قصة قصيرة لمؤلّف أميركي مجهول*
كان هناك تاجر نشيط ومجدّ يمضي معظم وقته خارج البلاد ملاحقاً تجارته. وفي أثناء إحدى رحلاته، التي استمرت أكثر من عامين، وقعت زوجته في حبّ جار شابّ. لم يتمكّن العاشقان من السيطرة على عواطفهما المتأجّجة مما دفعهما إلى لقاء سريع، وأقاما علاقتهما بطريقة خرقاء، إذ إنه بعد مضيِّ حوالى تسعة أشهر، اكتشفت زوجة التاجر أنها حامل للمرة الأولى. وكانت دهشة التاجر لدى عودته إلى المنزل كبيرة حين اكتشف هذا المكسب الجديد للأسرة، وسأل زوجته إن كان الحمْلُ قد تم بفعل معجزة تجعلهما مدينين لها.
أجابت الزوجة: كنتُ في أحد الأيام، يا سيدي، أتكئ إلى النافذة في أعلى الدرج، أنفّس عن أحزاني بسبب غيابك، حدث هذا في فصل الشتاء، وكان الثلج يتساقط بغزارة، وحين رفعتُ عينيَّ الباكيتين المتضرّعتين إلى السماء، وأطلقتُ تنهيدة لدى التفكير بك، شقّتْ ندفةٌ من الثلج بالمصادفة طريقها إلى فمي، وعلى الفور اكتشفت أنني حملتُ بهذا الطفل الذي تراه".
لم يعبّر التاجر لدى سماعه القصة عن أعراض سخط أو استياء. وإنما قال:" شكراً للربّ، كنتُ أتمنى الحصول على وريث، وها قد أرسله إليَّ. شكراً له على هذه الهبة المُرْضية".
منذ ذلك الوقت عبّر التاجر عن رضاه الكامل، فلم يقرّع زوجته أدنى تقريع، بل عاشا متفاهمين جيّداً كما كانا من قبل. إلا أن هذا كان نفاقاً، فقد صمّم بينه وبين نفسه على الانتقام حين تسنح الفرصة.
كبر الطفل، وبلغ الخامسة عشرة، ففكّر التاجر، الذي كان ما يزال مشروع الانتقام يشغل ذهنه، أن يضع هذا المشروع موضع التنفيذ الجدي. قال لزوجته في أحد الأيام:"حبيبتي، سأتركك وأسافر مرة واحدة فأرجو ألا تحزني إذا ما فعلتُ هذا. سأنطلق في رحلة طويلة غداً، وأرغب بأن تجهزي متاعي، وكذلك متاع ولدي: إذ أنوي أن آخذه معي، كي يكتسب بعض المعرفة في التجارة في بداية شبابه."
أجابت المرأة: يحزنني كثيراً سماع أنك ستأخذه إلى خارج البلاد في الحال؛ ولكن بما أن هذا يرضيك ويفيده، لا يسعني سوى الموافقة". وبعد أن رُتّبتْ المسائل، انطلق التاجر باكراً في اليوم التالي، وأخذ معه طفل الثلج بعيداً.
لا حاجة للتحدث عن تفاصيل الرحلة، أو وصف البلدان التي مرّا فيها. يكفي أن نذكر أن التاجر حين وصل إلى جنوة، التقى بتاجر عربيٍّ متوجّه إلى الاسكندرية، فباعه الفتى كعبد. وبعد أن أنهى تفاصيل تجارته ببطء شديد، عاد إلى الوطن.
إن خيال مائة شاعر سيعجز عن وصف اضطراب المرأة حين رأت التاجر يعود من دون ابنها. نتفتْ شعرها، وانتابتها نوبة من الجنون. وبعد أن استعادت عافيتها طلبتْ من زوجها أن يخبرها ما الذي حدث للفتى. كان الزوج يتوقع كل ذلك البكاء الهستيري فلم يربكه تقديم جواب.
قال:" يا زوجتي، إن شخصاً لا يصل إلى عمري دون امتلاك تجربة في العالم، ومن دون أن يعرف أنه من الضروري أن يصالح المرء نفسه مع كل ما يمكن أن يحدث. إذ ما الذي نربحه إذا استسلمنا للألم؟ أصغي بانتباه إلى وقائع المصيبة التي حلّتْ بنا في البلاد التي عدتُ منها: كنت أنا وابنك في يوم شديد الحرارة والرطوبة نتسلّق جبلاً مرتفعاً شديد الانحدار. وفي حوالى الظهيرة، كانت الشمس عمودية فوق رأسينا، وتحترق كالجحيم. وفجأة رأيتُ ابنكَ يذوب ويتلاشى أما عينيّ! كنت سأقدّم له المساعدة، ولكنني عرفتُ أن هذا سيكون بلا فائدة حين أن تذكرتُ أنه خرج من ندفة ثلج كما قُلْتِ لي".
فهمت الزوجة جيداً ما عناه التاجر فلم تتجرأ على البكاء، واضطرت إلى ابتلاع الشراب الذي خمّرتهُ.
[ترجمة أسامة إسبر]
*إن مؤلف هذه القصة مجهول. نُشرت القصة لأول مرة في مجلة ماسّاتشوسيتس، كانون الأول\\ديسمبر، 1792، ثم اختيرت في أنطولوجيا القصة القصيرة الأمريكية التي حررها يوجين كرينت غارسيا وبيرت هتشكوك، والصادرة عن دار هاربر كولينز. وتغطي هذه الأنطولوجيا تطور القصة القصيرة في أمريكا منذ 1789 إلى 1975.