نقابة الصحفيين: احتكار بالقانون

نقابة الصحفيين: احتكار بالقانون

نقابة الصحفيين: احتكار بالقانون

By : Sawssan Zaydah سوسن زايدة

يواجه شادي سمحان ذات المعضلة التي يعاني منها أكثر من 500 صحفي أردني محرومين من حق الانضمام لنقابة تدافع عنهم وتنظم عملهم، وغير معترف بهم كصحفيين أمام القانون.

سمحان عمل لعشرة سنوات كمراسل صحفي في صحف «الشاهد، الأنباط، الإعلام البديل، الإخبارية، الهلال»، وفي عام 2011 أنشأ موقعه الإلكتروني «عمان جو». في حزيران 2014 مثُل أمام المدعي العام كشاهد، ورفض كصحفي الكشف عن مصدره الذي اتهمته الشركة التي يعمل فيها بإفشاء أسرار الشركة. وما كان من المدّعي العام إلا أن وجّه إليه تهمة شهادة الزور باعتباره منتحلا لصفة صحفي لأن اسمه غير مدرج في سجلات نقابة الصحفيين، بحسب سمحان. وحُكم عليه بالحبس لمدة ثلاثة شهور، لكنه سيستأنف الحكم.

«كيف يمكن أن أحاكم على شهادة الزور باعتباري منتحلا لصفة صحفي في حين أن القضاء يتعامل معي كصحفي في قضايا مرفوعة ضدي وأحاكم عليها في قصر العدل منذ عام 2002 بناء على تهم مخالفة قانون المطبوعات والنشر»، يتساءل سمحان.

يمارس ثلث الصحفيين في الأردن مهنتهم بشكل غير قانوني. فقانون نقابة الصحفيين الأردنيين يفرض شروطا للعضوية لا تنطبق على أكثر من 500 صحفي متفرغ، ويمنع غير أعضاء النقابة من ممارسة مهنة الصحافة، ويحظر إنشاء نقابة بديلة.


\"\"

في أيلول من عام ٢٠١٢ جرى تعديل قانون المطبوعات والنشر ليشمل المواقع الإلكترونية ويفرض عليها شرط الترخيص، لكن المفارقة كانت أن قانون نقابة الصحفيين آنذاك لم يكن يعترف بالصحفيين العاملين في المواقع الالكترونية، ولم يتم تعديله إلا في حزيران من عام ٢٠١٤.

جرى تعديل قانون النقابة الصحفيين، منذ أن سُنّ في عام ١٩٥٢، ثلاث مرات بهدف توسيع عضوية النقابة التي أنشئت حصريا للصحفيين العاملين في الصحافة الورقية. استهدف التعديل الأول لعام ١٩٨٣ صحفيي وكالة الأنباء الرسمية، وخُصّص الثاني، عام ١٩٩٧، لدائرة الأخبار في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، واللتين نص عليهما التعديل القانوني بالاسم. وجاء التعديل الثالث لعام ٢٠١٤ لزاما بعد تعديل قانون المطبوعات والنشر الذي شمل المواقع الإلكترونية الإخبارية.

اعترف قانون النقابة المعدل بالمواقع الالكترونية الإخبارية وغرف الأخبار في الإذاعات والتلفزيونات كمؤسسات إعلامية. لكنه شدّد شروط العضوية فحرم غالبيتهم من عضوية النقابة وبالتالي من ممارسة مهنتهم بشكل قانوني. وبذلك تمكنت النقابة من وقف اتساع عدد أعضائها بما لا يتجاوز 1100 عضو منذ إنشائها قبل 62 عاما.

وخارج مظلة النقابة، يعمل نحو 550 صحفيا يشكلون ما نسبته 33% من الجسم الصحفي في الأردن الذي يقدر عدد العاملين فيه بنحو 1640 صحفيا، وفق تقديرات مركز حماية وحرية الصحفيين. وتعمل نسبة كبيرة من الصحفيين غير الأعضاء في النقابة في الإذاعات والفضائيات والمواقع الالكترونية ووكالات الأنباء والمؤسسات الصحفية الأجنبية.

والحال فإن شروط قانون النقابة واجراءات قبول العضوية لا تزال عقبة أمام انضمام الصحفيين للنقابة. فمنذ نفاذ تعديل القانون في حزيران 2014 تقدم نحو 70 صحافيا (من أصل 550 غير أعضاء) بطلبات انضمام للنقابة، 54 منهم يعملون في الصحف لكن شروط العضوية في القانون قبل التعديل لم تكن تنطبق عليهم لأنهم يحملون شهادات أقل من دبلوم.

وما تزال جميع طلبات الانتساب المقدمة للنقابة منذ نفاذ القانون في حزيران الماضي قيد الدراسة من قبل لجنة العضوية التي ستقدم توصياتها لمجلس النقابة لاتخاذ قراره بشأن الموافقة أو عدم الموافقة عليها. وتتشكل لجنة العضوية، سنويا، من خمسة أعضاء يعينهم مجلس النقابة.

