تتداخل عدة عوامل في تقرير السيسي مدى احتياجه إلى حزب سياسي؛ فهو - كما يبدو - تلجمه هواجس، وتحفزه طموحات؛ الهواجس تتعلق بمصير الحزب الوطني، الذي تسبب احتكاره للمجال السياسي بنشوب ثورة جماهيرية أطاحت بمبارك، وانتهت بالحزب محترقا. أما طموحه فيذهب به إلى امتلاك آلة للحشد والتعبئة الجماهيرية، تعضد شرعيته المتآكلة، وتضبط إيقاع الحياة السياسية، بعيدا عن اختناقاتها الراهنة، وبما يعينه على مجابهة خصومه السياسيين والحفاظ على هيمنته على المجال السياسي.
هل يحتاج السيسي حقا لحزب جماهيري؟
خلال الأشهر القليلة الماضية تكثفت عملية لإعادة رسم المجال السياسي بأدوات تدخل سلطوي تراوحت بين التشريع المقيد لحركة القوى السياسية، والمجابهة العنيفة مع الاحتجاجات. وانتهت هذه التدخلات بما يمكننا اعتباره مصادرة كاملة للمجال السياسي. البيئة التي ستدور فيها الانتخابات البرلمانية الحالية يهيمن قطاع الدفاع والأمن وبيروقراطية الدولة عليها. تشي خرائط المتنافسين - قوائم وأفراد - عن إعادة تدوير ضخمة لقوى النظام القديم. وغالبها كان الأبرز فاعلية ضمن تحالف الثلاثين من يونيو والأشد التزاما باختلاق شرعية للنظام تتمحور حول شخص السيسي.
والسؤال هو ماذا يتوخى السيسي من جولة انتخابية كهذه؟ تبدأ الإجابة من اكتشاف ما يعتبر من وجهة نظر النظام وقواه الحليفة ضرورات؛ أولها الحاجة إلى التعجيل بإنعاش صورة "الهامش الديمقراطي"، ولو بتطوير شكلاني لمنظومة الممارسة السياسية المحكومة؛ ينفي– أولا - الطابع العسكري عن نظام السيسسي ويستر معالم هيمنة العسكريين الراهنة على مفاصل الدولة وعموم المجال السياسي؛ وثانيا، الاستجابة لمطالب كررها الحلفاء الدوليين للنظام، وخصوصاً الولايات المتحدة، بالالتزام بخارطة الطريق، وهو ما ظل شرطاً – وإن مخففاً - لمنح نظام السيسي الدعم المدني والعسكري. مع ارتفاع موجات النقد الداخلي، على خلفية دعمهم لنظام ينظر إليه باتساع على أنه معاد للحريات، ويصادر المجال السياسي، فضلا عن ممارسته للقمع الواسع. ومن ثم بات عليه دور في رفع هذه الضغوط. لكن يخشى النظام من أن تأتي الاستجابة لمثل هذا الضغط الخارجي بالمزيد من أسباب إرهاق وجوده وإضعاف سيطرته الراهنة على الداخل. تبرز ههنا أهمية إيجاد السيسي لرافعة سياسية جديدة، وأداة تؤلف ولاءات الجماهير من حوله وتدعم سلطته، وتسمح باجراء انتخابات والوفاء باستحقاقات يدفع خارجيا من أجل حصولها.
من هذا المدخل نتفهم رهان السيسي عبر العامين الفائتين على إمكانية دمج قوى الثلاثين من يونيو في كتلة يبتغي أن توازن قوة خصومه. ذلك الرهان الذي عطلته صراعات أجنحة تحالفه الحاكم، والتي أبرزتها فترة التحضير الطويلة للانتخابات البرلمانية، وكيف بينت أن إيجاد كتلة فاعلة لن يحدث تلقائيا وأن إنجازه تحدي لا يكفي معه مجرد الإشراف البعيد من قبل السيسي على العملية. ونزعم في ذلك أن المعطيات الراهنة تتجه صوب إحياء نموذج الحزب المسيطر، على غرار الوطني، وأن البدائل في هذا المضمار محدودة. جولات التفاوض لتشكيل ما سمي "بالقائمة الوطنية الموحدة" عبر العامين الماضيين أثبتت عدم جدواها، كصيغة لتوحيد الشتات السياسي المتحلق حول السيسي. وبات تدخله المباشر هو الباب الوحيد لإنجاز هدف تشكيل كتلة حزبية يمكنها أن تحصل له شرعية برلمانية، وتعمل (بمعاونة آلتي القمع وشبكات الزبائنية) على معادلة ثقل القواعد الجماهيرية لخصومه والتفوق عليها؛ ولا يحتاج الأمر لتفكير في أن تكوين برلمان لا يهيمن عليه السيسي سيفتح المجال السياسي مرة أخرى، وهو ما لا يريده الرجل، ويتناقض مع المقدمات التي تم التمهيد بها لهذه الانتخابات والتي تؤكد أن العملية برمتها محكومة بهدف تكريس هيمنته السياسية .
