الهذيان المصري الأخير عن حزب الله ودلالاته
تثير الأخبار الأخيرة عن المناوشات التي تجري الآن بين مصر و «حزب الله» الكثير من التساؤلات عن دلالتها وعلاقتها بالسيناريوهات التي يجري إعدادها لمستقبل المنطقة. وتأتي هذه الأخبار كالعادة مقتضبة ومبهمة، تخفي أكثر مما تعلن. كما تحمل في طياتها الكثير من الهذيان المصري عن «حزب الله». وهذا بطبيعة الحال يصعب من قراءة دلالاتها، وإن كان لا يقلل من أهميتها.
أتى آخر فصول هذا الهذيان في خبرين رئيسين يتناولان العلاقة بين مصر و«حزب الله» يتناقضان تماما مع بعضهما من حيث الشكل والمضمون، على الرغم من أن الفترة التي فرقت بينهم لم تزد عن ستة أيام. أتى الخبر الأول في صدر الصحف الرسمية المصرية يوم الثلاثاء ٢١ سبتمبر لينقل لنا هجوم مصري مفاجيء وهستيري على «حزب الله». وكان عنوان هذا الخبر في صحيفة «الأخبار» المصرية «مصر تعرب عن قلقها من تطورات الأحداث في لبنان»، وصاحبه عنوان فرعي يقول «الخارجية: نأسف لتجاوزات المأجورين في مهاجمة مصر». وكما جرت العادة في هذه الأحوال لم يذكر متن الخبر «حزب الله» بالإسم، على الرغم من ورود الخبر في الصفحة الأولى، تماما كما لم يذكره بيان الخارجية الذي نقل عنه الخبر.
ما نتحدث عنه هنا هو خبر يعبر عن قلق مصر من «بعض اللبنانيين» الذين يرفضون الخضوع «للسلطتين التنفيذية والقضائية في البلاد (لبنان) بشكل سافر» ويرتكنون «إلي قوة السلاح الخارج عن سيطرة الدولة اللبنانية» في تحقيق مآربهم. وعلى الرغم من انطباق هذا الوصف بشكل حرفي على كل الفصائل اللبنانية تقريبا، يكفينا عدد المرات التي ورد فيها تعبير «السلاح الخارج عن سيطرة الدولة» وإستخدام لفظ «المأجورين» لكي نستنتج أنهم يهاجمون «حزب الله». وعلى نفس النهج، نشرت جريدة «الأهرام» خبر يماثل ما جاء في «الأخبار» - بما أشتمل عليه من غمز ولمز وعدم ذكره أسم من يهاجمه - على صفحتها الأولى، تحت عنوان «حسام زكى: مصر فوجئت بالتحريض علي الفتنة في لبنان». أما صحيفة «روزاليوسف» ففضلت نقله في مانشيتها الرئيسي تحت عنوان «بيان مصري «ناري» ضد المأجورين في لبنان»، وهو ما يتماشى مع أسلوب الردح والإثارة الرخيصة المعروف عنها.
أول ما يستوقف الإنتباه في هذا الخبر هو عدم ذكر الجهة التي يهاجمها بشكل مباشر، وذلك بالرغم من ورود الخبر في صدر الصفحات الأولى لكل الصحف الرسمية المصرية. هكذا بدأ المصريون يوم الثلاثاء ٢١ سبتمبر بخبر رئيسي في كل الصحف الرسمية يهاجم «لمأجورين اللي ما يتسموش» ويترك للقراء مهمة تحديد هويتهم. وتقليد «قطيعة اللي ما يتسموش» هذا منقول بشكل شبه حرفي من التقاليد الرسمية المتبعة في نقل أخبار المعارضة في مصر، هذه التقاليد الغبية التي تصر على تسمية «الاخوان المسلمين»، على سبيل المثال، بـ«الجماعة المحظورة»، وأحيانا ما تؤدي إلى تسمية حركة «كفاية» بـ«أصحاب الأصوات العالية». للأسف، أصبح هذا النوع من المراهقة الفكرية من صميم العمل الصحافي الرسمي؛ وأحيانا ما تنتج عنه مهازل كبرى، خاصة عندما يخرج علينا الكتبة الحكوميين في حملة شعواء لمهاجمة «الخارجين عن الشرعية» أو «أصحاب الأبواق المزعجة» دون تسميتهم، وهو ما يصعب على الكثير من القراء معرفة من يهاجمون، فيضيع هدف حملتهم وسط حيرة القراء.
