"انتم تبع مرسي والا السيسي؟"، هذا ليس سؤالا في جلسة نقاش سياسي على مقهى، بل هو سؤال وجهته النيابة إلى أحد اللاجئين السوريين، عقب القبض عليه أثناء محاولته الخروج من مصر، بعد أن كان متواجدا فيها بشكل شرعي لشهور. هذا السؤال العبثي يلخص مأساة اللاجئين السوريين والفلسطينيين في مصر، فعلى الرغم من أن التهم التي يواجهونها لا علاقة لها بمرسي ولا السيسي، ولكنها تُظهر كيف أن خطاب الكراهية الذي أخذ يزداد بتأثير من إعلاميين مثل يوسف الحسيني وغيره، بات شائعا حتى في تحقيقات النيابة.
مع توسع الهجمة الأمنية، ومع استغلال نظام الإخوان المسلمين للقضيتين السورية والفلسطينية، لخدمة دعايتهم السياسية، لم يكن أمام تلك العائلات سوى نفض أسطورة الشقيقة الكبرى وبيت العرب مصر، والتوجه إلى أوروبا. ولأن مأساة اللاجئين تبين وبوضوح أن النظام الرأسمالي العالمي واحد، ويعمل بتوافق حتى لو بدا أن هناك تعارض ظاهري، فقد قام عدد كبير منهم بتقديم طلبات إقامة أو لجوء لبعض الدول، التي رفضت هذه الطلبات. دولة مثل السويد، يراها البعض تمثل جنة الله على الأرض، قررت أن تمنح إقامات دائمة للسوريين الذين دخلوها بالفعل، ولكن كيف يدخلوها طالما أن سفارتهم ترفض طلبات الإقامة؟
هنا لا يكون هناك حل أمام هؤلاء اللاجئين سوى الهجرة غير النظامية عن طريق البحر، يهربون من موت مؤكد في بلادهم إلى موت محتمل غرقا في عرض البحر، أملا في العيش بحد أدنى من الكرامة.
الإخوان استغلوهم... والعسكر شيطنهم
على أي ديكتاتور أن يبني أسطورته الخاصة، بأنه صاحب مشروع وأنه مخلص الشعب من الشر المتربص لهم، وبتطبيق هذا على نظامي مرسي و السيسي، فمرسي وإخوانه قرروا أن مشروعهم "الإسلامي" سيكون المخلص لسوريا و فلسطين والمحرر لشعوبهما، وذلك بشكل دعائي حتى ينسى المواطن معاناته احتراما لهذه الحرب المقدسة، وعلى أي ديكتاتور يليه مثل السيسي أن يدمر هذا المشروع ويشيطن عناصره ممن يحملون الجنسية السورية أو الفلسطينية.
في أول أيام عيد الفطر قامت قوات خفر السواحل المصرية بإلقاء القبض على 48 لاجئا سوريا وفلسطينيا حاولوا الهرب من مصر إلى إيطاليا عن طريق ميناء المكس، واحتُجِزوا بقسم شرطة الدخيلة قبل أن تقرر النيابة إخلاء سبيلهم، مع إعطاء جهة "الإدارة" حق التصرف، و جهة الإدارة هي اللفظ القانوني لجهاز الأمن الوطني، والذي قرر ترحيلهم ليقفوا أمام خيارات محدودة جدا، بالنسبة للسوريين تكون الخيارات هي الترحيل لسوريا أو لبنان أو تركيا، ويختار أغلبهم تركيا ويدفعون تذاكر الطيران من أموالهم الخاصة، بينما تكون الاختيارات أقل للفلسطينيين الذين يعاقبون بسبب جنسيتهم في كل دول العالم، فاختيارات الفلسطينين تنحصر إما في الذهاب إلى معبر رفح أو العودة لسوريا.
بمعني أدق فهم يُخيرون بين 3 طرق للموت، فهم من لاجئي 48، لن تُدخلهم حركة حماس إلى قطاع غزة، ولبنان تعطيهم فيزا مرور 48 ساعة فقط، ويحق للأمن العام اللبناني تجديدها أو رفضها ومن ثم عليهم العودة لسوريا مرة أخرى، أو العودة إلى سوريا مباشرة. كان في هذه المجموعة حوالي 18 طفل منهم طفل مصاب بمتلازمة داون، وكان بينهم أب قعيد عليه إجراء عملية جراحية، احتُجِزوا هؤلاء جميعا لمدة 14 يوم ليتم ترحيلهم بعدها، بما فيهم هؤلاء المعتمَدين كلاجئين مسجلين في المفوضية العليا لشئون اللاجئين، وألغت أمن الدولة تصاريح الاقامة لكل من كان يحملها. هكذا قالتها إحدى المحتَجزات قبل ترحيلها: "إنهم يريدون سلبنا حق العودة، إنهم يريدون لأكبر عدد من الفلسطينين أن يغرق في البحر".
