قصائد للشَّاعر الإيطالي كارلو ﭬـالليني Carlo Vallini (1885-1920)
كارلو ﭬـالليني في سطور:
وُلِدَ في 18 تمُّوز/ يوليو 1885 في مدينة ميلانو، وترعرع في إقليم ليغوريا. حصل على الشَّهادة الثانويَّة في مدينة تورينو. في سنة 1902 أبحر كملَّاحٍ مبتدئ على سفينةٍ متَّجهة إلى جامايكا. بعد هذه التَّجربة عاد إلى تورينو ليدرس في كلِّيَّة الآداب والفلسفة هناك ويعقد صداقةً عميقةً مع الشَّاعر الإيطالي غويدو غوتسانو. في سنة 1907 نشر مجموعتيه الشِّعريَّتين "التَّخلِّي" و"ذاتَ يومٍ". وفي سنة 1909 أنهى دراسته للأدب وتخرَّج في مدينة بولونيا، ليدرِّس بعد ذلك في بعض الثَّانويَّات والمعاهد العليا في عدَّة مدن إيطاليَّة. لم يتوقَّف إنتاجه الأدبي خلال ذلك، غير أنَّه اتَّجه إلى المسرح ليكتب مسرحيَّة غنائيَّة من مشهد واحد هي مسرحيَّة "رادَّا" التي نشرت سنة 1912؛ وفي سنة 1913 نُشِرَ مؤلَّفُه "معجم الأساطير الكلاسيكيَّة". له أيضاً نص بعنوان "أمير البحر" كُتِب كأساسٍ لعملٍ موسيقيٍّ، صدر سنة 1914. خلال الحرب العالميَّة الأولى خدم في الجيش كملازمٍ ثانٍ وأبدى شجاعةً متميِّزة نال عليها وسام البسالة سنة 1916، وهو الحدث الذي ذكره في أنشودته الشِّعريَّة "في سبيل الرِّفعة" التي صدرت في العام نفسِه. في سنة 1920 نُشِرت ترجمته لعمل أوسكار وايلد الشِّعري الشَّهير "أغنية سجن ريدنغ"، وتوفِّي في 11 كانون الأوَّل/ ديسمبر من العام نفسِه وله من العمر 35 عاماً جرَّاء انسداد في أحد الأوعية الدَّمويَّة، أو ما يُعرَف طبِّيَّاً بالانصمام.
* * *
يمكن القول، حيالَ قصيدة ﭬـالليني، إنَّ "مهابة الحزن" التي يُحتفى بها بجلالٍ كبيرٍ في مجموعة "التَّخلِّي" يُضحَّى بها، فيما بعد، على مذبح التَّجديد في سبيل إفساح المجال أمام قصيدةٍ متخفِّفة من قيود المدرسة "الدَّانونتسانيَّة" (نسبةً إلى الشَّاعر غابرييل دانُّونتسو). في هذا السِّياق، يقول النَّاقد كارلو كالكاتِرَّا، "لقد خضع ﭬـالليني لسحر دانُّونتسو وتألَّم من إدراج قصائده في باب المدرسة الدَّانونتسانيَّة وأراد القطع كلِّيَّاً مع تلك المدرسة"، ولكنَّ ﭬـالليني، في الوقت نفسه، والقول لِكالكاتِرَّا، "عرف الغروبيِّين ولم يحبَّهم، لأنَّهم بدوا له زمرةً من الخاملين ومنقطعي الأنفاس، ونظرتهم إلى الحياة تتناقض كلِّيَّاً مع طبيعته". مع ذلك، تتميَّز مجموعتاه الشِّعريَّتان "التَّخلِّي" و"ذات يوم" برقَّةِ التَّعبير وبالنَّبرة المذعنة والكئيبة التي تُعَدُّ سمةً جوهريَّةً من سمات المدرسة الغُروبيَّة. ومن هنا تبقى صورة ﭬـالليني الشِّعريَّة قلقةً ما بين المذهبين "الغروبيِّ" و"الدَّانُّونتسانيِّ"، مع تأثُّره كذلك بالنُّصوص البوذيَّة الذي نجده في عمله الشِّعريِّ الأهم "ذاتَ يوم".