وثاني ما يستوقفنا في هذا الخبر (وما تنشره الصحف الرسمية عن المقاومة بشكل عام) هو التوحد التام بين الخطاب الرسمي المصري وخطاب اليمين اللبناني، وهذه نقطة مهمة لم تحظى بالإهتمام الكافي حتى الآن. فمن الملاحظ توحد خطابات قوى «الاعتدال العربي» مع بعضها منذ حرب تموز ٢٠٠٦، على أقل تقدير. ثم بدأ هذا الخطاب يتوحد مع نظيره الإسرائيلي بشكل شبه تام منذ حرب عام ٢٠٠٩ على غزة. يظهر ذلك بشكل لا يترك مجالا للشك في الذرائع التي إستخدمتها كتبة النظام في الهجوم على حركة «حماس» في أثناء حرب٢٠٠٩، والتي لم تكن تقليدية على الإطلاق. أعني بذلك أنها تجاوزت تبريرات الماضي التي كانت تنصب على لوم «حماس» على إرتكابها «خطيئة كبرى» بإعطاء الذريعة لإسرائيل لضرب غزة؛ تجاوزت تلك الذريعة التقليدية للاستهزاء بـ «حماس» لأن قادتها كانوا يختبئون «تحت الأرض» وفي «المستشفيات» و«الفنادق» في الوقت الذي تركوا فيه المدنيين الأبرياء في العراء لتقتلهم الحرب. كل هذه التبريرات مأخوذة بشكل مباشر من خطاب تبرير الحرب الإسرائيلي، ولا تخطر على ذهن عربي بشكل تلقائي. وتشير كافة الشواهد إلى هذه الخطابات ستتوحد أكثر في المستقبل نظرا لتوحد المصالح.
الأهم من ذلك هو أن الخبر وبيان الخارجية الذي نقل عنه، صيغا كرد فعل حماسي على أحداث محددة لم يحدداها، فالبيان يقول «ان مصر التي طالتها من تلك التطورات تجاوزات من بعض المأجورين والحاقدين علي المواقف المصرية والمدفوعين لمهاجمة مصر وتوجيه السب لرموزها آثرت الترفع عن تلك التفاهات تماما وعدم تمكين هؤلاء من الاستمرار في تجاوزاتهم لانها تدرك انهم في الحقيقة يعانون من ازمة يسعون لتجاوزها من خلال استخدام اسلوبهم المفضل في التطاول ضد الكبار ». هذا إنما رد فعل شخص تلقى صفعة قوية ويريد أن يردها «بحرقة» لدرجة أنه إنخرط في وصلة ردح هابطة ثم إدعى إنه إنما «يترفع عن تفاهات» الطرف الآخر.
للأسف ليس من السهل التعرف على الصفعة التي هزت النظام المصري إلى هذا الحد نظرا لكثرة الصفعات التي تلقاها في لبنان في الفترة الأخيرة. لكن لازال من الممكن تحديد مجموعة من نقاط الإضطراب بين مصر وحزب الله، كما فعل ثائر غندور مؤخرا في مقال له في الأخبار اللبنانية، منها إعتقال مصر لـ «خلية حزب الله» والحكم عليها بأحكام مشددة (المجموعة التي إعتقلت لمحاولتها تهريب السلاح للمقاومة في الغزة)، ثم كلام اللواء «جميل السيّد» عن دورٍ لقنصل مصر «أحمد حلمي» في التآمر على سوريا والمقاومة، وإتهام المعارضة اللبنانية لمصر بتسليح مجموعات مناهضة للمقاومة والعمل على إلى إذكاء الفتنة بين اللبنانيين، وشيوع الحديث مؤخرا عن إندثار الدور المصري في لبنان. والنقطة الأخيرة هي من المضحكات المبكيات في هذا الشأن، فأنا شخصيا لم أكن على علم بأن لمصر دورا في لبنان إلا بعد أن تواترت الأخبار عن إندثاره.
