عمت الفرحة الخميس الماضي، 12 من ديسمبر 2013، صفوف الفلسطينيين عقب إعلان الحكومة الإسرائيلية تراجعها عن عرض مشروع قانون ”برافر- بيغن“ للتصويت عليه لقراءة ثانية في البرلمان الإسرائيلي. وكان مشروع القرار قد حصل على مصادقة أوليّة (قراءة أولى) في السادس والعشرين من يونيو/حزيران 2013.(1)
سيؤدي المشروع إلى تهجير أكثر من 40 ألف فلسطيني، من سكان النقب البدو عن حواي 35 قرية ”غير معترف بها“. إن اعتماد القرار يعني مصادرة أكثر من 800 ألف دونم من هذه الأراضي، بحيث يصبح أي اعتراض على هذا التهجير غير ”قانوني“. كما أنه يسلب سكان هذه القرى ”الاستقلالية“ المادية، حيث يستغل الكثير منهم المراعي لتربية المواشي ورعاية الأغنام إلخ. وسيؤدي التهجير كذلك إلى حصر الفلسطينيين البدو، الذين يشكلون ثلاثين بالمئة من سكان النقب، في واحد بالمئة من أراضي تلك المنطقة. على أن يتم ”توطينهم“ في مدينة تشيدها الدولة لهم. أي ”جيتو“ آخر من الجيتوهات التي يعيش بها الفلسطينيون في الداخل وخاصة المدن ”المختلطة“.(2)
في الوقت ذاته كانت الحكومة الإسرائيلية قد صادقت على إقامة ما يقارب عشرين مستوطنة يهودية على أراضي أهالي النقب. كما عملت على رصد الأموال الخاصة بهذا المشروع الذي عرف بدايةً باسم ”تسوية أوضاع الاستيطان البدوي في النقب“ قبل أن يعرف لاحقاً بمشروع ”برافر- بيغن“. لكن السؤال الذي لا بد من طرحه هو لماذا جاء القرار الإسرائيلي بتجميد المشروع أو أجزاء منه الآن؟ وماذا بعد هذا؟
القرار الإسرائيلي بتجميد المشروع
بدايةً أود التوقف عند تصريحات بيني بيغن، وهو وزير سابق وأحد مهندسي هذا المشروع، حيث وكلت إليه مهمة تحضير تطبيق مخطط مشروع ”برافر“ لعرضه على البرلمان الإسرائيلي للمصادقة عليه للقراءة الثانية. قال بيني بيغن في تصريحاته الصحافية الخميس الماضي، إنه نصح رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ”بتجميد“ مشروع القرار وعدم عرضه على الكنيست. ولم يؤكد أو ينفي إن كان هذا التجميد يعني سحباً كاملاً للمشروع أو تأجيل عرضه إلى حين ”ميسرة“.(3) لكن المثير في تصريحات بيغن هو حديثه عن انقسام في صفوف الائتلاف الحكومي حول المشروع. إذاً، لا توافق كل أحزاب الائتلاف الحكومي على مشروع القانون لإنه ”يعطي البدو حقوقاً أكثر مما يلزم“ كما قال أحد أعضاء حزب الليكود في البرلمان. (4)(5) أي أن أعضاء يمينيين (6) في حكومة ائتلاف مكونة أصلاً من أحزاب يمينية، يرون أن المشروع لا يحقق أهدافهم ولا يرنو إلى تطلعاتهم ولذلك لن يصادقوا عليه. وبناء عليه يبدو أنه يتم العمل على مشروع ”آخر“ لكي يفي بتلك التطلعات. إذاً سنسمع، عاجلاً أم آجلاً، بمشروع جديد أو تعديل على هذا المشروع لكي ”لا يعطي البدو حقوقاً أكثر مما يلزم“.
أسست حملة ”برافر لن يمر“ بصورة عفوية مجموعة من الشباب وأطلقتها قبيل يوم ”الغضب الأول“ في 15 تموز/يوليو الماضي، ثم تلتها دعوات لتنظيم تظاهرات يوم ”غضب الأول من آب“. واليوم الثالث والأكثر نجاحاً، على صعيد عدد المشاركين الذي وصل إلى آلاف، كان في تظاهرات ”30 تشرين الثاني/ نوفمبر“.
[مقابلة مع سوار عاصلي من حيفا وهي إحدى الناشطات المؤسسات لحملة ”برافر لن يمر“.]