* * *
النُّصوص:
[من مجموعة "التَّخلِّي" 1907]
سوناتاتُ أيلول
I
ها أيلولُ الطَّافحُ ذهباً، أيُّها الفتى البهيُّ
الرَّاقدُ بعذوبةٍ في سُرادقاته الورديَّة،
يا إلهاً حزيناً من آلهةِ العزلة
يطوِّق صدغيه بتاجِ الخلوات،
أيُّها الحزين مثل ابتهالٍ،
يا مَن لا تقطن إلَّا وحشة حقول
الفاكهة، منقِّلاً نحيبَ أغنيتك
من نغمةٍ وطبقة إلى نغمةٍ وطبقة،
أنتَ الذي تحتَ كومةِ أوراقٍ
ميتة تجهِّزُ يوماً بعد يوم، وأنتَ
تبتسم، ضريحكَ الثَّلجي،
دع روحي تَسْفِك بقوَّةٍ أكبر
دمعها المرَّ في حضن مغيباتِك، فيما
تنقضُّ الكآبة مع الظِّلال.
II
أيلول، أيُّ عذوبةٍ طريَّةٍ تنبعث
مع الانبثاث الوضيء المتراخي
لشمسِ صباحاتك البيِّنة
من أرضيَ الإميليانيَّة1 الوادعة؟
كلُّ تكوينٍ، هنا، كأنَّه مُصاغٌ
خارج حجاب الحلمِ والصَّمت: كلُّ
شجرةٍ، كلُّ جُنينةٍ، كلُّ صفِّ أشجارٍ،
كأنَّما يرتعشُ في شمس غبطةٍ بشريَّة.
وإذْ أصغي، هائماً في الصَّمت،
كيف تثقلُ كلُّ ثمرةٍ وتسقط
في تنهيدٍ متناغمٍ من انتشاءٍ سماوي،
تبدو لي الأرض شبيهةً بوجهٍ حُلوٍ
تمرُّ عليه، كمثل خاطرٍ كمِدٍ،
ظلالُ غيومٍ عذبة.
III
ها أيلول، كرومكَ الوادعة،
حيث تشعشعُ عناقيدُ الذَّهب الرَّائعة،
ترقد معرَّاةً من جواهرها المعلَّقة
بين شاراتِ براعمَ محمرَّة.
الآنَ حين تندلع غيومٌ مدمَّاةٌ
عند الغروب، لم تعد الأسرابُ الصَّدَّاحة الجذلى
تطلِق نحو السَّماء خورسَها الباخوسيَّ
الرَّحيب، من بين العشب الأحمر الطَّويل.
ها أيلول الحزين، يا مولايَ الفتيَّ،
خبِّئ لي تحت ورقة العنب التي يرجِّفُها
عنقودٌ منسيٌّ غبطةَ هذا النَّهار!
دعني أقطفه، دعني أشعر بتلك النَّشوة
الأخيرة العذبة تتدفَّق في داخلي:
العذبةِ حدَّ أنَّها تميتُ القلبَ النَّشوان.
IV
ها أيلول، لو أنَّ الحديقة الكبرى تنبعث الآن
في حلمي الذي يتولَّاه فجرٌ لآمنتُ،
لَسمعتُ أنغامَ مزمارك تتلاشى
من أيكة الطَّلح الملتفَّة بشكل قوس.
منحنياً تحت الحِمْلِ الفائق الوزنِ
للأسطورةِ التي أنت فيها إلهٌ لي،
تهاوت أحلامي مطعونةً
بحياةٍ كانت ذات يومٍ تتربَّص بها.
آنذاك صَمَتَ الخريرُ، خريرُ مائةِ
نافورةٍ، وفي المثوى الكئيب
لم يبق إلَّا أشجار سروٍ جنائزيَّةٌ مستوحدة.
الآن، ساكنةً، عندَ غروباتٍ لا رياح فيها،
فيما شمسٌ أخيرةٌ ثقيلة تذهِّبُها،
تبكي بخضوعٍ، في السَّكينةِ الهائلة.