خيارات السيسي
لقد خاض التحالف الداعم للسيسي أربعاً من الجولات التفاوضية في سبيل تحقيق رغبة الرجل في جمع شتات الأحزاب الصغيرة1، لكن فشلها جميعا جعل منها رغبة مؤجلة لما بعد جولة الانتخابات. والناتج منها هو مشهد تتسيده قائمتان منفصلتان، كلاهما مقرب للسيسي، ويعبر بصورة ما عن إرادته الحزبية. هذا بخلاف طيف واسع من موالين تقدموا للتنافس على المقاعد الفردية. والسؤال ماذا سيفعل السيسي بما ستنتجه عملية مختنقة تدور داخل بيت 30 يونيو؟ هل سيمكنه نسج خيوط هذا الطيف المهلهل وفق معطيات الانتخابات والأوزان الجماهيرية التي تبرهن عليها الصناديق؟ أم سيهمل الأمر برمته ليمضي في دور "الرئيس فوق الأحزاب"، الحكم بين أجنحة سلطوية تتنافس ضمن إطار توافقات يونيو؟
لا يمكن الزعم بوجود إجابة حاسمة، لكن في معرض محاولة التنبؤ بمشهد ما بعد هذه الانتخابات نميل إلى أن فرص مناورة السيسي من موقعه الراهن ليست بالكبيرة، وأن القصور الذاتي لخطيئة مصادرة المجال السياسي سيفضي به إلى إحياء المباركية، بصورة تكاد تكون محتومة، حيث استعادة نموذج الحزب المهيمن المساند للرئيس مخرج ترشحه الموارد والفرص متاحة للنظام والتي لا يملك غيرها.
نحن أمام أحد منتجين؛ إما ديكور لا يزعج أحدا ضمن "مسرحية لإعادة إنتاج نظام مبارك"2 ، أو ساحة لضجيج سياسي بلا طحين غايته إلهاء الناس والإيحاء بأن السياسة لم تزل حية؟
ما يؤكده المشهد الانتخابي الملتبس، أن التصادمات المكتومة بين الجناحين البارزين للنظام واللذين تم تفصيل الإطار الناظم للانتخابات بمقاسهما ستستمر، ولن تنتهي بالضرورة لهيمنة أحدهما؛ سواء الطبقة العسكرية بواجهتها السياسية من قدامى العسكريين؛ وشبكات الزبائنية السياسية التي خلفها الحزب الوطني، بطيفها الواسع من بيروقراطية الدولة وأجهزتها المحلية، ووكلاء المصالح العشائرية والفئوية. الحال لا تبشر بتعددية سياسية حقيقية أو تنافس برامج وتفعيل للأدوات البرلمانية. بل العكس تماما هو المرجح؛ وفي الأخير، فإن تباين المصالح الراهن سيفضي في كل الأحوال لمؤسسة سياسية عرجاء، غايتها توفير الغطاء السياسي لصناعة الاستبداد التي دارت ماكيناتها التشريعية والإجرائية طوال الفترة الماضية.
أمامنا وفق هذا الترجيح سيناريوهات أربعة محتملة؛ أولها تكوين حزب ائتلافي يجمع الأحزاب الصغيرة في التحالف الراهن المساند لنظام السيسي؛ وثانيها "حزب وطني" معاد تدويره يستثمر قوة البيروقراطية وشبكاتها الزبائنية القديمة يستغني به السيسي عن الأحزاب الأخرى؛ وثالثا حزب للعسكريين يستثمر في رهانات رافقت عزل مرسي، على دور القوات المسلحة، يقود الأحزاب الصغيرة أو يبتلعها؛ وأخيرا حزب من المستقلين.
1. تجمع موحد لأحزاب الموالاة
جمع الشتات الحزبي الواسع ضمن تحالف الثلاثين من يونيو يلخص أملا لدى السيسي في دمج استثمارات سياسية قديمة، قوامها أربعة عناصر: أولا دوائر النفوذ وشبكات المصالح في نظام مبارك؛ ثانيا كتل حزبية قديمة شكلت المعارضة المستأنسة خلال عقود حكم مبارك؛ وثالثا جملة من أحزاب صغيرة نشأت مع رفع ثورة يناير لتوقعات التغيير وانفتاح المجال السياسي؛ وأخيرا قوى سلفية صاعدة تراوح بين آيديولجيا الإسلام السياسي المطالبة بما تسميه "ثورة إسلامية" على مستوى الخطاب، وبين التوجه البراجماتي لدعم السلطوية الجديدة.
الصعوبة في هذا السيناريو - كما أسلفنا القول- تكمن في تضاؤل إمكانية دمج الطيف المتناقض حركيا وعقائديا. فأحزابه الموروث غالبها من عهد مبارك، فقدت قواعدها الجماهيرية بعدما سحب البساط منها فريقان خلال السنوات التي أعقبت الثورة وحتى لحظة 3 يوليو الانقلابية، أولهما التيار الإسلامي، بأدائه المحلي الأكثر فاعلية وتأثيرا، وتبنيه لصيغة زبائنية بديلة في تعامله مع الانتخابات؛ وثانيها القوى الحزبية المتولدة عن الحركات الاجتماعية التي برزت أواخر عهد مبارك وظهرت بحيوية وقدرة على اقناع أوساط العمال والطلبة والفلاحين بخطابها المعارض وقدرتها على إظهار قوتها في مواجهة النظام. وهو وجود ترجمته قاعدة تصويت عريضة تجلت من خلال الاستحقاقات التي تلت الثورة.
لانقلاب الحال مع الثلاثين من يونيو، خفتت الأحزاب الليبرالية واليسارية التي نشأت بعد الثورة، وانحسر تأييدها الجماهيري بتعثر المسارات الثورية، وكتمان صوت المطالب الاجتماعية، علاوة على مظاهر الانشقاق والتجمد التي اعترت هذه الأحزاب، بما فيها تلك المتحفظة على ميل السيسي لمصادرة المجال السياسي.3 كذلك اختفت الأحزاب الإسلامية خصوصا حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وانهارت قوته، تحت وطأة الضربات الأمنية. ورغم موجة القمع الواسع التي شنها النظام ضد الأولين، فإن أحزاب الثلاثين من يونيو لم تستطع ملء الفراغ، وظل نصيبها من الجماهيرية محلا لشك كبير.
