يبدو أن المستشارة الألماينة أنجيلا ميركل تبحث عن أسواق جديدة وإضافية للأسلحة بعدما خفضت ألمانيا عديد جيشها فلم يعد يحتاج إلى الكثير من الأسلحة كما كان الوضع عليه حتى الآن. فقد طلت علينا صفحات الجرائد الألمانية بأخبار عن صفقات أسلحة سرية مع السعودية. وطلت علينا المستشارة الألمانية من شاشات التلفزة لتعلن، بعدما وطأت قدمها الناعمة أرض إفريقيا وتحديداً بعد لقائها مع الرئيس الأنغولي دوس سانتوس، أن بلادها ترغب بمساعدة أنغولا على التسلح وستبيع ما بين ست إلى ثمان سفن دورية عسكرية إلى أنغولا لحماية سواحلها.
تحاول أنجيلا ميركل أن تدعم مصالح بلدها الإقتصادية حيث تطوف كل من أنغولا وكينيا ونيجيريا، هذه الدول الغنية بالموارد الطبيعية ومن بينها الماس والنفط. ولا ضرر من أن تحاول أن تدعم اقتصاد بلدها لكن البلية تكمن في أن هذه مستشارة ثالث بلد مصدر للسلاح في العالم ويبدو أنها تريد الحفاظ على هذا اللقب في رحلتها هذه.
أنغولا، هذا البلد الواقع في شمال شرق إفريقيا والذي تشيد به المستشارة الألمانية وبسياسته بالحفاظ على التوازن في المنطقة، هي نفسها أنغولا التي تصنفها وزارة الخارجية الألمانية كبلد ”سيء“ فيما يخص حقوق الإنسان. ناهيك عن الُرشاوى وغيرها من الإنتهاكات. هذا البلد الذي يعد من أغنى الدول الإفريقية فيما يخص الموارد الطبيعية، نفط وماس، منهك من الحرب الأهلية التي عصفت به ما بين الأعوام 1975 - 2002. الغنى في الموارد الطبيعية يقابله ”غنى“ بالفقر، حيث أن متوسط العمر المتوقع ومعدل الوفيات بين الأطفال يعدان من أسوأ الأرقام في العالم. وبدأ هذا البلد وبتأثر من الثورات العربية يشهد تحركات ودعوات بين ابنائه على صفحات الإنترنيت للتحرك من أجل حرية التعبير والمساواة وإعادة توزيع ثروات البلاد وما إلى ذلك. إعلان المستشارة الألمانية عزمها بيع سفن لأنغولا أثار زوبعة من الإعتراضات في الصحف والبرلمان الألماني.
هل تضع المستشارة الألمانية سدادات في أذنيها؟
يبدو البرلمان الألماني مكتوف الأيدي في ظل الائتلاف الحكومي المسيطر عليه ومعارضة لا تستطيع أن تحرك الرأي العام الألماني للخروج ضد ما تقوم حكومته به وما تظهره استطلاعات الرأي الأخيرة من عدم الرضى. والمقصود هنا صفقة الدبابات السرية مع السعودية. هذه الصفقة التي أثارت موجة شديدة من السخط في ألمانيا ولكن المستشارة تصر على عدم منقاشة الموضوع وكأنها تضع في أذنيها سدادات أذن فلا تسمع ما يسجل من اعتراضات في بلادها وما يحدث من إنتهاكات لحقوق الإنسان واضطهاد في السعودية وخارجها عبر استخدام جيشها لقمع الثورة البحرينية. مئتا دبابة قتالية من طراز ليوبارد A7 +، ذات الكفاءات المتقدمة في حرب الشوارع، متوقع أن تكون في أيدي سعودية خلال الأشهر القليلة القادمة والمستشارة الألمانية ترفض الإفصاح عن تفاصيل الصفقة السرية، التي فضحت وجودها مجلة ” دير شبيغيل“ الألمانية بداية الشهر الجاري. ويقدر حجم الصفقة هذه بعدة مليارات. وكانت السعودية قد أقرت في ميزانيتها في شهر آذار الماضي تخصيص أموال تصل إلى 93 مليار دولار تشمل تعزيز الدعم للشرطة وقوات الأمن. ومنذ ثلاثين سنة والسعودية تريد شراء دبابات ألمانية من طراز ليوبارد لكن ألمانيا كانت ترفض بحجة تناقض هذا البيع مع القواعد المعتمدة فيها لبيع السلاح والتي من المفترض أن تتبعها ألمانيا وتقضي بعدم تصدير الأسلحة لمناطق نزاع وبلدان غير مستقرة. لكن الآن تبدو السعودية مستقرة للسيدة ميركل لتعطي الضوء الأخضر، بموافقة من مجلس الأمن الفدرالي، على هذه الصفقة بعد الموافقة الإسرائيلية، بحسب بعض الصحف الألمانية.
وهل ينقص السعودية السلاح كي تحتاج لدبابات جديدة؟
ذخيرة وطائرات هيليكوبتر وأنظمة رادار بقيمة 60 مليار دولار هي جزء مما تضمنته صفقة الأسلحة التي اشترتها السعودية من الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2010. ألمانيا مستفيدة من صفقة الأسلحة هذه، لأن قطاع التسليح الألماني يحصل سنويا على عشرة بالمئة من الإنفاق العالمي للأسلحة. كما ارتفعت مبيعات ألمانيا من الأسلحة في السنوات العشر الأخيرة بثلاثة أضعاف. هذا وتحتل ألمانيا المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا بين الدول المصدرة للأسلحة في العالم. لا تنقص السعودية دبابات حديثة ومتطورة في ترسانتها لم يسترح الغبار فوقها بعد. لكن لماذا تحتاج السعودية هذا النوع من الدبابات بالذات؟
تتسم الدبابة الألمانية ليوبارد من طراز A7+ بكونها مرنة في العمليات القتالية وسريعة التحرك وذات قدرة عالية على المناورة وذلك على الرغم من أن وزنها يصل إلى 62 طناً. ويرى الخبراء العسكريون أن هذه الدبابة بمثابة حصن متحرك تصل سرعته إلى 72 كم في الساعة مزودة بمدفعية وقاذفة للرمانات. قدرتها على المناورة داخل المدن وخاصة ضد ”عنف“ المتظاهرين وخصم بدائي التسلح، كما يفيد الوصف العسكري لفيلم الدعاية الذي أصدره الجيش الألماني ونشرت محطات تلفزة وصحف ألمانية أجزاء منه. هذه الدبابات مزودة بشفرة جرافة لإزالة الحواجز والمتاريس التي يقيمها المتظاهرون وتحتوي على واحدة من أفضل الإلكترونيات لضمان رؤية سهلة في كل الظروف. فلا عجب أن تكون هذه الدبابات على رأس قائمة مشتريات السلاح لدول الخليج. ويبدو من البديهي هنا التذكير أن السعودية ساعدت في قمع التظاهرات في البحرين وتتدخل في اليمن وما خفي كان أعظم.
كنا نتساءل دائما لماذا لا يخرج الملايين في الدول العربية للإحتجاج على إضطهادها وقهرها وتغيير أوضاعها. واليوم نتساءل لماذا لا تخرج الملايين في الدول الأوربية والغربية لتقول لا لبيع السلاح ولا لدعم الأنظمة الدكتاتورية ولاءات كثيرة أخرى. فأين هي ملايين الدول الديمقراطية الداعمة للحرية؟ فالديمقراطية لا تنتهي بورقة تسقط، فتسقط معها القيم الإنسانية، في صندوق الإقتراع!