هل خفف العمال السوريون من أزمة الاقتصاد اللبناني؟

[\"???? ?????? ???? \"??????] [\"???? ?????? ???? \"??????]

هل خفف العمال السوريون من أزمة الاقتصاد اللبناني؟

By : Sakr Al-nour صقر النور

"دعوة لإعادة قراءة الآثار الاقتصادية للهجرة السورية للبنان"

لا نتساءل في هذه الورقة عن تأثيرات الأزمة السورية (1) بكل تفاصيلها في لبنان ولكن يقتصر تساؤلنا علي المهاجرين أو النازحين إلى لبنان. هل خفّفوا من آثار الأزمة الاقتصادية اللبنانية أم ضاعفوها؟

يطرح هذا السؤال نفسه في ظلّ الهجمة المسعورة التي يتعرّض لها المهاجرون السوريون في لبنان، وارتفاع معدلات العنصرية لتصل إلى درجة أن تقوم بلديات عديدة بمنع السوريين من الخروج من منازلهم في غير أوقات العمل. فمنذ أيام قليلة قامت بلدية برج حمود ببيروت (انظر الصورة المرفقة) بوضع لافتات تحظر على السوريين الخروج من منازلهم ليلاً، أي في غير ساعات العمل على خلفية حادثة يمكن أن تحدث في أية منطقة أخرى بالعاصمة المليئة بخطوط التماس المشحونة. يبدو هذا الإجراء عنصرياً لكنه في الوقت نفسه لا يغفل مراعاة مصالح أصحاب المحلات والمؤسسات التي تشغّل السوريين. فقد راعى الحظر أن يمنع خروج السوريين في غير ساعات العمل، كما أنهم لم يُطردوا من المنطقة. إن هذه الملاحظة التي أغفلها معظم المراقبين مركزية. وهي ليست معارضة "للوجود السوري والعمالة السورية" ولكنها رفض للظهور السوري في الفضاءات العامة في غير مظهر العمل واستئجار المنازل وشراء المستلزمات. يجب أن يكون السوريون عمالاً ومستهلكين غير مرئيين.

ما من شك في أنّ الأزمة السورية المتفاقمة أثرت في الوضع الاقتصادي والسياسي الهش بلبنان. لكن يجب ألا نغفل أن هشاشة الوضع الاقتصادي والسياسي اللبناني هي بالضرورة نتيجة لبنية النظام اللبناني ذاته أكثر من أي شيء آخر. ويمكن هنا أن نقتبس من مقالة مايا مقداشي بجدلية "لبنان محطّم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. بالإضافة إلى العنف الذي يستهدف اللبنانيين يومياً لأنهم يعيشون في مناطق يُقال إنها "تنتمي" إلى هذه الفئة السياسية أو تلك، فإن الحقد الديني والطائفي في تصاعد،  ويُدفع المزيد من الناس إلى البؤس والبطالة، فالمواطنون واللاجئون والعمال المهاجرون على حد سواء يتجمدون حتى الموت، أو يسحقهم الموت في الشوارع والخيام، وفي أبنية غير صالحة للسكن. ليس هناك حكومة لبنانية "شرعية"، ولا آمال لتشكيل واحدة في المستقبل المنظور". لقد كشفت الأحداث السورية هذه الهشاشة ولكن هناك من لا يريد أن يرى ذلك، ملقياً كامل المسؤولية على الأزمة السورية بشكل عام والمهجرين بشكل خاص.

