[تنشر جدلية بالاشتراك مع مجموعة الـدكتافون ومؤسسة "آرت-ايست" نصوصاً تتناول الحق في الوصول إلى الشاطىء في العالم العربي تحت عنوان "من هنا البحر". نشرت هذه النصوص باللغة الانكليزية على موقع آرت-ايست. تنشر سلسلة "من هنا البحر" تباعاً على موقع جدلية خلال الأسبوع القادم.]
["أبحر الشمالية-جدة. المصدر موقع "يوتوب]
"تعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من عدد قليل جداً من الدول التي كان تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية عليها طفيفاً نسبياً. وبالتالي يظهر استمرار الدعم الحكومي السعودي لسوق السياحة المحلية والتي هي على حد سواء قوية وثابتة." صرّح الأمير عبدالله بن سعود بن محمد آل سعود، رئيس مجلس إدارة مجموعة الأحلام للسياحة البحرية، شركة إدارية لنادي الفروسية لليخوت.(1)
وفقاً للدراسات التي أجريت في عام ٢٠٠٧ من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار، ٩٤ في المائة من الأراضي على شواطئ البحر من حدود الأردن إلى اليمن هي إما ملكية خاصة، حكومية، أو محميات للحياة البرية.(2) في موقع السياحة السعودية يتم الإعلان عن أبحر الشمالية في البحر الأحمر في جدة بأنه يوجد فيها "عدد كبير من المواقع الرائعة مع وفرة العديد من الفنادق والمنتجعات. وكذلك توفر الكثير من الأنشطة غير الغوص، مثل الجولف والتزلج على الماء." في الواقع هناك مساحة متوفرة على ساحل أبحر الشمالية لبيوت بمسابح للإيجار ومنتجعات وأملاك خمس نجوم من هذا النوع. بعض الأدلة والدراسات تشير إلى وجود خمسين منتجعاً سياحياً في منطقة أبحر الشمالية.
أبحر الشمالية هي أيضاً منتزهات شاطئية للقصور، بما فيها الفلل والمسابح ومراسي اليخوت ومهابط طائرات الهليكوبتر وكراجات وجزر مقصورة. كلفة هذه القصور، والتي تتراوح مساحتها بين ٣٠٠ و١١٠٠ فداناً، ٢٥٠ مليون دولار على الأقل، وتصل إلى ٥٦٠ مليون دولار بحسب فيرتشويلجلوبتروتنج. لكنها غير متاحة على البرنامج الخرائطي والجغرافي جوجل إيرث.(3) تكمن أهمية تغييب هذه المنتجعات والممتلكات الخاصة وطمسها من خلال جوجل إيرث أو خرائط جوجل، سواء كان ذلك بسبب قيود حكومية أو دعاوى الخصوصية الشخصية، هو أن المعلومات التي تحملها ربما تسبب إشكالية في خطاب المشهد الحضري لمدينة جدة. هذا المشهد هو أيضاً وسيلة تصبح من خلاله الخطابات الاجتماعية والثقافية والبيئية والاقتصادية والأيديولوجية مرئية.
جدة، المدينة العالمية، النقطة التجارية الرئيسية للمملكة، والمحطة الأولى للحجاج في طريقهم إلى المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة خلال رحلتهم للحج أو العمرة، تواجه مشكلة حضرية وسكنية كبرى. في حين أنها تستضيف معارض القوارب والمؤتمرات والمهرجانات ومسابقات الدبابات البحرية، فإنها أيضاً تفشل في تقديم خدمات البنية التحتية الحضرية ولا تلبي طلبات السكن للأسر ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة. مؤخراً، جمدت الحكومة السعودية منح الأراضي، على الرغم من تراكم عدد المتقدمين والذي وصل إلى 20,000 طلب في مدينة جدة.(4)
يمكن الكشف عن النسيج الاجتماعي لمدينة جدة من خلال فحص دقيق للتفاعل بين التكوين الجغرافي/المكاني للمدينة وديناميكيتها الاجتماعية والاقتصادية، والتي تبدو بعيدة كل البعد عن المساواة .
مشروع تطوير الرويس، وهو مرحلة أولية من مشروع لإعادة تطوير الأحياء الفقيرة من قبل شركة جدة للمنية والتطوير العمراني ، مثال على نزوح المجتمعات المحلية في جدة واستبدالها بالقطاع الخاص.
قضية أخرى تستحق النظر هي قرية اللؤلؤة في أبحر الشمالية، حيث أن ارتفاع أسعار العقارات بحجة عدم امتلاك الأراضي أجبر المستأجرين على الخروج من منازلهم على الرغم من دفعهم الأقساط الشهرية طوال العشر سنوات الماضية. قامت شركة المسارات للمقاولات المحدودة بعمل مزاد لبيع بعض الممتلكات في قرية اللؤلؤة دون إبلاغ المستأجرين. حينها قامت الشرطة بمنع الصحفيين وكذلك السكان والذين كانوا على رأس قائمة الممنوعين من الدخول في المزاد، وهذا بحد ذاته يؤكد بطلان مبيعات العقارات.(5)
من جهه أخرى، بالرغم من أن جدة تعتبر ثاني أكبر مدينة سعودية ومن أكثر المدن حداثة، إلا أنها تفتقر لأبسط مشاريع البنى التحتية. فقد شهدت مدينة جدة فيضانات قاتلة وهائلة في السنوات الأخيرة، ولا سيما سيول نوفمبر ٢٠٠٩ المدمرة وهي واحدة من الكوارث الطبيعية الأكثر حدة التي تشهدها البلاد في السنوات ال ٥٠ الماضية. ووجه العديد من السعوديين الغاضبين إشارات اللوم على الفساد المستشري في الحكومة. فقد تنصلت الحكومة من المسؤولية بحجة أن الأحياء "بنيت بشكل تعسفي" وليس لعدم وجود نظام صرف صحي. أهمية هذه الحادثة هو أن عائدات النفط الضخمة في البلاد لم يتم توجيهها لبناء بنية تحتية لائقة بمدينة جدة، ناهيك عن إنقاذها من الأمطار.
