مقابلة مع النجمة الشابة الصاعدة دينا الوديدي وشريكتها الموسيقية نانسي منير حول المشهد الموسيقي الحالي في مصر، المشاريع الأخيرة والمشكلات التي واجهتهما كموسيقيتين شابتين وكأنثيين. تتضمن المقابلة التالية أربعة أجزاء، بحيث يمكنكم أن تنقروا.عليهما بشكل منفصل. بوسعكم أن تقرأوا أيضاً النص العربي المدوّن المرافق.
نانسي منير
إن عازفة الكمان الشابة التي ولدت وترعرعت في الإسكندرية صنعت شهرة لنفسها في المشهد الموسيقي المصري كعازفة آلات متعددة، ومنتجة موسيقية ومعدة. وهي عازفة الكمان الرئيسية في فرقة أول فيميل ميتال غروب ماسف سكار إرا. إن نانسي هي أيضاً عضو رئيسي وشريك موسيقي للمغنية ومؤلفة الأغاني دينا الوديدي. تعيش نانسي حالياً في القاهرة وتعمل على عدد من المشاريع التي تستقصي موسيقى الكبريهات في مصر في الأعوام الأولى من القرن العشرين.
دينا الوديدي
إن دينا الوديدي، التي نوّه كلّ من سمعها بأصالة صوتها وأسلوبها، تركت بصمتها على المشهد الموسيقي في مصر في السنوات الست الماضية ابتدأت الوديدي، التي تبلغ السادسة والعشرين من عمرها، تأليف الأغاني حين كانت صغيرة وأثناء دراستها الجامعية في القاهرة حيث درست اللغات. إن أغانيها تعكس الاهتمامات السياسية المصرية. ومن ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٠، عملت الوديدي كمغنية وممثلة في فرقة الورشة المسرحية، مستقصية الفولكلور المصري وأدت في أمكنة غير مستحبة مثل سجن في القاهرة. وأثناء هذه الفترة (٢٠٠٩ إلى ٢٠١٠)، أدت أيضاً أغاني كلاسيكية مصرية وعربية مع فرقة حبايبنا. قبل أن تؤسس
فرقتها الخاصة في ٢٠١١. في ٢٠١٢ اختيرت الوديدي كي تكون تحت رعاية المغني، مؤلف الأغاني وعازف الغيتار الأسطوري جيلبرتو جيل من خلال منحها قدمتها شركة روليكس للساعات ومبادرة بروتيجي للفنون. أثناء الوقت الذي أمضياه معاً أدت الوديدي مع مرشدها الفني في مهرجان باك تو باك في لندن في ٢٠١٢ ومهرجان القاهرة للجاز في ٢٠١٣. وقدم لها جيل المشورة حول ألبومها الأول، والذي كان فيه مؤدياً ضيفاً.
حوار مع دينا الوديدي ونانسي منير
صاغه باللغة العربية الفصحى أسامة إسبر
هدى عصفور: سأتبادل الحديث في هذه الحلقة مع دينا الوديدي ونانسي منير، وهما ثنائي من مصر طرحتا تجربة جديدة في تقديم الموروث
.الشعبي المصري وعلاقته بالمعاصرة كفتاتين تعيشان في القاهرة بعد الثورة
دينا الوديدي من مواليد القاهرة عام ١٩٨٧، وهي مغنية وملحنة وعازفة غيتار ودف وحكواتية، تخرجت من جامعة القاهرة، قسم لغات شرقية، وسأطلب منها هي أن تتحدث عن تجربتها.
دينا الوديدي: بدأت بالغناء منذ ٢٠٠٨ ولكنني بدأت بشكل مهني من عام ٢٠١١، فتقريباً هذه هي السنة الرابعة.
هدى عصفور: وأنت في السنوات الأربع هذه حققت شيئاً كبيراً في مصر. هل يمكن أن تحدثينا عن تجربتك؟
دينا الوديدي: بدأت بالغناء وأنا أدرس، فقد تخرجت من جامعة القاهرة، قسم اللغات الشرقية، تخصص فارسي وتركي وعبري. وكنت أثناء دراستي مهتمة بالمسرح، وفي الوقت نفسه عملت في المسرح كممثلة، دخلت فرقة الورشة، وهي فرقة مسرحية مستقلة، تشتغل على الفنان وتعلمه كيف يغني، وكيف يحكي، وكيف يمثل، وكيف يرقص، وكيف يستخدم المسرح بشكل عام، عملت معهم منذ ٢٠٠٨ إلى ٢٠١١، ثلاث سنوات، وهذه أول خلفية موسيقية مهنية لي. وفي الورشة التقيت أشخاصاً كانوا مهمين في حياتي منهم الشيخ زين مداح من المنيا.
هدى عصفور: مداح يعني أنه يعمل كمديح؟
دينا الوديدي: نعم، أي أنه شيخ. وقابلت ماجد سليمان… ماجد سليمان هو عوّاد، وهو الذي درّب لي صوتي في البداية، وكانت لديه فرقة اسمها “حبايبنا”، وكانت هذه الفرقة تشتغل على الموسيقى الكلاسيكية المصرية، وأغاني العشرينات وأغاني الثلاثينات والمونولوجات.
كان في الورشة مدرسون وكل مدرس لديه فرقة، وقد دربني الشيخ زين، وكانت لديه فرقة ثانية تدعى “الشيخ زين ورفاقه” . كانت هذه تجاربي الأولى داخل الورشة والتي كنت أمثل وأغني فيها في الوقت نفسه. إن تجربة الورشة كانت نقطة تحول بالنسبة لي لأنها فرقة تهتم جداً بالفولكلور المصري وبالتراث المصري بشكل عام، هي كانت نقطة تحول بالنسبة لي لأنه لم تكن لدي أية خلفية، فكانت أول خلفية لي هي موسيقى الفولكلور والموسيقى الشرقية الكلاسيكية والتي هي سيد درويش وشكوكو والشيخ إمام وهذا النوع من الموسيقى.
