[هذه القصّة هي واحدة من بين مجموعة قصصيّة (لم تُنشر بعد) كتبتها الباحثة بإيحاء من سِيَر حيوات أموات وثّقتها خلال سيرورتها البحثيّة.]
عُمري لَمّا مُتِتْ كان خَمْسِة وْتَلاتين سَنِة، عِنْدي وَلَدين وبِنْتْ؛ حَلا، وعَلي، وخالِد. كُنْت في البيتْ لَحالي، لِوْلاد بِالمَدْرَسِة وعُمَر زوجي بِالشُّغُل وِاليوم أَنا بِإِجازِة. خَطَّطِت أَرْتاح شْوَي مِن تَعَب الشُّغُل ومراكَضِة البيت ولِولاد، بَس مِشْ أَرْتاح لَلْأَبَد. كُنْت قاعْدِة أَفْطِرْ، فَجأَة أَجَتْ نوبِة التَّشَنُّج الأولى بِكُلْ حَياتي بِالذّات وأَنا بِنُص الأَكِل، وبِالذّات وأَنا وَحيدة. طَيِّب كُنْتِ اسْتَنّي شْوَيْ أَخَلِّص الأَكِل عَشان ما أخْتْنِق، طَيِّب كُنْتِ اسْتَنّي أَكَمِّن سَنِة لَيِكْبَروا لِوْلاد شْوَيْ وَاطْمَئِن عَليهُم، طَيِّب كنتِ اسْتَنّي يْكون حَدا مَعي يِسْعِفْني أَو يِناديلي الإِسْعاف. هيك؟ بِالوَقْت الغَلَط عَالآخر شرَّفْتي؟ لَو بَعْرِف هيك راح يِصير كُنْت بَروح عَلى الشُّغُل ويِلْعَن أَبو الراّحَة كُلْها. صَدَقوا لَمّا سَمّوكِ نوبِة صَرَع.
الْمُشْكِلِة بالموت لَمّا بييجي فَجْأَة إِنِّك ما بِتْكوني مْحَضْرَة حالِك وَلا لَإِشي. وِحْياتَك عُزْرَيّين تِسْتَنّى شْوَي، وِحْياة كُل المَلايْكَة تْطَوِّل بالَك لَيِرْجَع عُمَر زوجي، بَحْكيلُه كِلِمْتين ورَد غطاهُم وبَعِدها خُد روحي على راحتَك. طَيِّب أَنا ما حَكيت كُل أَسْراري لَعُمَر؛ بَعِد كان ضايِل أَكَمِّن شَغْلِة ما حَكيتْلُه ايّاها وكَمان أَكَمِّن كِدْبِة بيضا ما كَشَفْتِلُّه ايّاهُم. هادا غير إِني كَمان وَلا وَزَّعِت أَشْيائي عَلى ولادي، وَلا وَصّيت عُمَر يِتْجَوَّز وما يِعْمَللّي فيها بَطَل ومُخلِص، لَإِنُّه ما راح يِقْدَر يِدَبِّر حالُه لحَالُه. والله لَو بَعْرِف إِنّي بدّي أَموت بَكّير كُنْت أَنا بَدَبِّر أُم لَوْلادي عَشان اطْمَئِن عَليهُم. الأدْهى والأَمَرْ إِنّي ما حَكيتْ لَعُمَر وين خَبّيت دَهَباتي، وَالله غير لَيْدوخ السَّبِع دوخات لَيْلاقيهُم وإِذا لاقاهُم أَصْلا. أنا لفّيت الدَّهَبات في وَرَق فِضَّة وحطيتهُم جُوّا كيس بلاستيك أَبْيَضْ كَتَبتْ عَليه ملُخِيِّة خَضْرا وحَطِّيتْهُم بِالفريزِر. يا رَب يِلاقيهُم ويْخبّيهُم لَحَلا عَشان يَعْطيها ايّاهُم لمَاّ تِكْبَرْ، وما يَعْطيهُم مَهِر لَمَرْتُه الجْديدِة. أَنا خايْفِة تيجي أُخْتي وَلاءْ تْنَضِّف البيت وِتْعَزِّل التَّلّاجِة وتِرْمي كُلْشي ومَعْهِن الدَّهَبات. ماهي وَلاء بِتْحِب تْنَضِّف عَن طَريق الرَّمي والزَّت، هيك هي بَتْعَزِّل.