أما قوى المعارضة التقليدية فقد استمرت في انحدارها؛ وربما المثال الأوضح ههنا هو قوى اليسار الناصري ويمين الوسط الليبرالية التي انتمت بقوة لحراك يونيو، لكنها – وللآن- تمنى بالفشل في أن تحسم مواقعها في توافقات الانتخابات البرلمانية، وضمان حصة معتبرة في البرلمان الجديد. لا يخفى، من جهة أخرى، دور هذه الأحزاب في اختلاق "كاريزما" السيسي، وقد فاتها أن صعوده بخطاب أمني يقوم على ادعاء تعرض الدولة للتهديدات ورفع شعار حمايتها، هو بذاته خصم من وجود الأحزاب ورصيدها الجماهيري. فقد استحال المجال برمته لساحة انتظار "للبطل" جراء ذلك. وللآن لم يزل السيسي يستثمر في هذه الكاريزما المختلقة، بعدما عززها حصوله على ما يقارب المئة في المئة من الأصوات (97.3%) في جولة الانتخابات التي جرت يونيو 2014 بالطريقة الموروثة من أيام مبارك، واعتماده خطاباً صاخباً يستخدم مفردات الإنجاز والمشروعات القومية، مضافا لمفردات الخطاب الأمني المعتمد لغة مكافحة الإرهاب.
إجمالا، تحقق هذا السيناريو من الصعوبة بمكان؛ فجمع كل هذا الطيف السياسي على اختلاف مصالحه الواضح، وتسعر منافساته لحدود استوجبت أحياناً تدخل السيسي للجمها، يحتاج إطارا لنظم مصالح هذه الفئات ليس منظورا ولا متاحا للسيسي الآن.
2. إحياء "الوطني"
السيناريو الثاني أقرب لتنويعة جزئية على الأول، ويبتعد عن إشكالية تباين المصالح والتوجهات بين أطراف التحالف. ويتلخص في تبنى السيسي عملية لإحياء الحزب الوطني بصيغة جديدة. ليعيد تطبيق وسائل وتكتيكات الوطني في الهيمنة على المجال الحزبي، ومن ثم على البرلمان. ليس مستبعدا نزوع السيسي لبناء حزب من العناصر الأكثر موالاة، فيما يترك أصحاب الطموحات الذين يخرجون عن الإطار المحدود للممارسة السياسية الذي رسمه السيسي للقيام بدور المعارضة.
إغواء هذا السيناريو يكمن في أن شبكات الزبائنية السياسية التي شكلت عماد الحزب الوطني طوال عهد مبارك. لم تزل باقية، وإبقاء دائرة المصالح ذاتها بعلاقاتها الطفيلية مع الدولة ليس صعبا. وقد بينت أنها من التجذر الاجتماعي بمكان، فرغم وقوع ثورة كان أحد محركيها الأساسيين هو الغضب من حجم التفاوت والفساد الاقتصادي الذي يمكن نسبه لهذه الصيغة الزبائنية، بقيت دوائرها حية، بما يؤشر لقدرة لديها في الاستمرار في مواجهة الضغوط الشعبية، والعودة إلى التحلق حول السلطة.
لا ينسى صناع المجال السياسي الجديد كيف قدمت فئة المحاسيب4 التي رعاها مبارك الكثير من عناصر حزبه القيادية؛ وكيف ارتبطت أعمالهم بخدمة البنية الاحتكارية للاقتصاد، فيما سعوا لتعضيد هيمنتهم الاقتصادية، عبر توجيه أدوات المال السياسي في نطاق مجتمعات الفقر والهوامش. وقد حصدوا بفضل ذلك مقاعد تمثيل هذه المناطق كمنضوين في الحزب أو كمستقلين. وامتلكوا حضورا برلمانيا مؤثرا سواء بأنفسهم أو عبر نواب يرتبطون بهم مصلحيا. هذا الحضور كان يفوق الأحزاب جميعها، وبان أثره في آخر دورتين برلمانيتين في عهد مبارك.
ممارسات هذه الفئة المعتمدة على حصاناتها البرلمانية، كانت معادلا موضوعيا للفساد، ولم يزل الطموح يدفعها لاستعادة ميزات هذا الموقع5. المتأمل لواقع النظام الاقتصادي ونوعية التشريعات الجديدة التي تحكمه سيدرك أنهم لم يبارحوا موقعهم الاقتصادي المهيمن.
يعمل هذا السيناريو على الاستفادة من صيغ الماضي الموروثة، يعزز من هذا أن حزبا يضم كوادر الوطني ومحركي شبكاته الزبائنية سيسهم في لجم طموح العسكريين وممثلي بيروقراطية الدولة الأمنية، ويعطل سعيهم الحثيث إلى الهيمنة على المجال الحزبي. كما أنه سيعيد ترسيم مساحات النفوذ التي فقدها رجال الأعمال وصورة علاقتهم بالنظام. طبقة رجال الأعمال في العموم انخرطت في تحالف الثلاثين من يونيو، ورغم هذا لم تزل مواقف النظام منهم متفاوتة. إذ ينظر لبعضهم كمغضوب عليه بسبب طبيعة طموحاته، والدلائل تتعدد في استمرار علاقة قلقة بين هؤلاء والنظام، كنجيب ساويرس، الذي يعلن ميولا سياسية تنأى نسبيا عن مواقع النظام، أو بسبب من علاقاته بالخارج. ويؤثر السيسي – ربما إلى حين- تجميد التعامل مع آخرين من أصحاب النفوذ الاقتصادي والعشائري (رغبة في التخفف من مسئوليات ماضيها الثقيلة) خصوصا من العناصر التي ارتبطت مباشرة بجمال مبارك، والدائرة العليا للحزب الوطني، ومثالهم البارز أحمد عز. فيما قرب بديلا عنهم من الرأسماليين الصاعدين كأحمد أبو هشيمة ممن حفزهم الطموح لتبوؤ مكانة المقصين وشغل مواقعهم القريبة من السلطة. ورغم هذا التفاوت يظل هؤلاء جميعا جزءاً من آلة الزبائنية السياسية، ويبدو خيارهم في القرب النسبي من النظام محسوما، بسبب طبيعة عمليات توزيع المزايا والنفوذ التي تحضر فيها الدولة بقوة.
