في هذه المقابلة لبرنامج الوضع، تتحدث سلمى سمر دملوجي مع نهلة الشهال من جريدة السفير، عن تجربتها كمهندسة معمارية وفهمها لفن العمارة.
سلمى سمر دملوجي
معمارية عراقية مقيمة في بيروت حيث تعمل أستاذة عمارة العالم الإسلامي في الجامعة الأمريكية. وهي رئيسة المهندسين في مؤسسة دوعن للعمارة الطينية التي ساهمت في تأسيسها عام 2007 في حضر موت. عملت في القاهرة مع المعماري المصري حسن فتحي بين عامي 1974 و 1975 ثّم بين عامي 1983و 1984. زارت اليمن عام 1981 ضمن عملها مع الإسكوا وهناك تعرفت على العمارة الطينية في شبام وتاريم بحضرموت ومنذ ذلك الحين صار اسمها مقترنا باليمن، وهي بدأت منذ العام 2005 العمل على ترميم مباٍن هامة هناك كمصنعة عوره وقرن ماجد في دوعن، ومسجدا "الفقيه" و"غيل باوزير" في صاح. دّرست العمارة في الكلية الملكية للفنون Royal College of Arts في لندن من عام 1989 إلى عام 1994 وفي المغرب من عام 1994 إلى عام 1997. كما عملت أستاذة في Architectural Association School of Architecture في لندن بين عامي 1989 و 1997. عملت رئيسة للمكتبالفني لرئيس دائرة الأشغال في أبو ظبي بين عامي 2002 و 2004 . وهي حاصلة على عدة جوائز في مجال العمارة وفي عام 2012 حصلت على مجال العمارة، آخرها جائزة الأكاديمية الفرنسية Locus للترميم المعماري ( 2015) "الجائزة العالمية للعمارة المستدامة" من
مؤسسة في باريس.
دوَّن المقال: السفير
نهلة الشهال: قبل البدء بالعمل في الجامعة الأميركية، أين عملتِ؟
سلمى سمر الدملوجي: كنت مقيمة في بريطانيا لمدة أربعين عاماً، تركتُ العراق في عمر 17 سنة وذهبت لدراسة الهندسة المعمارية في AA (Architectural Association School of Architecture.)
تخرجت وأتيت إلى لبنان عام 1977 لكي أعمل، وكنت صغيرة ولديّ طموحات. وكنا محاطين بأشخاص ملتزمين وأناس يعملون وناشطين في جميع المستويات التي ممكن التغيير فيها أو الحلم أن نكون جزءاً من تغيير المجتمع، وتغيير المدن والقرى والريف وكافة الحركات على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية
المؤسسة التي تخرجت منها في العمارة في بريطانيا كان تعليمها ثورياً، ولحد الآن رغم تغير النمط فيها نحو النيوليبرالية، لكنها بقيت لفترة طويلة يُعرّف عنها أنها تنتج أفكاراً مرادفة وأفكاراً بديلة، وهي مدرسة بديلة للعمارة. فلا بد أن من يتخرج منها بعد خمس سنوات سيأتي بأفكار بديلة وطموحات ثورية في العمارة. لهذه الأسباب شعرت في وقتها أن عودتي إلى لبنان كانت مناسبة رغم أن أهلي ضد المشروع، وخاصة والدي بسبب الحرب. وكان البلد في فترة ما بعد تل الزعتر ومقتل كمال جنبلاط. كانت فترة صعبة جداً، لكن في نفس الوقت كان الشباب (والذي كنا جزءاً منه) لديه أمل كبير في التغيير أو التغير والثورة القائمة بجميع أشكالها، إن كانت لبنانية أو فلسطينية أو عربية. كان لبنان مركزاً مهماً جداً في تلك الفترة لجميع الوافدين من العالم، إن كانوا مغتربين أو ممن يعانون الغربة القسرية والطوعية، وكان هناك عرب وأجانب وعراقيون وسوريون. السوريون هم جزء من أهل المنطقة، بالإضافة إلى مصريين وتونسيين، فكان لبنان محطة للتبادل والتفاعل، والجو كان مغرياً جداً، وكان هناك إمكانية للعمل. اشتغلت فترة قصيرة في دار الهندسة وشعرت بملل شديد، وراجعت نفسي وقلت أنني تعلمت 5 سنوات ليس لكي أجلس خلف مكتب أصمم برادات مثلجة لشركة في اليمن، فتركت دار الهندسة من غير أن أخبرهم السبب.