وأثناء ترحيل مجموعة من اللاجئين من مطار القاهرة قام بعض "المواطنين الشرفاء" بالاعتداء عليهم، ظنا أنهم مرحلون بسبب مشاركتهم في اعتصام رابعة، وعندما تدخلت ناشطة مصرية قاموا بضربها هي الأخرى بمباركة أمن المطار.
بعد ترحيل تلك المجموعة ألقت قوات الأمن القبض على مجموعة أخرى مكوَّنة من 84 لاجئا، منهم 58 يحملون الجنسية الفلسطينية، و38 طفل منهم إثنين لم يتعدوا الثلاثة أشهر، هؤلاء الأطفال يشكلون - في نظر الأمن الوطني - خطرا على البلاد، ويجب إعادتهم إلى بلدهم ليقتلوا هناك.
تلك المجموعة تم ترحيل 35 لاجئا منها إلى مطار دمشق، أغلبهم من السيدات والأطفال، فقامت المخابرات الجوية السورية بإلقاء القبض عليهم واحتجازهم لفترة والتحقيق معهم بشكل مكثف. وتوالت أعداد المقبوض عليهم، فأُلقِي القبض على مجموعتين تكونت الأولى من 131 لاجئا والثانية من 28 آخرين، واحتُجِزوا في قسم المنتزة ثان، ورُحِّل معظمهم باستثناء المعتَمَدين بمفوضية اللاجئين، بعد ضغط من المؤسسات الدولية. حتى الآن يتواجد 107 لاجئ في قسم كرموز بالإسكندرية، و48 بأقسام البرلس وقلين ومركز كفر الشيخ التابعين لمحافظة كفر الشيخ، و67 في قسم شرطة رشيد.
يوم الثلاثاء 17 سبتمبر، وفي حدود الساعة 3 ظهرا، حوصرت سفينة تقل 306 من اللاجئين الذين حاولوا الوصول إلى إيطاليا، وأُطلقت النيران على السفينة على الرغم من إستسلام المهرب، وأكد من تواجدوا على السفينة أنهم استسلموا تماما، لكن ذلك لم يمنع من قتل الشهيد عمر دلول. حتى كتابة هذه السطور ترفض السلطات المصرية تسليم جثة الشهيد إلى ذويه، كما رفضت دخول محامي المفوضية العليا لشئون اللاجئين إلى القسم بتعليمات من مندوب الأمن الوطني، في الوقت الذي ترقد فيه زوجة الشهيد في مستشفى الشاطبي بعد أن فقدت جنينها من جراء حزنها على زوجها الذي كانت كل جريمته أنه كان يحلم بمستقبل أفضل لهم. ومازال كذلك الطفل محمود الأشرم (9 سنوات) محتجزا وحده دون أهله بقسم المنتزه ثان.
تضييق أكثر على الطلاب
يوم 19 سبتمبر فوجئ 40 طالبا سوريا مقيدين بكلية الصيدلة بجامعة الاسكندرية، برفض الإدارة نقلهم إلى السنة الأولى، بدعوى عدم وجود أماكن أو أدوات، هذا غير الصعوبات العديدة في تسجيل التلاميذ بالمدارس المصرية، على الرغم من صدور قرار متأخر بتسجيل السوريين في المدارس.
إن مأساة اللاجئين توضح ترابط واتفاق الأنظمة المختلفة في العالم في عدائها للبسطاء، وتبين أن الرأسمالية في جوهرها معادية للإنسانية والبشر، مأساة اللاجئين تفضح دائما زيف الادعاء بوجود دور مؤثر للمنظمات الدولية أو المجتمع الدولي، وتكشف أن دور تلك المؤسسات ما هو إلا تجميل لسياسات الدول المهيمنة.
إن في العالم ما يكفي ليعيش البشر كلهم سعداء، ولكن هذا لن يتحقق سوى بانتصار الثورة على من ادعى حماية حقوق البشر وطعنهم من الخلف، وعلى من شيطنهم وجعلهم وقود لآلة القتل والدمار.
[ عن صفحة ”الاشتراكيون الثوريون“]