شهدت مصر في الآونة الأخيرة تصاعداً غير مسبوق في أحداث العنف المادي المتبادل، فمجازر الدولة تجاه الإسلاميين بشكل خاص والاعتقالات العشوائية لما يزيد عن أربعين ألف شخص حسب التقارير، والممارسات السلطوية ضد كافة خصوم النظام المصري الحالي، والحملات الأمنية الشرسة التي بلغت ذروتها بتهجير مئات الأسر وتدمير آلاف المنازل في شرق رفح ومدينة الشيخ زويد، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى، القدرات العسكرية الصادمة وغير المسبوقة لتنظيم "ولاية سيناء " والتي مكّنت التنظيم "الداعشي" من مهاجمة خمسة عشر موقعاً عسكريًا مصرياً في سيناء في توقيت واحد، في الأول من يوليو 2015، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ العسكرية المصرية. ومن جانب ثالث، تتزامن هذه الأحداث مع عمليات عنف نوعية أخرى موجهة ضد البنية التحتية، وتفجيرات موجهة ضد قيادات أمنية وشخصيات حكومية بارزة أودت مؤخراً بحياة النائب العام المصري الأسبق هشام بركات .
على خلفية هذه الأحداث غير المسبوقة ، قُدمت الكثير من التحليلات الخاصة بالآثار السياسية لهذه الأحداث واستشراف مستقبلها وتطوراتها الكمية والنوعية، وأكدت بعض هذه الدراسات على أن مصر قد دخلت بالفعل "عصر الجهاد" وأنها على خطى ليبيا وسوريا والعراق واليمن في الطريق إلى حرب "الكل ضد الكل" أو "الحرب الأهلية". وهذا راجع في رأي بعض المختصين إلى تزايد "الحاضنة الشعبية" المتعاطفة مع أعمال العنف ضد الدولة، والتي توفر "شبكات حماية" لجماعات السلفية الجهادية.
هناك اعتقاد قَبلي يثوي داخل تلك التحذيرات؛ يفترض بالأساس أن هناك مساحة اجتماعية وحضرية واسعة للتمدد أمام الإسلام الجهادي في مصر، إمّا عن طريق التربة الخصبة لأوضاع الفقر والتهميش والهجرة من الريف إلى المدن والاستبعادات الأصلية التي تضرب بجذورها في مصر على المستوىين الاجتماعي والبيروقراطي في آن واحد ، تلك الأوضاع التي طالما نُظر إليها كسبب بنيوي رئيسي في التوجه للعنف الإسلامي ، أو عن طريق تحوّل جماعة الإخوان المسلمين لانتهاج العنف السياسي على خلفية المجازر والاضطهاد المستمر الذي تتعرض له من الدولة منذ عزل الدكتور محمد مرسي من الحكم .
وعلى ذلك، يروم هذا المقال وضع هاته المقولات موضع المساءلة السوسيولوجية التجريبية، وخاصة فيما يتعلق بالمقولات الاجتماعية القصوى التي تعيد إلى الأذهان المقولات البنيوية الكلاسيكية، التي حاولت تفسير انتشار الميل إلى العنف تبعاً للواقع الحضري والإيكولوجي لفاعليه، وأيضًا المقولات العقلانية التي تجعل من الأيدولوجيا سبباً وحيداً لممارسة العنف، أو بالتوازي مع ذلك تجعل من القمع السلطوي الحكومي سبباً وحيداً لتوجّه الحركات الإسلاموية إلى استخدام العنف.
إكراهات البنية : الفكاك من الجَبر السياسي
يتنامى اعتقاد نظري بين الكثير من المحللين السياسيين خاصة، بأن هناك علاقة بنائية بين الإيكولوجيا الحضرية للفقراء في مصر ونتائج التحول الحضري والهجرة من الريف إلى المدن ، من جانب ، وبين ميل الفقراء ومهمشي الحضر إلى الانضمام إلى جماعات العنف الأيدولوجي الإسلامي من جانب آخر ، أدى ذلك الاعتقاد إلى عقد مقارنات أو مقاربات بمعنى أدق بين الحركات الإسلامية وأبعادها التاريخية وظروف نشأتها وبين لاهوت التحرير1 الذي ساد في أمريكا اللاتينية خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي ، من حيث علاقة كل منها بفقراء ومهمشي الحضر .