V
ها أيلول، في حديقتك البهيَّة الصَّامتة
حيث تسكَّعتُ ذات يومٍ مستغرقاً في حلمي،
دعني أصحو من جديدٍ على شجر الورد
يُطلق ورودَه، مثل معجزة.
دعني أسمع مرَّةً أخرى وسط الأيكات
الأنين المستعذبَ لنوافيري العذبة
والتَّماثيلَ الجامدةَ التي لا تحرِّك ساكناً
دعني أسمعها تسائلني بحذرٍ وفطنة.
هو ذا يندفع بين السَّرو، وعِبْرَ النَّوافذ
المشرعة، في القلعة، اللهبُ العُلويُّ
المدمَّى لشمسٍ كبيرةٍ تلفظ أنفاسَها
ويتفشَّى شيئاً فشيئاً، صوبَ أراضٍ
قاحلة، صوتٌ حزينٌ يبدو لي
بعيداً مع أنِّي أحسُّ بكاءَه في قلبي.
VI
ها أيلول، في قداسةِ ساعةِ المغيبِ
الرَّسوليَّة، لا يكفي المغيبَ
أن يوقِظَ، عِبرَ شجر الفاكهة الرَّحيب،
طعامَ الآلهة لكي يرشَّه رشَّاً؛
بل إنَّه يحبُّ الطَّوافَ أيضاً
بين الممرَّات المنعزلة، ممجِّداً أبَّهةَ
الحزن الذي أفشتْهُ فيَّ
نفثاتُ قصبتك الموسيقيَّة.
أيُّها الفتى بشَعرٍ من بنفسج،
وجبينٍ مطوَّقٍ بأوراق عنبٍ محمرَّة،
أيُّها الكمِدُ والآسِرُ كنصف إله،
أحسُّ، فيما الصَّوت الذي بلا كلماتٍ
يتبدَّد في فضاءات الصَّمت،
أنَّني أغرق في لجَّةِ نسيانٍ لامتناهية.
* * *
[من مجموعة "ذاتَ يوم" 1907]
بعض الرَّغبات
لا أطلبُ البهاءَ الإلهيَّ
للحلم، ولا بريقَ
الموهبة: تكفيني حياةٌ
هادئة، حياةٌ مُعدَمة.
لأجل هذا الهوسِ بالعزلة
يلزمني بيتٌ نزيهٌ مُحصَن،
جدُّ عتيقٌ ووديع،
مغمورٌ بالضِّياء والنَّسَمِ النَّقي،
مع أشجارٍ خُضْرٍ مثقلةٍ
بالثِّمار، منسيٌّ وسط دوالٍ
ظليلةٍ ملتفَّة؛ وبعيدٌ،
جدُّ بعيدٌ، عن الجميع.
بيتٌ جدُّ عتيقٌ، وأنيق،
مِضيافٌ وكما ينبغي أن يكون،
خشنٌ قليلاً وبسيطٌ على طريقة
ربَّات بيوت هذا العصر؛
وفي هذا اللياذ بالعتاقة،
في هذا النِّسيان الأرضيِّ القديم،
أشتهي وهمَ الرَّاحةِ
مِن عياءاتٍ تخيُّليَّة.
يا لِلنُّعاسات، يا لِلنُّعاساتِ الخامدة
كنعاسِ طفلٍ في مهدِه،
يا لِلَّيالي المؤازَرة بضوءِ قمر،
يا لِلَّيالي المؤازَرة بغناء الجداجد!
أرغبُ أن أكتب، دونما
جهدٍ، أبيات شِعرٍ: لكنْ أن أنثرَها
أشتاتاً، وتحكموا عليها
بطِيبةٍ وإغضاء:
أبياتاً غريبة، مقفَّاةً
على طريقتي في النَّظم،
بكثيرٍ من الكآبة
وقليلٍ جدَّاً من النَّحو:
ولِشهرٍ واحدٍ فقط
أريد أن أحيا في بذخٍ،
أن أتَّخذَ لي كنادلٍ
معلِّماً كونيَّاً
ليجعلَ في نسقٍ بهيٍّ
كلماتي الشَّاذَّة
وليخبرني أين يكون الحرفُ
مفرداً وأين مضاعفاً يكون.