دمج كوادر الوطني وفاعلي شبكاته القديمة في كيان واحد كمشروع بدأ من بعد نجاح الثورة في إقصاء مبارك ظل متعثرا. فوسطاء العلاقات الزبائنية من بيروقراطية الدولة التي اختلطت بالحزب الوطنى، مضى أبرزهم في محاولة التلون السياسي، وقادت السبل بعضهم إلى التخفي في الأحزاب والقوى السياسية القائمة. والمتأمل لخرائط التحالف الحزبية الراهنة سيتعرف على مداخل ثلاثة استخدمت لتدوير كوادر الوطني القيادية6؛ أهمها:
- التدوير عبر أحزاب أسسها فاعلو الحزب الكبار، وخاصة حزب الحركة الوطنية بزعامة شفيق، وحزب مصر بلدي بزعامة أبو حسين. نستطيع القول مطمئنين أن اللاعب الرئيس في "الجبهة المصرية" هو الحزب الوطني القديم، بسبب ضخامة عدد قيادات الوطني السابقة فيه7؛
- المدخل الثاني كان التدوير عبر استيعاب المعارضة المتحالفة مع نظام مبارك لبعض من كوادر الوطني المعروف عنها قدرتها على حسم مواقعها الانتخابية بسبب ارتباطاتها العشائرية ونفوذها المناطقي، ومن هذه الأحزاب التي ضمت عناصر الوطني نجد "حزب الوفد" بزعامة السيد البدوي، و"حزب الغد" بزعامة موسى مصطفى، فضلا عن "حزب الجيل" بقيادة ناجي الشهابي؛
- والنمط الأخير هو التدوير عبر التعاون مع الكتل الحزبية ممن يعرفون بنواب الخدمات من خلال تمريرهم من باب المستقلين. وهذه ربما تكون الفئة الأكثر تأثيرا؛ فما منحه القانون من نسبة للمستقلين للمنافسة على مقاعد البرلمان يتيح لهؤلاء استعادة مواقعهم. وهؤلاء بنجاحهم ينفتح الباب أمامهم لاحقا للانتساب للأحزاب، وبما يضمن لاحقا مواقع قيادية فيها مقابل الدخول في هيئاتها البرلمانية، كما قد يحفزهم على الانضواء في حزب وطني جديد إذا ما مال السيسي لهذا الخيار.
لا يخفي العديد من كوادر الوطني شعورهم بالمرارة من تخلي السيسي عنهم، لصالح الأحزاب المنضوية في قائمة في حب مصر والتي يسيطر عليها العسكريون المتقاعدون، وتحظى بعلاقة مباشرة مع أجهزة الاستخبارات والقوات المسلحة. هذا رغم أنهم قدموا له الدعم الواسع لدى انتخابه8.
إن قائمة مصر التي تشكلت من الجبهة وتيار الاستقلال تنافس قائمة في حب مصر في دائرتين على الأقل في نظام القوائم . كما أن حزب الحركة الوطنية بزعامة شفيق قد طرح أكبر عدد من مرشحي دوائر الفردي في مصر. وهو ما يشير لجزء من هذه الميزات التي يملكها فلول الوطني وشبكاته القوية9. لكن في الأخير يتوقف تحقق هذا السيناريو على نتائج اختبار الانتخابات، وإثبات هذه الكتلة قدرتها على حسم مواقعها البرلمانية، يما يقنع السيسي في أن يطرح تأسيس حزب جديد يضمهم. ولعل من الحوافز التي قد ترجح ميل السيسي لهذه الكتلة واستثمار دوائر الزبائنية المحلية، أن انتخابات المحليات ستأتي خلال أقل من عام من انتخاب مجلس النواب الجديد. وهي ساحة للعب ظلت كوادر الوطني المرتبطة بالبيروقراطية المحلية والعشائر متمكنة فيها.
3. حزب للعسكريين
لا يمكن القول بأن تحول العسكريين في مصر إلى مكون طبقي وليد اليوم، فطوال عصر مبارك برز السعي إلى تكوين طبقة مركزها الانتماء لمؤسسات قطاع الدفاع والأمن والانضواء في دائرة مصلحية تحوطها حزم من الامتيازات تميزهم عمن سواهم. وصار هذا الأمر الأقرب إلى حقيقة اجتماعية، تسند الطموح السياسي المتصاعد لدى عدد كبير من العسكريين المتقاعدين، وبعضهم من بين القيادة العليا للقوات المسلحة التي كانت فاعلة في الإطاحة بمرسي، وكذلك الأكثر تأثيرا من المنتسبين للأجهزة الاستخبارية10. وبعكس انضمام كوادر الوطني السابق للأحزاب القائمة، يمثل انضمام العسكريين بشكل كبير لهذه الأحزاب ظاهرة غير مألوفة في الحياة السياسية في مصر. ففي الماضي، فضل العسكريون العمل السياسي من وراء الستار، وقليلهم من ألف الحياة الحزبية، أو آمن بجدواها11.