عُمَر رَوَّح قَبِل لِوْلاد ولاقاني مِيْتِة، نادى نادى علي بِسْ أَنا ما قدِرْت أَرُد عَليه، يا ريت بَسْ لَو طِلِعلي أَكَمِّن دَقيقَة أَقوم من موتّي أَحْكيلُه كُلشي وأَرْجَع أَموت، بَسْ هاد مُسْتَحيل يِصير. الحمد لِلّه إِنُّه عَلى الأَقَل لِوْلاد ما شافوني هيك. بَعْدُو ما فِهِم عُمر القِصَّة، يَعْني إِنِّي لا بَرُد ولا بَصُد وطريقي بِتْوَدّي وما بترُد. اتَّصَل دُغْري عَلى الإِسْعاف، صار يُلْطُشْ عَلى وِجْهي وِيْقُللّي: "يا هِبَة يا حَبيبْتي إِصْحي, قومي، لِوْلاد يا هِبَة، ردّي علي يا حبيبتي"... يا زلمة مَزَّعْتْلي قَلْبي، يا زلَمَةِ إِرْحَم خْدودي، إِعْمَلّي إِنْعاشِ اللّه يِرضى عليك... "يا ربّيييي أُلطُف...بِسْم الله الرَّحْمن الرَّحيم الحَمْدُ لِلّه رَبِّ العالَمين الرَّحْمن الرَّحيم....." قَرَأْ كُل السُّوَر القصار اللّي بْيِعْرَفْها وآية الكُرْسي.... يا حَبيبي عُمْرَك شُفْتْ حَدا قَرَؤولُه القُرْآن وقام مِن موتِة؟ عَم تِتْعَلَّق بِقَشِّه، لا؟ إِعْمَللّي إِنْعاش يا عُمري بَلْكي يساعِد.... فِشْ عشر دقايق إِلّا ووصل الإِسعاف، وأَكّدوا إِنّي مِيْتِة وفَكَّروا إِنُّه صارْلي دَبحَة صَدرِيِّة، بَس أَخَدوني عَلى أَقْرَبْ مُسْتَشْفى حُكومي لأَنُّه لازِم دُكْتور يِأَكِّد إِنّي مِيْتِة رَسْمي. وصِلْنا الْمُسْتَشْفى، طَبْعا الشَّغْلِة ما بِدْها فَلْسَفِة كْتير وِالدُّكْتور أَكَّد إِنّي مِيْتِة. لَمَّا سَأَلوا عُمَر إيشْ صار حَكالْهُم: "وصِلْتْ عَالبيت مِن الشُّغُل وهيكْ لاقيتها." كان يبكي، ما خِجِل إنُّه يِبكي، حبيبي عُمَر. اسْتَدْعوا وَكيل النِّيابِة حَقَّق شْوَي مَع عُمَر وسَأَلُه أَكَمِّن سُؤال وطَلَب يِنادوا طَبيب شَرْعي اللّي وَظيفْتُه يِحْكيلهم سَبَب الموت. حَضَر كَمان حَضِرْتُه وصارَت لَمِّة، شُرْطة عَلى نِيابِة عَلى أَطِبّاء عَلى مُمَرِّضات وعُمَر زوجي اللّي هو أُسْتاز مَدْرَسِة.