هدى عصفور: نانسي منير. حدثينا عنها
دينا الوديدي: نانسي منير من أهم المحطات والأشخاص في حياتي لأن نانسي هي البنت التي شجعتني على القيام بمشروعي، والتي بدونها لما كان هناك شكل لهذا المشروع، وهي البنت التي تبحث دوماً عن شخصية في الصوت. وهي التي علمتني كيف يمكن أن يكون لدى الشخص هوية خاصة به في صوته وفي فنه. إن مشروع الألبوم الأول، والمرحلة الخاصة به أشعر أنه شيء خرج مني ومن نانسي. فهذا ليس لي فحسب، وليس فقط أنا ونانسي، كان هناك أشخاص معينون في المشروع من ضمنهم كانت نانسي منير شيئاً أساسياً. وبالرغم من أنها صديقة مهمة في حياتي، وحبيبتي، فهي موسيقية مهمة، شريكة في الموسيقا. لا أعرف أن أقول لك شيئاً آخر.
هدى عصفور: كيف بدأت الموسيقى بين سن ٩ و١٣.
نانسي منير: حين كنت صغيرة كان أبي وأمي في الكواير الخاص بالكنيسة، كان أبي يقول التينور وأمي تقول ألتو، واللاين الخاص بالسبرانو يبقى في الغالب معروفاً. فكنت متعودة مثلاً على الجلوس في المطبخ والإصغاء لشريط فيه لاينز غريبة تشبه التي أرسلتها لك منذ قليل، أعني الأجزاء الخاصة بها. لعب أبي دوراً أيضاً. كان لديه أكورديون وكان يوجد كيبورد في البيت، والكثير من الآلات الموسيقية. كان أبي يسمعنا مقطوعات جميلة جداً ونحن صغار، إلى أن أصبحت في الثالث الابتدائي قررت أن آخذ الريكورد الخاص بأمي.
هدى عصفور: كنا نحكي في أمر، لا أنا أتذكر ولا أنت
نانسي منير: أهلاً يا هدى، لنعيد
هدى عصفور: كنت تتحدثين عن الأكورديون وعن والدك
نانسي منير: والدي ما يزال لديه الأكورديون حتى الآن، لكنه اختار القرار الصائب وأصبح مهندساً مثلك وترك الموسيقى، ولكن كانت أنشطة الكنيسة والكورال (الكورس) وهذه المسائل موجودة، وأمي كانت تملك صوتاً جميلاً. وكان لدينا الكثير من الآلات الموسيقية في البيت مثل ماندولين أبي منذ أن كان في المدرسة وريكوردر أمي والكيبورد، بعض الأشياء.
هدى عصفور: أي حين كنت صغيرة كنت تعزفين على هذه الآلات كلها؟
نانسي منير: نعم. بدوازبن مبتكرة، لكن لم يكن هناك وعي لما يحصل.
هدى عصفور: هل كان هناك تعليم أو تدريب موسيقي رسمي في المدرسة؟
نانسي منير: كلا بالطبع، ولكن حين قلت لأبي وأمي إنني أريد أذهب إلى الكونسرفتوار وأتعلم هناك قالا لي: لا، أنت جميلة ولا أحد يمتلك الوقت كي يوصلك إلى هناك. كانت المسافة ١٥ دقيقة بالسيارة لكن بالنسبة لهما كانت هذه رحلة. وربما كان من الجيد أنني لم أذهب إلى هناك. فرغم أن أموراً كهذه مفيدة إلا أنني أشعر أنها مؤذية أحياناً.
هدى عصفور: أحياناً
نانسي منير: بالطبع.
هدى عصفور: هل يمكن أن تشرحي لنا أكثر.
نانسي: تصبحين نسخة من أستاذك، وتدخلين إلى مدرسة معينة، وتتعلمين أشياء معينة مما يقتل أموراً أخرى معينة، فأنا أصدق فكرة أن كل الأشياء تعمل معاً من أجل الخير خاصة للذين يحبون الله، وهكذا كان ربنا يحبني لأنني لم أذهب إلى الكونسرفتوار. أي حين يبحث الإنسان عما يريد أن يتعلمه لوحده فهذا ممتع أكثر. وإلا ما رأيك أنت؟
هدى عصفور: أنا أرى أن التعليم الرسمي يقدم لك أدوات مهمة، وإرشاداً فنياً مهماً في الموسيقى، لكن يجب أن يظل المرء مفتوحاً على المدارس الأخرى كلها لأن هناك أشياء كثيرة يمكن أن يتعلمها المرء لكن أدوات الكتابة والقراءة والإرشاد، والنظريات في كل أنواع الموسيقا مهمة، ومن المهم أيضاً أن تعرفي جذورك بالذات كمصرية.
نانسي منير: يمكن أن نتعلم كل هذا دون أن ندخل مدرسة. فأنت تتحدثين عن الإرشاد، لدي ثلاثة مرشدين فنيين في حياتي، يمكن ألا يعرفوا أنهم أحدثوا فرقاً لكنهم الثلاثة الذين أشعر أنني يجب أن أشكرهم.
هدى عصفور: من هم؟
نانسي منير: أولاً فتحي سلامة، كانت تجربة جميلة، وكانت هي المرة الأولى التي أكون فيها مع آخرين في مشغل، فقد كان يعلمنا وكان صبوراً جداً، وكانت معظم الأمور مجانية. كنا نذهب إلى مشغل سواء في الجزويت أو الروابط أو ما يشبهها، ولم يكن هذا الرجل يبخل علينا أبداً. كان يحاول وضعنا على الطريق الصحيح ونتمرن على الهارموني وما يتعلق بذلك.
هدى عصفور: هل تعرفت على دينا وأنت تشتغلين مع فتحي؟
نانسي منير: كلا، كنت أشاهدها ولكننا لم نكن صديقتين
هدى عصفور: نعود إلى المرشدين الفنيين
نانسي منير : كان فتحي سلامة أول شخص، وكنت وأنا صغيرة أحب الهارموني بحكم أنني أعرف لاينز مختلفة لأن أهلي في الكواير، وأنا أحب هذا.