ثمة فرضية أساسية تؤسس للاعتقاد بأن الإسلاموية تمثل الحساسيات الدينية والأخلاقية للفقراء، أو تعبر عن المأساة الوجودية لمهمشي الحضر أو واقعهم الايكولوجي، أو "أغنية للمحرومين"2 كما يسميها بعض المنظرين، الأمر الذي يدفع هؤلاء الفقراء والمهمشين الحضريين إلى أن يكونوا أسرع من غيرهم لحاقاً بركب "الإتمامية" الإسلامية أو الإسلام الجهادي .
ومن ثم، يُعتقد أن جذور الفقر والتهميش الضاربة في عمق المجتمع المصري، والتي أدت لتكون مجتمعات عشوائية تخترقها الأنوميا الاجتماعية ويملؤها الاغتراب، تؤدي مباشرة إلى تغوّل مساحات استخدام العنف والميل أكثر فأكثر إلى استخدام العنف المادي تجاه الدولة ومنازعتها أكثر خصائصها أساسية، وهي احتكار العنف المادي حسب تعريف ماكس فيبر الشهير، ومن ثم تكون مجتمعات الفقراء بيئة مُثلى لازدهار النزعات الجهادية لما يملؤها من أزمات اجتماعية وفقدان للأمل.
هذا الادعاء، يتخذ من مقدمتين منطقيتين أرضية له، الأولى: تقضي بأن النشطاء الإسلامويين يقومون بتعبئة الفقراء من خلال المساجد والجمعيات الإسلامية لمؤازرة أهدافها ، والثانية تذهب إلى أن النشطاء أنفسهم ينحدرون من بيئات فقيرة ومجتمعات عشوائية تؤازر طبيعتها التوجه ناحية العنف الأيدولوجي. في الحقيقة إن مثل هذه الادعاءات يطمس الديناميات الرئيسية التي كونت الإسلام السياسي وشكلت بنيانه.
فبداية، تشير النزعة الإسلاموية إلى أيدولوجيات وحركات تهدف بشكل مجمل، باختلاف أطيافها، إلى إقامة نظام حكم إسلامي، ودولة دينية ذات تشريعات إخلاقية إجتماعية، ومن ثم، فإن الاهتمام بمطالب مثل العدالة الاجتماعية وتحسين حياة الفقراء والتنمية الحضرية ليست سوى اهتمامات ثانوية بالنسبة لهذا الهدف الاستراتيجي .
إن حركات الإسلام السياسي في مصر، وخاصة الحركات الجهادية3، تتخذ من الطبقة الوسطى المصرية4 قِواماً لها، حتى على مستوى الدعوة وعلاقات الزبونية، فنشاط تلك الجماعات متجه في الغالب الأعم لجذب الكوادر المهنية المهمشة من الطبقة الوسطى، ولا تبُدي اهتماماً كبيراً بفقراء الحضر ومشكلاتهم، وكتأكيد لمؤكد، لم يُظهر فقراء الحضر أي نوع من أنواع الالتزام تجاه العمل السياسي داخل التيار الإسلامي وربما كانوا أقل الفئات الاجتماعية5 مشاركة في تلك الحركات.
وعلى الرغم من أن هناك الكثير من نشطاء الحركات الإسلاموية يعيشون في عشوائيات القاهرة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة وجود أسباب بنيوية تربط بين العنف والفقر، فهؤلاء النشطاء كغيرهم من أعضاء الطبقة الوسطى المصرية، لا يجدون الكثير من الخيارات إذا ما تعلّق الأمر بأمور معيشتهم وسُكناهم.