الفَضيحِة إِنّي مِشْ مْنَضْفي جِسْمي؛ يَعْني مِن شي أُسْبوعين ما حَلَقت الشّعِر عَنْ جِسْمي، وكُنْت لابْسِة أَواعي البيت، حمّمت جسمي قَبِلْها بْيوم وشَعري قبلها بتلات أيام لِأَنّي كُنت عاملة سِشْوار. كان شَعري مْزَيِّت والْمَفروض إنّي كنت لازِم أروح عِند لِكوافيرة تْسَشْوِرلي ايّاه اليوم، قال بدِّي أَدَلِّل نَفسي. ريحْتي مِشْ شامبو ولا عُطُر ومَنْظَري مبَهْدَل وأَنا اللّي كان الْمَتَل يِنْضَرَب بِأَناقْتي. وِالعَمَل؟ فِشْ عَمَل. خَلَص عَالطَّبيعة، هيك كَما خَلَقَني ربِّ لِعْباد.
بَسْ كُل هادا كوم وإِنّي لازِم أَتْشَرَّح كوم. الطَّبيب الشَّرْعي حَكى إِنُّه صِعِب يِقَرِّر سَبَب الموت مِن فَحِص بَرّاني وحكى إِنّي لازِم أَتْشَرَّح عَشان يِتْأَكَّدوا إِنُّه ما حَدا خَنَقْني أَوْ سَمَّمْني أَو أَنا سَمَّمِت حالي وِانْتَحَرِت. إِنْتوا لَو سَأَلْتوا عُمَر عَن حَياتي ما كُنْتوا راح تفَكْروا بِهيك أَشْياء. ما سَأَلوه، وِالدُّكتور أَصَر إِنّي لازِم أَتْشَرَّح عَشان يِقْدَر يقَرِّر سَبَب موتي. وعُمَر ما بيِقْدَر يعارِض لِأَنُّه مِشْ بِإيدُه القَرار، القَرار بِإيد وَكيل النِّيابِة، هيك القانون، "حِفاظا عِلى الأَمِن والنِّظام العام". قول وغَيِّر يا رَجُل، أَنا مِشْ جاهْزِة لَهيك إِشي. تْمَنّيت يِغَيِّر رايُه ويكون شاطِر، يِكْتَشِف السَّبَب مِن غير ما أَضْطَر أَتْشَرَّح، لكِن لَأ طِلِع مِش شاطِرْ كِفايِة، أَوْ إِنُّه شاطِر بَسْ مِش وَثْقان بِحالُه، أَو إِنُّه شاطِر ووَثقان بِحالُه بَس مَجْبور يِكون مَعُه دَليل.
مِنْ الْمُسْتَشْفى حمَّلوني بِسَيّارِة إِسْعافْ كَمان مَرَّة، وْسافَرنا للمَشرحة اللي موجودة في كُلّيّة الطّب في واحدة من جامعات البلد. لَمّا وصِلنا وَأَخيرا ودَخَلْنا الجامْعَة انْفَعَلْت كتير، تْعَلَّمْنا أَنا وعُمَر فيها هاي الجامعة. وأَنا تخَرَّجْت مِنْها قَبِل حَوالي عَشْر سْنين، وَالله كُنْتْ بَحِب أَرْجَعِلْها أَكَمِّل تَعْليم لَلَّقَب التّاني مِش لَتِشْريحي. وطَبْعا عُمَر بَعِد الصَّدْمِة مُسْتَحيل يِرْجَعِلْها، مَع إِنِّنا لِسَّة الأُسْبوع الّلي فات حَكينا بِالمَوْضوع وِاسْتَرْجَعْنا رومانْسِيّاتْنا في السّاحة الوَرّانيّة لَلْجامْعَة وِالكافِتيريا وتسْبيل العيون عَلى الدَّرَج ورَسائِل الحُب وِالغَرام، وِاتّفَقْنا نِبْدا نِفْحَصْ إِمْكانِيّات نِرْجَع نِتْعَلَّم هُناك الماسْتِر. مَعْقول إِنُّه هاد الحَكي جاب آخِرْتي؟ لَأ، أَنا كُنْت مَبْسوطَة عَالْمَوْضوع، خاصّة إِنّي بَحِبْ عُمَر كْتير وبَحِب أَنا وِايّاه نْكون مِتِل جوز العَصافير لَحَد ما يْصير عُمُرْنا تِسْعين سَنِة حَتّى، هيك أَنا كُنت مخَطِّطة حَياتْنا. بَسْ خَلَصْ، راحَت عَلَيّ، شِكْلُه راح يِطير مَع عَصْفورَة تانية. بَسْ يا رَبْ تِطلع عَصفورة ومش بومِة، والْمُهِم تْكون مْنيحَة إِلُه ولَلِوْلاد. أَنا بَحِب عُمَر ومِش راح أَزْعَل يِكون مَبْسوط، بَسْ الأَهَم ما يِنْسى لِوْلاد وهو في عِز حُبُّه وهَيامُه. مَعْقول يحِب غيري قَد ما حَبْني؟ الفِكْرة بِتْوَجِّعْ، أَخْ بَسْ لَوْ أَقْدَر أَقوم وأَوَصّيه عَلى أَكَمِّن شَغْلِة.