هل كان لبنان يعيش أزمة ديموغرافية عشية الأزمة السورية؟

مع الوقت يتحول لبنان إلى مصيف كبير ودار مسنين. تمر بالسيارة في الشتاء في الجبل في قرى كاملة فتجدها فارغة تماماً بلا حس، أو كما يقال: "ما فيها صريخ بن يومين". أما في الجنوب فتوجد العديد من القرى التي لا ترى فيها إلا المسنين متجمعين في ساحة البلدية والنساء. تزدهر تلك القرى في العطلات الأسبوعية وحين يعود المهاجرون من أفريقيا لمدة شهر. لبنان يصدّر رجاله إلى العالم فهناك حوالى 7 مليون لبناني في الخارج، فهل لبنان بحاجة إلى رجال؟

كان لبنان يعتمد تاريخياً على سوريا ومصر (عمالة ذكورية) وشرق آسيا (عمالة نسائية) لكن الوافد المصري تضاءل مع سهولة السفر إلى ليبيا، كما أن الدخل انخفض كثيراً هنا ومعدلات الغلاء ارتفعت. قبل الحرب كان إقبال السوريين على لبنان أقل من الذي يحتاجه السوق اللبناني من عمالة رغم أن الحدود كانت مفتوحة. لبنان لم يكن جذاباً جداً إلى هذا الحد. قال لي أحد رعاة الغنم بالضيعة: "كان العامل السوري يتشرط وياخد أجاره ويفل على سوريا ويرجع وقت ما يحب".

هل أنعشت العمالة السورية الرخيصة والنشطة القطاعات الإنتاجية اللبنانية؟

إن ما يؤكد ذلك هو ملاحظات أولية مستمدّة من القطاع الزراعي وقطاع البناء، فوفرة العامل السوري قد ساهمت في استزراع العديد من الأراضي بجنوب لبنان، وقد قام بعض السوريين بضمان الأرض بالمشاركة في شكل يشبه عودة المرابعين (يمارس الفلاح اللبناني اليوم ما كان يمارسه الإقطاعي معه في السابق).

في إحدى القرى بجنوب لبنان تسكن أربع أسر سورية تعمل في الزراعة. في كافة العمليات الزراعية (البستنة، الحصاد للمحاصيل الحقلية، زراعة الخضروات ورش المبيدات). يقول أحد المزارعين إن العمالة السورية وفرت عليه جلب عمال من المخيمات بصيدا وإن أسعار العمال أقل ويعملون عدد ساعات أكثر خاصة أنهم يسكنون بالمزرعة. هذه ليست حالة استثنائية فالسيدات السوريات القادمات إلى لبنان هن عمالة "أقل تكلفة" من الرجال السوريين. ويعملن بشكل مكثف في الخيام الزراعية لساعات طويلة وبأسعار زهيدة جداً. وقد توسّع أحد المزارعين بالقرية في الزراعة والسبب الرئيسي أن لديه أسرتين سوريتين تسكنان وتعملان لديه.

 وفي قطاع البناء لا يوجد في لبنان مصطلح "عامل بناء"، يكفي أن تقول "سوري" فهي تعني "عامل بناء" ليس فقط للمقاولين ولكن أيضا لغير المقاولين من عموم اللبنانيين.

في مقالة بعنوان الهجرة تساعد التشغيل نشرت بتاريخ 27 مايو 2014 بصحيفة "لوموند" الفرنسية يشير الباحث تيبولت جاجدو إلى أنّ المهاجرين يحسّنون فرص عمل كثير من السكان المحليين عبر خلق الوظائف واحتلال الوظائف الدنيا مما يوفر الترقي الوظيفي للمحليين. وبشكل أكثر تحديداً، تشير الدراسة التي أجراها باحثون أوربيون إلى تأثير الهجرة في العمل والبطالة. إن زيادة بمقدار 10% من العمال المهاجرين تزيد فرصة الترقي لحوالى 20% من المحليين خلال 4 سنوات.

هل أحدث السوريون أزمة سكن بلبنان؟

رغم أن الحديث الدائر في الأوساط الإعلامية وفي الشارع اللبناني أن السوريين أحدثوا أزمة سكن إلا أنّ الشواهد الواقعية تؤكد أن السوريين كان لهم تأثير إيجابي في سوق العقارات. يشير تقرير المخطط العمراني اللبناني إلى أنّ السكن الفارغ وغير المستغل في لبنان زادت نسبته عام 1997، وكانت حوالى 23,1% ، أي أن العرض أكبر بكثير من الطلب. كما أن الهجرة قد تسببت في وجود آلاف المنازل المغلقة ببيروت وغيرها من المدن.

