[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول الفن التشكيلي والثوات العربية. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
ثمة مصدران للحاضر الذي يمكن أن يؤثر ويتداخل ويطور تجربة الفنان البصرية.. الحاضر بمعنى الحدث الراهن والتجربة الواقعية التي يتفاعل معها الفنان.. أي تلك التي تكون مرئية للجميع وكلٌّ يتناولها ويعبر عنها وفق رؤاه ومزاجه الإبداعي وهاجسة الجمالي الخاص.. والحاضر غير المرئي الذي يمور داخل الفنان والذي يتعدى المكان والزمان ويربطه بحياته الداخلية وإمكاناته التخييلية التي تسمح له بأن يكون الرائي والمرئي على حد سواء، ولعل ذلك هو الذي يشكل قوة الفن وقدرته على الكشف والتسامي.
ولا شك ان الحرب ومهما كانت القيم أو المبررات الأخلاقية التي تقف خلفها، هي من أشد الأشكال عسفًا وتدميرًا وتقويضًا لبنية الإنسان، والتي تضع الفنان أو غير الفنان في مواجهة هذا الواقع الرهيب بقلب مدمى ويد مرتعشة ومخيلة تنزّ صور الموت والمجازر والرماد.. إلى جوار تلك التي تحاول أن تنقل صورة أخرى لواقع لا أثر لرائحة الدم أو الموت فيه. وبين الواقع والمأمول تتشظى الصور وتتنامى التعبيرات الإبداعية التي تكون بمثابة الشاهد الذي يضع يدًا على ما يرى.. ويدًا على مايريد.
ولا أعتقد أنه ثمة مفاضلة بين الأنماط التعبيرية سواء التشكيلية منها أو الأدبية.. فهي بمجملها تشكل الخطاب الجمالي الذي يقف بمواجهة الخطاب التدميري وبمواجهة عنف النظام الذي لايرى ولا يسمع سوى صوت نفسه عبر الطائرات والمجنزرات والدبابات التي دمرت البشر الشجر والحجر.
أما عن جدوى الفن.. فتلك مسألة لا يمكن قياسها وفق معادلة الحرب، أو معادلة الربح والخسران.. ذلك أن الفن هو السبيل الوحيد إلى الخلاص.. هناك حيث الروح هي التي تسود.. والروح هي التي تتحدث، وذلك أنه الإشارة الوحيدة على الأمل، والبشارة الوحيدة التي نلمحها الآن في غضون هذا السيل الجارف من الشر والقبح والبشاعة التي تلتهم بلادنا من أقصاها إلى أقصادها.. فلنتشبث بتلك الفسحة الخالصة من الجمال التي يمنحها الفن، وتمنحنا الأمل.
*************
إسماعيل الرفاعي في سطور:
ولد الفنان التشكيلي والشاعر والروائي السوري إسماعيل الرفاعي في مدينة الميادين/ دير الزور في سوريا عام 1967، ومن هناك انتقل إلى دمشق ليحصل على بكالوريوس فنون جميلة من كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق. وهو عضو نقابة الفنون الجميلة بسوريا، وعضو جمعية الإمارات للفنون التشكيلية.
يعد الرفاعي القامات الفنية التي حققت حضورها وتواجدها الفاعل في الساحتين المحلية والعربية، وهو يتمتع بحضور ثقافي لافت كشاعر وروائي وفنان تشكيلي حيث قدم مشروعا متكاملًا اتضحت فيه العديد من المكونات الإبداعية من القدرة على السرد البصري إلى شعرية التكوين والطرح وخصوصية الأسلوب التصويري في تجربة تشكيلية تمثل امتدادًا وتطويرًا وتعميقًا لتجربته الإبداعية التي تحمل بصمته الخاصة. وقد عبّر عن نفسه الفنية في صفحته على "فيسبوك" : "في المرسم.. كيف لا تسقط الروح في الغيب.. والأسود يجهرُ بكلّ هذا الوميض/ من أين تأتي الألوان كلها.. من أين تأتي؟/ أكان عليّ أن أسقط في نفسي كلّ هذي السماء/ كي أهبط على أول الأرض/ وأغرق الوجوه بكل هذا البكاء؟".
ومنذ عمّ الخراب وسادت بشاعة واقع القتل والتدمير والتهجير والاغتصاب والاعتقالات والقهر في سوريا، إثر اندلاع الثورة في آذار/ مارس 2011، صارت أعمال الرفاعي تتناسل في قبو الحياة، متلفعة بالرمادي والأسود، تكاد الشمس التي أنارتها في الماضي تغيب من أفقها بالمرة، عاكسة واقع الثورة السورية عبر تعبيرات بصرية تتخذ من الرسم أدوات للنضال والمقاومة، وتتسلح بالجمال الذي يصمد أمام السيء والقبيح. وقد حملت بعض لوحاته مسميات تخلد بعض الأحداث التي جرت في سوريا مثل: "داريا" و"تريمسة" حيث يصوران المجازر الوحشية التي جرت في هاتين البلدتين، وبالتالي هما إدانة دائمة للنظام السوري، وتخليد للشهداء الذين سقطوا بسكاكين ومدافع وطائرات النظام.
أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية وشارك بالعديد من البينالي والمزادات الدولية مثل بينالي القاهرة وبينالي الإسكندرية وبينالي بنغلاديش وبينالي طهران، وعرضت أعماله في مزاد كريستيز، فاز بالعديد من الجوائز الفنية والأدبية، مثل جائزة نقيب الفنون الجميلة في سورية عام 2002، وجائزة اللوحة المتميزة برواق الشارقة للفنون وجمعية الإمارات للفنون التشكيلية عام 2004، وجائزة غانم غباش للقصة القصيرة في اتحاد أدباء وكتاب الإمارات 2005، وجائزة الشارقة للإبداع العربي عن رواية "أدراج الطين" المرتبة الثانية 2006. وجرى تكريمه في متحف الشارقة للفنون كأول فنان عربي يتم استضافته في معرض "علامات فارقة" عام 2010. وجائزة دبي للإبداع العربي لعام 2015.
صدرت لإسماعيل الرفاعي مجموعة شعرية بعنوان "وعد على شفة مغلقة" 2002، ورواية "أدراج الطين"، ويعمل على إصدار مجموعة تحت عنوان "الطفل عند منعطف النهر". وصدر عنه كتاب بعنوان "مكابدات المحبين" للناقد محمد الجزائري.