[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول الفن التشكيلي والثورات العربية. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
واكب الفن التشكيلي، بمختلف أشكاله وتعبيراته، أحداث ثورات الربيع العربي منذ بدايتها قبل خمس سنوات ونيف، سواء في الرسم على الجدران، أو في الفنون الرقمية على الإنترنت، أو في الرسم والتصوير، وكان سباقاً أكثر من غيره من أنواع الإبداع في مواكبة الثورات والتعبير عنها، في زمن يحاول فيه صنّاع القهر تشويه الذاكرة، وقتل الفنون التي كان دورها منذ أقدم العصور إغناء الحياة الإنسانية.
منذ الأيام الأولى لما عرف بـ"ثورة الياسمين"، التي أطاحت في 14 كانون الأول/ يناير 2011 بالرئيس زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد بيد من حديد لمدة 23 عاماً، أعلن عدد كبير من التشكيليين العرب عبر لوحاتهم انخراطاً صريحاً في الشأن العربي العام الراهن، منتقلين من مشاغل فنية خالصة، إلى رسائل ترمي إلى الوصول والتبليغ في مواجهة حرب التمويت واستباحة إنسانيتنا.
ولم ينفصل اشتغال هؤلاء الفنانين عن ذاكرتهم الشخصية التي تشكل جزءاً من ذاكرة عامة كانت تعاني على امتداد عقود طويلة أثر الطغيان والاستبداد والحرب وويلاتها وصدماتها؛ إثر أكثر من خمس سنوات من معركة الحرية، التي جعل القتلة من دعاتها في الميادين أشلاء مقطعة ودماء وقتل وتعذيب ونزوح.
وأما في سوريا فمع اشتعال الحرائق واشتداد قبضة النظام العسكرية والأمنية، ضاقت البلاد بالمشغل التشكيلي المساند للثورة والحراك السلمي ضد جحيم الاستبداد وساديته، فأغلقت أروقة وصالات العرض، وباتت متابعة المنجز الفني تتطلب جولة على عواصم عربية وأجنبية، مع خروج غالبية الفاعلين في هذا الحقل من البلاد.
ويمكن القول إن ملامح الثورة والحرب والعنف والموت باتت مطبوعة في المنجز التشكيلي العربي الراهن وخاصة السوري منه. ينعكس ذلك في المواد التي يختارها الفنانون لأعمالهم، وفي أساليبهم ووسائطهم، وكذلك في موضوعاتهم.
ومما لاشك فيه أن كمّ العواطف الذي يعصف بنا كطلاب حرية وكرامة، منذ حرق التونسي "البوعزيزي" نفسه في ساحة عامة وسط تونس، عصيٌّ على الاستيعاب في حالة فنية أو أدبية، إذ ما زلنا جميعاً نعيش هذا الكابوس الدامي.
وبما أن الفن هو انعكاس حقيقي وعميق للمتغيرات التي شهدتها المنطقة العربية، وإزاء قساوة وبؤس المشهد العربي يلقي هذا الملف، المعد لـ "جدلية"، الضوء على مدى تأثير الحاضر العربي على تجارب مجموعة من أبرز التشكييلين العرب، من اتجاهات وأعمار مختلفة، ممن ساهموا أو كان لهم دور ما في ولادة هذا "الربيع" بإبداعاتهم التي رصدت بعمق وثورية أساليب التعبير التي استلهمت تقنيات الكولاج والرسوم المائية والزيتية والتشكيل باستخدام الأحبار والمواد والخامات المختلفة، عاكسة نبض الشارع العربي، الذي يمور بالتحولات الجذرية على كافة الصعد الفكرية والثقافية والسياسية والإجتماعية وغيرها، وذلك من من خلال طرح الأسئلة التالية:
ما هي تأثيرات الحاضر العربي على تجربتك الفنية، وإلى أي مدى شكّلت الحرب، بوصفها مصدرًا للعنف الجسدي، النفسي والبصري، الموضوعة الأكثر تحريضًا لمخيلتك كفنان ملتزم بقضايا وطنك وشعبك؟ وهل نجح الفن التشكيلي، أكثر من سواه من الفنون البصرية، في "تشكيل" الرواية التي تواجه عنف الأنظمة لا بل ترعبها؟ وماذا ينفع الفن، إن كنّا عاجزين عن إيقاف العنف والموت في شوارعنا المنتفضة؟ وماذا ينفعنا رسم الحرية والتمسك بأبجدية الحلم التي نواجه بها بشاعة واقع القتل والتدمير والتهجير؟.