عضو اللجنة ماجد الأمير، يوضح سبب التأخير في البت بالطلبات المقدمة منذ شهور، بأنهم ينتظرون وضع نظام داخلي يفسر تطبيقات التعديل القانوني، وبخاصة في البنود المختلف عليها والمتعلقة بفئة من يحملون مؤهلات علمية أقل من الشهادة الجامعية، وبفئة الصحفيين العاملين في المواقع الالكترونية المرخصة كمتخصصة. «فهل يمكن مثلا قبول عضوية العاملين في موقع متخصص في قضايا البيئة والطبيعة؟»، يتساءل الأمير.

وبذلك، يرتهن مصير صحفيي نحو مئة موقع «متخصص» بقرارات أعضاء لجنة العضوية ومجلس النقابة، حول ما إذا كان يحق لهذه الفئة الانضمام للنقابة وبالتالي بممارسة مهنة الصحافة أم لا، كما سبق وكان ترخيص المواقع التي يعملون فيها مرهونا بمزاجية المسؤولين في دائرة المطبوعات والنشر، الذين صنفوا رخص المواقع بين «إخبارية» و«متخصصة»، من دون تعريفات واضحة ومعلنة.

الطريق إلى النقابة: قيود بالجملة

الرسم التفاعلي التالي يوضح شروط الانضمام للنقابة حسب نوع المؤهل الأكاديمي، انقر/ي على المؤهل على اليمين لمعرفة الشروط الخاصة به:

 \"\"

·   

يمنح القانون لنقابة الصحفيين سلطات واسعة على قطاع الصحافة والإعلام في الأردن، تتجاوز الشؤون المتعلقة بأعضائها وتمتد إلى منع الصحفيين خارج مظلتها من ممارسة المهنة. ففي حين يعرف قانون المطبوعات والنشر الصحفي بأنه عضو النقابة الممارس، يضعقانون نقابة الصحفيين شروط العضوية التي تحدد من هم الصحفيين المسموح لهم بالانضمام للنقابة، وبالتالي المسموح لهم بممارسة مهنة الصحافة.

ولكي يكون الصحفي عضوا في النقابة يجب أن يتفرغ للعمل في مؤسسة صحفية أو إعلامية مرخصة في الأردن، «ولا تشمل هذه العبارة المؤسسات الرسمية والأحزاب والأندية والنقابات والجمعيات والمدارس والجامعات والمنتديات والهيئات المحلية والدبلوماسية أو ما يماثل أيا منها، التي تصدر مطبوعة صحفية»، أي أن الصحفيين العاملين في المحطات والصحف الصادرة عن مؤسسات المجتمع المدني، وليست شركات خاصة، لا تحق لهم عضوية النقابة.

يتم استثناء الصحفيين العاملين في أقسام البرامج في الإذاعات والتلفزيونات، بمن فيهم المراسلين الميدانيين في البرامج بكافة موضوعاتها، أو معدي البرامج الإخبارية والتقارير الوثائقية الطويلة

وتقتصر العضوية على الصحفيين العاملين في مؤسسات «تماثل في أعمالها العمل الصحفي في حقول الإعلام وتشمل دوائر الأخبار والتحرير». وبذلك يتم استثناء الصحفيين العاملين في أقسام البرامج في الإذاعات والتلفزيونات، بمن فيهم المراسلين الميدانيين في البرامج بكافة موضوعاتها، أو معدي البرامج الإخبارية والتقارير الوثائقية الطويلة التي لا تندرج ضمن دائرة الأخبار. في حين تحق عضوية النقابة للمدير العام لمؤسسة صحفية أو عضو هيئة التدريس لمادتي الصحافة أو الإعلام في جامعة أردنية.

وخلافا لطبيعة المهنة التي تحكمها الثقافة العامة والموهبة والخبرة، يضع القانون شروطا تتعلق بالشهادات الأكاديمية أو «المؤهلات العلمية» بحيث لا تقل عن الشهادة الجامعية أو شهادة الدبلوم في الصحافة أو الإعلام. وتشدد القانون في تعديله الأخير للفقرة (ه) من المادة (5) عندما ألغى من قائمة الشهادات المعترف بها في النقابة، شهادة الدبلوم في أي تخصص غير الصحافة والإعلام.

وتم رفع عدد سنوات العمل الصحفي إلى ثماني سنوات لكل من يحملون مؤهلات أقل من دبلوم في الإعلام. وكانت المادة القانونية قبل تعديلها تشترط ثلاث سنوات لمن يحمل شهادة دبلوم في مجال غير الإعلام وأربع سنوات لحملة الثانوية العامة وثماني سنوات لمن يحملون مؤهلات أقل من ذلك.

وفي التفاصيل يتبين أن الفقرة (ه) لا تنطبق على الصحفيين العاملين في المواقع والإذاعات والتلفزيونات التي أضيفت في التعديل الأخير، فالفقرة تشترط ثماني سنوات عمل «قبل نفاذ التعديل»، أي أنها تنطبق فقط على صحفيي الصحف الورقية ووكالة الأنباء والتلفزيون الأردني. وبذلك لم تعدل الفقرة القانونية تنطبق على أي من المتقدمين بطلبات العضوية، مما أثار جدلا وخلافا بين لجنة العضوية ومجلس النقابة، ودفع تجمعا في الهيئة العامة للمطالبة باستقالة مجلس النقابة.