هدى عصفور: كيف أثرت تجربتك مع جلبيرتو جيل على مشروعك؟ حدثينا كيف تعرفت عليه؟
دينا الوديدي: تعرفت على جلبيرتو جيل من منحة من شركة روليكس للساعات، التي تعمل في الوقت نفسه على برنامج فني، ولم يكن البرنامج موسيقياً فقط. بل كان هناك ستة مشاريع مختلفة، في السينما والموسيقا والمسرح وفي الفن والفن الفردي، في الصورة، وثمة من رشح اسمي من أميركا، امرأة اسمها ديبرا. كانت من لجنة التحكيم وسألوها من يمكن أن يشارك من المنطقة العربية فرشحت اسمي، ولم أكن أعرفها وهي كانت تسمع عني، فراسلوني وقالوا إن هناك جيلبرتو جيل سيكون مرشداً فنياً، وستكون له حاشية وسيكون جيلبرتو موجوداً، لكنني لم أصدق. ثم اتصلوا بي وقالوا إن جيلبرتو يريد أن يقابلني مع أشخاص من بلدان أخرى مثل مالي وكوبنهاغن وكينيا. ذهبنا نحن الأربعة وقابلنا جيلبرتو جيل ساعة أو ساعتين وفي النهاية بعد الاختبار عرفت أنه قام باختياري، وكان مطلوباً مني خلال هذه السنة أن أذهب معه إلى حيث يطلب مني ذلك. وكان حظي جيداً أن جيلبرتو جيل يتجول ويسافر كثيراً. بالنسبة لتجربتي معه، لم أكن أشعر أنه مدرب فحسب، بل شعرت أنه كان أباً. وهو من النوع الذي لا يقول لك افعلي هذا أو لا تفعلي هذا، أو راقبيني وتعلمي بل يترك لك مساحة حوله وأنت عليك التصرف. وكان من النوع الذي لا يتحدث كثيراً، وأنا لم يكن لدي تجارب فقد كان فهمي للمشهد الموسيقي محلياً جداً، وكانت تجاربي مستقاة من مسارح ما بين الساقية والروابط ومسرح الجنينة، وفجأة أخدني إلى عالم مختلف تماماً في الخارج وأكثر عالمية من كونه محلياً، وتجربة أن تكوني باك ستيج مع أحد مثل جيلبرتو جيل أكيد أن هذا أحدث فرقاً كبيراً بالنسبة لي. أي القيام بالتدريبات بشكل مهني، والتعامل مع موسيقيين بشكل يومي وتقفين على خشبة مسرح يتسع لعشرين ألف وتغنين فأي صبر وأي مجهود في هذا. لقد علمني أموراً دون أن يقول شيئاً، وجعلني أعيد النظر في أمور كثيرة، وجعلني أرى العالم الموسيقي بشكل أكبر، جعلني أرى المشهد الموسيقي وإدارته بشكل أكثر مهنية.أما على المستوى الإنساني فقد علمني أشياء كثيرة فهذا الرجل ليس فقط ملحناً ومغنياً ومبدعاً ومطرباً عظيماً بل كان أيضاً مناضلاً أثناء الثورة البرازيلية في السبعينيات ونُفي ثلاث سنوات إلى إنكلترة مع شريكه الموسيقي كايتانو فيلوسو، فقد نفاه الحكم العسكري في البرازيل لمدة ثلاث سنوات بسبب أغانيه المؤيدة للثورة، وفيما بعد حين استلم رئيس جديد رئاسة البرازيل عينه وزيراً للثقافة فترك الموسيقى لمدة خمس سنوات وعمل في المجال السياسي كوزير ثقافة. فأنا لا أعتبره مغنياً وملحناً فحسب، عمره ٧٤ سنة وأنتج ٥٢ ألبوماً. لقد علمني أشياء كثيرة، وفي كل مرة أكتشف حتى اليوم أنني تعلمت أموراً منه.
هدى عصفور: نعود إلى المرشدين الفنيين
نانسي منير: كان فتحي سلامة الشخص الأول، ثم كاميليا جبران التي التقيت بها في ثلاث مناسبات منها ورشتا عمل، أول مناسبة كانت تعارفاً لمدة يومين، ثم بعد ذلك اجتمعت معها في ورشتي عمل إحداهما كانت السنة الماضية، في ديسمبر منذ أربعة شهور، وكان هذا مهماً جداً، وكانت السنة التي قبلها أكثر أهمية حول موضوع الجذور وما حدث في الموسيقى وشعرت أنني بدأت أقدّر الموسيقى التي ليس فيها هارموني. وقبل ذلك لم أكن أتحمل سماع الموسيقى التي تخلو من الهارموني إلى أن جاءت هذه الورشة، واختلف الأمر بالنسبة لي.
إن المرشد الفني الثالث الذي أحبه جداً وأشعر أنه أبي الثاني هو علاء الكاشف، الذي تعرفت عليه ونحن نسجل الأوفردوتز الخاص بألبوم دينا وساعدنا كثيراً في موشحة ، هو الذي أنقذ مشرحة الأديت (التحرير)، وأعني أنه هو الذي أنقذ أغنية السيرة في التحرير. وكنت سعيدة وأنا أراقبه. فقبل ذلك كان هناك أخي الصغير، وقد كان موسيقياً، كان أحياناً يجلس ويلعب بالسوفتوير الخاصة بالموسيقى لكن أنا لم أكن أميل إلى تحمل أمور كهذه إلى أن فُرضَ علي الأمر وخاصة في عملية الألبوم الخاص بدينا، فمثلاً كموسيقية ترين السوفتوير وأموراً أخرى لكن لم أكن مهتمة بهذا، لكن حين جلست إلى جانبه شعرت أنه يمكن أن هناك سحراً يحصل من خلال مرحلة الأديت، فصرت أحب الأديت كثيراً وبدأت أفهم أن هناك إنتاجاً يحصل في هذه العملية المملة الخاصة بالأديت والتنظيف، وشعرت أن هناك أموراً كثيرة قد تظهر من ناحية متى نُسكت هذا الشيء ومتى نُدخل هذا الشيء، وما الذي يمكن أن يطلع وكيف، ولقد بقيت فترة مع علاء الكاشف الذي أحببته جداً وأدمنته وبدأت أذهب إلى الاستديو وأراقبه وهو يعمل في المسلسلات، وكيف يقوم بمكسجة الأفلام والمسلسلات ويعمل في أغان ثانية، لأشخاص آخرين. وقد أحببت هذه القصة كلها بسببه. هؤلاء أهم ثلاثة مرشدين فنيين في حياتي.
هدى عصفور: خرج الألبوم في ٢٠١٤؟
دينا الوديدي: نعم، ٣ أكتوبر، ٢٠١٤، اسمه “تدور وترجع” وفيه ١١ أغنية، وهي نتاج التجربة التي حدثتك عنها وهي ثلاثة سنوات ونصف.
هدى عصفور: وهي معكوسة في اسم الألبوم، أليس كذلك؟
دينا الوديدي: تماماً، كانت مرحلة البحث عما أغنيه، وعلى صوت، وهذه مرحلة كنت أعيش فيها، اسمها تدور وترجع.
