من بإمكانه، الآن، أن يصدق أن أوراقاً، قليلة أو كثيرة، كان يمكن أن تنقذ مؤتمر الرواية العراقية الأخير "المنعقد في قاعة فندق بغداد بتاريخ 14 - 15 من الشهر الجاري"! الشاعر العراقي "ريسان الخزعلي" كان قد تحدث على صفحته في "الفيس" عن هذا الأمر، قائلاً إن " الأمر لا يكلّف سوى نصف بند ورق!!". نتحدث، هنا، عن "نصف رزمة" من الأوراق البيضاء التي تكتب عليها الدعوات للمشاركة في هذا المؤتمر، ثم توضع في مظروف أنيق، وترسل إلى المدعويين. وهو معيار شكلي ولا شك، لكنه، بالمقابل، يشير للأسف إلى فقدان هذا المؤتمر لأدنى درجات النجاح في صناعة حدث ثقافي مهم. ولنتأمل حالات بعينها، فإن أغلب من أطلعنا على آرائهم من كتاب الرواية ونقادها، كانوا يتحدثون عن اتصال أحد أعضاء اللجنة التحضيرية بهم على الخاص في الفيس، ولا نريد أن نقول إن "الفيس" هو إحدى شبكات التواصل الاجتماعي، وبريده جزء من هذا الاستعمال، لكني أشدد أن المؤتمرات الناجحة إنما تحرص على أن ترسل الدعوات عبر البريد المسجل، وهي تشعر المدعو بارسال الدعوة عن طريق الإيميل "وليس من باب التعالم بأمر أن نذكر أن السياق العالمي لاستعمال الإيميل فرقاً عن الفيس، وهما مما أصبحا الآن أمراً شائعاً ومتداولاً عندنا، أن الأيميل هو وسيلة تواصل خاصة، غير معلنة؛ إلا إذا رغب الشخص المعني بإعلان أو إشاعة إيميله، خلافاً للفيس الذي هو وسيلة تواصل عامة، متاحة للجميع. ولابأس أن نذكر هنا، أن ترجمة "mail" تعني "بريد" و"E" هي اختصار ""electronic وتعني (البريد الإلكتروني)، وللمهتم أن يتأمل الفارق بينهما بين استعمال خاص، وآخر عام متاح للجميع، ولا شك أن المدعويين لهكذا مؤتمر هم النخبة الخاصة!!". هذه أمور شكلية كما قلت، غير أننا لا نجد مؤتمراً رئيساً، أو مما يسعى القائمون عليه لإنجاحه دون أن يراعوا هذه الشكليات جيداً، وقد نقول إنها، في كثير من الاحيان، ترتقي لتصبح عنصراً رئيساً في تحقيق النجاح بصناعة أو خلق حدث ثقافي ناجح! ويدخل في هذه المسائل الشكلية أيضاً الضيافة من سكن وإقامة، وهو مما يتعذر، ربما، على اللجنة التحضيرية أن تحققه؛ لأسباب شتى، في طليعتها عسر الحال "ولا أفهم معنى عسر الحال ونحن نتأمل مصروفات مهرجان آخر، أكثر شهرة، هو مهرجان المربد، وكلاهما مما ينظمه الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق!!" اللافت هنا، أن المعترضين على أعمال المؤتمر جميعهم يسكنون في بغداد، وبالتأكيد فإن دعوتهم لن تزيد من الأعباء المالية للمؤتمر. أسماء كبيرة ومهمة، بل إن المتابع، ولا نقول المختص أو المعني معرفياً أو أكاديمياً أو نقدياً بالرواية العراقية، لا يستطيع أن يفهم، أو يتصور الرواية العراقية من دونهم. أتحدث عن الأستاذ "عبد الخالق الركابي"، الإسم الأبرز في الرواية العراقية طيلة حقبة التسعينيات. وأتحدث، كذلك، عن الأستاذة "ميسلون هادي،" الاسم الأكثر شهرة في سياق الرواية العراقية بصيغة المؤنث، وإن كان منجزها أكبر بكثير من إطار حصره في سياق الرواية النسوية. ولا أنسى أخريات، لا يقلن شهرة وسمعة عن "ميسلون"، أذكر منهن: لطفية الدليمي، عالية ممدوح، هدية حسين، بتول الخضيري، دنى غالي، وأخريات وأخريات ممن تطبع رواياتهن في كبريات دول النشر العربية، وبعضن يتم تداول أسمائهن في المنابر السردية العالمية بعد ترجمة أعمالهن إلى لغات عالمية عديدة. أسماء روائية عراقية مرموقة قد غابت، هي الأخرى، عن المؤتمر، وربما لم تفكر اللجنة التحضيرية بدعوتهم، ولا نعرف سبباً! ولا نريد هنا أن نشغل أحداً بأسماء من نعني؛ فهم مشهورون إلى حد لا يمكن معه أن تذكر الرواية العربية، وهي المدونة الاكبر للسياق السردي العربي دونهم! وقد يكون التعجل أو قلة المال سبباً، ولاباس.. لكن عليهم،عندها، أن يغيروا اسم مؤتمرهم، كأن يسموه "مؤتمر الرواية العراقية الجديدة" مثلاً، ويدعون إليه من كتاب هذه الرواية؛ فالرواية العراقية ماركة مسجلة باسم كتابها، وعندما نتحدث عن مسمى "الرواية العراقية" فنحن نتحدث عن اتجاهات رئيسة وكبرى فيها، وللأسف فان هذه الاتجاهات قد غابت عن مؤتمر الرواية العراقية، أقصد رواية الكتاب العراقيين انفسهم. هذا الأمر، ربما، يجعلنا نتأمل محاور المؤتمر. وفي هذا السياق فلابأس أن نذكر أن المؤتمرات الرئيسة، أو بأقل الناجحة في المنطقة، مصر مثلاً، أو حتى في الأردن، إنما تسعى لأخذ رأي المعنيين في الأمر، أقصد أنها تسال الكتاب والنقاد عن رأيهم في محاور مؤتمر بعينه قبل عقده بمدة زمنية معقولة، ولا أدري إن كان هذا الامر قد حصل، أما أن جماعة اللجنة التحضيرية قد فكروا نيابة عن الجميع، وقرروا عناوين المحاور، فهذا، والله، العجب العجاب. وعناوين محاور المؤتمر، هي:
1 - الرواية والهوية.