دَخْلَت سَيّارة الإِسْعاف مِن المَدْخَل التَّحْتاني لَلْجامعة، مِش مِن الْمَدْخَل الرَّئيسي الكْبير، عشان حَرام يِرعْبوا الشَّباب وِالصَّبايا بِسَيّارة إِسْعاف وموت بِنُص نْهار دِراسِة. مَشَت السَّيّارَة شْوَي شْوَي ومَرَّت مِن جَنْب شَجَرَة كبيرِة مَلانِة خَضار، هاي هي الشَّجَرَة اللّي تْلاقينا حَدْها أَنا وعُمَر أَوَّل مَرَّة قَرَّرْنا فيها نِحْكي مَع بَعَضْ......... وصِلْنا بِنايِة كُلِيّة الطِّب، وِالْمَشْرَحة هُناك في أَوَّل طابِق، نَزَّلوني مِن الإِسْعاف ودَخَّلوني عَالْمَشْرَحَة، مَحَل كْبير ووَساع وريحْتُه مِتِل ريحِةْ الْمُسْتَشْفى. في تَفْصيل مُهِم كتير وأَنا لازِم أَحْكيه. صاحِبْتي بتِشْتْغِل في مُخْتَبَر الْمَشْرَحَة، إِسِمها سَناء. هي طَبْعا كانَت تِعْرَف إَنّي راح أَتْشَرَّح، عُمَر حَكالهْا. يا ريتْني كُنْت جايي أَزورِك بِمِحَل شُغْلِك ومِش جاي عَشان تِشْتِغْلي فِيِّي. بَعِد ما نَزَّلوني مِن سَيَّارِة الإِسْعاف شُفْتْها، كانَت قَوِيِّة بَسْ دَمْعِتْها بِعينْها. طِلْعَت مِن المَشْرَحَة مِن الباب تَبَع الإِدارَة، شِكْلُه مَمْنوع تْشوفْني عَنْ قَريب. بَس هي ما تخَلَّت عَنِّي، رِجْعَت بَعِد ما خَلَّصوا تَشْريح. هي كانَت حاكيتْلي إِنُّه مَمْنوع حَدا بْيِعْرِف المَيِّت أَو حَتّى مِنْ نَفْس البَلَد إِنُّه يِحْضَر التَّشْريح، عَشان هيك هي ما قِدْرَت تضَلْها مَعي. أَنا سْمِعْت مُديرْها لَمّا حَكالْها إِنْها مِشْ مَجْبورَة تستنّى وإِنْها بتِقْدَر ترَوِّح عَلى بيتْها إِذا بِتْحِب وما تْداوِم اليوم، بَس سَناء كانَتْ مْنيحَة وفَكَّرَت فِيّي قَبِل ما تْفَكِّر بِحالهْا. سَناء كانَت تِحْكيلي إِنُّه بْييجوا طُلاّب الطِّب وطِب الأَسْنان كَمان عادَة عَشان يِتْدَرَّبوا عَلى التَّشريح لَمّا بتيجي جُثِّة، يا رَب ما تْخَلّي حَدا يْفوت، بَخْجَل كتير أَنا. فِعْلا، مِتِل ما تْوَقَّعِت، صاحِبْتي كانَت قَوِيِّة ووَصَّت الدُّكْتور إِنُّه ما حَدا غيرُه هو وِالْمُمرِّض يُدْخُلوا.