ويشترط القانون فترة تدريب قبل الحصول على عضوية النقابة، في مؤسسة صحفية أردنية مرخصة. وتتحدد مدة التدريب وفقا لدرجة الشهادة، وتتراوح بين ستة شهور إلى ثلاث سنوات، يليها شرط اجتياز امتحان يجريه مجلس النقابة. وحتى يتم احتساب التدريب، يشترط المجلس أن يكون الصحفي موظفاً فعلياً في المؤسسة ولديه رقم اشتراك في الضمان الاجتماعي من خلالها. أحمد براهمة خرّيج صحافة وإعلام من جامعة اليرموك تضرر من هذا الشرط، إذ أنه تدرّب في صحيفة الغد بعد تخرّجه لكن لم يكن بإمكانه الانضمام للنقابة لأنه لم يكن موظفاً رسمياً. تقدّم براهمة مجدداً لعضوية النقابة بعد تعديل القانون أثناء عمله في موقع عمّان جو، إلا أن الطلب رفض لأنه لا يملك رقم اشتراك في الضمان الاجتماعي.

ويتضمن تعديل المادة 14 استحداث سجلات جديدة: «الصحفيين المؤازرين» و«غير الممارسين» و«المشاركين». وتخصص هذه السجلات لفئات الصحفيين غير الأعضاء في النقابة والمطالبين بحق الانضمام لها، مثل خريجي كليات الإعلام في الجامعات الأردنية، الذين عرفت قضيتهم من خلال حركة «صحفيون مع وقف التنفيذ»، بالإضافة إلى الصحفيين العاطلين عن العمل والصحفيين الأردنيين العاملين خارج الأردن.

عضو مجلس النقابة السابق، راكان السعايدة، يرى في السجلات الجديدة «خداعا لاستيعاب الضغوطات من الصحفيين غير الأعضاء، فمن يستفيد من امتيازات النقابة هم فقط المدرجون في سجل الصحفيين الممارسين».

التعديل القانوني ذاته الذي فتح بابا للفئات المحرومة من عضوية النقابة، عاد وأغلقه بإضافة كلمة «الممارسين» في نهاية تعريف الصحفي بأنه «عضو النقابة المسجل في سجل الصحفيين». وبذلك لم يعد للسجلات الجديدة المضافة قيمة قانونية.

وتفقد هذه السجلات قيمتها العملية بوجود المادة 16 من القانون الأصلي التي تحظر على «أي مؤسسة صحفية في المملكة استخدام أي شخص في أي عمل صحفي إذا لم يكن من الأعضاء المدرجة أسماؤهم في سجل الصحفيين الممارسين»، وتسمح فقط بقبولهم كمتدربين فقط. كما تحظر المادة 18 على هذه الفئة (غير المسجلين في سجل النقابة للصحفيين الممارسين) «مراسلة الصحف الأجنبية والإعلان عن أنفسهم بصفة صحفي أو بأي عبارة تعطي هذا المعنى».

متضررون من قانون النقابة

يشكّل قانون نقابة الصحفيين والتعليمات والأنظمة المنبثقة عنه عائقاً أمام انضمام العديد من مزاولي المهنة. فمنهم من تدرّب دون أن يكون لديه اشتراك في الضمان، ومنهم من يعمل في أقسام البرامج في الإذاعات والتلفزيون وليس الأخبار، ومنهم من تفرّغ لممارسة العمل الصحفي لكن بشكل مستقل، بالقطعة، دون أن يلتزم مع مؤسسة واحدة، وغيرهم. تالياً أمثلة على هذه الحالات:
\"\"\"\"\"\"
\"\"

يحمل أنس ضمرة شهادة الدبلوم في السينما والتلفزيون ويعمل في مجال الصحافة منذ أربع سنوات. البداية كانت في موقع «عمون» كمراسل ومصور ميداني ثم في موقع «جو24» وفي قناة «رؤيا» التلفزيونية، وصحيفة «العرب اليوم»، ويعمل الآن في راديو البلد. تقدم أنس بطلب الانتساب لنقابة الصحفيين في تشرين ثاني 2012، أي قبل تعديل القانون، ولم يتلق ردا لغاية الآن عما إذا كان طلبه قد قبل أو رفض، وإذا ما تم احتساب السنتين الماضيتين كفترة تدريب، وإن كان طلبه سيتأثر بالتعديل الأخير لقانون النقابة. يسعى ضمرة لعضوية النقابة لأنه يخشى من الملاحقة القانونية واتهامه بأنه منتحل لصفة صحفي لأنه ليس عضوا في النقابة. كما أنه يبحث عن الحماية القانونية التي يفترض بالنقابة أن توفرها لأعضائها، وحقوقه العمالية التي يمكن للنقابة أن تدافع عنها إذا واجه فصلا تعسفيا من مؤسسته.

يرى أحمد براهمة أنه يجب فرض رقم اشتراك الضمان الاجتماعي على المؤسسة الإعلامية وليس على الصحفي، وإلا فإن الصحفي يقع ضحية وزارة العمل ومؤسسة الضمان الاجتماعي اللتين لا تفرضان على المؤسسات إشراك العاملين فيها في الضمان، وضحية نقابة الصحفيين التي لا تقبل الصحفي الذي لا اشتراك له في الضمان الاجتماعي. في حين أن نقيب الصحفيين طارق المومني يرى في شرط الضمان الاجتماعي «حماية لحق الصحفيين في مؤسساتهم ودافعا لأن تصبح مؤسسات حقيقية».