هذا الحال قد يدفع السيسي لوضع رهاناته على تشكيل حزب للعسكريين، منطلقا من خشيته من استعادة خصومه قدراتهم الحشدية المؤثرة، التي لن يجدي طويلا العمل ضدها بالذراع الأمنية وحدها. فبعض خصومه وأبرزهم جماعة الإخوان المسلمين لا شك تمتعوا بقدرات تنظيمية وقواعد جماهيرية فاعلة، من شأن تحريكها بالوسائل التي اتبعت في عصر مبارك، أن تحرج وصوله لامتلاك كتلة حزبية مهيمنة في البرلمان.
يدرك أغلب العسكريين من أصحاب الطموح أن السلاح قد رسم ملامح المجال السياسي بتحرك الجيش ضد الرئيس المنتخب في يوليو 2013. ويؤمنون أن النجاح في فرض الاستقرار وإقصاء الخصوم السياسيين، هو ما يرشح استثمار دور أهل السلاح في ساحات الصراع الحزبي. أحد العوامل التي قد تحكم حسابات السيسي يتمثل في إمكان موازنة العسكريين لقدرات أصحاب المال وقدرات بيروقراطية الدولة وشبكاتها المتجذرة في المحليات في اجتذاب الجماهير لصالح السلطة.
المكون الأمني يتوافق في عمومه على أن التهديد الأساسي للنظام الجديد يأتي من جماعة الإخوان، وأن إجهاض تحركات الأخيرة، وتوجيه ضربات قوية للتنظيم، ومصادرة موارده، والاستمرار في الملاحقات الأمنية لقياداته ضرورة. لكن البعض بينهم يحاجج بأنه لا سبيل لإنجاز هذا الهدف، عبر أدوات الأمن وحدها، ولا بحملات الإعلام الموجه بالغة التطرف. ثمة من يرون أن إيجاد مكون حزبي قوي، يمكنه أن يهيمن على المؤسسات التمثيلية هو جزء من مهام "تفويض يوليو 2013" . تدفعهم لهذا الطرح الخشية من أن يضطر النظام مستقبلا - تحت الضغوط الدولية والمحلية - إلى إعادة استيعاب الإخوان ضمن الفضاء السياسي، وقفا للتنازع الراهن، أو على الأقل بغية إحالته من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي12. وتتلاقى أصوات هؤلاء مع أصوات تتصاعد من بين رجال الأعمال المؤثرين، حذرت من مغبة الاستمرار في الخط الأمني13.
من هنا يبدو أن وجود كتلة سياسية قوية توازن -إن لم تلجم- الإخوان وخصوم النظام، يدفع بهذا المكون لإقناع السيسي بإنشاء حزب مسيطر. يتفق المعتدلون بين هؤلاء على أنه في حال المصالحة مع الإخوان والقبول بمشاركة ما للإسلاميين، فإن أقصى حصة "تنفيس سياسي" يمكن تركها لمجمل القوى الإسلامية (بما فيها الإخوان) محدودة "بسقف الخُمس"، جريا على المستفاد من دروس عهد مبارك، ونجاح إدارته القمعية للمجال السياسي، على النحو الذي قلص فرص وصول الإخوان والتيار الإسلامي إلى السلطة ضمن هذه النسبة غير الحاكمة. الحرمان من فرص تكوين أي نسب حاكمة يظل هو الملمح الأساسي في نموذج الحزب المسيطر.
ثمة استدراك واجب ههنا، فلا يمكن الجزم حاليا بوجود كتلة واحدة تمثل الطبقة العسكرية بوضوح. ومسعى رموزهم التي تجد في الهيمنة على الفضاء الحزبي متوقف على مدى رضاء السيسي ودعمه لخياراتها. أغلب المجموعات والأحزاب التي يتصدرها العسكريون حسمت وجودها ضمن قائمة في حب مصر، التي تحظى بأوسع الفرص للمنافسة على المقاعد البرلمانية في نظامي القائمة والفردي. لا زال المشهد في هذا السيناريو قلقا، فأصوات بين العسكريين أظهرت نوعاً من المعارضة للسيسي بما سبب الارباك، وكشف عن صورة لعدم توحد العسكريين خلف السيسي. وفي العموم، يظل تحول المحسوبين على الطبقة العسكرية لحزب يقوده السيسي مرتهنا بنفس الشروط التي تحكم سيناريو إحياء الوطني؛ أي انتظار نتائج الانتخابات. كذلك يتوقف على صورة التوازنات التي يود السيسي صنعها بين مختلف القوى الداعمة له، ومدى تخلصه من هاجس استقواء العسكريين في مواجهته لاستنادهما للطبقة والمؤسسة ذاتها لدرجة قد تفضي لنواتج عكسية تقلل من قدرته على الهيمنة والتفرد.