الحاضنة الشعبية للعنف في مصر
يجري التحذير على نطاق واسع بين المحللين السياسيين والمتابعين للشأن المصري من تكون وتزايد حواضن شعبية داعمة للعنف الإسلامي في مصر، سواء على مستوى تقديم الدعم أو حتى على مستوى التعاطف ، وتُشدد هذه الافتراضات على سرديتين استشرافيتين، تتعلق إحداهما بتوجه جماعة الإخوان المسلمين إلى العنف المتمثل في حمل السلاح ضد الدولة نتيجة المذابح المتتالية التي تعرضت لها الجماعة والتضييق والاضطهاد والاعتقال الذي يلاحق أعضاءها منذ عزل د.محمد مرسي . وتتعلق السردية الثانية بتزايد قوة تنظيم "ولاية سيناء" إما عن طريق تعاطف شعبي واجتماعي ما مع نشاط التنظيم، أو عن طريق استقطاب الشباب الإسلامي الغاضب من الأساليب السلمية غير ذات الجدوى .
هنا يجب التأكيد على الفكرة آنفة الذكر، يمكن لحركة الإخوان المسلمين بالفعل مع كل هذه المذابح والاضطهادات والاعتقالات والقمع المتكرر أن تتجه إلى العنف تحت وطأة الضغط ، لكن أي عنف؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن نوضّح أن جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب أنها تتخذ من الطبقى الوسطى (والطبقة الوسطى المهمشة6 بالأخص) قِوامًا لها، أن هذه الفئات فئات محافظة اجتماعياً وأيدولوجياً بطبيعتها، وغير مؤهلة لهذا النوع من الصراع، وتحمل بداخلها خبرات متراكمة تؤكد تفوق الجيوش النظامية وأجهزة الأمن الحكومية في مثل هذا الصراعات .
يؤكد هذا طبيعة أعمال العنف التي تبناها الإخوان (على استحياء)7 في الفترة الأخيرة وهي عمليات موجهة ضد مهمات البنية التحتية بالخصوص، وتتعدى بعض عمليات العنف التي نسبت للإخوان كونها تفجيرات بقنابل بدائية الصنع ضد منشآت أو أبراج كهرباء إلى اغتيالات انتقامية موجهة ضد شخصيات بعينها من قيادات الشرطة8 وبعض العمليات النوعية المُجهضة غير المُعلن عنها، وهو ما تسعى دائماً القيادات التاريخية بالجماعة لكبح جماحه.9
هذا التشكيك ليس تشكيكاً في نوايا جماعة الإخوان المسلمين في التوجه للعنف بقدر ما هو تشكيك في قدرة هذه الجماعة على تحمل تبعات التوجه للعنف دون أن تتعرض لانقسامات حادة على المستوى التنظيمي والأيدولوجي، وعلى مستوى الاستراتيجية أيضاً. فمن حيث الإمكانات فحركة بكل هذه الطاقات البشرية والمادية بوسعها أن تخوض غمار هذه التجربة، لكن نظراً لطبيعة تكوينها الاجتماعي المحافظ ستكون هناك عقبات جمة أمام تحويل هذه الكتل إلى مقاتلين ، بل والسيطرة على نشاطهم وأهدافهم وولائهم بعد ذلك . فالأيدولوجيا المستقرة لدى الجماعة منذ عقود وخبرات أعضائها وقوة قياداتها الحالية، لا تجعل السبيل يسيراً أمام التحول للعنف، ولو بشكل جزئي كتكرار لتجربة التنظيم السري.