ولا تقبل النقابة عضوية الصحفيين المستقلين العاملين بنظام القطعة، إذ أن مجلس النقابة يفسر الشرط القانوني بأن يكون عضو النقابة «متفرغا لممارسة العمل الصحفي ممارسة فعلية» بأن يكون عاملا في مؤسسة، وأن يكون له اشتراك متواصل في الضمان الاجتماعي عن طريق مؤسسته وليس اشتراكا فرديا يدفعه بنفسه.

نقابة واحدة وعضوية إلزامية

وكما يُحظر على الصحفيين غير الأعضاء في النقابة ممارسة مهنة الصحافة يحرمون أيضا من حقهم بإنشاء نقابة تمثلهم وتدافع عنهم وتنظم عملهم. عندما لجأ صحفيون إلى إنشاء جمعية للصحافة الالكترونية، حاولت النقابة في 2011 الطعن بقرار وزارة التنمية الاجتماعية بالموافقة على تأسيس الجمعية، باعتبار أن الصحافة محصورة قانونيا بنقابة الصحفيين. لكن الدعوى القضائية ورقمها 350/2011، ردتها محكمة العدل العليا «شكلا لانتفاء شرط المصلحة».

المجالس المتعاقبة لنقابة الصحفيين، بموافقة هيئتها العامة محدودة العدد، وضعت القيود والشروط القانونية على عضوية النقابة. تعديلات قانونية تبناها و«صادق عليها مجلس الوزراء ومجلسي النواب والأعيان كما وردت من النقابة مع تعديلات طفيفية تتعلق بالصياغة»، وفقا للنقيب المومني.

وأبقت الحكومة على تعريف الصحفي في قانون المطبوعات والنشر بأنه «عضو نقابة الصحفيين»، وحظر على غير أعضاء النقابة ممارسة مهنة الصحافة. كما أبقت على قانون النقابة الذي يفرض عضوية إلزامية ويحصر ممارسة الصحافة بأعضائها.

ولم تلتزم الحكومة بمتطلبات التعديل الدستوري في المادة (16) التي تضمن «للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية»، وتنص على أن «ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية ومراقبة مواردها». فلم تضع الحكومة قانونا ينظم إنشاء النقابات، ليتمكن الصحفيون وغيرهم من أصحاب المهن الراغبين بإنشاء نقابات مستقلة، من التمتع بحقهم الدستوري.

وخرقت بذلك أيضا المادة (22) من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على: «لكل فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه».

النقابة والحكومة: إلتقاء مصالح

سيطرة الحكومة على النقابة تتجلى في تركيبة الهيئة العامة ومجلسها المحسوم دائما لصالح المؤسسات الإعلامية الحكومية. يتكون مجلس النقابة الحالي من ثلاثة صحفيين من صحيفة الرأي، اثنين من صحيفة الدستور، اثنين من وكالة الأنباء الأردنية «بترا»، واحد من التلفزيون الأردني، واحد من صحيفة الغد، والنقيب من الرأي. في حين اقتصر المجلس السابق على صحيفتي الرأي والدستور وكالة بترا.

هذه النتائج حسمها في انتخابات 2014 نحو 700 صحفي شاركوا في الاقتراع، من أصل 832 عضوا ممن كان يحق لهم الانتخاب في حينها بعد تسديدهم لرسوم النقابة. وفي حينها كان صحفيو المؤسسات الحكومية يشكلون أكثر من 75% من الهيئة العامة للنقابة.

كوتات لمؤسسات ومقاعد لأفراد

تسيطر ست مؤسسات إعلامية كبرى، وغالبيتها حكومية أو شبه حكومية، على أكثر من 75% من تركيبة النقابة، حيث يشكل العاملون في صحيفة الرأي (19%) من أعضاء الهيئة العامة وصحيفة الدستور (15%) ووكالة الأنباء (19%) ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون (6%)، بالإضافة إلى مؤسسات كبرى أخرى مثل صحيفة الغد (9%) وصحيفة العرب اليوم (8%).

[ ينشر ضمن اتفاقية تعاون مع مجلة "حبر"]

الأقلام: ذاكرة أخرى لثقافة في العراق

ترى كم تاريخٍاً للثقافة في العراق "وهل العراق بدع من البلدان ليكون له تواريخ ثقافية عديدة!؟" شخصياً لا أدري؛ مادام أن للثقافة تاريخياً شخصياً: تاريخ أفراد بعينهم، كثيرون يعضون على نواجذهم قائلين، لأنفسهم ربما، أن الثقافة شان ذاتي، بول ريكور، مثلاً، يشدد في مدونته الكبرى، أن الذاكرة شان السرد، إنما تتعلق بذات تتكلم وتتذكر وتحكي، لكنه لم يقل مطلقاً: اننا أمام طوفان من التواريخ، لكني أرى، للأسف، ان الثقافة ربما تكون سجلاً ضخماً يشكل، بمجموعه، طوفاناً من التواريخ الشخصية للمثقفين في العراق. أتصور أننا، هنا، إزاء سيل عارم من الأمزجة والمصائر الشخصية التي تدعي، بحق أو سواه، أنها بصدد إنتاج الثقافة في بلادنا.