أحببت أن أدخل التعليم، وعلّمت في الجامعة الأميركية اللبنانية وعلّمت في الجامعة اللبنانية في قسم الآثار مادتين: واحدة عن الخط العربي الإسلامي- وكان لدي شغف كبير في العمارة والفنون الإسلامية كجزء حي نحييه ونعيد صياغته في تفهمنا لمبدأ العمارة العربية والإسلامية بشكل عام، ليس من منطلق متحفي ولكن من منطلق حي معاصرAA ومستقبلي. ومادة أخرى في الهندسة الإسلامية وطريقة تطبيقها، وكان ذلك غريباً نوعاً ما للطلاب، ولكن ليس غريباً بالنسبة لي لأنني تمرّست فيه ودرسته مع بروفسور في اسمه كيث كريتشلو، كاتب لعدة كتب عن الموضوع، والآن أفكر فيه وأعتبره نابغة. كان شيئاً جيداً بالنسبة لي أن درست معه في الدراسة المعمارية كما أن الدكتوراه تابعتها معه أيضاً.
عملت في لبنان لمدة وسكنت فيه، كما ذهبت إلى مصر لأنني كنت أعمل مع حسن فتحي وهو مهندس معماري عملت معه لفترة سنة كتدريب بين المرحلة الأولى والثانية في العمارة. ولكن بسبب حماس رئيس الجامعة والأستاذة قرروا احتسابها كسنة إضافية وكأنني درست أربع سنوات. تخيلي أنه في عام 1977 في بريطانيا يعرفون حسن فتحي ويقدرون أهميته في العمارة الطينية والعمارة الإسلامية، بينما مازلنا هنا لا نعرف حتى الآن من هو هذا الشخص. هنا الفارق الموجود
Beaux Arts رجعت إلى لبنان ودرست في الجامعة اللبنانية وال
والجامعة الأمريكية اللبنانية لمدة سنة أو سنتين وفي نفس الوقت استلمت عملاً في مؤسسة كنت جزءاً من تأسيسها، وهي لترجمة كتب أو أي شيء مكتوب عن العمارة الإسلامية والعربية من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، وشكلنا دار المثلث وكنت مسؤولة عن التصميم. لذا أعتقد أن دراستي المعمارية كانت شاملة ومكنتي من العمل (graphic design) كمصممة غرافيك، وأعمل تصاميم لكتب من غير أن أعرف ما هو اسم هذا العملبالنسبة لي هذا شيء عادي وبديهي أن أقوم به لمجرد أنني كنت أرسم، ومكّنني من العمل مع القائمين في المكتب للعمل على ترجمة الكتب. وكان ضمن مسؤولياتي العمارة العربية والإسلامية. عملت كتاب تلوين للأطفال عن الخط العربي، وقمت بكتاب عن الزخارف الهندسية، وحصلت على جائزة في معرض الكتاب في بيروت عنهما سنة 1981 وهو كتاب مهم جدا عن المبادئ الهندسية Geometric Concepts in Islamic Art and Architecture كنت أتكلم مع عصام السعيد بخصوص ترجمة كتابه بالتصميم المعماري والتصميم الفني الإسلامي.