في النهاية، لم تبالي الصحف المستقلة بهذا الخبر«الناري» ومرت عليه مرور الكرام. وهذا يعني أنهم غالبا ما إعتبروه أقرب للفضفضة العاطفية التي لا تستحق التعليق منه للسياسة. لكن لم تكاد ستة أيام تمر على هذه الحملة حتى خرجت علينا الصحف بخبر يتناقض تماما مع ما سبق عرضه. فإذا بصحيفة «المصري اليوم» تنقل في صفحتها الأولى خبرا عن إجتماع «أحمد حلمي» (القنصل المصري الذي تتهمه المعارضة اللبنانية بالتدخل في شؤون لبنان والتآمر على المقاومة) بـ«حسين عزالدين»، مدير مكتب العلاقات العربية بـ«حزب الله». وأكدت «المصري اليوم»، وهي صحيفة ذات علاقات أمنية قوية، أن هذا الإجتماع أتى «فى إطار المساعى المصرية - بحسب تصريحات الجانب المصرى - لتحسين العلاقات مع حزب الله اللبنانى». وأضافت أن «مصادر خاصة» رفضت الإفصاح عنها أكدت لها «أن اللقاء كان بطلب من القنصل المصرى عبر وسيط، رفضت (مصادر المصري اليوم) الإفصاح عن اسمه، تمهيداً للقاء محمد البديوى، السفير المصرى فى بيروت، والسيد حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، لكن الموعد كان مع مسؤول العلاقات العربية بداية».
هنا إنعكس الحال تماما، فالصحف الرسمية التي أدارت حملة «المأجورين» تجاهلت هذا الخبر وكأن شيئا لم يحدث - وهو بالضبط ما يفعلونه حيال أخبار المظاهرات في مصر - في حين إهتمت به الصحف المستقلة التي تجاهلت حملة «المأجورين» في البداية. ثم بدأت الأخبار تتوالى وتكشف تفاصيل جديدة عما حدث، منها أن الطرفين إتفقا على الإعلان عن هذا اللقاء، بدلا من إبقائه سرا كما حدث في لقاءات سابقة، وهو ما يشير إلى رغبة قوية في التهدئة. وكما هو متوقع، أثار هذا الخبر الكثير من التساؤلات حول أسباب هذه التهدئة والرغبة في تحسين العلاقات.
أثنت معظم التعليقات التي وردت على هذ الخبر على الإنترنت على هذا الاجتماع ورأت فيه تحولا إيجابيا يضع مصر في الجانب الصحيح من المعادلة. لكن تخوفت بعضها من أسباب هذا التحول، على أساس أن مصر لا تملك قرارها، وعليه فإن مصدر هذا القرار لابد وأن يكون مؤامرة صهيونية ما. وتعددت المؤامرات المقترحة، منها على سبيل المثال، أن يكون نمى لعلم النظام المصري معلومات عن قرب شن حرب على لبنان، ولذلك قرر أن يبتعد عن هذا السيناريو أمام الناس. وفسر اخرون سبب هذا التحول بوجود فريق داخل الخارجية المصرية يرفض طريقة تعامل النظام مع «حزب الله» ويريد الإبقاء على «شعرة معاوية» معه. يستند هذا التفسير في غالب الأمر على أسلوب مصر في التعامل مع «حماس»: ضربها طوال الوقت مع الإبقاء على صلة بها. في حين فسر آخرون من حسني النوايا ذلك التحول بوجود تيار قومي داخل المؤسسة الأمنية المصرية يريد مصر أن تغير من موقفها تجاه المقاومة بشكل أكثر جذرية من مجرد الإبقاء على «شعرة معاوية».