السنوات السالفة، بدء من 9، 4 تكشف عن ترسخ هكذا توجه؛ فاغلب ما صدر من شهادات بمقالات، أو بكتب، أرخت، بل تابعت، بإصرار ودأب دور كاتبها في مجمل التاريخ الثقافي للبلاد، وقد نقول إنها قد وضعت تاريخها الشخصي في مكانة أعلى بكثير من التاريخ الثقافي العام. مثل هكذا أمر نجده، للأمانة، بصيغته المبكرة في المساجلة التاريخية بين اثنين من أبرز شعراء الستينيات، "فاضل العزاوي" و"سامي مهدي" عبر كتابيهما "الموجة الصاخبة" و"الروح الحية". تلك المساجلة لا تخفي، مطلقاً، التاريخ الشخصي لأصحابها، وإن تقنعت بصراع سياسي – ثقافي.

ولنا أن نتذكر الجملة، أو العبارة اللافتة التي ختم بها "سامي مهدي" مقدمة كتابه تعقيباً على كلام محرر كتاب "انفرادات الشعر العراقي الجديد" الشاعر "عبد القادر الجنابي"، بقوله "وبعد فإن للمرء أن يتساءل: إذا كان هؤلاء السادة على هذه الدرجة من الاستعداد للحقد والكذب وتشويه الحقائق وهم بلا سلطة ونفوذ، فكيف كان الأمر سيكون لو كانت لهم سلطة ونفوذ؟". وفي المحصلة إنما ذهبت الأحزاب وشعاراتها إلى حتفها، ولم يبق سوى الألم، الأحرى، ربما، أن نقول التألم الفردي لحياة بددت عبثاً وهراءً. ولا باس ففي النهاية كان على شاعر من طراز "سامي مهدي" أن يقرر ما عليه، أن يجلس وحيداً إلى نفسه، ولاحقا، ربما، يكتب شعره ومقالاته، بل وكتبه، مثلما كان على غيره أن يحزم حقائبه "هل كان لكثيرين منهم حقائب، أشك؟!" ويغادر البلاد، لنتذكر "سعدي يوسف" مثلاً، الذي سمعت أن "سامي" قد علق يوماً عليه "الآن تعادلنا!" كما لو أننا في إحدى الصياغات الكبرى لهوليود التي جمعت في فيلم رئيس بين "أنطوني كوين" و"أولفر ريد"، وكان لهما، على طريقة الكاوبوي الأمريكي، أن يتصارعا، بعد حين قال أحدهما للآخر: لنقل إننا تعادلنا. هكذا، إذن.. تنتهي الأمور عندنا ب"الكاوبوي"، وليس بغيره! مثلما أن أحدكم، أو كلكم، يسال نفسه الآن ما علاقة "الأقلام" المجلة العراقية، بل العربية الرئيسة المعنية بالأدب العربي الحديث مثلما تذكر افتتاحية مجلة "فصول" القاهرية، وهي الأبرز عربياً، على الأقل في الثمانينيات، عندما كتبت في عددها الأول، بحثاً عن هوية مفترضة للمجلة الجديدة بصيغة سؤال رئيس: كيف تكون مجلة "فصول": أهي صورة عن الأقلام العراقية مثلاً؟ نعم، ما علاقة مجلة الأقلام بالتاريخ الشخصي، والذاتي، بل المغرق بالشخصانية للمثقف العراقي؟

أتصور أنه ما من مجلة عراقية رئيسة عبرت بإخلاص نادر عن ارتباطها بالمؤسسة الرسمية، بل عن التوجهات السياسية للأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم البلاد، وبالأخص نظام البعث كما فعلت مجلة الأقلام؟ نحن هنا إزاء تاريخ شنيع من التباعد، بل الإنكار لأي طابع فردي، ذاتي يمكن أن نلمسه في نص بعينه، حتى النصوص الشعرية التي من المفروض أن تستجلي ذواتاً تتعامل مع واقع عراقي ملتهب، كانت تُختار بعناية فائقة لتعبر عن التوجهات السياسية لنظام الحكم، لا نتحدث، بالضرورة عن البعث وتوجهاته، إنما الحديث يخصه بحكم طول فترة حكمه. لنعد لأول الحكاية، السنوات الأولى لإطلاق مجلة الأقلام، صدر عددها الأول في شهر أيلول سنة 1964. أمامي الآن مجموعة من أعدادها الأولى، عشرة أعداد ويزيد، كتب على غلافها الداخلي عبارة موجهة تقول: مجلة فكرية عامة تصدرها وزارة الثقافة والإرشاد، هي، إذن.. لم تكن مجلة أدبية، أو معنية بشؤون الدراسات الأدبية مثلما كان الأمر في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وقد عادت الآن إلى لحظتها الأولى: مجلة فكرية عامة، وهي، كذلك، مجلة تصدرها وزارة الثقافة، فهي مجلة حكومية ولم نسمع يوماً أن الحكومة ممثلة بوزارة الثقافة قد تخلت عنها، أو تركتها لأهواء الناشرين "نكتة سمجة ان نتحدث عن الناشرين غير الحكوميين في العراق!".