هدى عصفور: وكانت البداية مع أغنية “الحرام” التي أحدثت ضجة في مصر. كيف بدأت، كيف قررت أن تأخذي كلاماً وتلحنيه، وكيف صارت الأغنية بعد أن اشتغلت مع فتحي سلامة فترة في البداية.
دينا الوديدي: إن أغنية “الحرام” هي لشاعر مصري اسمه منتصر حجازي، وقصة الأغنية أن منتصر كتب صفحتين، أي ألّف أغنية اسمها الحرام في صفحتين، فقرأتها واستأذنته حول الموضوع، فوافق ولخصت الصفحتين ، أي أغنيتي الأولى ممنتجة وبعد ذلك لحنتها، وفي ذلك الوقت وأنا في الورشة، كان هناك فتحي سلامة وكان لديه ورشة موسيقية، كان شرطها أن تكوني قادرة على التلحين وتقديم أغان أصلية خاصة بك. فقلت حسناً سأجرب نفسي. وكانت هذه أول مرة أقف على مسرح وأقوم بالأداء. وأنا غنيت مع فرقة “حبايبنا” في الورشة. وهكذا دينا ستقدم أغنية خاصة بها وليست من أغاني أحد آخر، كانت هذه أول مرة مع فتحي سلامة.
هدى عصفور: كيف كان الأمر، فأنت قادمة من خلفية مختلفة، وكنت مهتمة بالفولكلور، هل كان شعورك أن هذا أثر على تناولك للكلمة في أغنية ”الحرام“؟
دينا الوديدي: كما قلت لك، حين كنت في الورشة كنت ألحن وأقابل شعراء وأحضر الكثير من الحفلات، فقد ابتدأ الموضوع لدي بأنني أحضر حفلات كثيرة، كنت وقتها أحضر حفلات نغم مصري، ومسار إجباري، وفرقة وسط البلد، وكل الفرق الموجودة وهذا أثر فيَّ وجعلني أعيد النظر، وهناك أفكار كثيرة يمكن أن يخرج بها المرء، ويشتغل على كلام، وهكذا كنت آلحّن، ولكن هذا المُنْتَج لم يخرج إلى أن قابلت فتحي سلامة الذي أثر فيَّ موسيقياً كثيراً، فما يفعله لا يفعله أحد غيره في مصر، وهو ورش العمل الموسيقية، فنحن نعمل على الأغنية كمجموعة، كي نوزعها سوية، كي ننتجها سوية
هدى عصفور: كما تحدثت معك ومع دينا، هناك حركة في العالم العربي من قبل سيدات صاحبات مشاريع أو ملحنات وكاتبات أغاني، بدأت بشكل مخفي قليلاً في العشرينيات والثلاثينيات، مخفي بمعنى أنه لم يسلط عليها الضوء. فيما بعد صار هناك موجة في التسعينات ظهرت مع ريم بنا، عايدة أيوبي، تانيا صالح، جاهدة وهبي كاميليا جبران فيما بعد في ٢٠٠٢.
نانسي منير: كان هناك أيضاً أمينة عنابي التي أنتجت ألبوماً جميلاً في ١٩٨٩ ثم اختفت. كان من ضمن الأشياء التي أحضرتها معي وأنا راجعة من الاسكندرية شريط أعمالها وأنا سعيدة أنني عثرت عليها أونلاين منذ فترة قريبة. كان من بين الأشياء الجميلة التي يفعلها أبي هي أنه كان يحضر لنا موسيقا جميلة.
دينا الوديدي: إن الجيل الذي قبلنا لم يحالفه الحظ في الدراسة ولم يكن هناك سوى الحظ والدأب والاجتهاد، وكما تعلمين يوجد فقط خمس معاهد موسيقى في البلاد، ولا يشكل هذا معياراً أنه لديك في جمهورية مصر العربية أربع كليات تدرس الموسيقى، سواء كتربية موسيقية أو كونسرفتوار أو معهد موسيقى عربية، وكل المؤسسات الخاصة سيئة جداً فأنت أصلاً لديك جيل جديد، وخاصة هذا الصاعد، اكتشف الطريق بعد التخرج، منهم من اكتشف أنه يغني ويعزف موسيقى ومنهم من اكتشف أنه موسيقي وهو يدرس، ومعظم الناس الذين في الساحة في هذا الوقت لم يدرسوا الموسيقى وقرروا أن يدرسوا ويشتغلوا بمجهودهم الشخصي، مما يجعلنا نقول نعم هناك موهبة وهناك ملحنون وهناك أشخاص يكتبون لكن في النهاية المهارات محددة جداً لأن التقنية تأخذ وقتاً أطول بكثير من الجيل الذي قبلنا وقبلنا وقبلنا، لأنك تبنين على أساس لم يكن موجوداً وأنت صغيرة. كان التعليم سيئاً جداً أي منذ بداية السبيعينات كان التعليم في غاية السوء وأنا أرى أن هذا هو السبب لوجود عيوب كثيرة، سترين أن لدينا مشاكل معينة وواضحة جداً ولهذا علاقة بأنه في منتصف مشروعك تحتاجين إلى أمور أساسية جداً لا تعرفينها لأنك لم تدرسي أو تتعلمي. نقول بالموهبة أو بالفطرة أو بالإحساس لكن في النهاية هناك شيء علمي في الأمر ويجب أن نملك معلومات موسيقية عن هذا الشيء أو ذاك، وهذا يستغرق وقتاً ويمكن أن يعطل هذا مشروعك حتى لو كنت تلحنين. فمعظم الملحنات يلحنَّ بآذانهنَّ وليس بآلات وأنا أرى أن الموضوع كان سيتطور جدا لو أننا تعلمنا على الآلات ونحن صغار مثلاً. هكذا أرى الأمور التي وصلنا إليها، كان جيل العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات يمتلك خبرة غير طبيعية وتقنية عظيمة، وقد تبدو أفكارهم محدودة، فقد كان كل شيء عن الحب، ربما مع بعض الإستثناءات مثل سيد درويش الذي تطرق لمواضيع مثل الحب والسياسة، أو الشيخ إمام، قد لا يكون الكلام الذي خرج منهم قوياً جداً، لكن على مستوى اللحن لم يلحن أحد حتى الآن بروعة السنباطي أو القصبجي. ففي النهاية جيلنا لديه مشكلات أيضاً.