في رأيي لا يوجد مجال حقيقي لاستقراء تحولات جوهرية في موقف النظام المصري من «حزب الله» في هذه الأخبار، فموقف هذا النظام ينبع من مصالح جوهرية تابعة للإمبريالية الأمريكية لا تتغير إلا بتغيير النظام وعلاقة مصر بالإمبريالية. كما لا يوجد أي معنى حقيقي لاستراتيجية «شعرة معاوية» مع «حزب الله» كما هو الحال مع «حماس». فمصر لا تستطيع أن تضر أو تنفع «حزب الله» كما تستطيع مع «حماس». بمعنى آخر، لا يوجد ما يمكن أن يقنع «حزب الله» بتغيير أيا من سياسته من أجل طرف أضعف كثيرا من أن يمسه بأي سؤ أو منفعة.
أظن أن السبب الذي دفع النظام المصري لطلب هذا الإجتماع أبسط من كل هذه التفسيرات بكثير، وهو نفس السبب الذي دفع النظام لشن حملته الفاشلة ضد الحزب «المأجور» في بداية الأمر. السب في رأي هو حالة الفزع التي حتما أصابت النظام المصري عند إعلان المقاومة اللبنانية أن مصر تتآمر عليها وتسلح فصائل مناوئة لها. فهذا التصريح يحمل لمصر رسالة مفادها أن المقاومة تتابع ما تفعله في لبنان عن كثب. وثانيا، أن ما تفعله مصر هو من الضعف بحيث يمكن أن يعلن عنه في الصحف بشكل واسع، وكأن المقاومة تستهزيء به. لكن الأهم من كل ذلك هو أن هذا الإعلان هو في حد ذاته عمل سياسي مدروس يحمل تهديدا مبطنا للنظام المصري بأن يكف وإلا تحمل العواقب. فإذا ما «وقعت الفأس في الرأس» وتدهورت الأمور بحيث أصبح الحسم العسكري هو الحل الوحيد سيتعامل الحزب مع الوجود المصري كعدو مباشر، تماما كما تعاملت مصر مع «خلية حزب الله». يعلم النظام المصري أن قدراته على حماية أي شيء في لبنان معدومة، ويعلم علم اليقين أنه لا يستطيع مناطحة «حزب الله» في لبنان، ولذلك عمد للتهدئة عندما ما أن تلقى تهديد الحزب المبطن. بإختصار شديد، تصريحات المقاومة الأخيرة عن دور تآمري لمصر في لبنان هي تصعيد من نوعية «إتلموا أحسن لكم» وأظن أن طلب مصر الإجتماع مع الحزب كان للتأكيد على أن مصر «هتتلم». ولذلك قام النظام المصري بحملته الهزلية ضد «حزب الله» قبل الإجتماع بثلاثة أيام، لإدعاء فحولة لا يمتلكها.
ولذلك ما أن إنتهى الاجتماع حتى عاد النظام المصري لسخافاته السابقة، فخرجت علينا صحيفة «الحياة» اللندنية بعد الإجتماع بثلاثة أيام فقط بمقال يحمل عنوان «القاهرة رفضت طلب «حزب الله» لقاء البديوي». وينقل هذا المقال عن مسؤول مصري رفض الإفصاح عن أسمه نفيه التام لأن يكون الإجتماع عقد بطلب من الجانب المصري. وأكد هذا المسؤول أن «حزب الله» طلب في هذا الإجتماع بعقد إجتماع تالي بين السيد «حسن نصر الله» والسفير المصري في بيروت لكن مصر رفضت ذلك بشكل قطعي. وأضاف «مصر تنظر إلى الاتصال الأمني باعتباره اتصالاً غير رسمي ولا يرقى إلى مستوى يعتد به للقول بتحسن العلاقة بين الحزب ومصر». والغرض من ذلك لا يقتصر على نفي كل التحليلات التي قرأت هذا الإجتماع على أنه بادرة تحسين العلاقات بين الطرفين، بل التعالي على فكرة تحسين العلاقات أصلا، تماما كما لو كانت مصر هي الولايات المتحدة، وهو ما يعيدنا إلى مسألة توحد الخطاب المصري مع خطابات الاستعمار في المنطقة. وعن الغرض من الإعلان عن هذا الاجتماع قال «هذا الإعلان يخدم تماماً أجندة حزب الله الذي يواجه موقفاً سياسياً عصيباً في الفترة الحالية في ضوء التطورات الأخيرة والعلاقات اللبنانية الداخلية المعقدة». وهذا التصريح يتناقض تماما مع ما سبق وقاله المسؤول ومع سياق الاجتماع، حيث أنه يعني أن مصر قبلت أن تجتمع مع الحزب لكي تخدم أجندته التي تعارضها بشدة. وعليه كان على هذا المسؤول أن يقدم لنا سبب آخر للإجتماع، فقال أن مصر «رأت من الحكمة إجراء اتصال أمني مع «حزب الله» ولكن يجب ألا تذهب التفسيرات إلى ما يتعدى ذلك». وفي نهاية الحوار حسس هذا المسؤول على بطحته الكبيرة، فأنهى حواره بنفي قاطع لوجود أي صلة بين عقد هذا الاجتماع والتصريحات الأخيرة عن تآمر مصر على المقاومة.
