1
إيهِ، فقط، لو أنَّكَ
"كورنيشُ" المَداماتِ،
لو أنك أسفارُ عشَّاقٍ منذ
طوفانِ البدايات.
لو أنك أمينٌ على خُفِّها
الصيفيِّ، وهي
الزَّبَدُ على جُرفِكَ
المتعجرِفِ.
كنتَ ستنهضُ
للرقص لها
وتسقطُ كأعمى.
إيهِ لو أنك تُقايضُ
وصايا آلهةٍ
بحِكَمِ سُكارى
لحَسَم الصَّاحونَ أمرهم.
آهٍ لَوَنَّكَ،
لونَّك جُرحُ
المُغنِّي
وبحَّةُ الوترِ،
لكُنْتَ ماأحْسَنَكَ.
ياعِظَةَ توتُّري بين
ثمالتي وصحوي.
كخفَّةِ انسيابك
ألوِّحُ للمتنزهين على
ضِفافِ الحسرة:
هَدْأَتُكَ بلون الغرق.
النهرُ نهْرُكَ، فلتُبحِرْ
مع المقتفين أثرَ المغيب.
يأتونكَ مُرْتويْنَ بماء العطش،
وأنتَ
عطِشٌ إلى عَرَقِ
شفتيها.
إيهِ ياسِدْرة
غَبْشتي،
لوَنَّكِ
ذراعاي
لكنتُ جنيْتُ
نجمةَ صُبحٍ.
قُلْتَ لي: يانهرُ
اغْتَسِلْ بي.
صابونكَ رغْوتي،
وحفنة من
طينكَ لتدليكِ جِلْدي.
مِنِّي المِنْشَفَةُ،
والمِشْطُ،
وعِطرُ الجُمَّارِ،
لكن:
سأخرجُ منكَ
مَشْكوكاً بِي،
منتشلاً بالأرقِ،
مدعوكاً بالإثمِ.
هززتني قائلاً:
سأُبْقيكَ عارياً،
خفيفاً بلا قدمين،
ريشةَ مصادفات
لأنَّكَ
عُدْتَ بقميصٍ
مطرَّزٍ بالمنفى،
فارمِ
أحلامك في قعري،
وعُد كما أنت،
تتمنى
جدَلَ المجاذيفِ،
واهتزازَ خصرِ
قاربكَ المرتجف
على صَخَبي.
تتمنى:
قسوة الرطوبة وجسارة
قميصِ "فيرْجينَ" المُعرَّق،
وهي تتداركُ الحرَّ
حتى تسيحُ سُمْرةُ إبْطِيها.
هذيانُ المساءات
على ضحكةٍ من "أناهيد".
الأرمنُ في "كَمْبِهم" الأخضر
سيُرَحَّلونَ للأبد.
ترانيمُ الماسيرات في كنيسة
الكلدان العشارية.
رشَّةُ القِرفةِ على صحن الهريس
في ثالوثاءِ خِضْر اْلْيَاس.
صَحْفةُ "مَنِّ السَلْوى"
على رأسك الصغير تتراقصُ،
تطوفُ تمتماتُ المارِّيْنَ بك:
انتبه.
وأنت تتمايلُ،
ثم تسقطُ، مرشوشاً بالمنِّ،
أبيضَ.
كمْشَةٍ من التمر المعسَّلِ.
ماء ظهرك خريفيٌّ
يترجرجُ، في أوج
فهرنهايت القلق.
تمنيتَ
غطسةً في نهر المعقلِ،
ونفحة
من ورد شارع "أجنادين".
لكن،
ماجدوى الرقص
مع الحَجَل؟
عُدْ حَالَما تموتُ
لاجِئاً إلى
حضني كي أهُزَّ
حسرتكَ الأبدية.
2
أنثُرُ يأسي على
منازلك الصيفية،
ولِيَ معكَ رقصٌ خجولٌ
على
رصيف الوصايا.
وليَ بعدكَ ـ كَمْ
بعْدكَ من آثارِ
وقارٍ على جليدِ الوحشةِ.
كم من أوان
البلحِ
يُقايضني
بالكرز فتَدْمى
عُنْوةً شَفَتايَ.
يرتدُ دمي إليَّ.
ترتدُّ الوصيَّةُ إليَّ:
البلحُ يُسكرُ العينين.
لافائضَ لي من جنوبِ
المسرات.
الخجلُ هُناكَ
شهيٌّ
شفيفٌ،
محضُ زهور يهدهدُ
الهبوبُ عطرَها،
وهوىً من ترياقِ نحلاتٍ
يَخْدَعُ أمزجة الفسائلِ،
فَيُنْسيها جَلالَها.
لارِهانَ على
فسائل المنتهى
إلاَّ على
صدرِ الخصيبِ.
لارِهان على فسائِلَ
في تُرابٍ مُرٍّ.
لابأسَ،
أهذا الترابُ
متاهٌ؟
لابأسَ بهِ.