في تقرير نُشر بتاريخ 7 يونيو 2014 بعنون "في خدمة «المضاربجية»: تحرير الإيجارات يطرد المستأجرين والمالكين" في جريدة الأخبار  اللبنانية، يؤكد المدير العام السابق للإسكان محمد يونس أن هناك أكثر من 200 ألف شقّة سكنية شاغرة في لبنان، وأن جوهر الأزمة في الحقيقة ليس النزوح السوري وإنما ناجم عن المضاربين العقاريين. ويؤكد يونس أن الطلب الاستثنائي على الشقق غير مرتبط بحاجة استثنائية بدليل أن عدداً كبيراً من الشقق لا يزال شاغراً حتى في ظل النزوح السوري الكبير. لا تعود المشكلة إذن وفق صحيفة الأخبار إلى انكماش العرض في مقابل الطلب ولكن إلى أطماع المضاربين العقاريين الراغبين في استغلال الأوضاع في ظل غياب الدور الرقابي للدولة وإمكانية إلقاء اللوم على النازحين السوريين.

حصل آلاف السوريين على معاشات ينفقون أغلبها هنا بلبنان خاصة ألئك الذين جلبوا أسرهم معهم أي أن التحويلات وإن زادت في قيمتها المطلقة إلا أن المصروف داخل لبنان قد زاد أيضا بنسبة كبيرة. المصروف في لبنان ليس فقط عائد العمل للسوريين الذين يعملون ولكنه أيضاً الإعانات التي يحصلون عليها من المؤسسات الدولية، لأن المساعدات تكون موجهة بشكل أساسي للغذاء والسكن أي أنها موجهة لجيوب اللبنانيين وليس جيوب السوريين.

أيضا في ظل أزمة البطالة وانخفاض السياحة لجأ الكثير من اللبنانيين إلى تأجير منازلهم ببيروت للسوريين والانتقال إلى منازلهم بالضيع (خاصة بالجنوب كما لاحظت)، أيضا في المناطق المحيطة ببيروت مثل عرمون وغيرها أجرت أسر لبنانية بيوتها الثانية لعائلات سورية مما وفر لها دخل في ظل الأزمة الاقتصادية.

ازمة المواصلات

يستخدم غالبية السوريين المواصلات العامة (الفانات، البوسطة، التاكسي)، وهذا أيضا يحدث رواجاً لوسائل النقل الجماعية ويعاود إحياء هذا القطاع الذي كان يتآكل بسبب تهافت اللبنانيين من الطبقة الوسطى وحتي الأقل على اقتناء سيارات. وهذا الرواج بدوره شجع قطاعاً من اللبنانيين للاستمرار في استخدام وسائل النقل الجماعية حيث أن قلتها كان سبباً في بحث الكثيرين عن وسائل بديلة خاصة ببيروت. لا يحدث وجود السوريين أزمة زحام كما يتصور البعض لكنهم يساهمون في إحياء قطاع النقل الجماعي وهو بالمناسبة توجه عالمي لتقليل التلوث. لقد نمت أساطيل النقل العامة بفضل الوجود السوري وهذا بدوره أفاد شركات النقل الجماعي كما أنه أفاد بدرجة كبيرة الفقراء اللبنانيين الذين كانوا يعانون من ندرة هذه الوسائل الجماعية. كما أنه وفّر فرص عمل (كسائقين) للعديد من الفقراء اللبنانيين.

وأخيراً، مرة أخرى لا تحاول هذه القراءة إنكار الآثار السلبية للوجود السوري بلبنان لكنها تركز فقط على المسكوت عنه في النقاش العام حول الوجود السوري بلبنان من خلال قراءة مختلفة للوقائع.
 