أَوَّل شي الدُّكْتور وَصَفْني مِنْ برَّا، وَصْفُه كان دَقيق. بَعِدْها بَلَّشوا يِشَرْحوا ولَمّا فَتَحوا حَلْقي وكُل مَجْرى تَنَفُّسي فِهْموا إيش القِصَّة. وطَبْعا سَجَّلوا كل التَّفاصيل وأَخَدوا أَكَمِّن عَيِّنِة مِن أَعْضاء جِسْمي عَشان يِبعَتوها لَلْمُخْتَبَر عِنْد سَناء. سَناء راح تِعْرِف تَفاصيلي أَكْتَر إِسَّا. بَعِد ما فَتَحوا جِسْمي سَكَّروه بَسْ وَلا إِشي رِجِع عَلى مَحَلُّه مِتِل ما كان، جِسْمي مِنْ جُوّا تْخَرْبَش شْوَي، ماهو أصلا مُسْتَحيل يِرْجَع كيف ما كان قَبِل. خَيَّطوا رَقْبَتي وصِدري مِن وين ما فَتَحوهم. بَعِدْها نادوا سَناء عَشان هي تْحَمِّمْني مِتِل ما هي طَلْبَت وإمّي وَصَّتها. حَكَتِلْهُم "بَسْ شْوَي" وراحَتْ اتَّصْلَت بِإِمّي تِسْأَلْها قال كيف كُنْت أَحِب الْمَي! إِمّي قالَتِلْها "والله يا حَبيبْتي ما بَعْرِف، أَحْسَن تِسْأَلي جوزْها هو أَدْرى". سَناء كانَت إِنْسانِة خَجولِة بِطَبِعْها، أَكيد اسْتَحَت تِسْأَل عُمَر هيك سُؤال. بَسْ انْجَبْرَت بِالآخِر وِاتَّصْلَت فيه وسَأْلَتُه. حَكالْها... أَنا انْبَسَطِتْ إِنُّه عُمَر بيِعْرِف كيف بَحِب الْمَي. هاي تَفاصيل بْيِعْرَفْها بَس إِنْسان بِيْحِب إِنْسانِة وِبْيِعْشَقْها ومِش أَيْ حَدا. أَنا كُنْت أَحِب الْمَيِّة السُّخْنِة بَسْ لا فاتْرِة وَلا بْتِغْلي، وسَناء ما قَصَّرَت. حَتّى الشّامْبو وصابونِة الجِسِم وِالعُطُر اللِّي بَحِبُّه كانَت جايِبْتْهُم مَعْها ونَضَّفَتْني فيهُم. سَناء صَديقتي كانَت مُخْلِصَة لَلآخِر حَتّى وأَنا جُثِّة هامْدِة ما نِسْيَت كيف بَشْعُر، مَع إِنّي في الحَقيقَة بَحِسِّش إِشي وما بتِفْرِق مَعي شو عُطْري وشو صابونْتي. بتِفْرِق مَعي إِنِّي بَطَّلْت عايْشِة. بَعِد كُل فيلم التَّشْريح وِالتَّخْييط وِالغَسيل رَجَّعوني بِسَيّارِة الإِسْعاف عَلى بيت أَهْلي.
اليوم ركِبِت سَيّارِة إِسْعاف أَكْتَر مِن ما ركِبْتْها كُل حَياتي، وعلى الرّغِم من هيك ما أَسْعَفَتْني، إِسِم عَالْفاضي هاي السَّيّارة.