هدى عصفور: هل يمكن أن تحدثينا أكثر عن مشاكل الجيل. هل رأيك أن المشاكل تقنية، أو أن الموسيقى سطحية؟
دينا الوديدي: أنا معك، هناك أشياء جميلة تحصل في المنطقة على مستوى المغنيات والملحنات والكتابات ومن يغنون لكنني غير متأكدة من استمرارية هذه الحركة بسبب النقاط التي ذكرتها لك منذ قليل. فهناك كثيرون يعتزلون وكثيرون يصابون بالكآبة، وكثيرون لا يكملون، وكثيرون يقررون أن هذا ليس طريقهم بعد أن يدخلون فيه، تكتشفين أنه نعم نحن نقف في مكان جميل جداً لكن هناك أمامنا حواجز تسدّ الطريق، لأن هذا يجب أن يكون موجوداً من قبل، ونحن نحتاج إلى الغناء. ما أريد قوله هو أنني يمكن أن ألحن بشكل جميل، يمكن أن ألحن بأذني، أنا في البداية بدأت بالتلحين بأذني، بعد ذلك اكتشفت أنني أحب الإيقاع فابتدأت ألحن بالدف، بعد ذلك اكتشفت أنني يجب أن أتعلم آلة البيس فدخلت في فكرة جديدة جداً، ولم أكن أعرف أنني أحتاج إلى البيس أو لا أعرف أنني أحب الغيتار وهناك أشياء أحبها وأشياء لا أحبها، هذه أمور تستغرق وقتاً، فالمشكلة هي أنني أشعر بالندم لأنني لم أتعلم وأنا صغيرة ، وأشعر بالندم أنني لا أستطيع أن أعزف آلة بشكل مهني حتى الآن، وهذا ما أعمل عليه، وأشعر بالندم لأنني أتمنى لو كنت أعرف أن أقرأ نوطة بشكل أسرع، وحالياً بدأت أفكر في موضوع الارتجال والمقامات إذ ما أزال أحتاج إلى تطوير نفسي والتحرك من مقام إلى آخر، وهذه كما أقول لك أمور أساسية.
هدى عصفور: يعني أنك ترين أن النقص الموجود في العالم العربي هو عملياً في نقص التعليم الأكاديمي للموسيقى وبرأيك أن استمرارية الحركة النسائية الموسيقية، مجازاً، محتاجة إلى هذه الخلفية الموسيقية كي تتمكن من الاستمرار.
دينا الوديدي: تماماً، هكذا. تحتاج إلى جهد كبير، لأن معظم الموجودين على الساحة يا هدى تعلموا في ورش موسيقية وببذلون مجهوداً ذاتياً، وتعلموا من خلال اليوتيوب ومن خلال الدخول في مشاريع مختلفة، وهذه معظمها أشياء غير ثابتة، أي لا تدرسينها ولا تعيشين في داخلها، ولا يوجد شيء مشجع في المنطقة العربية يجعلك تكملين، أي لا يوجد الصبر، بمعنى أن تستثمري وقتاً وتصبرين، ولا يوجد مدرس يعلمك، لا يوجد لدينا ثقافة الإرشاد الفني أو الرعاية، لا نملك مرشداً فنياً، هذا الشخص الذي أحبه جداً ويأتي كي يمنحني ويعلمني مثل كاميليا مثلاً. فمثلاً كاميليا تأتي إلينا لمدة أسبوع كل سنة وكنا نستميت كي لا تذهب. إن المرشد الفني يتصرف بهذا الشكل، فمثلاً فتحي سلامة يقيم لنا ورشة في السنة. يحصل أن أقابل جيلبرتو جيل وأمكث معه سنة لكن أربعة شهور أو ثلاثة شهور متصلة على مدار السنة، أي سنة حقيقية.
هدى عصفور: أود أن تحدثينا قليلاً عن تجربتك أنت حين دخلت إلى الساحة، فأنت تتعاملين مع موسيقيين رجال، ولا أحب أن أكون جندرية هنا، فالقصة ليست قصة امرأة أو رجل. بل لأنه إلى حد ما، فكرة أن السيدة تلحن وتكتب أغانيها وهي سيدة المشروع ليست فكرة تقليدية في العالم العربي.
دينا الوديدي: بالطبع، هذا صحيح، أنا معك في هذا. سأحدثك عما حدث معي. لم أفهم هذا إلى أن بدأت شخصيتي الموسيقية تظهر. سأجيبك على السؤال الثاني ثم سأعود إلى الأول. في البداية يمكن أن تقولي إنني أعرف أنني أريد أن أغني وإنني أريد فرقة فاخترت الموسيقيين الذين أريد أن أعمل معهم، فاكتشفت أن كل شخص يقودني إلى المنطقة الخاصة به، فهذا الذي يقول لي أنا أعزف موسيقا كلاسيكية جميلة جداً وسأوزع لك كل الأغاني فوافقتُ معه واكتشفت أنني لا أريد أن أغني في المجال الكلاسيكي فرفضت بعد ذلك. بعد ستة أشهر اكتشفت أن هذا ليس ما أريد فعله. بعد ذلك عثرت على عازف غيتار ثاني في الفرقة يوزع ويشارك، وفعلاً كنا نريد أن نوزع الأمور مع بعضنا في البداية. ولكنني لم أكن أمتلك وقتها شخصية أو رأياً واضحاً ولم أكن أعرف ماذا أريد، فأنا أجرب، وهذا يعطل ما يمكن أنك تريدين تحقيقه، فما حصل مع عازف الغيتار هذا هو أنني اكتشفت أن كل أغانيّ تحولت إلى روك. بعد ذلك يأتيك من يقول أنا أعزف موسيقا باروك وسأوزع لك ما تريدينه، وهكذا بدأت شخصيتي تظهر وعرفت إلى حد كبير ما الذي أريده، وماذا أحب وما لا أحب، بالتالي ابتدأت أقول نعم ولا، لأنه قبل ذلك كانت الطاقة الذكورية التي تتحدثين عنها طاغية في المكان، طاغية في مكان البروفة وفي الاستوديو ، لكن أنا كدينا، كفتاة، لم أكن أمتلك آنذاك رؤية واضحة، لذلك أقول لك إن هناك كثيراً من الفتيات إذا كن لا يمتلكن رؤية واضحة عن مشروعهن فإن هذا سيحصل بسهولة كبيرة، فهذه الطاقة الذكورية ستُفرض في المكان، وسيقوم كل شخص بفرض الأفكار، وهي ستتبع المجموعة، في حين أنها كانت قد بدأت مشروعها هي. ففكرة أن يكون لديك رؤية وشخصية تستغرق وقتاً، كي تعرفي نفسك وتقولي أحب أو لا أحب، وهذا فعلاً ما حصل لي كما قلت أنت، هو أنني دخلت في هذا المصهر، في الموسيقا العالمية والجاز والميتال والروك واستسلمت لكل من جرّب فيَّ على أساس أنني أنا كنت أجرب فيهم.