إن الخوف من الدولة يصحبه دائماً خوف من فقدان الدولة10، وكراهية الإخوان للدولة يصحبها دائماً كراهية "لعدم امتلاك الدولة"، فطبيعة الجماعة ومخيالها الاجتماعي وظروف نشأتها ورؤيتها للعالم وهدفها الاستراتيجي الأكبر، وهو إقامة دولة إسلامية ذات تشريعات أخلاقية دينية، تَشي جميع هذه العوامل بالطبيعة الدولتية لهذه الحركة . إن هذه الحركة تسعى للحصول على السلطة وتنفيذ ما تهدف إليه عن طريق الوصول إلى رأس سلطة بيروقراطية قائمة بالفعل11 مع وجود قوات أمن حكومية وقوة رسمية كبيرة للحفاظ على عمليات الاقتراع وتداول السلطة بشكل سلمي، لا عن طريق إقامة دولة على أرض قد تم إحراقها بالفعل .
هذا يقودنا بدوره إلى التأكيد على أهمية العامل القومي في المسألة المصرية، فإضافة إلى غياب الانقسامات الطبقية أو الطائفية أو الحضرية أو المذهبية الواعية الحادة، التي يُمثّل بعضها الوقود الرئيسي لغالب الصراعات المسلّحة في سوريا وليبيا والعراق واليمن في الوقت الحالي، حافظ النسيج القومي المصري المُخترع على ثباته واستمراريته وهيمنته على إدارة الشكل الاجتماعي من الانقسام، مانحاً قوة كبيرة لاستمرار التحالف السياسي الاجتماعي الذي أنشأته دولة يوليو بالأساس، لعدة أسباب؛ أولها وأكثرها أهمية: اتساع نطاق التحالف الاجتماعي الذي شكّل النزعة القومية المصرية المعاصرة، والذي شكل طبقة وسطى جديدة واسعة، هذه الطبقات الوسيطة من البروليتاريا والرأسمالية لا تسعى إلى ممارسة السياسة إلا عن طريق سلطة الدولة، لتطبيق سياسات خاصة بها، بأيدولوجيات تؤثر بشكل عام في البروليتاريا وبشكل خاص في الفلاحين، كما لاحظ الفيلسوف الإيطالي الماركسي أنطونيو جرامشي في عدوة دول شرق أوروبية12.
فبالرغم من أن العنف يبدو عملًا لا عقلانياً، إلا أنه بالنسبة للدولة عمل استعمالي إلى حد كبير قياساً إلى ما يُرجى من وراءه، فهذه الطبقات الوسطى الجديدة التي تشكل النسيج الرئيسي للقومية، والتي أدّت وظيفة تعويضية كما هو الحال في كل قوميات ما بعد الاستعمار جبّت بها كل الانقسامات ما قبل الرأسمالية، وقامت فيها بدور الطبقة المهيمنة تعويضاً لغياب طبقة رأسمالية ناضجة، وهي التي تشكّل سواد التشكيلات الفاعلة في الحياة السياسية المصرية، هذه الطبقات الوسطى الجديدة تطمح دائمًا إلى الحصول على الهيمنة من خلال الدولة على المجتمع المدني، من خلال استخدام أداة الدولة، يكافح الأفراد القادمون من هذه الطبقات في سبيل السيطرة على كامل المجتمع المدني بهذه الصفة. وعلى المستوى الأيدولوجي، يجري التعبير عن ذلك من خلال نمط معين من أنماط التقديس الأعمى للدولة، وإيجاد سلسلة كاملة من الأيدولوجيات المتنافرة المتناقضة، مثلاً: التوجه التنموي على النمط الغربي، اشتراكية القوميين الراديكاليين مع تأكيدها على عمليات التأميم، الفاشية الإثنية-الدينية من النمط الخميني، والطموح الإسلامي القومي لدى جماعة الإخوان المسلمين، رغم ذلك التباين الفج تتحد جميع هذه التصنيفات في باب "رؤيتها للدولة" بصفتها الأداة الرئيسية للتحول الاجتماعي.
