[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول الفن التشكيلي والثوات العربية. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
مع انطلاق ثورات الربيع العربي عم التفاؤل الشعوب العربية وبالذات في فلسطين حيث أن المستهدف الأساسي من هذه الثورات هي أنظمة بالية تعيش من خلال القمع الوحشي من ناحية ومن الناحية الأخرى مغازلة الدول الاستعمارية القديمة - الحديثة، وفتح المجال لها لاستغلال الشعوب العربية وإبقائها ضعيفة وفقيرة حتى لا تشكل خطرًا على إسرائيل وسياساتها التوسعية في المنطقة.
إن المتضرر الأكبر من سياسات الأنظمة العربية هو الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يرزح تحت نير أبشع وآخر استعمار في التاريخ المعاصر. ومن هنا كانت حالة التفاؤل في تغير الأحوال وإعادة القرار إلى الشعوب العربية والتي لا يمكن لها إلا أن تعمل على تأمين مصالحها وتقدمها والحفاظ على كرامتها.
أما في مجال الثقافة بما فيها الفن التشكيلي فقد عملت هذه الأنظمة وبتوجيه من الدول الاستعمارية على محاولة إبعاد الفنانين والمثقفين بعامة عن التعبير عن مشاكل وتطلعات الشعوب العربية من خلال تبني وتشجيع توجهات تزيينية أو غرائبية أو مغرقة في الذاتية وخلق سوق فني غالبيته من دون جذور أو مرجعيات سوى ثلة من "الخبراء الأجانب " ومبني على التقليد والموضة بهدف تحويل الفن إلى سلعة وفن للنخبة.
ومن التأثيرات الإيجابية لثورات الربيع العربي برز فن جماهيري رائع في كافة مجالات الفن وخاصة الرسم على الجدران والنحت والفن الرقمي والتصوير الذي يعالج حالات الألم والغضب وكذلك الأمل في مستقبل أفضل والحنين إلى الحرية. وهنالك أمثلة كثيرة في كل من الفن السوري والعراقي والمصري وعند غيرها من الشعوب العربية.
أما بالنسبة لتأثير هذه الثورات على عملي الفني فقد كان شعوري بالألم والحزن وخيبة الأمل من التطورات الدموية التي سلكت فيه هذه الثورات خاصة في السنوات الأخيرة حيث فقد اللون في أعمالي الفنية رونقه وحتى وجوده وسيطر اللون السكوني بدرجاته على أعمالي الفنية وبطريقة تدريجية واكبت صور الدم والدمار المتسللة إلى بيوتنا من خلال أجهزة التلفزة.
إن المنحى الدموي والتدميري الذي سلكته هذه الثورات خفف كثيرًا من حماسة الناس للربيع العربي للأسف، ولكن مهما كانت النتائج فإن الشعوب العربية عرفت السبيل وفتحت ثغرة كبيرة في جدار القمع والذل وتنسمت ريح التغيير والحرية من خلال هذه الثغرة التي حفروها بالدم والنار ولا مجال لإعادة التاريخ إلى الخلف.
*************
سليمان منصور في سطور:
يعد الفنان سليمان منصور أحد أبرز الفنانين الفلسطينيين، رسّخ طوال مسيرته الفنية منذ أربعين عاماً نفسه كفنان معترف به عالمياً يكرّس فنّه للتعبير البصري عن الهوية الفلسطينية.
ولد منصور في بلدة بيرزيت شمالي رام الله عام 1947، درس فنون التصوير في أكاديمية بتساليل بمدينة القدس ما بين 1967- 1970، عمل مع "جمعية إنعاش البيرة للفنون الشعبية الفلسطينية" لمدة عامين 1985-1987، مُساهمًا في تأليف كتابين: "الملابس الشعبية الفلسطينية"، و"دليل التطريز الفلسطيني".
شغل منصب مدير مركز الواسطي للفنون ما بين 1995- 2000، ثم عمل في حقل التدريس كمحاضر نشط، ومدرس للفنون في جامعة القدس منذ العام 2000، وهو من أعضاء الهيئة التأسيسية للأكاديمية الدولية للفنون في فلسطين.
أقام مجموعة من المعارض الفردية الشخصية والجماعية داخل فلسطين والمدن العربية والعالمية الشرقية منها والغربية، وحاصل على جوائز عديدة عربية ودولية.
بدأ اسمه يلمع اوائل السبعينات، بعد اشتهار عدد من لوحاته وأهمها وأكثرها انتشارًا "جمل المحامل" وهي تمثل حمالًا يحمل على ظهره القدس بطهارتها وقدسيتها، تنتسب لوحاته إلى أكثر من أسلوب، لكنه أستطاع أن يطبع لوحاته بشخصيته، ومعظم أعماله اعتمد الرمزية والرمزية السريالية ذات القاعده الواقعية بالإضافه إلى التصوير. وأسست لوحاته التصويرية الزيتية والمائية ومتعددة الخامات والصنائع التقنية، لولادة اتجاه فني تشكيلي داخل فلسطين المحتلة وخارجها.
عمل سليمان منصور في مجالات فنية أخرى هامة، منها إقامة نصبين تذكاريين من تصميمه، نفذ الأول بمشاركة زميله الفنان نبيل عناني والثاني في مدينة بيت لحم، كما اشترك مع زميله نبيل عناني في عمل هام وهو توثيق الوحدات الزخرفية في التطريز الفلسطيني في كتابين صدرا عن "جمعية إنعاش الأسرة" بفلسطين.
ومنصور مصور بارع، وفي رصيده عدد هام من الملصقات السياسية، لعل أبرزها ذلك الذي وصف فيه ملامح ثلاثة أطفال فلسطينيين يجلسون على جدار وفي الخلفية رسم الفنان أطفالا آخرين من بلاد عديدة مختلفة غير عربية، وهؤلاء الأطفال يلعبون ما عدا الأطفال الفلسطينيين الجالسين على حائط ولا يشاركون في أية ألعاب يمارسها الأطفال الآخرون.
تأتي تجربة منصور الجديدة، التي تناول فيها (الجدار العازل) استمرارًا لمسيرته الفنية، لتشكل المعالم الكبرى لأدائه التشكيلي المرتكز على الموهبة والمرجعية الأكاديمية والخبرات التقنية والمهارات الأدائية، حيث استطاع خلال هذه المسيرة إثبات ذاته على الساحة التشكيلية الفلسطينية، والعربية والدولية. وعملية الإبداع عنده لا تقتصر فحسب في دلالاتها الفنية الثقافية، بل تذهب إلى أبعد من ذلك: إلى التنبه لأهمية الفن التشكيلي سلاحًا ثقافيًا مهمًا في مواجهة الاحتلال، لأن الفن عنده تمثل لتحقيق الوجود والحرية. وقد خاض غمار معركته الوجودية، والدفاع عن هويته العربية الفلسطينية من خلال ما أوتي من موهبة مفتوحة على التعلم، وقدرات فنية تشكيلية مدربة وخبيرة. ومدافع شرس عن مقومات الهوية الفلسطينية، ومحاولات الطمس الصهيونية المتكررة للتراث الشعبي الفلسطيني، عِبر مقاومته الفاعلة على جبهة الثقافة. وقد استُدعي عدة مرات من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لاستجوابه ووضعه تحت المراقبة وصُودرت لوحاته أكثر من مرة.