هدى عصفور: تمام
دينا الوديدي: هذا حصل في البداية، وهذه أكثر مسألة ذكورية ضايقتني جداً، لأنني في ذلك الوقت كنت أتعامل مع أشخاص أكبر مني بكثير، يبلغون أربعين سنة أو خمسين سنة، وكنت أخاف أن أعترض على شيء ما، فلم أكن أمتلك الثقة، وكنت محرجة وكنت أشعر بالخجل. كانت هذه أكثر الأمور التي واجهتني في البداية.
هدى عصفور: هل يؤثر عليك وجودك في الساحة كسيدة؟
نانسي منير : يلعب أدواراً كثيرة، كوميدية أحيانا وتراجيدية أحياناً أخرى. فمثلاً، قد يحدثك أحدهم ويقول لك إننا بحاجة إلى فتاة تعزف على الكمان، مثلاً جاءت مكالمة البارحة في السادسة صباحاً أنهم يحتاجون إلى فتاة تعزف الكمان، هذا يضايقني جداً، حتى في الفرقة الخاصة (مسكارا) لدينا مسائل، بغض النظر عن كوننا، كما يقولون، عبدة شياطين كلنا ونأكل القطط، وفي المشهد نفسه هناك أشخاص يقولون: آه، إنهن يسافرن لأنهن بنات. أنا لا أفهم أبداً هذا المفهوم. هناك أيضاً فكرة أنهم لا ينظرون إليك بجدية خاصة إذا كنت ستعملين في التوزيع أو أي مشروع. هناك فكرة: آه أنت بنت وشاطرة يا كوكو. كان لدي مقابلة مع أشخاص في غاية الظرافة والبساطة ويغنون في مكان جميل جداً، من الذين يؤدون المديح والتواشيح والمواويل، فقالوا:٬ الله، لم نر من قبل فتاة تملك هذا الإحساس، فالفكرة هي أنك بارعة رغم أنك فتاة.أحياناً يكون هذا كوميدياً جداً بالنسبة لي.
هدى عصفور: أنت تُصنَّفين كأول موزعة في مصر، احكي لي عن التجربة الكوميدية؟
نانسي منير: هنا مشكلة أخرى وراثية والتي هي مشكلة قصر القامة، فمثلاً هناك صديق لي أراد أن يشارك الآخرين صورتي فكتب تحتها: أقصر موزعة في مصر.
هدى عصفور: لديّ فضول أن أعرف من تتابعين من الناس الذين حولك. أعرف أنه كان هناك تعاون بينك وبين مريم صالح في أغنية “العرس” التي لها خصوصية وثمة قصة و راءها. هل هذا صحيح؟
دينا الوديدي: كانت مريم التي أحبها كثيراً سبباً أساسياً لدخولي الورشة، وكنت أنا وهي معاً في فرقة “حبايبنا”، كنا في فرقة “الشيخ زين ورفاقه”، وكنا في الورشة معاً مع حسن الجريتلي وقمنا بمشاريع مشتركة وفي أوقات متقاربة فقد كنا متواصلتين في مرحلة جميلة مع بعضنا بعضاً. إن “العرس” تجربة فريدة من نوعها كما أراها، وهي قصيدة من ديوان لمحمد سيف وهو شاعر قديم لم يكتب سوى هذا الديوان في حياته، ولقد أخذت هذه القصيدة من صديق لي اسمه خليل وقرأتها بعد أن زكاها لي فأعجبتني جداً ثم عملت على منتجتها ففعلت ذلك وأحسست أن هذا هو الكلام الذي أحب أن أغنيه وذهبت إلى البيت وأنا مكتئبة جداً في ذلك اليوم فأمسكت بالغيتار وبدأت ألحن الأغنية، لحنت ثلاثة أرباعها وأحسست أن مريم صالح يجب أن تغني هذه الأغنية معي، وأن نانسي يجب أن تشتغل معنا فأرسلت إلى نانسي تسجيلاً وأسمعتها الأغنية ولم نتكلم واتصلت بمريم فقالت تعالي إلي فذهبت إليها وحدثتها عن القصيدة وقلت لها أريدك أن تغنيها معي، لحنت حتى:”العرس ماردتو ولا المكان حبيتو….“ وقلت لها وقفت هنا. فقامت بتلحين جزء غنّته هي.
هدى عصفور: إن الإحساس الذي تغني به مريم فائق للعادة.
دينا الوديدي: نعم، عظيم، قامت إضافتها بتغيير الأغنية تماماً وأنا أحسست بها ووجدت أن نانسي أرسلت لي شبه توزيع للأغنية، رغم أنها موزعة وكانت كل الجمل الموسيقية في دماغي فذهبت إلى الاستديو واشتغلت مع شريف عزت الذي يعزف إيقاعاً ونانسي سجلت كمنجة وغيتار، واحتجت إلى عازف الغيتار محمود صيام، كانت التجربة مختلفة جداً.
هدى عصفور: هل يوجد مشاريع جديدة، أو تعاون مع أشخاص آخرين؟
دينا الوديدي: ليس واضحاً بعد، لكنني أحب أن أعمل مع موسيقيين من أثيوبيا فيما بعد، ومع أشخاص كثيرين.
هدى عصفور: هل كانت أول أغنية وزعتيها؟
نانسي منير : كانت العملية ألطف بكثير لأنني كنت أعزف على أغلب الآلات فلم تكن هناك ضرورة كي أقنع أي شخص بأي شيء. كانت العملية غريبة أيضاً كانت دينا ترسل لي كلما لحنت جملة. كانت ترسل فويس نوت (مذكرة صوتية) على البي بي إم، حين كان يوجد بي بي إم. إن لأغنية “العرس”قصة غريبة بالنسبة لي، فهي جاءت قبل حصول الحادثة في بور سعيد. كنا تقريباً نسجلها بعد أن حصلت هذه القصة تقريباً، أو في نفس التوقيت أو قبله بقليل. كنت متألمة جداً بسبب هذه القصة، وبسبب قصة ثانية، وفي هذا الوقت يوجد أيضاً قصة ثالثة تجعلني أمتنع عن الإصغاء للأغنية لأنني أتعب بصراحة من صوت مريم وغالباً مريم ودينا تحبان الكآبة غير أنهما لا ترغبان بالإقرار بذلك. فاتفقتا على أن تقوما بها معاً لأن كل منهما خافت أن تقدم على ذلك لوحدها.