وتكررت كارثة الفيضانات مرة أخرى خلال شهر يناير ٢٠١١ مما يدل على أنه لم يتم الاتعاظ من سابقتها خلال سنة واحدة تقريباً. ومنذ وقت قريب أعلن الأمير الوليد بن طلال "رسالة قوة" حول الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المملكة من خلال البدء ببناء برج المملكة أو كما يطلق عليه برج الميل، وهو ناطحة سحاب عالية ويعتبر أطول مبنى في العالم.
قضايا إعادة التحضر والإسكان تتجسد بوضوح في شكل المدينة، بينما تخفي صراعات الثقافة والهوية والعلاقات الإجتماعية. وفقا لأمانة محافظة جدة، يبلغ طول الخط الساحلي للمحافظة ٦٥٥ كيلومتراً والجزء الذي تم تطويره يقارب ١٨٦ كم. ولكن ما هو متاح للجمهور لا يتجاوز ٢١ كم من المساحة المطورة وإن كانت متفرقة ومتجزأة.
"عدم وصول العامة الى هذه المناطق يرجع إلى تملك القطاع الخاص لنسبة عالية من الأراضي المجاورة للواجهة البحرية. أغلب مشاريع التطوير الخاصة تعيق عموم الناس من الوصول الى الشواطئ المجاورة لها. العوائق الأخرى لوصول العامة والاستمتاع بالشواطى هي تناثر نقاط الوصول وعدم وجود مرافق وقوف السيارات والإفراط في استخدام بعض المناطق والتوقف الناجم عن إهمال البنية التحتية وعدم وجود خدمات وسائل النقل العام".(6)
على جدار الأملاك الخاصة الممتد على طول شاطئ أبحر الشمالية، نجد عبارة متكررة "هدا بحر ربنا". غرافيتي يناقش صعوبة الوصول إلى البحر. "يقولوا أنو جدة عروس البحر…فين البحر؟" باستخدام مزيج من الفكاهة الجدّاوية الساخرة والسعي التجريبي للتصحيح، تأتي مدّةجدة وهي مبادرة قصيرة الأجل، بهدف تسليط الضوء على ما يسمونه مشاكل المدينة المزمنة.
العبارات المرسومة على الجدران كانت إحدى الوسائل التي حاولوا من خلالها كشف فقر مدينة جدة للبنية التحتية وسوء الطرق والتلوث البيئي. مدّة جدة تعني التحول إلى مستوطنة مهجورة مقفرة، في إشارة إلى النبوءة الدينية للأرض. ولأسباب غير معروفة توقفت هذه المبادرة.
"في أبحر الشمالية ليس لنا من سبيل لنصل للشاطئ"، غرد المدون والناشط الاجتماعي السعودي فؤاد الفرحان.
قد تبدو العبارة غريبة نوعاً ما، خصوصاً إذا ما علمنا أن منطقة أبحر الشمالية معروفة على نطاق واسع بإسم الشاطئ؛ في جوهرها الشاطئ الذي لا نستطيع الوصول إليه. كورنيش جدة التجاري، والذي يحتوي على مراكز التسوق الرئيسية المزدحمة، ناهيك عن المقاهي ومنحوتات الدوارات المشتتة، ليس بديل لكل ما يسعى إليه بعضنا، وهو ببساطة التمشي بموازاة شاطئ البحر.
هوامش
[1] سعودي جازيت http://www.saudigazette.com.sa/index.cfm?method=home.PrintContent&action=Print&contentID=0000000041427
أمانة محافظة جدة "إدارة الواجهة البحرية"، الخطة الاستراتيجية، قسم ٩.http://www.jeddah.gov.sa/strategy/english/JSP/JSPFiles/JSP-Eng-09-WaterfrontManagement.pdf.
[2] Tourism Research Center “Tourism Establishment Statistics & Accommodation Statistics Report”, The Saudi Commission for Tourism and Antiquities, 2007, bit.ly/16tevgV.
[3] "السعودية: جدة" فيرتشويل جلوب تروتنجhttp://virtualglobetrotting.com/countries/SA/Jeddah/
[4] "حالة المدن العربية 2012/2013 - تحديات التحول الحضري" برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN-HABITAT http://www.unhabitat.org.jo/inp/view.asp?ID=222
[5] “عراك وشتائم في مزاد لبيع شاليهات قرية اللؤلؤة في أبحر الشمالية" صحيفة الشرق، ١٩ ديسمبر ٢٠١١.
http://www.alsharq.net.sa/2011/12/19/52181
[6] أمانة محافظة جدة "إدارة الواجهة البحرية"، الخطة الاستراتيجية، قسم ٩، ص ٨.http://www.jeddah.gov.sa/strategy/english/JSP/JSPFiles/JSP-Eng-09-WaterfrontManagement.pdf.