يا لِغبطة البقاء وحيداً!
هذا الظِّلُّ القريب المعهود،
لَأنزعنَّ منه
المعلِّمَ الذي اتَّخذته نادلاً.
لن أصغي إلَّا
إلى الطَّبيعة، جليستي الوحيدة؛
لن أنهي أبداً
مشقَّةَ قولِ كلماتٍ منقوصة.
سأحمل معي كتاباً
خفيفاً، ليس أبداً في متناول اليد؛
وأمضي إلى الحقول رويداً رويداً
دون أن أعرف غايتي؛
الأفكار في رأسي ستمضي
كيف شئتُ لها
أن تمضي، في شواشٍ عظيم،
الأكثر جنوناً مع الأكثر اتِّزاناً:
وفي المساء، فوق الغروب،
سريرٌ بضٌّ وبعيد الغور
سيذهلني عن هذا العالم
بغوايةِ النَّوم.
ليت نظاماً بسيطاً كهذا
يكفي لأبرأ من سأمي!
لكن لعلَّ الدَّواء في حالتي
أسوأ من الألم.
لن أبرأ، يقيناً لن أبرأ،
من كلِّ هذه العذابات
التَّخيُّليَّة، حتَّى وإن
ابتعدتُ إلى قلبِ الصَّحراء؛
فالألم، واأسفي، ليس
في الخارج، بل في داخلي،
وهو مُنتَجٌ حديثٌ
كما الكهرباء:
وكمثل سُوسٍ ينخرُ
الباطنَ، دونما راحة،
وقد كان لي فيما مضى راحةٌ
ولَّتْ موضتُها الآن.
أوه، كيف أطرح عنِّي كلماتِ
الإنسان اللامجدية وأعماله
الفارغة، لأكون كلباً
يرقد بوداعةٍ في الشَّمس؟!
لأكون الورقة أو الحشرة
أو الشَّجرة أو البومة أو الأسد،
لأكون بلا عقلٍ،
وأكون بلا تفكير،
لأكون (وتلك هي الرَّاحة التي
تمنحينها، أيَّتها الطَّبيعة الأمُّ، لذلك
الكليل المتعَب)، لأكون كذلك
إنساناً، ولكن مَيتاً!
*
الموت
الموت! حجرةٌ صامتة
وسريرٌ عميق: في البعيد
شعلةُ مغيبٍ مدمَّى
تشعُّ بين المداخن المائة
لمدينةٍ مجهولة:
أن أرقدَ في سريرٍ عميق؛
أن أسمعَ مع شعورٍ لابشريٍّ
بالكرب ضوضاءَ العالَم
القصيَّة والأزليَّة والمخلَّطة:
أن أحسَّ أنَّ تهجاعاً عميقاً
لا يكفي لأستريح،
بل تلزمني سكينةٌ أرحب؛
أن أحسَّ أنَّ كلَّ شيءٍ يتلاشى
إلى الأبد، أنَّ الحلمَ يندثر
إلى الأبد، أنَّ كلَّ شيءٍ يندحرُ
إلى الأبد، كلَّ شيءٍ يمَّحي؛
أن أحسَّ الهدنةَ قريبةً؛
أن أؤدِّي العلامات المباغِتة:
الدَّم الذي يفرُّ من الوجه،
الإحساس الفائق الوصف، المبهم،
بالهويِّ في الفراغ،
بالهويِّ إلى الأبد،
بالتَّحوُّلِ فريسةً للعدم...
إحساسٌ بالجليد، عابرٌ،
ومِن ثمَّ العدم. الموت. السَّكينة.