[1] لقد بدأت الازمة السورية كانتفاضة شعبية تحولت نتيجة للتداخلات الإقليمية والتناقضات الداخلية إلى حرب أهلية وأزمة اقليمية. لذلك أستخدم توصيف أزمة لأنها تعبر أكثر عن أزمة نظام الحكم بسوريا وأزمة التيار الديموقراطي  في الثورة السورية بالإضافة إلى أزمة التداخلات الإقليمية التي عطلت المسار الثوري وسببت حالة التناحر الحالية. 

إصلاح أسواق العمل في بلدان الخليج العربية التبريد بالقبّعة

من بين أسوأ المناظر التي تختزل حالة حقوق الإنسان في بلدان الخليج العربية هو مشهد عمال البناء وصيانة الطرق وهم يعملون تحت شمس منتصف الظهيرة، حين تصل درجة الحرارة إلى 45 في الظل وتزيد عن 50 درجة في الأماكن المكشوفة. يصبح إجبار العمال على العمل رغم لهب الشمس الحارق مقارباً للحكم عليهم بالموت عاجلاً أو آجلاً. كثيرون يسقطون مغمياً عليهم وقد يؤدي السقوط إلى الموت في حال من يعمل منهم في مواقع بناء مرتفعة أو على السقالات. هي شمس لاهبة في مواقع عمل مكشوفة تحرق أجساداً لا تتحاشاها خوفاً من خصم في الأجر أو الطرد من العمل لذي يليه إلغاء الإقامة.

معاناةٌ صارخة وحراك مكتوم

لا يستطيع العمال المهاجرون رفض العمل في تلك الظروف، رغم معرفتهم بالأخطار المحدقة. ومما يجبرهم على ذلك، السعي لتأمين لقمة العيش لعوائلهم التي تركوها في بلدانهم، وكذلك تسديد المبالغ التي استدانوها لتأمين حصولهم على تأشيرة عمل في الخليج. من جهتهم، يتنافس المقاولون، وخاصة الصغار منهم الذين يتزاحمون على أداء المقاولات الصغيرة لحساب إحدى شركات المقاولات الكبرى، على إتمام أعمالهم في أقصر وقت ممكن بهدف خفض الكلفة.

لا تنحصر معاناة العمالة الأجنبية في بلدان الخليج في إجبارها على العمل تحت لهيب شمس الصيف شبه الاستوائي واضطرارها عليه. فذلك هو الجزء المنظور الذي نراه بأعيننا كل يوم، لا تخفيه جدران البيوت، مثل العنف الجسدي ضد الخادمات واستغلالهن جنسياً، ولا تستره أروقة المشارح التي تسجل يومياً نهايات حياة عمال مهاجرين انتحروا بعدما ضاقت بهم السبل، ولا هو مدفون في أرشيف القضايا المكدَّسة في المحاكم لعمالٍ يطالبون بأجور لم يستلموها لأشهر أو بتعويضات عن إصابات عمل يتهرب أصحاب الشغل من تسديدها.

في مقابل هذه المعاناة، تشهد المنطقة إرهاصات حراكٍ جديد يتمثل في التحركات المطلبية التي قام بها العمال المهاجرون في مختلف بلدان المنطقة خلال السنوات العشر الماضية. وهي تحركات لم تتوقف رغم عدم اهتمام وسائل الإعلام بها، ورغم شدة الإجراءات التي تتخذها السلطات المعنية، بما فيها اعتقال قادة تلك التحركات المطلبية وتسفير جماعي للمشاركين فيها. إلا أن ما كان يتسرّب إعلامياً عن تلك الاحتجاجات وأسبابها وأساليب التعاطي معها، أسهم في إبراز صورة أخرى غير تلك الصورة الزاهية التي ترغب حكومات بلدان المنطقة في ترويجها عبر شركات العلاقات العامة. شهدت دبي وأبو ظبي قبل شهريْن إحدى أهم هذه التحركات العمالية. ففي 21 أيار/مايو الماضي، أضرب آلاف العمال الأجانب في الأمارتيْن في «ارابتك» عن العمل للمطالبة بتحسين ظروف عملهم وزيادة أجورهم. وعُرف أن شركة «ارابتك» (التي بنت برج خليفة في دبي وتتولى إنجاز بناء فرع متحف اللوفر في ابو ظبي) توظف حوالى 40 ألف شخص أغلبهم عمال بناء من جنوب آسيا. وتدفع للعامل غير الماهر 245 دولاراً اميركياً شهرياً (900 درهم). إلا أن العمال المضربين اشتكوا من أن الشركة تستقطع 100 دولار اميركي (350 درهماً) مقابل وجبات يومية تقدمها لهم. وكالعادة، تعاطت الأجهزة الأمنية مع المضربين بأساليبها المعتادة فاعتقلت عشرات «المحرِّضين» ثم قامت بتسفيرهم خارج البلاد.