من يتصفح البحوث المنشورة في تلك الأعداد يصاب بصدمة، ولا أظنه سيخرج بحصيلة من ذلك التصفح سوى بسؤال مشبع بتعجب مرير: أحقاً نشرت الأقلام تلك البحوث؟ ولا ادري لماذا فكرت أن مكانها، اقصد تلك البحوث، هو مجلة مختصة بمعهد المخطوطات أو ما شاكله! بحوث ليس فيها سوى الطابع السائب لنظام سياسي لا يعرف ماذا يريد، خلطة غريبة من أفكار قومية إسلامية، وهو شان تلك البحوث والقصائد المنشورة، آنذاك، على قلتها. بالطبع ليس هناك أي ذكر للأدب العربي الحديث، العراقي منه بوجه خاص كما لو أن هذا الأدب، شعراً بصورة مخصوصة، قد ألغي من ثقافة البلاد، وللمفارقة ان سنة صدور المجلة صادفت وفاة أبرز شعراء القصيدة الحديثة في العراق، وهو السياب! لماذا حدث هذا الأمر؟ لا أدري! المؤكد لدي أن النظام كان يبحث عن مجلة تعبر عنه، وكانت الأقلام، لسوء حظها، هي تلك المجلة. بعد حين سيجد مثقفو البعث صيغة أخرى لتخليص الأقلام من هراء السياسة وكتابها الإيديولوجيين، فاخترعوا مجلة جديدة، كان لها أن تأخذ صيغة النظام السياسي بأكمله، هي مجلة "آفاق عربية"، ولا ادري من من كبار مثقفي البعث وراء اقتراح "آفاق عربية"؛ فهي لم تكن محض مجلة، انما مؤسسة ثقافية كاملة، تولت مهمة التعبير عن أيديولوجيا النظام وتوجهاته السياسية، وليس غريباً، من ثم، أن البغداديين لا يعرف اسماً آخر لدار الشؤون الثقافية غير "آفاق عربية"!

هكذا، تخلصت الأقلام مما ظل عالقاً بها، وتفرغت للأدب العربي الحديث، وحتماً كان لصدور مجلة عراقية بارزة أخرى، هي المورد "صدر عددها الأول عام 1972"، أثر فاعل في ترحيل البحث التراثي وما يتعلق بالأدب العربي القديم إلى المجلة الجديدة. أصبح لدينا الآن مجلة مختصة بالأدب العربي الحديث، ولقد عزز هذا التوجه بإسناد المجلة إلى أحد أقطاب الرواية والقصة، انه الكاتب الروائي "عبد الرحمن مجيد الربيعي" الذي نهض بها كثيراً، وأعاد صياغة هويتها كمجلة معنية، بل ومختصة بشؤون الأدب الحديث. لكنه، أي "الربيعي" فشل في إبعادها عن التوجهات الثقافية للنظام السياسي الحاكم. ولا أدري إن كان "الربيعي" قد فكر، بالفعل، بهذا الأمر، لنتذكر أن "الربيعي" نفسه هو مخترع ما عرف، لاحقاً، ب"الرواية القومية"!؟ لأجله، ربما، نجد الأقلام قد سارت على نهج لم تخرج عنها، يمكن تسميه سريعاً بالنهج الثقافي الأدبي لنظام الحكم، فقد كانت المجلة مغلقة على كتاب بعينهم، عرب وعراقيين، وقد أتحدث عن إحصائية سريعة لأسماء بعينها كانت المجلة ملتزمة بالنشر لهم، في المقابل جرى حرمان اغلب الكتاب الشاب، ومن هم سابقون عليهم ممن لا يتفقون مع النظام، أو ممن لدى النظام ملاحظات على ما ينشرون خارج المجلة.

وربما يقال إن المجلة كانت مختصة بالنشر للكاتب المكرسين والمشهورين، ثم أن وزارة الثقافة قد أصدرت مجلة مختصة بنشر أدب الشباب، هي الطليعة الأدبية. وهي وقائع مشبعة بالمغالطات؛ فان أديباً مكرسا كـ"جمعة اللامي"، مثلاً، ظل بعيداً عن النشر في "الأقلام" ومثله العشرات. ترانا، فيما نكتب الآن، نبتعد عن فرضية التاريخ الذاتي للمثقف في سياق قراءة تاريخ "الأقلام"، أبداً، نحن في سياق يرى أن "المجلة" كانت تعبر عن السياق الثقافي لنظام الحكم، بل إنها أخذت على عاتقها مهمة تقديم هذا النظام عربياً، ومن يقرا أعدادها في سبعينيات القرن الماضي يجد احتفاءً لافتاً بالأسماء الأدبية المتمردة عربياً، بل والممنوعة هناك، وليس غريباً، بعدها، أن تسمح إدارتها بنشر نصوص طليعية مشبعة بالتمرد، في المقابل كان هناك شحة واضحة في النصوص العراقية الرائدة والمؤسسة مما سمح له بالظهور في أعداها. لكن المجلة كان لها شأن آخر في الثمانينيات عندما أسندت رئاسة تحريرها إلى شاعر شاب وأكاديمي حصل على شهادته من "لندن" يعرف لغة أجنبية خلاف سلفه "الربيعي"، هو "علي جعفر العلاق". وبإمكان المتابع أن يلاحظ أن المجلة، في عهده، أخذت بالتخصص المعرفي بشؤون النقد بان اتخذت سياسية فتح المحاور الأدبية – النقدية المختصة طبعاً بالأدب والنقد العربي.