نهلة الشهال: كيف رجعتِ إلى لندن؟
سلمى سمر الدملوجي : عندما حصل الاجتياح الإسرائيلي كنت متزوجة ولديّ ولد، وكان زوجي مضطراً لترك لبنان، فتركنا لبنان وعشنا في مصر لمدة سنة. لكن قبل أن أترك لبنان، شعرتُ أنني أريد ان أتخطى نقطة محددة قد وصلت لها في ذلك الحين. الذي حصل أنني ذهبت الى اليمن، لكن قبل عندما كنت في لبنان أتاني عرض للعمل في الإسكوا (أي اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا) وتقدمت لوظيفة مهندس معماري. واستغرب مصطفى الجاف في وقتها (رئيس قسم المستوطنات البشرية) لماذا أنا أتقدم الى هذه الوظيفة في الوقت الذي ليس هناك مهندسون يتقدمون الى هذه الوظيفة التي تتطلّب الذهاب إلى اليمن. قلت له وقتها إنني منذ سنة 1974 أنوي الذهاب إلى اليمن لأنني مهتمة بالعمارة الطينية نتيجة عملي مع حسن فتحي وأهتم بـ Earth Archietcure
توظفت في وقتها وذهبت إلى اليمن وأحسست أنني أريد أن أكمل الطريق الذي بدأته في العمارة. الوضع في لبنان كان قد أصبح سيئاً جداً. أكملت في التعليم ومع الإسكوا حتى قرروا الانتقال الى العراق سنة 1981. عندها كان زوجي في مصر فقررت الالتحاق به، وكانت مناسبة جيدة للعمل مع حسن فتحي من جديد. وكان حسن فتحي شخصاً عزيزاً عليّ جداً وقريباً جداً مني مهنياً وتأثرت به وبعمله كثيراً. إلى اليوم، الأعمال التي أقوم بها أعتبر أنه هو وآخرون لهم أثر كبير في تكوين تفكيري وفي تشجيعي، وهو من شجعني للذهاب إلى اليمن. لكن حتى أستطيع العودة إلى اليمن (وكنت أعمل في اليمن الجنوبي) كان العمل صعباً وكان كل شيء صعباً واليمن الجنوبي في وقتها كان اسمه كوبا في الشرق الأوسط، بما معناه أن اليمن أحمر، فكانت أية كلمة شيوعي أو اشتراكي أو أي كلمة سيئة تلصق في اليمن الجنوبي، أنا في وقتها كنت مهتمة في شكل المدن الموجودة في حضرموت.
كنت ما زلت في لبنان وقررت أن أقوم بدراسة الدكتوراه، وكان من الطبيعي أن أقوم بهذه الدراسة في بريطانيا بما أنني عشت فيها سابقاً من عمر 17 فرجعت إلى بريطانيا ودرست الدكتوراه في Royal College of Arts
في المناسبة، وقت ذهبت في 1984 إلى بريطانيا بعد تجميع مواد من خلال العمل في اليمن ومن خلال البحث والتصوير، كونت ملفاً كاملاً حيث أنني استمريت لسنتين في لبنان في البحث وتجميع المعلومات والصور عن اليمن. ومن هذا الزخم الذي كان لدي تكونت مادة الدكتوراه بعنوان
".The Architecture and Town Planning of Two Cities in Hadramout: Chibam and Terim"
نهلة الشهال: سأعود إلى اليمن لكن أريد أن أعرف ما هي مقاربتك الخاصة بالعمارة؟ تحبين الفن وتقولين إن الفن الإسلامي هو فنّ حيّ، وليس للمتاحف فقط، هل أنتِ تتبنين مفهوماً محدداً للعمارة؟ أنتِ رممتِ في اليمن جزءاً من المباني كجزء للحفاظ على التراث وعلى الإبداع؟ هل لديك فهوم خاص بك أو جزء من تيار للعمارة والعمران ؟