«خصوصية أسواق العمل الخليجية»

طوال أربعة عقود مضت، منذ بدء الطفرة النفطية في 1973، حاججت دول الخليج العربية بما تعتبره «خصوصية» أسواق العمل، وطالبت باستثنائها من الالتزامات التي تفرضها التشريعات الدولية المنظِّمة لحقوق العمالة المهاجرة، بما في ذلك تحسين ظروف العمل وشروطه. وهي محاججة أُعيدت إثارتها في جميع الاجتماعات السنوية الثلاثة والعشرين بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، لاستبعاد تضمين حقوق العمالة المهاجرة في مسودة اتفاقية التجارة الحرة بين الكتلتين الأوروبية والخليجية. إلا أن التغييرات التي شهدها العالم في العقود الأخيرة أضعفت كثيراً من قدرة البلدان الخليجية على الإصرار على المطالبة باحترام خصوصيتها.

حظر العمل وقت الظهيرة

بانضمام سلطنة عمان هذا العام، أصبحت جميع بلدان مجلس التعاون تفرض قرارات تحظر العمل في وقت الظهيرة خلال فصل الصيف. تتراوح فترة الحظر بين خمس ساعات في الكويت، وثلاث ساعات في البلدان الخمسة الأخرى. كما تتراوح مدة الحظر بين أربعة أشهر وشهريْن. لم تحدد قرارات الحظر ماذا يمكن للعمال في أماكن العمل أن يفعلوه خلال ساعات الحظر لتمرير الوقت. ومع ذلك، تشير تقارير صحافية محلية في مختلف بلدان المنطقة إلى ترحيب شعبي بتلك القرارات، علاوة على ما هو متوقع من ترحيب العمال المهاجرين أنفسهم. فلا شك في أن قرارات الحظر، رغم ما فيها من ثغرات واستثناءات، ستخفف جزءاً من معاناتهم. إلا أن هذا الترحيب لا يقلل من حقيقة أن البون شاسع بين إصدار قانون لإصلاح بعض الخلل في سوق العمل، وبين تطبيقه عملياً، وخاصة إذا ما كان المستفيدون منه هم في أسفل السلم الاجتماعي.