هدى عصفور: يبدو أن معظم ما تسمعينه اليوم هو أفريقي وفيه إيقاعات غريبة ومستفزة ، هل هذا بسبب وجودك اليوم في مشروع النيل؟
دينا الوديدي : إن تأثري بالإيقاع بدأ قبل عملي في مشروع النيل، هذه مسألة لها علاقة بدينا، بي أنا بشكل شخصي جداً قبل مشروع النيل، قد يكون لهذا علاقة بمحبتي للموشحات القديمة والأدوار القديمة، وأحب غناء مرحلة العشرينات التي تتسم بقوة الإيقاعات وتقريباً اندثرت كلها، فبغض النظر عن تأثري بالموسيقى الأفريقية أنا لم أر الإيقاعات الموجودة في التراث الكلاسيكي المصري حتى الآن في أفريقيا، هناك إيقاعات أفريقية لكنني لم أرى ال ١٧ وال ١٤ وال ١١ وال ٢٤ بهذا الشكل هذا الذي سمعته عندنا. لم أر هذا في أفريقيا. رأيت ستة على ثمانية جميلاً جداً، وسبعة على ثمانية جميلاً جداً، رأيت إيقاعات بطريقة مختلفة وبتنوع كبير وبغناء عظيم لكن الأشياء التي أنا متأثرة بها أكثر هي الموسيقى الكلاسيكية المصرية.
هدى عصفور: هناك سؤال يجب أن أطرحه عليك يتعلق بالثورة، ما الذي تغير بالنسبة لك من الناحية الموسيقية؟ والاجتماعية، إذا كان لهذا تأثير؟
دينا الوديدي: لقد أثرت فيّ الثورة كثيراً، كأي شخص كان موجوداً وشاهد ما حصل. لكن ما وصلنا إليه أحبطني جداً، ومثلما جعلتني الثورة أطلق مشروعي الخاص، فما وصلنا إليه من الثورة جعلني أعيد النظر في أمور كثيرة.
هدى عصفور: هل يمكن أن توضحي قصدك حيال الذي وصلنا إليه؟
دينا الوديدي: مثلاً فكرة أنك تنتظرين حكماً مدنياً بعد المعاناة من النظام القديم، تشاهدين أن هناك حكماً إسلامياً يسيطر على البلد ويأتي بعده حكم يوصلنا إلى نفس النقطة بأنه لم يحصل تغيير أبداً، أي يأتي حكم عسكري ثالث، بالإضافة إلى أنه في السنوات الثلاث الماضية تعرى المجتمع أمامك تماماً، شاهدت كل الطبقات التي يمكن أن تشاهديها أو لا تشاهديها فحدث ما يشبه الصدمة، صدمة اجتماعية، لها علاقة بما تعنيه لك مصر، والوضع في مصر، وأنت كمغنية من مصر، وتعيشين في مصر، وتقدمين فناً في مصر، والمستقبل الذي تقومين ببنائه كم سيبقى في وضع كهذا.
هدى عصفور: بعد الثورة كيف تصفين الوضع في مصر اليوم، يبدو هناك زحمة في الساحة الموسيقية المصرية، هل هذا صحيح؟
دينا الوديدي: أرى أن هناك مسألة إيجابية جداً وهي ظهور الكثير من الفرق التي تحاول أن تطور نفسها، وهناك أمور لم تكن موجودة صارت موجودة، لكن في النهاية إذا قلنا عن هذه الحركة أنها حركة مستقلة ، أو حركة بديلة أو موسيقى بديلة أو موسيقى أندرغراوند، ونقول إنها اختلفت جداً في الكلام واختيار الألحان واختيار الموسيقى بشكل عام عن الجيل الذي قبلها، هذه كلها حالات تعاند نظاماً، ففي الأساس معظم الذين خرجوا هم مع الشارع ولذلك ليسوا تجاريين، أو موضوعهم ليس تجارياً، في معظمهم، بالتالي لو كان عندك وضع سياسي يكبت حريتك بهذا الشكل، أو يقفل لك المسارح، أو يعطل لك عملك ويرفض توفير رخصة عمل، أو يفرض عليك كل يوم قرارات جديدة ، تحدّ من حريتك كمغنية في المجتمع هذا، طبيعي جداً أن يكون المستقبل الحاصل هذا سلبياً جداً.
هدى عصفور: هناك موضوع آخر أود أن نتحدث عنه بشكل سريع، وربما كان هذا السؤال الأخير: كم كان صعباً إنتاجك لهذا الألبوم يا دينا؟
دينا الوديدي: أنا لم أنتج هذا الألبوم. أنتجته لي شركة كي كي كي في وشركة روليكس لأنني لم أكن قد أتممت بعد المنحة مع جيلبرتو جيل، سألوني إذا عندي مشروع ملهم من جيلبرتو جيل فقلت لهم نعم أريد أن أنتج ألبوماً فساعدوني لكنني ساهمت أنا أيضاً لأن عملية إنتاج الألبوم كانت مكلفة جداً، وعملت مع موسيقيين من مصر وخارج مصر وكان هناك الكثير من السفر، فقد كان هناك عمل في النروج وفي البرازيل، وكان يجب أن أؤمن منتجاً موسيقياً يعمل معي من أمريكا أكثر من مرة، وكان هذا مكلفاً جداً. كان الموضوع في غاية الصعوبة على المستوى المادي، أما موسيقياً فقد تعبت أنا كثيراً لتنفيذ إنتاج كهذا. فقد تعبت لأن هذه كانت أول تجربة لي ، طبيعي أن أول تجربة كانت مثل الحمل ولكن أنت حامل بابنك فعلاً وهو يكبر شيئاً فشيئاً وترين التراك الرابع والتراك الخامس، التراك السادس، فهو مثل السونار بالضبط.
هدى: تماماً.
دينا: وفي النهاية لا تعرفين إن كان سيطلع بنتاً أو ولداً أو حيوان، أو إلى الزبالة
هدى عصفور: تماماً، تماماً.