AA سلمى سمر الدملوجي: لديّ قصة أحكيها وأكررها بأكثر من مناسبة ومقابلة. الموضوع سهل جداً بالنسبة لمفهومي في العمارة. كما ذكرت سابقاً، أنهيت دراستي في عدت إلى بيروت بعد أول سنة، وكان لديّ همّ إخبار والدي (الذي كنت على علاقة وطيدة وعلاقة فكرية به) أنني غير مهتمة بدراسة العمارة، وأعتقد أنني أريد ان أدرس شيئاً آخر، لكنني لا أعرف ما هو وكنت في حيرة من أمري. ولم أفتح الموضوع مع والدي لأنني كنت في حيرةٍ من أمري. عندها، وبالصدفة تعرفت إلى صديقة في وقتها أي عام 1971 في بيروت، وعندما عرفت أنني أدرس العمارة قررت إعطائي كتاباً لأقرأه لأنه قد يهمني. كنا كمعماريين مهتمين بالرسم والموسيقى أكثر من القراءة، لكنها أعطتني كتاباً اسمه العمارة للفقراء Architecture for the Poor، كان الكاتب هو حسن فتحي، ولم أكن قد سمعت به في حياتي من قبل. وأخبرتني أنها تسكن في مصر وأن هذا الكتاب لديها وستعيرني إياه وأنها تحب أن اقرأه وتحب أن أزورها في مصر من أول مرة تعرفت عليها أو التقينا. كان أخوها صديق لي وذهبت لزيارته في البيت وهكذا حصلت القصة، أخذت الكتاب وبدأت بقراءته ليلاً وعندما أنهيت المقدمة فهمت أنني أحب العمارة لكن الآن فهمت أي نوع عمارة أريد أن أدرس. وانتهى الموضوع وقررت ماذا أريد وإلى أين سأذهب.
نهلة الشهال: أخبرينا ماذا فعلتِ في اليمن؟
سلمى سمر الدملوجي: اليمن قصة طويلة. سنة 1974، في وقتها كنت أذهب الى السينما وأحب السينما وشاهدت فيلماً لبازوليني، وكنت أشاهد كل أفلامة وأتابع الإيطاليين والفرنسيين. كان الفيلم بوقتها اسمه ألف ليلة وليلة، وتفاجأت في وقتها. أذكر جيداً إحساسي وأنا أجلس في قاعة السينما وأين كان المكان والتاريخ. عندما رأيت مشاهد اليمن التى مرت في الفيلم أمامي أحسست أنني أمام رهبة عظيمة من الجمال والكمال والقوة في التعبير المعماري كونها عمارة طينية في زبيد وصنعاء، وهذا في ال1974 وهذا مبكر لأنه عندما حصل مهرجان العالم الإسلامي وكانت نقطة مهمة في التاريخ المعاصر للفن والعمارة الإسلامية ومقامها للعالم الغربي عام 76 بينما بازوليني عرضه في 74- 75 من منظور معين. الآن نراه بطيئاً، لكن من وقتها رسخ في رأسي أنني أريد أن أذهب للعمل في هذه البلاد. كنت في وقتها في السنة الثانية او الثالثة من دراسة العمارة وكنت قد تعرفت على حسن فتحي ومن بعد ما قرأت كتابه التقيت به في قهوة بيروت إكسبرس. فاليمن قديمة في حياتي وعندما ذهب إلى اليمن في ال81-82
شعرت أنّ هذا الشيء جزءٌ مني.