وهذا ما يوضَّح لنا، من ناحية ، ثاني أسباب استمرارية النسيج القومي المصري وحفاظه على هيمنته، وهو سهولة احتواء أي عنف قومي نتيجة استجابة الفاعلين السياسيين "للحوافز المؤسسية” (كما يسميها مايكل هيكتر في كتابه احتواء القومية) تبعًا لطموحاتهم في مزايا العمل تحت مظلة الدولة ، ويوضّح لنا من ناحية أخرى السبب الوظيفي للعنف "الأداتي" الذي تنتهجه جماعة الإخوان المسلمين ، في أقصى حالاتها عنفاً، وهو انتماء الجماعة لنفس المخيال الاجتماعي للطبقى الوسطى القومية الجديدة، وطموحها السياسي الذي لم يتكون إلا من خلال نموذج الدولة القومية التسلطية ، كغالب الجماعات الإسلاموية وإن مال هذا الطموح يمنة أو يسرة يظل تبعاً لنفس الأفق.
أما بخصوص صعود قوة "ولاية سيناء" في مصر فهذا الصعود الاستثنائي حدث لأسباب عدّة، مع التحول الديموغرافي الكبير الذي أجرته السلطات المصرية في شرق رفح والشيخ زويد، ومع التجريف السكاني والتجاهل الذي تتعرض له شبه جزيرة سيناء منذ عقود ، إلى جانب الظروف غير الاعتيادية في كل من العراق وسوريا التي أدت بشكل مباشر إلى تحصّل هذا التنظيم على كل أدوات القوة الممكنة، وبالفعل تستقطب الحركة عناصر من النشطاء الإسلاميين المصريين الذين يأسوا من جدوى المسار السلمي خاصة مع القمع المتزايد من السلطات المصرية.
هذا ليس تقليلًا من شأن الآثار السياسية (الكارثية) لهذه العمليات، لكن القول بأن البلاد دخلت "عصر الجهاد" على إثر هذه القوة المتنامية والنجاح المستمر للتنظيم، وأنه الآن يحظى "بحاضنة شعبية" و"شبكات حماية" أمر فيه نظر، أولاً بسبب "مكانية" هذا التنظيم وعملياته، فالمواجهة المباشرة مع جيش نظامي كبير بالنسبة لتنظيم مثل هذا التنظيم لا يمكن أن تطول لأكثر من ساعات، وهذا ما حدث عندما وصلت عمليات ولاية سيناء لذروتها في يونيو 2015 وإلا فعليه اللجوء مباشرة لعمليات "إرهاب المدن" بالتفجيرات والمفخخات وخلافة وهي أقل خطورة من المواجهة المباشرة13 .
ثانيًا لأن التنظيمات السلفية الجهادية بالأساس لا تأمل في تكوين حواضن شعبية، تنظيمات السلفية الجهادية هي تنظيمات "طليعية"14 بالأساس، ولا تعول، ولا تنشد، تكوين حواضن شعبية متعاطفة مع أهدافها، لأن طبيعتها الأيدولوجية النخبوية، وطبيعة عملها السري، ورؤيتها الاستعلائية لذاتها ك"طائفة منصورة" أو جماعة "أهل الحق" أو كـ "فرقة ناجية" تقودها إلى عقد تمايز شديد الحدة بين داخل الجماعة وخارجها ، فالجماعة "تشجّع كلّ مظاهر التمايز عن المجتمع وعن بقيّة الجماعات مهما كانت مشاربها وتوجّهاتها (أحزاب، جمعيّات، مدارس فكريّة، تيّارات إيديولوجيّة، إلخ).15"
خاتمة:
مما تقدم، نجد أن العنف في مصر لا يزال في مرحلة سياسية وإن بلغت معدلاته مبلغاً غير مسبوق، ومن غير المتوقع أن يمتد العنف إلى حرب الجميع ضد الجميع كما في بعض البلدان المجاورة، على الأقل خلال مدى زمني متوسط، لكن يجب التنويه على أن أكبر المستفيدين من ارتفاع معدلات العنف ضد الدولة هي الدولة السلطوية نفسها، فما من قرار أو قانون استثنائي أقر في مصر في الفترة الأخيرة بشكل منفرد من رئيس الجمهورية في غياب المجالس التشريعية وخلافًا للقواعد والأعراف الدستورية، إلا وكان عقب أحد أحداث العنف المذكورة، مما يقدم لهذا النظام الحاكم مسوغاَ ومبرراً أمام المساءلة الحقوقية والدولية، وفي نفس الوقت تمكنه من استكمال مسيرة البطش تجاه كل معارضيه من كافة التيارات السياسية.
