود فلسطين خلال عام 1948 – 1948 ، ومشروع برافر إذ يقضي  -مخطط "برافر–بيغن"-  بتهجير 40 ألف فلسطيني والاستيلاء على أراضيهم البالغة مساحتها نحو مليون دونم في صحراء النقب التي تشكل نحو ثلثي مساحة فلسطين التاريخية وذلك بحجة تجميع البدو وحماية "أرض الدولة" من الغزو. كما يهدف إلى تركيز أهالي النقب الأصليين في "غيتوهات" دون مقومات حياة حقيقية، ولذا يعتبر أسوأ من المخططات الكولونيالية، ويعد "نكبة" ثانية للشعب الفلسطيني.
وبفضل الزيادة الطبيعية العالية جدًا يعيش في النقب اليوم نحو 180 ألف نسمة رغم أنهم عددهم كان 12 ألف نسمة فقط عام 1948 بعدما هجرت إسرائيل نحو 100 ألف نسمة منهم وقتها.

إن تلك السيرورة الحداثية للبنية الكولونيالية من إحلال مباشر إلى تنمية "إحلالية" متدرجة، هو ما أدى إلى تحول إزدواجية "الأرض/ الديموغرافيا" إلى "قهر الأرض الخراب/تهويد الهوامش"، وهو نتاج طبيعي لدولة إثنوقراطية عنصرية.   

\"\"

[قائمة بأسماء القرى الغير معترف بها]

وبالتالي بات من الضروري إفراغ الأرض/الخطاب من سكانها/لغته، ليصبح سهلًا على المؤسسة الإجرائية الإستيطانية قهرها، كمرحلة أولى على تهويد هوامشه، وتلك الأخيرة (تهويد الهوامش) أنتجت ما أسماه الباحث أورن يفتاحئيل بـ"الفضاءات الرمادية" وهي الفضاءات الواقعة بين "بياض" المشروعية/الموافقة/الأمان و"سواد" الإخلاء/التدمير/النفي، أي أنها الفضاءات التي لم يتم دمجها ولا القضاء عليها، فهي تشكل حواشي شبه دائمة للمناطق الحضرية القائمة، وتوجد خارج نطاق المخططات المدينية التنموية، وضمن حملقات سلطات القمع و المراقبة (سيحصر العرب الذين يشكلون 30% من سكّان النقب على 1% فقط من أراضي هذه المنطقة، حيث تتكثف سلطة الدولة وقدرتها القمعية و النافية و المسيطرة و المراقبة).

ولتمرير ذلك الفصل، تم تصوير البدو على أنهم "فريدون لا يشبهون أحدًا، هم أناس بريئون لا يمنحون ثقتهم ولا ولائهم إلا للصحراء، وليس لأي ثقافة أو أمة"، والمراد من تلك العبارات العنصرية تكسير قوام "الجماعة الوطنية" لتسهيل "إحلال" جماعة وطنية بديلة، وعليه تم خلق أدوات "إستمالة جزئية" ضمن "إستراتيجية تجزيئية إستعمارية"، حيث حاولت الدولة ضم البدو فيها، إلى المساحة الطرفية/الآخروية منها، كأي بنية كولونيالية ، تفيد منها في تعريف المركز/الذات (أنظر مثلًا إلى الهنود الحمر في الولايات المتحدة، و السكان الأصليين في أستراليا، ودورهم في الدولة)، وهو الدعم من الدولة الذي كان ثمنًا لقطع العلاقات مع الحاضنة الهوياتية الأكبر للمجتمع البدوي وهي الهوية الفلسطينية والعربية، عن طريق جعلهم في مواجهة مباشرة مع الجماعة الأم، عن طريق دمجهم في الجيش الإسرائيلي (تمامًا كما يحدث الآن مع الأقليات الدينية  إستفادة من البنية الطائفية التي تسيطر على العقل العربي حاليًا، عن طريق توظيف رؤوس البنى الهيراركية الدينية كالأب –سيء الذكر- جبرائيل نداف).

إن عملية "الصمود" و"المواجهة" في وجه هذا التوحش الاحتلالي الإحلالي، بلبوس "التنمية" الحداثي، هو إعادة بناء "أفقية" لما عملت دولة الإحتلال طويلًا على تكسيره وفصله (طبقياً واجتماعياً و تاريخياً وسياسياً، و غيرهم) ، في بنية الجماعة الفلسطينية وعقلها. ولأنه يجب أن يظل حراك أفقي غير قابل لأن ينبني هرمياً في المواجهة –الأولى على الأقل- ، وإلا بات أبطأ وأسهل للإختراق والإعطاب، بات من الممكن تفهم موقف "منظمة التحرير الفلسطينية" من الحراك الداعي لإنتهاج أبسط أدوات المقاومة "اللاعنفية" (وليست "السلمية") كالمقاطعة والإضراب العام، والتظاهر وإيقاف الفضاءات العامة، والمؤسسات وغيرها؛ المنظمة التي تعتبر بنية هرمية تدين في وجودها المادي والمعنوي لآليات العولمة الحداثية في السيطرة، وتحويل الثورة والصمود والمواجهة إلى عمل مؤسسي هيراركي.   

\"\"