مِن بيت أهلي طْلِعِت عَلى قَبْري.
لحَدَ الآن مِتْأَلمِة إَنْهُم عَشان ولادي صغار ما خَلّوهُم يِشوفوني مِيْتِة وِيْوَدْعوني. بَس لَو أَعْرِف كيف شَرَحولْهم عَن موتّي. يَعْني ما يِشوفوني بِيِرْحَمْهُم أَكْتَر مِن إِنُّه يِشوفوني؟ لأ مِش صَحيح هالحَكي. بَعْدين وأَنا؟ ما سَأَلتْوا حالْكُم أَنا إيش بحس لَمّا ما أشوف وجه ولادي قبل مل أَندْفِن؟ طَيِّب بَلْكي المِيّتة بِتْشوف اللّي بْييجوا يوَدْعوها؟ حَرَمْتوني أَشوف ولادي لَآخر مَرَّة قَبِل ما أَنْطْمِر تِحْت التْراب، ليه؟
أَنا بَعِد هَالتَّجْرِبِة كُنْت بَحِب أَقوم مِن نومْتي الأَبَدِيِّة لَأِكَمِّن دَقيقة مِش بَسْ عَشان أَحْكي مع عُمَر وأَوَصّيه أَكَمِّن شَغْلِة، لا لا لا، كُنْت بِدِّي أَوَصّي كُل صاحْباتي وحَبيباتي: إِذا مَنْظَرْكُم ومَظْهَرْكُم بِيْهِمْكُم مِتِل ما أَنا كان يِهِمْني، إِنْتِبْهوا يِكون هيك كَمان لَمَّا تموتوا، خَلّيكُم نْضاف 24 ساعَة، تِلْبَسوش جْرابات أو بناطيل امْخَزَّقَة حَتّى لَو إِنْتوا بِالبيت، إِلْبَسوا بيجامة مُحترمِة أَو أَواعي بيت مْرَتَّبِة، آه وعَلى فِكْرة، إِكْتِبوا وَصِيِّة واكِشْفوا كُل اللّي بِدْكُم تِكْشِفوه وموتوا مَع اللّي بِدكُم اتْخَبّوه، لَأِنُّه الموت مِش راح يِبْعَتِلْكُم رِسالِة غَرامِيِّة فيها إِنْذار وَلا تَحْذير إِنُّه عَالطَّريق حَضريلُه قَهْوِتُه، راح ييجي يِزوركُم عَلى غَفْلِة. صَبايا تِنْسوش كَمان تِكْتِبوا كُل إِشي بِدْكُم يِعْمَلولْكُم ايّاه لَمّا تموتوا، حَتّى إِنُّه مين بِدِّك تشوفي ومين لَأ، مين مَسْموحِلْها تبوسِك عَلى صَباحِك ومين لأ، بدل ما يفتحوها حفلة بوس الجبين. أَنا شَخْصيّا شُفْت كتير وجوه عِكْرِة كُنْت بَفَضِّل وجوه ولادي عَلى هَالشّوفِة.. وعلى سيرة لِولاد، إذا ولادِك صغار إِكْتِبي بِالوَصِيِّة كيف يِشْرَحوا موتِك لَوْلادِك، عَشان بَلاش كُل واحَد يِعْمَل فيها أَخِصّائيّة نَفْسيِّة وعامِل اجتِماعي، ويْجَمْعوا حَسَنات عَلى ضَهِر ولادِك وبَناتِك. مِش لَمّا تموتوا ونِلْتْقي تقولولي ليه ما حكيتِ؟ هياتْني، حكيت كُلْشي ما عَدا أَكَمِّن سِر حابِّة أموت مَعْهُم.
تِتْخَلّوش عَنْ ولادي وتِنْسوني
بَشوفْكُم في دنيا تانية
زَحمة يا دُنيا زَحمة.....