هوامش:
1- Religion and Global Affairs: Political Challenges, John L. Esposito, From: SAIS Review, Volume 18, Number 2, Summer-Fall 1998, pp. 19-24.
2- PLANET OF SLUMS, MIKE DAVIS, New Left Review 26, March-April 2004, PP. 5-34.
3- Engineers of Jihad, Diego Gambetta. Steffen Hertog. Department of Sociology. University of Oxford, Working Paper. (2007).
4- تبنّيت هذا الرأي من :
Islam, Charity, and Activism: Middle-Class Networks and Social Welfare in Egypt, Jordan, and Yemen, Janine A. Clark, Indiana University Press, 2004, PP.42-82.
5- Ibid.
6- وهي ظاهرة حضرية مصرية خاصة، لمزيد تفصيل حول المفهوم ومناقشته راجع: الحياة سياسة ؛ كيف يغير بشطاء الناس الشرق الأوسط ، آصف بيات ، ترجمة أحمد زايد ، المركز القومي للترجمة ، 2014 ، ص 359 وما بعدها .
7- في حوار تليفزيوني ، أكد القيادي الإخواني أشرف عبد الغفار أن عمليات التفجير الموجهه ضد المنشآت ومهمات البنية التحتية هي درجة من درجات السلمية ، على الرابط التالي : http://bit.ly/1hmMR17
8- شهدت محافظتي الفيوم وبني سويف خاصة عددًا كبيرًا من هذه العمليات، وهما محافظتين ذوات كتلة إسلامية أيدولوجية كبيرة.
9- يدُل على ذلك التضارب الكبير في التصريحات بين المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد منصر ، وتصريحات د. محمود عزت حول التمسك بالسلمية في بيان نشر على موقع علامات المحسوب على الإخوان ، ثم نشر موقع نافذة مصر المحسوب على الإخوان أيضًا تكذيبًا للبيان . ويؤكد هذا أيضًا التصريحات التي أدلى بها الدكتور إبراهيم منير عضو مكتب الإرشاد الدولي حول "مراجعة النهج الثوري" : يُنظر : http://bit.ly/1hzA9fr
10- هذه العبارة بالأساس مستفادة من البروفيسور طلال أسد ، في :
Fear and the Ruptured State: Reflections on Egypt after Mubarak, Talal Asad, Social Research: An International Quarterly , Volume 79, Number 2, Summer 2012 , pp. 271-298.
11- وهذه هي الخبرة المتحصلة من تجارب الإخوان خاصة في مصر والعراق وسوريا.
12- كراسات السجن، انطونيو جرامشي، ترجمة عادل غنيم ، نشر دار المستقب العربي ، عام 1994 ، ص 408 .
13- لمزيد من التفصيل راجع : تنظيم "ولاية سيناء": الصعود العسكري والآثار السياسية ، د.عمر عاشور ، تقرير منشور بموقع مركز الجزيرة للدراسات بتاريخ 29 يوليه 2015.
14- تبنيّت ذلك الطرح من تحليل الأنثروبولجي التونسي د. محمد الحاج سالم ، في من أجل مقاربة نفسيّة اجتماعيّة للظّاهرة السلفيّة في تونس ، ضمن : السلفيّة الجهاديّة في تونس - الواقع والمآلات، منشورات المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجيّة، تونس، ديسمبر 2014، صص 193-229.
15- نفس المرجع السابق.