نهلة الشهال: آخر مرة ذهبتِ إلى اليمن؟
سلمى سمر الدملوجي: في شباط عام 2013
نهلة الشهال: اشتغلتِ كثيراً في اليمن وحصلت على جائزة عالمية على عملك فيه وعلى الكتابة حول اليمن، كيف ترين علاقتك الحالية باليمن؟
سلمى سمر الدملوجي: كنت دائماً أقول لفترة طويلة، ولأن أبي تاريخه الماضي كان سياسياً متعلقاً بالحكم البائد في العراق (نوري السعيد)، كان يمنع أي أحد في البيت أن يكون له علاقة أو شغف بالعمل السياسي، في وقت كان هو من علمنا السياسة، وهو من كان يخاطبنا بالسياسة. لكن أنا تعلّمت ولفترة طويلة في بريطانيا أن تكون كل الأعمال التي أقوم بها أرفع من السياسة، ولهذا السبب كل أصدقائي كانوا بأحزاب ومنظمات ومقاومة لكن أنا عمري شخصياً ما كنت منتمية لأحدها. وكنت دائماً تابعة لمؤسسات مستقلة، ساعدتني في التنقل وفي إعطائي سيارة وإقامة للعمل. أي تخريب سياسي مثل هذا الحاصل اليوم للأسف في اليمن أو العراق لا يمكن أن يقطع صلة إنسان ببلد أو مجتمع أو بعمارة أو مدن هو عشقها وعاش فيها. أنا إذا قالوا لي غداً أنهم ينتظرونني في اليمن بالتأكيد أذهب إلى هناك. حتى أنني أذهب من تلقاء نفسي دون دعوة من أحد. أما الآن فلا أريد أن أذهب إلا للقيام بشيءٍ محدد، وكنّا لحد الآن في حضرموت محميين، ولا قصف هناك، لكن للأسف وصلني أن هناك قصفاً في شيبام وتضررت مبانٍ فيها. شيبام هي أقدم مدينة لناطحات السحاب بالعالم، وهي مبنية في وادي حضرموت في اليمن. البيوت فيها من 7 أو 8 طوابق مبنية من الطوب النيء غير المحروق. وبغضّ النظر عن التخريب، من المهمّ أن نعرف أين توجد الحاجة لوجودنا. وأنا أعتبر أن من أهم المنظمات التي تتمتع بالنبل في الوقت الحاضر هي منظمة أطباء بلا حدود، ولو كنتُ طبيبة لكنت التحقت بهم بالتأكيد. بينما أنا معمارية، وأتمنى أن أستطيع أن أقدم ولو شيئاً من خلال التعليم لجيل من الممكن من بعدي أن يقدر على تقديم أي شيء لم أستطع فعله. بالمقابل أنا في اليمن أو في أي بلد أذهب إليه أذهب لسبب واحد وهو إمكانية أن أساعد وأسأل نفسي بماذا يمكن أن أساعد، إن كان بصنعاء أو حضرموت أو غيرهما لا يهم، إن كان في الإعمار أو في إعادة الإعمار.
نهلة الشهال: ما هي ملاحظاتك حول تعليم العمارة في لبنان كونك أستاذة في الجامعة الأميركية؟ وهذا أمر مهم في ظل الحديث عن الاستمرارية والنقل بين الأجيال.
سلمى سمر الدملوجي: استغربت أمراً وقت مقابلة العمل في الجامعة الأميركية، وقتها اللجنة سألتني أنني قد درست في العالم ولدي كتب ألّفتها وخبرة فما الهدف من التعليم في الجامعة الأمريكية؟ كان سؤالاً غريباً، حتى عندما التقيت بالأساتذة، هناك من كان لديهم تساؤل حول أنني قد درست في بلاد وجامعات مشهورة والآن أتيت إلى هنا وإلى هذه الجامعة. قلت في وقتها إنني أتذكر شيئاً قاله لي حسن فتحي عندما أتى إليه السّادات لكي يبني بيتاً في أسوان على أساس أنه يعتبر نفسه الفلاح المصري الأول. كنت طالبة وما زلت صغيرة وكنا ضد الرجعية، فكانت ردة فعلي وقتها أن قلت له "حسن بيه، كيف ستبني للسادات ونحن نعمل للفقراء والمجتمعات المعدومة؟" أجابني "عندما يأتي الأمير حتى أبني له بيتاً أصبح أنا الأمير وأصمم على اعتبار أنني حسن الأمير، وعندما أصمم للفلاح أصبح أنا الفلاح الذي يصمم للفلاح". هذا هو مبدأنا كمعماريين. في النهاية أنا قلت لهم هذا الشيء في المقابلة ولا أعرف ما فهموه من هذا الكلام، لكن أعرف أنه صحيح جداً. إنني عملت سنيناً كثيرة في الغرب لكنني وصلت لقناعة: في الذي اسمه الغرب، كنت أعلّم الحضارة الطينية والمهتمون بها أكثر من بلادنا، وأعلّمهم عن حسن فتحي وأعلمهم عن العمارة الإسلامية وأعلّمهم عن التصميم geometric formation and configuration الهندسي
أي ما يسمّونه في العربية الزخارف- وهي تسمية متخلفة لأن هذا نظام هندسي، وهو علم له علاقة بالشعر واللغة والمقرنص والتعقيد والفلسفة، لأن من بدأ بوضع أسسه الإغريق كما الكندي والفارابي وإخوان الصفا.