الخروج من ”مجرد حراك“ إلى عصيان ووضع أسس سياسة بديلة
فرض الحراك نفسه إعلامياً على الرغم من أننا نتحدث عن ”ثلاثة“ أيام رسمية من الاحتجاجات تمت ما بين 15 من تموز/ يوليو و30 من تشرين الثاني/نوفمبر. اتسمت هذه التحركات بزخم ”رمزي“ وقوة الصور، التي أراد المنظمون وصولها. وهذا يعني تمكنهم أكثر من ذي قبل من السيطرة على أدوات التعامل مع الإعلام في الخارج. كما تميز الحراك بالحضور القوي لحملة ”برافر لن يمر“ على شبكات التواصل الإجتماعي. نجحت الحملة في استقطاب الدعم خارج فلسطين والتوجه للرأي العام العربي والعالمي والنشطاء في الخارج واستجابة بعض الجاليات الفلسطينية والعربية في أوربا وقيامها بوقفات احتجاجية في مدنها تضامناً مع الحراك.
تميز الحراك كذلك بالزخم التعبوي واستثمار وتوفير الإمكانيات الفنيّة الداعمة. فتم مثلاً إعداد شرائط فديو تلقن طريقة عمل الغرافيتي.(7) أي أن الحراك، وإن أصبح أكثر تنظيماً مع مرور الوقت، فقد تميز بمحاولات تنظيم أفقي بحيث يمكن لكل شخص ومجموعة أن تقوم بدورها على حدة وتصب بنفس الهدف دون شرط التنسيق المسبق بينها. (8)
[أغنية "علي صوتك"فكرة كلمات وتلحين وعزف عود - رمسيس قسيس. غناءرُلى ميلاد عازر.]
لم تلعب الفروق الجندرية في المواجهة في الشارع فرقاً، على الأقل للناظر من الخارج. فرأينا صوراً لنساء يقفن بقوة ويقاتلن في مواجهة قوة الجيش. يأتي هذا في وقت يعاني منه الفلسطينيون من تهميش نسبي للقيادات النسائية الفلسطينية على الصعيدين السياسي والثقافي عامة.
ولكن، على الرغم من التغطية الإعلامية والتواجد الواسع نسبياً على شبكات التواصل الإجتماعي للحراك ضد مخطط ”برافر“، إلا أن عدد المشاركين في المظاهرات بقي منخفضاً نسبياً، لم يتعد الآلاف في آخر وأكبر الاحتجاجات في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مساحة الأراضي المصادرة تشكل حوالي أربعين بالمئة مما لا يزال في ملكاً لفلسطينيي الداخل.
قد تبدو النقطة الأخيرة محبطة و”محرجة“ للوهلة الأولى . ولكننا قد نكون أمام حراك جديد من نوع آخر. إن عدم نزول عشرات الآلاف للتظاهر لا يعني بالضرورة عدم اكتراث أو عدم وجود دعم من قبل الأغلبية الصامتة للحراك ضد ”برافر“. الأهم هنا هو أن الحراك أحدث ضجة بإمكانيات بسيطة نسبياً ودون أن ينزل عشرات الآلاف إلى الشوارع. ولكن هل يحتاج فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 48، لخروج أعداد كبيرة دائماً للإحتجاجات أم أن ما يحتاجون إليه هو إعادة ”احتلال“ الحيز العام وفرض وجودهم وروايتهم وإيجاد حلول بديلة لا يمكن للمؤسسة الرسمية اختراقها جميعاً أو كسر شوكتها؟
يثير هذا الحراك سؤالاً مهماً وهو: كيف يمكن استغلال وجود بذرة من النشطاء ”العنيدين“ لترسيخ أساليب نضال جديدة تؤسس لحياة مركزية بديلة للفلسطينيين وليست على الهامش؟ كيف يمكن استثمارهذا الحراك للمضي قدماً وللاعتماد على ”رأس المال البشري“ من أجل إعادة ترتيب الأوراق بصورة جديدة للوقوف أمام ”مخططات“ مسح ما بقي من فتات وطن وذاكرة؟
برافر لم يمر... حتى إشعار آخر...
هوامش:
1. انظر/ي آليات سن القوانين في الكنيست.
2. نشرت ”جدلية“ مقالات عديدة حول الموضوع تتناول جذوره التاريخية وتفاصيل أخرى من بينها:
"تحت الإحتلال: بدلاً من التحرك في إطار النظام قاومه"
"لماذا تقلق صورة النساء الفلسطينيات المقاومات مضجع إسرائيل؟ المظاهرات ضد برافر كمثال"
3. انظر/ي: "إسرائيل تتراجع عن مخطط برافر"
4. http://972mag.com/see-the-prawer-plan-map-israels-government-was-keeping-secret/83333/
5. http://972mag.com/see-the-prawer-plan-map-israels-government-was-keeping-secret/83333/
6. يأتي الحديث هنا عن احزاب ”يمينية“ وأخرى ”يسارية“ في سياق تعريف هذه الأحزاب لنفسها ولا يعكس تقدير ورؤية كاتبة المقال لبرنامج هذه الأحزاب.