لو أنك تحلمين بمشروع الآن ولديك كل الموارد والإمكانيات كي يتحقق هذا المشروع، فما هو هذا المشروع الذي ترغبين بتحقيقه؟
نانسي منير: كان هناك شخص كنت مستميتة كي أراه، إلى درجة أنني شاهدت جنازته على اليوتيوب، وهو من ضمن المرشدين الفنيين، الذين لم يكونوا في حياتي بالمعنى المادي وهو توم جوبين وهو مغني برازيلي مهم جداً وكان يعزف على الغيتار والفلوت والبيانو، ولديه أجمل أغاني في الدنيا وهو أيضاً ملهم كبير لزياد الرحباني، أنه أحد المُفَضَّلين لديّ. إن ترتيباته معقدة جداً، تسمعينها فتشعرين أنه لا يوجد أي شيء معقد بل عادي وبسيط وجميل وهادئ لكن حين تحاولين أن تعزفيه تكون المسألة معقدة. أنا أحب توم جوبين وكنت أتمنى لو التقيت به كي أقبله وأسلم عليه وأقول له كم أحبه وكم أثر بي.
أتمني أن أوزع أغنية لعايدة، وأنا أحبها كثيراً. كنت أحبها من طفولتي وأحب القوة التي في ألبوماتها، وجمل الباص (بايز)، الملعوبة بالكيبورد. كانت من أعظم الأمور التي في بالي، وكان من الأمور المهمة بالنسبة لي أن أغني وعند سماع أغنية عايدة، كنت أغني جمل الكمنجات في توزيعاتها فمن أحلام حياتي أن أصنع لها جمل وتريات جميلة، ولا أعرف إن كان هذا سيتم أم لا أحياناً أتعاون مع تسجيلات العشرينيات في المشروع الذي أسمعته لك لأنني غالباً كنت محتاجة إلى استراحة وكي أكتشف نفسي لوحدي وأفعل أموراً لوحدي كي أكتشف ما يمكن أن أنتج. لكن أنا نفسي أعرف أنني أرغب بالقيام بمشروع موسيقي صوفي، وأشعر أن التجارب الروحية يخرج منها مسائل مختلفة تماماً، أي غير أغاني الحب المعتادة بالشكل الذي نحن نعرفه. أي هناك بعد ثان مختلف أرغب برؤيته، لكن هناك احتمال بأن يحصل شيء كهذا قريباً، أحب أن أحضر أموراً لها علاقة بهذه القصة وأن أسمع هذه الأمور، وهذا حصل مؤخراً جداً. سابقاً كنت أحب موسيقا الغريغوري، وهي موسيقا كنائسية فيها الكثير من الهارموني والروحانيات أكثر مما فيها فذلكة، وليس هذا من أجل أنها متقنه بل لأن هناك شيء أحتاج إلى أن أحس به.
هدى عصفور: أنا أحب أيضاً الموسيقا الغريغورية والتي هي ما قبل الكلاسيكية
نانسي منير: أنا أحسها بعمق
هدى عصفور: أنا أحب التوزيعات الموسيقية فيها. فيها بعد مهم أشعر أنه نُسيَ في الموسيقى الكلاسيكية.
نانسي منير: باظت كأشياء أخرى لدينا
هدى عصفور: نعم، تقريباً.
نانسي منير: هذا له علاقة بالعولمة. أنا لا أصدق نفسي وأنا أتفوه بهذه الكلمة. فرغماً عني أصدق فكرة أن الناس كلها تفعل كذا وتغني كذا وكل الأغاني أربع كوردات، وكل الأشياء بهذا المنظر، هذه المصيبة التي نحن فيها.
هدى عصفور: هذه كل فكرة الموسيقى البديلة بين عقفين.
نانسي منير: هذا أيضاً فيه مشاكل، لأن ثلاثة أرباعها ليست بديلة. ثلاثة أرباعها أشخاص يحبون أن يلعبوا بوكر. ويغنون وأمامهم ملايين كتامر حسني ونانسي عجرم لكن ليس لديه طريقة بعد أو شركة إنتاج ويحتاج إلى أي شخص يكتشفه، ولهذا يقرر أن يختبئ في مشهد الأندرغراوند.
هدى عصفور: ما يحدث طبيعي يا نانسي، هناك حالة انفجار، ففي العالم العربي اكتشف الناس فجأة أن أي شخص يمكن أن يكون عنده فرقة اليوم في مصر
نانسي منير: طبعاً، ليس عندي مشكلة في هذا.
هدى عصفور: من الطبيعي أن يكون هناك فترة فيها كل شيء. لكن تحدث تصفية فيما بعد، فهناك موسيقا تتصف بالنوعية في العالم العربي اليوم، وهناك مشاريع فيها كلمة تؤثر اجتماعياً.
نانسي منير: اجتماعياً نكتب شعراً. يجب ألا نغني. ولدينا أيضاً المصيبة الأكبر وهي أن الناس يتخيلون أن فكرة الأندرغراوند هذه هي نوع موسيقي. فماذا يعني موسيقى أندرغراوند؟
هدى عصفور: هل أنت ضد أن يكون هناك مشهد نوع أندرغراوند في الموسيقى؟
نانسي منير: يمكن أن ندعوها تقسيمة أو نسميها موسيقى بديلة مختلفة عن البوب الذي نحن معتادون عليه لكن مصطلح أندرغراوند ليس جنساً موسيقياً، وهو خرج من الناس الذين يعزفون في الأقبية ويدعون أصحابهم فصاروا فرقة أندرغراوند. لكن ليس لدينا في مصر قبو كهذا بالتالي شطبت أنا على هذه التسمية منذ مدة طويلة.
هدى عصفور: هل هناك شيء آخر تريدين التحدث عنه
نانسي منير: هذا يكفي.
هدى عصفور: حدثينا عن مشروع النيل.
دينا الوديدي: مشروع النيل يضم موسيقيين من حوض النيل وهم من مصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا وغينيا وإرتريا وأوغندة والكونغو ورواندا وبروندي وزانجبار، أي ١١ دولة من دول حوض النيل، عمر هذا المشروع ثلاث سنين، ابتدأ من ثلاث سنين في مصر، أسوان، وكانت هذه أول ورشة لنا، وفي السنة الثانية قمنا بجولة في شرق أفريقيا ثم في أوغندة، وهذه ثالث سنة، قمنا فيها بورشة نتجت عنها الجولة الحالية.