من نصدق هنا، هل نصدق المسؤول المصري «المطلع» الذي أعترف لـ«المصري اليوم» بأن مصر هي اللي طلبت عقد هذا الإجتماع من أجل التهدئة مع «حزب الله»، وأنها أرادت بهذا الإجتماع الترتيب لإجتماع بين أمين عام «حزب الله» والسفير المصري؟ أم نصدق المسؤول المصري، «المطلع» أيضا، الذي نقل عكس ذلك لجريدة «الحياة»؟ في الحالتين لدينا مصدر مصري مسؤول «رفض الإفصاح عن إسمه»، وفي الحالتين لدينا جريدتين يدافعان عن مصالح الإستعمار بالمنطقة، والجهات التي تقف ورائهما معروفة للجميع. أظن أن ما حدث هو أن مصر أكدت لحزب الله أنها سوف «تتلم» ثم عادت لهذيانها لإدعاء فحولة تفتقرها، ولا أظن أن «حزب الله» سيهتم كثيرا بهذا الهذيان طالما إكتفت مصر به وصرفت النظر عما هو أخطر منه. كما أظن أن توحد الخطاب المصري مع الخطابات الإمبريالية في المنطقة يؤجج هذا الهذيان (مع التأكيد على تعدد أسبابه)، لأنه يقنع النظام المصري بأنه قوى إقليمية عظمى، لا خادم «غلبان» للإمبريالية أقصى ما يستطيع عمله هو منع «الشيبسي» و«النسكافيه» من دخول غزة. ويبدو أن هذا النوع من سؤ تقدير قدرات الذات هو ما دفعه أصلا ليلعب في الساحة اللبنانية بما يفوق قدراته بمراحل، ليثبت جدارته لنفسه قبل أن يثبتها لسيده المستعمر، لكنه في نهاية المطاف «غلبان جدا» ويعلم حقيقة قوته، ولذلك ما أن «شخط» فيه «إتلم يا أحسن لك» حتى ذعر و«اتلم»، ثم عوض ذلك الاحراج بالإكثار من الهذيان، الذي أصبح لا يجيد سواه. فليهذي كيفما يشاء، الذي يهم الطرفان الآن هو أن النظام المصري «هيتلم خلاص»، أما الهذيان فيظل حق أصيل لتعويض ذلك الاحراج الذي كشف له أن قدراته هي أبعد ما تكون عن الخطاب الذي توحد معه تحت ضغط تحالفته المشبوهة.
أتت هذه الأحداث ولبنان يمر بمرحلة دقيقة: ترقب لحرب تشنها إسرائيل وتصعيد غير عادي بين اللاعبين الكبار. كما أتت مع قرب إنتهاء مهلة حزب الله للأنظمة العربية لحل مسألة القرار الظني للمحكمة الدولية، وفشلهم في حلها يعني أنه سيحلها هو بطريقته. وهذا ما دفع الكثير لتحميل الهذيان المصري أكثر مما يحتمل، وهو ما يعني بالتبعية تصور قدرات لبنانية للنظام المصري لا يمتلك عشرها.