4. حزب المستقلين
تفتح النسب العالية المخصصة لنظام الانتخاب الفردي14 الباب واسعا أمام استعادة أحد أبرز سمات المباركية، وهي هيمنة المستقلين على المجلس النيابي. تلك السمة التي تطورت ملامحها وديناميات إنتاجها في الفضاء الحزبي عبر العقد الأخير من حكم مبارك. المتأمل لما يطرحه السيد البدوي رئيس حزب الوفد سيجد تسيدا للنظرة المتشائمة لدور الأحزاب حتى بين المنضوين في تحالف 30 يونيو، مثل حزب الوفد الذي بالرغم من تحالفه مع قائمة في حب مصر، يتوقع رئيسه حصول المستقلين على ما يفوق 70% من مجمل المقاعد البرلمانية في إشارة واضحة إلى مدى ضعف الأحزاب مجتمعة. كتلة تقارب ثلاثة أرباع المجلس هي بالضرورة كتلة كبيرة من شأن السيطرة عليها أن تبقي الأحزاب جميعها مجرد "أقلية". ولو انتهى الحال لما توقعه البدوي، فنحن باليقين إزاء عنصر اغواء قوي قد يدفع بالسيسي لارتداء ثوب السادات، وتشكيل حزبه الخاص، قفزا فوق حلفائه الحزبيين المتصارعين، وذلك باستخدام أولئك الذين خاضو الانتخابات دون لافتات حزبية. بمثل هذه الخطوة يتحرر نسبيا من ضغوط داعميه الملوحين بفواتير رفعه لمنصب الرئاسة، سواء عسكريين أو بيروقراط، كما سيسحب السيسي الكثير من قوى هاتين الكتلتين، خصوصا المتحكمين في شبكات الزبائنية ممن يتلخص سعيهم السياسي في تلك المبادلة المنفعية مع الدولة. ويبني ما يعبر عن حزب السلطة بعيدا عن الدوائر القديمة، تاركا قوى الثلاثين من يونيو في موقع معارضة مستأنسة، مضمونة الجانب، إذ صنعها على عينه. وليس بمستبعد إن أقدم على خطوة كهذه أن تتفكك الكثير من الأطر الحزبية الراهنة، والتي لا تعدو كونها لافتات مؤقتة لمجموعات مصلحية تحاول الاقتراب من السلطة.
هذه هي السيناريوهات الأربعة التي يمكن أن تدور فيما بعد الانتخابات، وتحقق للسيسي هيمنة على البرلمان، وضبط إيقاع علاقات السلطة التنفيذية والتشريعية ضمن حدود يرسمها هو. تدور ضمن فضاء سياسي منخفض السقوف لحد غير مسبوق، ووفق تلويح بعصا القهر، والتشريعات المقيدة. وكلها تدور تحت عنوان إحياء المباركية لكن بلافتات جديدة.
هوامش
1- الجنزوري رجل بيروقراطية الدولة المصرية العتيد الذي شغل منصب رئيس الوزراء مرتين إحداهما أيام مبارك والأخرى مع المجلس العسكري بعد الثورة، جرى تكليفه في نهايات 2014 بإدارة عملية تفاوضية لجمع شتات الأحزاب الصغيرة في قائمة موحدة ليخلف سابقيه عمرو موسى الأمين السابق للجامعة العربية والذي رأس حزب المؤتمر، وكذلك مراد موافي مدير المخابرات العامة المصري السابق. ومع فشل الجنزوري سارت المفاوضات) جهة صنع قائمتين متنافستين، وقد أُسندت مهمة التفاوض لدمجهما إلى اللواء سامح سيف اليزل. انظر دراسة الباحث المنشورة بمجلة سياسات عربية: عبده موسى، تركة مبارك لا تزال تحكم: إلى أي وجهة تأخذنا الانتخابات البرلمانية القادمة؟"، سياسات عربية، عدد 13، مارس 2015. ص. 50.
2- التعبير للدكتور نور فرحات أحد أبرز رموز قائمة صحوة مصر والمؤيد لتحالف يونيو. أنظر: باسل باشا، "نور فرحات موضحا أسباب انسحاب قائمة "صحوة مصر": مسرحية إعادة إنتاج نظام مبارك أوشكت على الإنتهاء"، البداية، 11/9/2015. على الرابط: http://albedaiah.com/news/2015/09/11/96518
(آخر مشاهدة في11/10/2015)
3- في أغسطس 2015، استقالت هالة شكر الله رئيسة حزب الدستور الذي أسسه محمد البرادعي وضم عددا كبيرا من الشباب الثوري الليبرالي. انظر: كريم كيلاني، "الدستور يقبل استقالة شكر الله ويعين جمعة قائما بأعمال رئيس الحزب"، الوطن، 22/8/2015. على الرابط: http://www.elwatannews.com/news/details/791082 (آخر مشاهدة في 30/8/2015).
4- نتبنى تعبير المحاسيب وفق ما قدمه تحليل الدكتور محمود عبد الفضيل لطبيعة العلاقة بين المال والسلطة في عصر مبارك. وتطويره لمفاهيم مثل البلوتوقراطية (وتعني حكم الأثرياء) و كليبتوقراطية (وتعني حكم السارقين). انظر: محمود عبد الفضيل، رأسمالية المحاسيب: دراسة في الاقتصاد الاجتماعي، (القاهرة: دار العين للنشر، 2011).
5- دراما عودة أحمد عز القيادي بالحزب الوطني للحياة السياسية تبز كمثال في هذا الخصوص. فالرجل الذي اعتقل مع الأيام الأولى للثورة بغرض تهدئة الجماهير التي كانت تنسب إليه التزوير الواسع في انتخابات 2010، نال البراءة الباتة بعد أربع سنوات من المحاكمة، وقرر بجرأة خوض الانتخابات حتى جرت اعاقته (إعاقته) بمعول قانوني لا يبعد في تقديرنا عن وجود إرادة للسلطة وراءه باعثها الخشية من حمل فواتير ثقيلة للنظام السابق. انظر: "الإفراج عن أحمد عز أحد أقطاب الصناعة المتهم بالفساد في عصر مبارك"، فرانس 24، 8/8/2014. على الرابط: http://goo.gl/8IWDmq (آخر مشاهدة في 30/8/2015). وكذلك: محمد غريب، "لجنة الانتخابات توضح سبب رفض أوراق أحمد عز وتوفيق عكاشة وبعض القوائم"، المصري اليوم، 16/9/2015. على الرابط: http://www.almasryalyoum.com/news/details/812151 (آخر مشاهدة في 20/9/2015).
