باية محي الدين (أو فاطمة حداد) هي فنانة تشكيلة جزائرية من أصول قبائلية. ولدت سنة 1931 في بلدة برج الكيفان، وفقدت والديها حين كانت في الخامسة من عمرها فتولت جدتها رعايتها، ولم تقصد المدرسة قط في حياتها. عملت باية فيما بعد في منزل فنانة فرنسية اسمها مارجريت كامينا، حيث تنبهت هذه الفنانة إلى أشكال الحيوانات التي برعت باية في صنعها من الطين، فشجعتها على الرسم وتطوير موهبتها، وعرّفتها على الألوان وعدة الرسم، فأقامت أول معرض لها وهي في السادسة عشرة من عمرها في باريس.
أثناء مكوثها في فرنسا تعرّفتْ باية على عالم الرسم التشكيلي الأوربي، واحتكّتْ بعدد من الفنانين الكبار، أمثال بيكاسو وماتيس، عملت مع بيكاسو لعدة أشهر سنة 1948 (والذي قام لاحقاً برسم مجموعة لوحاته "نساء الجزائر"). كما كان لرسم باية وقع كبير في نفس الكاتب أندريه بروتون، الذي كتب عنها في كتالوج معرض "Derrière le Miroir" الذي ضم عدداً من لوحاتها سنة 1947 في باريس.
[امرأة وطائر في قفص المصدر موقع "الأوان"]
[الشابة والطاووس المصدر موقع "MutualArt.com"]
تزوجت باية من الموسيقار والملحن الأندلسي محي الدين المحفوظ سنة 1953؛ وبعد سنة على زواجهما، انطلقت الثورة الجزائرية فجمّد كل من باية وزوجها نشاطهما الفنيّ قرابة عقد من الزمن تضامناً مع الثورة، ولما عادت باية إلى مزاولة الرسم بعد ذلك لم تنقطع عنه إلى أن وافتْها المنية سنة 1998.
تميزت أعمال باية (التي لم تقتصر على الرسم فحسب، بل شملت النحت والخزف) بأشكال استمدتها من مخيلة طفولتها وقصصها، طغتْ عليها الأزهار والحيوانات مثل الفراشات والعصافير والأسماك وغيرها، متخذة لها صبغة خاصة استقتْها من المحيط الذي نشأت فيه في الجزائر. كما كان للموسيقى التي دخلت إلى عالمها تأثير في فنّها فظهرت الآلات التي كان زوجها الموسيقار يعزف عليها في لوحاتها، وأثرتْها وأضفت عليها طابعاً خاصاً. إلا أن أعلام المدارس الفنية الغربية (ومن بينهم بريتون ذاته)، الذين احتكّت بهم باية في بداياتها، عدّوا فنّ بايا سوريالياً، وكان هذا في نظر النقاد نابعاً من نظرة يغلب عليها الاستشراق والفهم الغرائبيّ (exotic) للعالم الذي جاءت منه باية، المرأة والفنانة.
[العازفة والعود المصدر موقع "MutualArt.com"]
[المصدر موقع "Askart.com"]
أما الجزائر فقد اعتبرت باية واحدة من فنانينها المرموقين، واعتمدت لوحاتها على طوابع البريد، وأقيمت لها معارض في كافة أنحاء البلاد، كما اقتنى متحف الجزائر عدداً من أعمالها وشجعها على عرض أعمالها بعد الانقطاع الطويل. وأصرّت باية على انتمائها وفنها للجزائر في الوقت الذي كانت فرنسا تحاول نسب واستقطاب أعلام فنية جزائرية كجزء من سياسة الهيمنة الثقافية التي أنتهجتها. كما رفضت باية دعوة الأخيرة الإنتقال إليها في تسعينيات القرن الماضي حين سادت الجزائر حالة من التدهور الأمني واستُهدف عدد كبير من أهل الفن والأدب، وآثرت باية البقاء في بلادها على مغادرتها.
[صورة باية محي الدين على طابع بريدي جزائري المصدر موقع "Universal Postal Union"]
[طابع بريدي جزائري يحمل إحدى لوحات الفنانة باية المصدر موقع "نقطة"]
[الراقصة ذات الرداء الأحمرالمصدر موقع "artfinding.com"]
مراجع:
مقابلة مع عثمان محي الدين، نجل الفنانة باية، على موقع "جزايرس"، في تاريخ 3/1/2011.
Sana’ Makhoul. “Baya Mahieddine: An Arab Woman Artist,” Detail. A journal of Art Criticism Published by the South Bay Area Woman’s Caucus for Art6/1 (Fall 1998):4.