3
رمادٌ، أو حِنَّةٌ
أفركُهما بيدينِ
جفَّ فيهما الدمُ.
ياكَسْلةً نمتصُ فيها حليب
"شيخ اسْمَالله"
عشبةٌ في
بريَّة النذور.
كنتُ هنا.
كنتُ النهر الدليل
لأشرعة الخجولين،
والسرُّ حضني
ملتَقِطاً مايسقطُ من
رنين الأرضِ.
قلبي قوسٌ يشحذُ
الضوءَ
من نجومِ المشيئةِ.
وكانَ العبيدُ
بأصابعهم الخيزرانِ،
وقاماتهم الزبد،
يفاوضون
التراب المُعفَّرَ
على صدورهم العارية.
طويلاً حفروكَ،
ففاضَ عرقُ عروقهم
وتقاسمَ الناسُ
ماءَ المبتدأ.
لِمَ تذهب بفائضكَ
إلى البحر،
وأنا عطشٌ،
ودمي سهمٌ ينشدُ
شحذ لهاثك؟
هاتِ حصاركَ
كي أفركَ رعشة
ارتوائي.
4
نقشوكَ قلادةً:
خبئها في الفصوصِ ـ
كم تشعُّ،
كما
نجومٌ من أطياف بئرٍ.
الصيادونَ،
وحاناتُ الربِّ
من نبيذ السلالات.
فلاحةٌ من "القِرْنة"
على رأسها
قُفَفُ القشطة ترتجُّ.
وجهها قلقُ هندباءٍ مفتضح،
وأنا في أعالي النشيد أرتجي
الصَّفوةَ من قفزة نهديها.
أُسرِّحُ التَّعبَ في
قاربٍ يتأرجحُ،
ستتأخَّرُ البَطْرانةُ.
وأصابعي تُدندنُ:
قلقٌ فظٌّ يُحيطني.
سرِّح ثوبكَ ـ
تقولُ البطرانةُ ـ
يكفي أننا معفَّرانِ بقُبلةٍ.
سأعرفُ من يرحل.
أضعُ البُرهانَ في كأسٍ
مثلومة القبضة.
ياظهري،
للجَلْداتِ ذاكرةُ الرنين.
ألم يقُل لكَ كاهِنُ
الكنيسةِ: اعترف.
ارتجفَ ماءُ قلبي،
وصدري
يقضمُ اللهاثَ.
اعترفْ قبلَ حلول الخطيئة.
5
حزامي يَرقُصُ كثعبانٍ.
الآلام، قالت لي؛
الآلامُ، اعترف،
ونهري أعزلُ.
يامديحي،
ياخُطى الغرباء،
وأنتِ تنتظرين غريبكِ
العائد بسلالٍ
من نصائحِ ثمليْنَ.
الغريب ترك ثياب رجْفتهِ
مبلولةً على الحبل.
الغريبُ جَفَّ من القهْرِ
ومِنَ كثرةِ الينابيع.
دعيني أدعكُ أصابعك بقوة.
تمرُّ السفنُ الشاهقة.
تُحرقُني
دهشة عينيَّ،
يالخفة دمعي،
إلهِي، سأغرقُ.
والبطرانةُ كنعاس
الحرير
بفخذينِ من
عافية الذهب.
ياللماء الحديد سأشقى،
مالي ومالُ الذهب،
هو يئنُّ من وميضهِ.
الجسرُ تحت أقدام العابرين
يتمايلُ كخفَّةِ الدلفين.
مالأصابعي والذهب، يكفي أنَّ
للفخذينِ ذاكرة المرافئ،
وللمسافرينَ تذاكرُ بلا عودة
في سُفنٍ غابرة.
6
آلامي تطفو على قاربٍ
يأتي مع الريح،
ويجذِّفُ بألمي
حتى المنارات.
أيها النهرُ كُنِ مؤجَّلاً.
لِمَ غسلتَ وجهكَ بماءٍ
عصرتهُ من ظهر أبي؟.
وثمِلتَ في ظهيرةٍ تموزية
وأنت تمضي
وتترصَّدني،
وتصرخُ بي:
اعبرني لآخر مرة
كي تُدرِّبَ
قدميكَ على الفراق،
وتمرْغَلُ بالمُحْتَملِ مِنْ
زردِ المدى.
صيرنِي القدَرُ تمثالاً منْ
غِريَنٍ مُعتَّقٍ،
وهيَّئني للفُرْجةِ
تمثالاً مفْطورَ الظهر
على نهر المَبْكى.
في يديَّ الكثير من
رجفة العُنْفِ وقطرات
البكاء الغريب.
على "الكورنيشِ" أقفُ،
مدهوشاً بينَ القُبْلةِ البِكْرِ،
ورجفةِ اللذائذِ.
آنَ أبقى أخرسَ
كنظَراتِ العابرين
فها أحزاني ابتدأت.
في أوان القيظِ تَعْرَقُ،
تُشيرُ لأشباح
المشاحيف.
تستيقظُ مرعوباً
في غيرِ ذلك
المكان.