ومع ذلك، فقد ورطت المجلة بملفات أدبية سياسية عن أدب المعركة وما اقترب منه: أدبياً وثقافياً. غير أن الورطة الأهم كانت في تكريس وجهة نظر أدبية بالغة التعسف عن الأدب المطلوب، أو بكلمة أدق عن "الأدبية" المعترفة بها لتنشر نصوصها في المجلة الأدبية الرئيسة في العراق، وهي "الأقلام". أتحدث عن نصوص شعرية وقصصية نشرت في الثمانينيات لكتاب عرب وعراقيين، سمتها العامة انغلاقها على نفسها، ثمة معنى عائم، بعيد، وقد نقول ملتبس، نصوص لا تقول شيئاً، تماماً مثل حربنا "المجيدة" التي طالت سنة بعد أخرى لتفقد العراقي كامل رغبته بالحياة، هل كانت تلك النصوص تعبير عن حرب بدأت بالصدفة وانتهت بالصدفة كذلك؟ ربما. أتصور أن تلك النصوص كانت، بجوهرها، نصوص حرب، وإن لم يجر التعامل معها بهذه الصفة. وأياً كان الأمر، فان المجلة حافظت على نسقها الرئيس، إنها مجلة النصوص المعتبرة والمعبرة عن توجهات المرحلة، مرحلة الصمت وموت المعنى، بل موت الذات المعبرة، وهل كان هناك من مطلب آخر غير أن يصمت الجميع! هذا الصمت اتخذ شكلاً جديداً في التسعينيات مع الإدارة الجديدة لأحد إيديولوجي النظام، إنه "ماجد السامرائي"، لكنه صمت فرضه، هذه المرة، الحصار الاقتصادي الذي أجبر الجميع على إتباع خطواته؛ فقد تقلص كل شي: حجم المجلة، فأصبحت شاحبة مقتضبة، واكتفت بنشر النصوص القصيرة المعبرة عن فكرة الاقتصاد ألقولي والحرفي بانفتاح يسجل على صعيد نوعية النصوص، فقد أصبحنا إزاء نصوص، على قصرها، تحاول أن تقول أمراً، ثمة تراجع نسبي لخوف الكاتب فرضه هول تدمير المكان العراقي بعيد كارثة حرب الكويت، نعم إننا نجد رثاءً لمكان دمر ويدمر يومياً. وهي ظاهرة أدبية اشترك الجميع في صياغتها، داخلاً وخارجاً، كان هناك بكاء صامت على البلاد، ولست متأكداً إن كان النظام قد دفع الأدب بهذا الاتجاه، لكني أجزم أنه اتجاه عام اشترك فيه الجميع: مؤيدون ومعارضون، مقيمون ومنفيون.

كلهم كتبوا عن بلاد ذبحها البرابرة الوطنيون والمحتلون الأجانب. غير أن الملاحظ أن "الأقلام" قد أخذت شكلاً جديداً مع تحسن ظروف البلاد الاقتصادية بعيد عام 1995 من دون أن تستعيد انتظام إصدارها الشهري، ومعها استعادة النصوص الموسعة مكانها ومثلها، بالضبط، سياسة المحاور الأدبي – النقدية. واللافت، حقاً، إن التسعينيات قد شهدت ضعف سطوة توجهات النظام السياسية عليها، فمن النادر أن نجد، في أعداد التسعينيات، ملفاً سياسياً بصيغة أدبية – ثقافية. والأكثر إثارة ان منتصف التسعينيات شهدت نشر نصوص تحاول أن تقول أمراً مختلفاً. والأهم أن المجلة قررت أخيراً أن تفتح بابها للأدباء الشباب القادمين، بالجملة، من المحافظات البعيدة، جنوباً أو شمالاً. وقد أزعم أن هذا التوجه فرضه هجرة أغلب أدباء السبعينيات والثمانينيات، شعراءً وكتاب قصة ورواية، وتركهم النشر فيها، طمعاً؛ ربما، بنشر نصوصهم في المنابر العربية. هذا الأمر أعطى المجلة زخماً مختلفاً أوقفه، للأسف، التغيير المفاجئ لإدارتها، لتستعيد، بعدها، نسقها كمجلة حكومية تعبر عن توجهات وزارة الثقافة والإعلام.