2 - الرواية والإرهاب.
3 - الرواية العراقية: التشكيل والتأصيل.
4- الرواية والسينما.
هذه المحاور جميعها إنما تغفل، ولا نقول إنها محاور متكررة بمناسبة أو دونها خلا إشكالية الرواية والإرهاب، السياق الرئيس في الرواية العراقية، لاسيما تاريخها اللاحق بعد 2003، وهو إشكالية هذه الرواية في سياق صعودها وترسخها كصيغة رئيسة للتعبير والخطاب الادبي في العراق. وأشدد هنا، أني أتحدث عن العراق الذي يمتلك تاريخاً مميزاً في الكتابة السردية، لكنه تاريخ كتاب الرواية أنفسهم، أقصد أن وضع الرواية العراقية كان، من قبل، بالضبط، قبل عام 2003، إنما هو الوضع الفردي لكتاب مميزين. وقد نسال هنا عن أسماء كتاب الرواية قبل 2003، وعندها فإننا نتحدث عن أسماء راسخة ومجيدة، لكنها، في النهاية، تبقى أسماءً فردية، نتذكر هنا: محمود أحمد السيد "كاتب قصة وتجوزاً صنف ضمن الرواية، غائب طعمة فرمان، عبد الرحمن مجيد الربيعي، مهدي عيسى الصقر، أحمد خلف بتشديد أنه قد عرف بكونه كاتب قصة، ميسلون هادي، ولطفية الدليمي.. وأسماء أخرى. وهو أمر يختلف جذرياً عما حصل بعد عام 2003؛ فبعدها أصبحنا نتحدث عن ظاهرة عراقية بامتياز خاص، إنها ظاهرة الرواية العراقية. ولا ندري كيف أغفل اعضاء اللجنة التحضيرية هذا الأمر المهم، بل والشديد الاهمية الذي لا يمكن أن نتحدث عن رواية عراقية دونه. ومثله أنه لا يمكن أن نتحدث عن هذه الرواية دون التطرق لنقادها المكرسين. وفي هذا الإطار نتذكر سياقاً مختلفاً لنظام البعث الذي يصفه الجميع بالاستبدادي والكتاتوري؛ ففي مؤتمر رئيس نظم في الموصل المغتصبة الآن، ربما كان ذلك عام 78، وهو العام نفسه الذي صدر فيه كتاب الناقد العراقي المرموق الراحل "عبد الإله أحمد"، ورغم كراهة الجميع للرجل، فان القائمين على المؤتمر، وهو أحد المؤتمرات الرئيس في عهد البعث كله بجانب مهرجان المربد، قد خصصوا غير محور للكتاب، ودعي، قبلها، أكاديميون ونقاد مختصون لمناقشة الكتاب. والآن فإن الفهرست الرئيس للرواية العراقية بصنعة الناقد والاكاديمي العراقي المعروف دكتور "نجم عبد الله كاظم" يصدر قبل اسبوع، ربما، من عقد المؤتمر عن الدار الوطنية العراقية الوحيدة المختصة بنشر الادب والثقافة العراقية، وهي دار الشؤون الثقافية، ولا نجد إشارة واحدة له في محاور المؤتمر، أو في اوراقه البحثية. وبدلاً من هذا إنما شغل المؤتمر بملاحقة صلة الرواية بالسينما؛ ولأجله، ربما، أسند مهمة قراءة بيان المؤتمر لمشتغل بالسينما دون أن يتولاها كاتب رواية عراقي معتمد. . . فيا للعجب!
وبعد. . . فإنه مما يحزن أن نجد أسماءً روائية عراقية محترمة قد رضيت بهذا، أتذكر منها الكاتب الستيني الكبير "أحمد خلف"، مثلما أتذكر اثنين من أعضاء اللجنة التحضيرية ممن تسربت أسماؤهم، وهما: حميد الربيعي وخضير فليح الزيدي، وهما يكتبان رواية عراقية جيدة، ولا أعرف كيف رضيا بهذا كله. فإما أن تصنع مؤتمراً جيداً ناجحاً، يمكنه أن يزيد اهتمام القراء بظاهرة الرواية العراقية، أو أن تسكت!