6- بدأت عملية التدوير مبكرا مع أول انتخابات برلمانية عقب الثورة، اندماج الاحزاب الصغيرة التي تعبر عن دوائر مصلحية وعشائرية ترسخت بفضل الاستثمار السياسي لصيغة زيائنية مع حزب السلطة، وكانت وسيلة للتلون والفرار من الملاحقة وقد عملت على استغلال المناخ المفتوح وحاولت تكوين أدوات حماية تحسبا لتبعات حل الوطني وتوقع العزل السياسي للبعض. ظهرت منها أسماء مثل حزب الحرية، وحزب مصر التنمية (ومن قياديه يمن حماقي البارزة في لجنة السياسات والمقربة من جمال مبارك)، وحزب المواطن المصري (أسسه محمد رجب آخر رئيس للحزب الوطني الذي تولى رئاسته لأسابيع بعد الإطاحة بمبارك)، وحزب الاتحاد (ونسب إلى حسام بدراوي القيادي بالحزب)، وحزب مصر الحديثة (أسسه وليد دعبس القيادي والداعم لجريدة الحزب الوطني)، وحزب مصر القومي (رأسه طلعت السادات الذي تولى رئاسة الوطني بين تخلي مبارك عن رئاسة الحزب قبيل خلعه). أنظر: "انتخابات مصر: أحزاب وتحالفات"، الجزيرة، 11/10/2011. على الرابط: http://goo.gl/QieNiu (آخر مشاهدة في 30/8/2015).
فحزب "الحركة الوطنية" الذي أسسه أحمد شفيق أحد رموز عصر مبارك وآخر رئيس لوزرائه، نائبه هو الدكتور صفوت النحاس عضو الأمانة العليا للوطني رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ووزير التنمية المحلية وكان أحد قيادات الإدارة المحلية الكبار، أما أمين الحزب فهو الدكتور علي المصيلحى وزير التموين بحكومة أحمد نظيف والذي شغل مناصب مهمة بلجنة السياسات بالحزب الوطني ومثل الوطني في مجلس الشعب في 2005، أما الدكتور محمد كمال أمين التثقيف والتدريب بالحزب الوطني المنحل والمقرب من جمال مبارك فهو عضو بأمانته العليا. إذا كان هذا الحزب يعبر عن الجانب المركزي لبيروقراطية الدولة، ويرتبط بشكل لصيق مع طبقة رجال الأعمال، فإنه يقابله من الجهة الأخرى حزب "مصر بلدي" الذي أسسه قبل عام قدري أبو حسين أمين الصعيد وعضو الأمانة العليا للحزب الوطني وسكرتير عام محافظة القاهرة السابق. يعبر "مصر بلدي" عن قوة الشبكات الزبائنية المحلية للحزب الوطني، وحالة التداخل العضوي التي كانت شائعة بين أجهزة الإدارة المحلية والحزب ضمن صيغة "حزب السلطة". ضم "مصر بلدي" محمد عبد اللاه الأمين العام المساعد للحزب الوطني المنحل، وهو الآن نائب رئيس "مصر بلدي" للشئون الخارجية وهو نفس المنصب تقريبا الذي كان يشغله في الوطني، والدكتور سعد نصار، محافظ الفيوم الأسبق والذي رأس لجنة الزراعة بالحزب الوطني، يشغل حاليًا موقع نائب رئيس حزب "مصر بلدي" للخدمات، أما أمينه العام فهو اللواء سمير سلام محافظ المنيا وأحد أبرز مرشحي الحزب الوطني في الانتخابات البرلمانية 2010.
7- ننوه ههنا أنه في أجواء موجة الثلاثين من يوليو 2013 أعاد حكم المحكمة الإدارية لأعضاء الحزب الوطني السابق إمكانية الترشح للانتخابات والعودة الكاملة للحياة السياسية.
8- الصورة التي رسمها القيادي السابق حيدر بغدادي بينت هذا، حين صرح بأن " الوطني لم يغادر الحياة السياسية"، ولما أضاف مزهوا بأن الحزب قد "وقف وقفة قوية خلف السيسي في الانتخابات الرئاسية". وحرك قيادي الحزب جزءاً من حملة داعمة للسيسي تحت عنوان "قرار الشعب"، كما رصدت بعض الصحف أكثر من قيادي من قياديي الوطني يقودون حملات واسعة لدعم السيسي. انظر: حسن عبد البر، بالدعاية والتأييد: رجال الوطني يدفعون السيسي ليكون مبارك، البديل، 28/5/2014. على الرابط: http://goo.gl/Keo3j3 (آخر مشاهدة في 15/9/2015)
9- ربما تثير العلاقة الملتبسة بين السيسي وأحمد شفيق الرجل القوي ضمن هذا التيار شكوكاً وجيهة لدى البعض حول إمكانية استحواذ السيسي على هذه الكتلة. لكن موقع شفيق نفسه ضمن هذه الكتلة قد تأرجح بسبب مواقفه الناقدة للسيسي، وطرح أمر استقالته من حزب الحركة الوطنية للحفاظ على العلاقة مع السيسي والنظام. كما أن كتلة الجبهة بعمومها تنظر إلى السيسي كمعزز لوجودها، وإن مال أكثر جهة كتلة في حب مصر، التي يتقدمها العسكريون.