وهو ما بدا واضحاً في آخر عهدها قبيل إسقاط نظام البعث، أتحدث هنا عن الردود العنيفة ضد حوار أجراه الكاتب "ناطق خلوصي" مع الراحل الدكتور"عبد الاله احمد" عما أسماه الراحل في حواره بالـ"واقعية بلا ضفاف". ولا أعرف ما الذي استفز مهاجمي "الراحل" فيما قال؛ فلم يذكر الرجل أمراً جديداً خارج ما عرف عنه في الوسط الثقافي، إنما هي، بحسب ما أرى، عبارة "بلا ضفاف" التي رآها من كتب ضد الحوار خروجاً عن نسق النظام، بل اتهاماً للبلاد إنها قد أصبحت "بلا ضفاف"، وهو أمر ينكره إيديولوجيو النظام، ولاشك. كانت تلك الواقعة آخر صياغة سياسية للأقلام دخلت المجلة، بعدها، مرحلة التخبط بحثاً عن سياسة تتبعها في النشر، فقد ذهب مديروها بسقوط نظامهم السياسي، وكان عليها أن تواجه نفسها من جديد، فلمن تنشر، وما هي سمة النصوص، بل ما هي سمة النص "المعتبر" الذي تعتمده في النشر، والأهم من هو الذي يحدد هذه الأمور؟ ففي عهود البعث كان هناك من يفترض ويقترح ويفرض، في حين ترك هذا الأمر، بعد ذلك، للعشوائية، وقطعاً لثقافة وسياسة مدير التحرير. من يقرا أعداد المجلة حتى عام 2008 يلاحظ موتاً سريراً للمجلة، بل اننا أصبحنا نقرأ نصوصاً منشورة في الأقلام "الأقلام وليس غيرها!" لم تكن تجرأ جريدة شعبية غارقة بفضائحيتها كجريدة "الراصد" الثمانينية على نشرها؛ لضعفها وتفككها، ومثلها ما نشر من دراسات مال أغلبها للضعف وقلة الاعتبار.

ففي السنوات الخمس خسرت "الأقلام" ما حافظت عليه لأكثر من أربعين عاماً، ذلك بانها لم تعد معياراً للنصوص المعتبرة عندما كان النشر بالأقلام يعني ببساطة إنك قد أصبحت كاتباً. وهي خسارة كبرى لم يدرك المسؤولون عليها حجم ضررها حتى أسندت مهمة إدارتها بالعزيز الدكتور"عبد الستار جبر الاسدي" الذي سعى جاهداً لإعادة الوجه الجميل للأقلام، وان اختلفنا مع ذلك الوجه سياسياً وفكرياً. وأول خطوات مديرها الجديد كانت بان سعى لاختيار من يكتب وينشر في المجلة، وهي اختيارات بنيت، بمجملها، على الكفاءة والتخصص المعرفي، ثم الاختيار الجيد لمحاور المجلة، بل إن عهد "الاسدي" شهد انفتاحاً عربياً على المجلة على الرغم من ظروفها السيئة من حيث التمويل والتوزيع شانها في هذا الأمر شان كل ما يصدر عن دار الشؤون الثقافية. وأخذنا نقرأ دراسات مثيرة لباحثين أجانب مكرسين، اذكر منهم إريك دافيس الذي نشرت له المجلة بحوث عدة، وهي بحوث أرسلت بصورة شخصية من الباحث نفسه، ولم تؤخذ من الشبكة العالمية للمعلومات، أو من إحدى كتبه غير المترجمة. وكان من الممكن أن تذهب الأقلام بعيداً فيما لو توفرت إدارة جيدة لدار الشؤون نفسها المسؤولة عن إصدار الأقلام وغيرها من المجلات العراقية المعروفة. وفي المحصلة، فان هناك إشادة ملحوظة من وسط ثقافي تطحنه المزاجية المفرطة والشللية بجهود صديقنا العزيز الدكتور "الاسدي"، وبإمكاني القول إنه قد أعاد الأقلام إلى سابق عهدها. وقد أقول إن تاريخ البلاد الثقافي القريب سيقول عن سنوات إدارته إنه قد فعل للأقلام ما لم يفعله كثيرون في ظروف بالغة السوء. فتحية له؛ لصمته، أولاً، أمام النص الجيد دون اعتبار لاسم كاتبه.

وشكراً؛ ثانياً وليس أخيراً لروحه وثقافته التي سمحت له أن يسمع ويرى ذاتاً تكتب وتحكي وتتذكر، أن يفهم نوازع تلك الذات المتمردة على مؤسسات فاشلة؛ فان تعمل في مؤسسة تدرك حجم فشلها وتنتج شيئاً فانها معجزة تستحق أن تكتب بماء الذهب العزيز على جدران مدينتا المرعوبة صباحاً ومساءً. وشكراً؛ لأنه فهم مبكراً أن الثقافة شان المشتغلين بها، وهي أمر ذاتي لا دخل للمؤسسات به؛ فبعد قرن كامل من تاريخ بلادنا يدرك الجميع الآن أن لا مؤسسة تستطيع، مهما علا شانها، أن تصنع مثقفاً، إنها تستطيع ان تصنع داعية يتقلب به الزمان، لكنها لن تستطيع مطلقاً ان تصنع مثقفاً، صناعة المثقف كذبة الجميع: شيوعيين وبعثيين وإسلاميين الآن: لا أحد يصنع الثقافة سوى من يحتاج إليها، وهي الذات المتمردة، الخائفة حتما من مصير مجهول يتربص بها.   

*نص محاضرة الكاتب في ندوة قسم اللغة العربية بكلية التربية للبنات – جامعة بغداد يوم الاربعاء، 21،1،2015