أن أرقدَ في ذلك السَّرير العميق،
ميِّتاً الآن: على وجهي الختمُ،
ختمُ الحقيقة الرَّهيبة،
الحقيقة التي تعقد قرانها
على الرَّجل الخارج من العالَم
وتساوي بين الشَّائه والجميل،
وبين الجاهل والعالِم
في مملكة العدم الوادعة:
أن أرقدَ في ذلك السَّرير العميق،
أكثر سكوناً بعدُ
من سكونِ نائمٍ: من السُّكون
العذب الوحيد الذي
يرشحُ مِن وجه مَن لا يتنفَّس،
مِن جسدِ مَن يرتحل؛
هو ذا الوشاح الذي يصوِّرُ
بعمقٍ أكبر ملامحَ
الجسدِ الصَّارمِ الذي يغفو
إلى الأبد: ثمَّ هو ذا يتبدَّى
أوَّلُ التَّفسُّخِ
الذي يمسخ الشَّكلَ ويبدو
كما لو أنَّه استمرارٌ للموت.
أن أرقدَ في سريرٍ عميقٍ،
ميِّتاً الآن: فتلك هي اللحظة الوحيدة
للرَّاحة الحقيقيَّة في العالَم!
عمَّا قليلٍ تضمُّني الأرضُ وتخترقني
وتفتِّتُني غباراً
وتقلبني فيها وتحوِّلني
وتذروني قرباناً للرِّياح:
ولكنَّ السَّرير الذي يُمات عليه
يمنح لثمانٍ وأربعين ساعةً
السَّلامَ المطلَق، اللامتناهي.
لا شكلَ من أشكال الحياة
ينضحُ في تلك السَّاعة من أعماق
الرَّجل المصيَّر شيئاً؛
إنَّها المادَّة تستريح؛
لا تتنفَّس، لا ترى، لا تشعر:
تتحلَّل بالتَّدريج،
تتجاوزُ الوطأة الهائلة،
وطأةَ البقاء متَّحدة الأجزاء.
أيَّتها الطَّبيعة، يا محرِّكة شخوص القراقوز،
ما أبرعكِ كيف تلمِّين خيوطك
بإتقانٍ، فيظهرُ أحدٌ،
ويغيبُ آخر! تُديرين
الخيوط التي تحرِّك أقدامَ
وأيدي البشر
وتلوي أعينهم وأفواههم:
لا مناص إذاً، فإذا أزف
الوقتُ، اختفت الدُّمية التي
حان دورُها من المشهدِ إلى الأبد.
أفيطولُ بعدُ أمدُ
هذه التَّمثيليَّة الهزليَّة؟
أشعرُ أنَّني لا أكثر من كومبارس
وأنَّ لا شيء عندي أقوله.
علامَ أتخيَّلني بائداً الآن؟
أن أتحدَّث دونما موتٍ
عن هذه النَّشوة يعني أنَّني
لست مؤمناً بها حقَّ الإيمان.
آهِ أيُّها الموت، بؤسُنا
شاسعٌ: عجينتنا
التي تتألَّم وتلتمسُ النِّسيان،
صارخةً أبداً: - لا أريد
أن أموت!- تتعلَّق بالأنا
بيأسٍ فائقٍ،
كما الرَّخويات تلتحمُ
بكلِّ قواها بصخور البحر:
ما الأنا لكلِّ واحدٍ منَّا
إلَّا كمثلِ عاشقةٍ مُضجرة
تتبرَّم من كلِّ شيء،
وفي نفس الوقت لا تهبنا نفسَها؛
العاشقة التي لا تتبدَّل أبداً،
الرَّفيقة في السَّرَّاء والضَّرَّاء
والتي، مع مضيِّ السِّنين،
تصير أكثر فأكثر إلحافاً؛
العاشقة المبتذلة قليلاً
التي تتعهَّدنا بآلاف الملاطَفات
ولكنَّها غالباً
لا تستطيع معنا صبراً.
هذا ما كنت أفكِّر فيه: فيما
غروبٌ إلهيٌّ مِن ذهبٍ ومِن ورود
كان يلفُّ سلسلةَ
أبينِّيني2 الصَّخريَّة برمَّتها.
[اختارها وترجمها عن الإيطاليَّة: أمارجي]
هوامش:
1- نسبةً إلى مقاطعة إميليا في إيطاليا.
2- سلسلة جبلية تمتدُّ من شمال إلى جنوب إيطاليا على طول السَّاحل الشَّرقي.