10- خلال العامين الماضيين تداولت أخبار عن المساعي لإنشاء أحزاب وتشكيل كتل للمتقاعدين يترأسها بعض من كبار القادة العسكريين والاستخباريين. من هذه الأسماء مدير المخابرات العامة السابق اللواء مراد موافي الذي طرح حزبا باسم الريادة"، وقد طرحت رهانات عديدة على الرجل القوي وخاض جزءاً من عمليات توحيد الصفوف لجبهة في حب مصر قبل أن ينزوي، انظر: http://www.el-balad.com/1004283 ، أما الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري والمحرك الأساسي لمرحلة حكم المجلس العسكري فقد حكمت له المحكمة الإدارية العليا بتأسيس حزب مصر العروبة الديمقراطي أواخر يناير الماضي: انظر: http://goo.gl/L1VIjZ هذا علاوة على وكيل المخابرات العامة السابق والمرشح للانتخابات الرئاسية في 2012 حسام خير الله انظر: http://goo.gl/AwBI6D. ومع إعلان القوائم الانتخابية بان أن عددا من هؤلاء العسكريين قد انزوى بعد حملة ناقدة لمجاوزة طموحاتهم ما أراده السيسي، وبعضهم تقلص حضوره لمستوى أقل. لكن في العموم تصاعد عدد المتقدمين للانتخابات من قيادات الصف الثاني لمستوى غير مسبوق، انظر: عبد الغني دياب، "بالأسماء، العسكريون إلى الصدارة في انتخابات النواب"، مصر العربية، 21/9/2015. على الرابط: http://goo.gl/W0qv6Q (آخر مشاهدة في 11/10/2015).
11- انضمام العسكريين للأحزاب القديمة خصوصا الوفد جنبا إلى جنب مع كوادر الحزب الوطني كان لافتا أيضا، لكن يبدو أن التفضيل الأكبر كان بتولي العسكريين زعامات حزبية مؤثرة عبر لافتات جديدة غير محسوبة على أحد ودون روابط سابقة. والأمر تغير مع الوصول لخط النهاية قبل انتخابات البرلمان. فقد تقلص طموح عدد كبير من كبار العسكريين، ربما نتيجة الخوف من أن ينافسوا صورة السيسي نفسه. فيما اندمج الكثيرون من الصف الثاني في قوائم قائمة أو تحت لافتات حزبية صغيرة تعمل ضمن قائمة في حب مصر.
12- نموذج لهذه النصائح نجده لدى القيادي الليبرالي محمد البرادعي. ففي معرض رده على سؤال مجلة داي بريس النمساوية عن تطلعه الدائم إلى وجود طبقة وسطى ليبرالية، وحقيقة الانقسام الذي تعاني منه مصر، قال: "المجتمع في مصر منقسم وغاضب للغاية ولا يمكن أن يتصور أحدهم أن الاسلاميين سيتلاشون في الهواء! لقد كان من الخطأ دفع الإخوان المسلمين للعمل خارج نطاق القانون مرة أخرى". وأضاف أن الاعتدال "يلزم بالسعي إلى دمج الإسلاميين في العملية السياسية، وبغير ذلك سينتشر العنف والتطرف... فمن المستحيل الاستمرار في شيطنة الإسلاميين إلى الأبد، مثلما هو الحال في مصر الآن". انظر:
Christian Ultsch, ElBaradei: Viele Muslime fühlen sich vom Westen wie Dreck behandelt, Die Presse, 24/1/2015. retrieved from:
http://diepresse.com/home/politik/aussenpolitik/4646594/ElBaradei_Viele-Muslime-fuhlen-sich-vom-Westen-wie-Dreck-behandelt?_vl_backlink=/home/index.do
13- أدلى رجل الأعمال نجيب ساويرس لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بتصريحات استنكر فيها ممارسات النظام ضد الإخوان، وأكد أن تظاهرات 30 يونيو قامت ضدهم عندما كانوا في السلطة بسبب نفس الممارسات، مطالبا بالبحث عن حل لما يحدث في مصر وما وصفه بالاتجاه ـ"غير الصحيح"، مبررا ذلك بأنه: "لا يمكن أن تضع مليوني شخص في السجون. انظر: أحمد أبو عزب، ساويرس يغازل الإخوان، العربي الجديد، على الرابط: http://www.alaraby.co.uk/medianews/f6698a81-3376-4847-9eb6-c4635cf146a1
14- مسألة انحياز النظام الانتخابي للنظام الفردي الذي يفتح الباب واسعا لهيمنة المستقلين على حساب قوائم الأحزاب أثار الكثير من الجدل ونظر إليها كطريق لتحجيم الحياة الحزبية في مقابل توسيع مساحة نواب الخدمات وأدوار الشبكات الزبائنية في ضبط المجال السياسي. ففي حين تنافس القوائم على 120 مقعدا، ضمن أربع دوائر انتخابية ضخمة المساحة، نص القانون الذي صدر في يونيو 2014 على أن يتشكل مجلس النواب من 567 عضوا، 540 منهم منتخبون و27 يعينهم رئيس الجمهورية، عبر نظام انتخابي خليط، خصص ثلاثة أرباعه تقريبا (420 مقعدا) للتنافس بالنظام الفردي (فيما الربع فقط (120 مقعدا) متروكة لنظام القوائم المغلقة المطلقة يذكر أن القانون الذي أقره عدلي منصور قبل انتهاء فترته قد اشترط أن تضم القوائم 24 مسيحيا على الأقل، و 54 امرأة. كما ينص على أن نصف الأعضاء المعينين من الرئيس على الأقل يجب أن يكونوا من النساء، وحدد حدا أدنى للعمال والفلاحين (16 مقعدا) وللشباب ممن تقل أعمارهم عن 35 عاما ( 16 مقعدا) وللمعوقين ثمانية مقاعد وللمصريين المقيمين بالخارج ثمانية مقاعد. وقد أبقى السيسي على هذا التقسيم. انظر: "عدلي منصور يقر قانونا جديدا للانتخابات البرلمانية" الجزيرة، 6/6/2014. على الرابط: http://goo.gl/UwiKkG (آخر مشاهدة في 30/8/2015).