إذاً أتيت للتعليم هنا وأنا فرحة جداً بذلك بأن لدي كل هذه الخبرة في نشر 12 كتاباً عن العمارة في المنطقة فمن المفترض أن يكون لي تلامذة في المنطقة، وفي مدرسة مثل الجامعة الأميركية، وأن تكون بأفضل موقع حتى أقدر أن أعطي وأتخلى عن كم هائل من البحوث والمعلومات التي كنت لفترة طويلة أتابعها (ربما لمدة 40 عاماً)، وكان هناك AA نقطة أنني في بريطانيا درست في الدراسات العليا وأغلب تلامذتي هم في هذه المرحلة، ماجستير أو دكتوراه. لكن الفرق في جامعة مكان تعلمي الماجستير والدكتوراه، حيث كانت المحاضرات والمادة مفتوحة لكل الجامعة والتلاميذ من كافة أنحاء الجامعة يأتون لحضور المحاضرات حول العمارة العربية. كل ما ذكرته أعتقد أنه من الممكن الاستفادة منه هنا وقد بدأت بإعداد مقدمات وبرنامج للدكتوراه في قسم العمارة والآن نعمل على برنامج للماجستير
المعمارية حول Region Architecture.
وبالتأكيد لديّ بالإضافة إليّ زملاء متخصصون ومشاركون في هذا البرنامج وفي ال Sustianable Architecture التي اعمل عليها كثيراً.
أخدت جائزة Global Awarad بهذا الشأن.
إذاً فما أقوم به في العمارة الطينية أقوم به في العمارة المستدامة، إذا أدخلنا تخصصاً في العمارة المستدامة والبيئة كذلك تخصصاً في التكنولوجيا والتصميم. أشعر بالغبطة أنني استطعت أن أقدّم شيئاً ما في هذه الفترة القصيرة بالطبع. البرنامج يحتاج إلى وقت للحصول على الموافقات والعمل به، لكن على الأقل استطعنا أن ندخل برنامجاً جديداً في العمارة. الأهم من ذلك أنني أقوم بإعطاء مادة في العمارة والثقافة، أي ليس في التاريخ، لأن التاريخ يحتاج إلى فهم لمعرفة معناه، والتلامذة يعتقدون أن التاريخ شيء مملّ ويدرسونه فقط لأنهم مرغمون على دراسته في السنين الأولى. لذا أستعمل كلمة ثقافة وأدخل مفهوماً وأقدّم مادة حول الهندسة الإسلامية ضمن مفهوم الثقافة. وفي (Adare) هذه المادة أذهب بهم إلى مدينة فاس مثلاً، فيبقون هناك لمدة أسبوع، ونقوم بمشاريع مع مؤسسة إعادة التأهيل في فاس والتي اسمها أدار.
بحيث أن هذه المشاريع تقدم في نهاية المادة، وتكون العلامة عليها، ونبعث بهم إل (Faceless) وانا فخورة بتلامذتي من هذة الناحية.
نهلة الشهال: هل يشعرك هذا أو يشعر تلامذتك بالتناقض بين ما يدرسون وبين المدينة التي يعيشون فيها؟
سلمى سمر الدملوجي: واحدة من تلامذتي عندما كنا في فاس دخلنا إلى مدرسة البوعنانية، وكنا نزور المدارس في الطريق. ولأنّ المشاريع هي في فاس القديمة، نبقى هناك لمدة أسبوع. فعندما دخلنا إلى أوّل الطريق كانت مدرسة العطارين، فقالت "لماذا يدرسونا عن le Corbusier وما بدرسونا عن هذا الشيء؟"
نهلة الشهال: شكرا سلمى سمر الدملوجي على هذه المقابلة.