تفاخر الأجهزة الحكومية بنشر البيانات الرسمية الدورية عن التزام «99 في المئة» من أصحاب الأعمال بقرارات الحظر، مشيرة في الوقت نفسه إلى تغريم عدد منهم بسبب عدم التزامهم بها. إلا أن الواقع يختلف كثيراً عن تلك الصورة الزاهية. فبالإضافة إلى ما فيها من استثناءات وثغرات، تساهم عوامل عدة في تحويل قرارات حظر العمل وقت الظهيرة إلى إجراءات تهدف إلى تزيين صورة حكومات المنطقة بتأكيد التزامها بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بشروط عمل العمالة المهاجرة. تتراوح الغرامة التي تفرضها قرارات الحظر على الشركات المخالفة بين ثلاثة آلاف ريال في السعودية و15 ألف درهم في الإمارات. وهذه غرامة صغيرة يستطيع حتى صغار المقاولين تحملها في مقابل ما يكسبونه من عدم توقيف العمل في مواقعهم يوميا لخمس ساعات أو ثلاث. يعتمد تنفيد تلك القرارات على شكاوى العمال في حال إجبارهم على العمل وقت الظهيرة، وعلى تقارير المفتشين في وزارات العمل بناء على تلك الشكاوى، أو بناء على زياراتهم التفتيشية المفاجئة. يضطر العامل/الضحية إلى الصمت وعدم الشكوى حتى لا يتعرض إلى غضب صاحب العمل، وما يترتب عليه من نتائج كالفصل وإلغاء التأشيرة والطرد من البلاد بلا تعويض. من جهة أخرى، يعلم المقالون أيضاً أن الأجهزة المعنية بمراقبة تطبيق قرارات الحظر لا تستطيع عدة وعديداً أن تقوم بالتفتيش على جميع مواقع العمل. مما يجعل خطر كشف المخالفات ضعيفاً تماماً. ففي الكويت مثلاً، لا يزيد أفراد فريق التفتيش المسؤول عن مراقبة جميع مخالفات قوانين العمل في الإمارة، على ثلاثين مفتشاً ومفتشة. فمهما اجتهد المفتشون وأخلصوا في عملهم، فلن يكون بمقدورهم مراقبة أعمال تزفيت الطرق ومشاريع البناء وغيرها، في جميع أنحاء الكويت في فترة الظهيرة. وتبدو الحال أكثر صعوبة في السعودية التي تعمل فيها أكثر من 23 ألف شركة مصنفة متخصصة في قطاع المقاولات والصيانة.

من جهة أخرى، فلدى الشركات الكبرى والمقاولين المتمرسين القدرة على التحايل على تطبيق القوانين بإعادة جدولة مواعيد العمل، لتبدأ نوبة العمل النهارية بعد صلاة الفجر وتنتهي مع بدء فترة الحظر. كما يتحايل المقاولون المتمرسون والشركات الكبرى على إجراءات التفتيش. فبعض هذه الشركات يملكها كبار أفراد العوائل الحاكمة أو المقربون منها، مما يسهل إنذارها مبكراً عن حملات التفتيش أو يدفع المفتشين إلى تحاشي الوصول إلى مواقع عملها. من جهة أخرى، يلعب الفساد الإداري دوره في تقليل المخالفات المسجلة والمحافظة على نسبة التزام تزيد على «99 في المئة».

التبريد بالقبعة

ما يزال المسؤولون في بلدان الخليج العربية على اقتناعهم بأنهم يستطيعون حل مشاكل بلدانهم إما بتجاهلها والتقليل من أهميتها، أو عبر الحلول الأمنية، أو عبر «حيل إعلامية» تبتدعها لهم شركات الترويج والعلاقات العامة. ومن آخر أمثلة الحيل الإعلامية قيام قسم النفايات في بلدية دبي في الأول من آب/أغسطس بتوزيع «قبعات مبرِّدة تعمل بالطاقة الشمسية على ألفين من عمال النظافة للاحتماء من حرارة الشمس». تناقلت الخبر وسائل إعلام محلية ودولية اعتبر بعضها أن القرار يعبر عن «حضارية دبي وحاكمها». وأشادت تقارير إعلامية بالمعاملة الإنسانية التي يحظى بها العمال المهاجرون في دولة الإمارات. وفي المحصِّلة، غطت الضجة الإعلامية التي تلت توزيع 2000 قبعة تبريد على القمع الذي تعرّض له المضربون من عمال شركة «ارابتك» في دبي وأبو ظبي قبل ثلاثة أشهر.

ورغم أن تأثير هذه الحيلة الإعلامية أو غيرها سيبقى محدوداً ومؤقتاً، إلا أنها تشير إلى أن المسؤولين في بلدان الخليج العربية في حاجة إلى مزيد من الضغط عن طريق تظافر الحركات الاحتجاجية التي يقوم بها العمال الأجانب مع جهود المؤسسات الدولية المعنية بحقوق العمالة المهاجرة، وجهود الجمعيات الإقليمية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان.

[ينشر ضمن إتفاقية شراكة وتعاون بين "جدلية" و"السفير العربي"]