"الشعر هو عدوى تستحوذ على المرء في فترة الشباب، يأتي سريعاً لا يمكن مقاومته، يمكن أن يكون شديداً يحمل انفعالات عنيفة، أو أن يختفي تماماً بلا أثر”، تقول الشاعرة "شو تينغ" في إحدى المقابلات. كان الشعر سندها المعنوي حين انضمت إلى مجموعات الشباب المثقفين الذين أُرسلوا إلى الريف أثناء الثورة الثقافية عام 1969. وترى أن فترة الشباب والبيئة التي ينشأ فيها الكاتب ترتبطان ارتباطاً وثيقاً
بكتابته الإبداعية.
الشاعرة "شو تينغ" من أهم الشاعرات المعاصرات في الصين، ولدت عام 1952 في مقاطعة فوجيان. وتُعدّ من أبرز رواد "الشعر الضبابي"، وهو جيل الشاعر "بي داو"، "قو تشنغ"، "مانغ كي" وغيرهم. ولعلَّ أبرز خصائص هذا الشعر بل وأهمها هي الاعتماد بشكل كامل على الرمز.
عادتْ الشاعرة من الريف إلى المدينة عام 1972، واشتغلت في مصنع للإسمنت، ثم في مصنع للغزل والنسيج، ثم في مصنع لمبات. وفي عام 1979 بدأت في نشر قصائدها، وانضمت إلى رابطة الكتاب الصينيين عام 1983، وهي من كتاب الصف الأول في الصين. حازت على العديد من الجوائز المهمة، ولها العديد من المؤلفات الشعرية من أهمها، "المركب الشراعي"، "الزنبقة التي تجيد الغناء" و"قصائد شو تينغ". وهي متفرغة للكتابة منذ عام 1980.
أنشودة النافذة الصغيرة
ضَعْ ورقَ الرسائل
سِرْ إلى النافذةِ المفتوحة
لقد رفعتُ المصباح عالياً
لكي تستطيع أنتَ البعيد
أن تراني.
هبت الرياحُ مبكراً ونقَّت السماء
ولا يزال الليلُ يجمعُ بقاياه المتكسرةَ على طولِ الطريق.
كلُّ براعمِ الأزهارِ والأغصانِ الغضة
لابد أن يغمرها صقيع الصباح
مع أنَّ بزوغَ الفجرِ ليس ببعيد.
أنفاسُ البحر
احتُجزتْ بين الجبال
ولكن قممَ الجبال لا تتعمد
الاستمرارَ في سلبِ شبابنا
وتمهّلها له حد على كل حال.
أجبني، لا تبكِ
وإذا شعرت بالوحدة
قابلْني عند النافذة
لنتبادل ابتساماتٍ حزينة
وقصائدَ مُناضِلةً وسعادة.
المركب الشراعي
رطَّب الضبابُ مركبي الشراعي
ولكن الرياحَ تمنعني من التردد.
أيها الشاطئ، الشاطئ الحبيب
ودَّعتك البارحةَ فقط
واليوم أنتَ هنا كذلك
وغداً سنلتقي
في مكانٍ آخر.
هبةُ رياحٍ قوية، مصباحٌ
هما ما يربطانا،
وهبةُ رياحٍ قوية، ومصباحٌ
هما ما يفرقانا مرةً أخرى.
لا أخافُ أرجاءَ الأرضِ النائية
ألستَ ليلاً ونهاراً
في مركبي
وأنا في مرأى بصرك؟
إلى الشمال
وردةُ بدايةِ صيف
عبرت أوتارَ الموج
إلى مركبٍ بعيدٍ عن مرمى البصر
تشبه السحبُ القاتمة بقعاً
تحجبُ صفحةَ السماء
لكن النوارس
تبسطُ أجنحتَها البيضاءِ من أجلها.
اذهبي
يا شمساً صغيرةً أتمناها
إذا غربت،
نامي في حضنِ البحر
وفي ظلِّة قناديل البحرِ الفضية
ستبقى دائماً أصوات أمواجٍ خضراءَ هائجة
دعني أطفو أنا أيضاً
دعْ الرياحَ التي استكانت بضوءِ الشمس
تدفعني برقة
عبر تيارِ البحرِ الدافئ
وتحملني إلى الشمال.
الماضي
كأسُ خمرٍ سقطت
والطريقُ الحجريُّ يتلوى تحت ضوءِ القمر
وحيث استولت الأعشابُ الخضراء
فُقِدتْ زهرةُ أزاليا.
تدور غابةُ الكافور
تتجمع النجوم وتشكّل مشكالاً
وعلى الخطَّافِ المعدني اللامع
عينان تنعكسان على صفحةِ السماءِ الغائمة.
كتابٌ مرفوعٌ يحجبُ ضوءَ الشمعة
إصبعٌ داخل الفم
وفي السكونِ الرقيق
أحلمُ حلماً مبهماً.
قدمت لها وترجمتها عن الصينية: يارا المصري